Al-Quds Al-Arabi

مبروك كرشيد: تونس لم تكن بعيدة عن حكم العسكريين وتواضع التجربة السياسية لسعيّد أثر سلبا على الدولة

«حان الوقت لتغيير «برلمان الضجيج»... وحكومة المشيشي تشكّل عبئا على البلاد»

- تونس - «القدس العربي» من حسن سلمان:

قال الوزير السابق ومســاعد رئيس البرلمان التونســي، مبروك كرشــيد، إن تونــس لم تكن بعيــدة عن حكــم العســكريي­ن، مشــيراً إلى أن الجنــرال حكمــوا البــاد لربع قرن خــال عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، كما انتقد -من جهة أخرى- تواضع التجربة السياســية للرئيــس قيس ســعيد والــذي اعتبــر أنه هدد الدولة، مشــيراً إلى أن الأخــاق ونظافة اليد لا تكفي لإدارة شؤون البلاد.

وانتقد أيضاً حكومة هشــام المشيشــي الذي قال إنها لم تحقق أي إنجازات وباتت "عبئاً" على البلاد، وعبر عن تأييده إجراء انتخابات برلمانية مبكرة علــى اعتبار أن البرلمــان الحالي لم ينتج سوى "الضجيج"، لكن قال إن ذلك يجب أن يأتي بعد تعديل النظام السياسي والقانون الانتخابي في البلاد.

وقال النائب مبروك كرشــيد، في حوار خاص مع "القدس العربي": "تونــس لم تكن بعيدة عن حكم العســكريي­ن إطلاقاً، فبن علــي كان جنرالاً وحكم 23 ســنة كاملة، ولم يكن الجنرال الوحيد الــذي حكم تونس، حيــث رافقه عــدد كبير من الجنرالات والقيــادا­ت العســكرية وخاصة في الســنة الأولى، وكانت جل الوزارات الحساسة في تونس محكومة بعسكريين على غرار الحبيب عمار وزيــر الداخلية ومصطفــى بوعزيز وزير أملاك الدولة ووزيــري الخارجية والعدل أيضاً، بالتالــي كان الجنرالات موجودين في الســلطة طيلــة حكم بن علي. وفي عهــد بورقيبة، كان بن علــي العســكري الوحيد الموجود في الســلطة، والذي وصل في الأمر في نهاية المطاف إلى رئاسة الجمهورية".

وأضــاف: "لا مشــكلة في وجود عســكريين ســابقين في الســاحة السياســية، فطالمــا أنهم يريدون المســاهمة -بعد تقاعدهــم- في الحياة السياســية باعتبارهم مدنيــن -وإن كانت لهم خلفية عسكرية ســابقة- فهذا أمر عادي، فكولن باول، وزيــر الخارجية الأمريكي الســابق، كان عســكرياً ودخل الحيــاة السياســية بعد ذلك، والكثير من الجنــرالا­ت في العالــم تقاعدوا من الحياة العســكرية للدخول في الحيــاة المدنية،

وبالتالــي الحديث عن عســكرة السياســة غير صحيح، فالعســكري­ون هم مواطنون تونسيون ومــن حقهم -بعد تقاعدهم- المســاهمة في بناء بلادهم من مواقهم".

وفيمــا يتعلــق بتقييمــه لأداء الرئيس قيس ســعيد، قال كرشــيد: "يرى البعــض أن نقص تجربة الرئيس قيس سعيد في الحياة السياسية وقدومه من ميدان بعيد عن السياســة هو نقطة قوته وأنا أعتقد أنه نقطة ضعفه، فالإنسان الذي يأتي من عالم التدريــس والمحفظة -دون المرور ببعــض المراحــل التمهيدية- يكــون اصطدامه بالواقع شــديداً، وهــذا ما وقع مع ســعيد الذي لم يعــرف كيف يدير العملية السياســية، وجاء برئيســي حكومة مُنيا خلال ظرف وجيز بفشــل ذريع، كما أن الوزراء الذين أتــى بهم للحكومة، هم الأضعف في حكومتي الفخفاخ والمشيشــي، وهذا كله يأتي نتيجة عــدم فهم الرئيس للعملية السياسية وعدم وجود كادر سياسي إلى جانبه، وبالتالي أداء رئيــس الجمهورية الذي يفترض أن يكون موحــداً كان بالعكس مفرقــاً وتنقصه الحنكة". وأضاف: "عندما أقارن أداء قيس سعيد بأداء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أجد أن قائد السبســي كان يســتطيع أن يتعالى على المراكز الصغيرة من أجل وحدة تونس، وهو الأمر الذي فقدناه في هذه المرحلة ونتأســف أن رجلاً بالثقة التي حظى بها قيس ســعيد وبمســتوى أخلاقــه )والتــي أحترمه مــن أجلهــا( تخونه التجربة إلى هذا الحد ويهدد الدولة بعدم وجود تجربــة عميقة في جرابه يســتطيع مــن خلالها إدارة شؤون البلاد بصفته الرجل الأول الضامن لوحدتها ودستورها".

وكان مجلس القضاء العدلي قرر إنهاء إلحاق القضاة برئاســتي الجمهورية والحكومة وهو ما اعتبره البعــض بمثابة "انتفاضة" لممثلي العدالة ضــد الطبقــة الحاكمة فــي البلاد، فيمــا اعتبر آخرون أنه محاولة للاصطفاف خلف أحد طرفي "الصراع" بين رأسي السلطة التنفيذية، وخاصة أنه يأتي بعد إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد.

وعلق كرشيد على ذلك بقوله: "هو قرار جريء وســليم ويجب تثمينه لأن القاضي مجبور على الحياد، وعندما يتجه إلى السلطة التنفيذية فهو يصبح شــخصاً محل تجاذبات ويفقد حياديته، ورؤيتــه الحياديــة للمواضيــع التي يعيشــها التونســيو­ن، بمعنى أنــه يفقد زاويــة الحياد

والاســتقل­الية لينخرط في عملية سياسية تبنى علــى التناقضات والجدل والاختــاف والعداء، وبعد ذلك لا يمكنه العودة للعمل في القضاء دون أن يكون محمــاً بأعباء فترة منهكــة في العمل السياسي وســيضمر -ككل البشــر- أشياء قد تؤثر على نزاهته، وبالتالي إما أن يبقى القاضي قاضيــا أو يغادر هذه المهنة إلــى غير رجعة. وقد طالبت بهذا الأمر منذ ثلاث سنوات، وكنت أرفض التصويــت لكل وزيــر أتى من خلفيــة قضائية، على اعتبار أنه ســيفقد حياده ولن يفيد السلطة التنفيذية في شــيء ولن يفيــد القضاء بعد ذلك في شــيء". وحول تقييمه لأداء حكومة هشــام المشيشــي، قال كرشــيد: "هي حكومة مشــلولة وحكومة عبء على نفسها وتونس، لأنها تشتغل بنصف إمكانياتها، كما أنها لم تســتطع أن توفق بتوحيد الســلطة حولها وتجميعها، سواء كانت سلطة تشــريعية أو تنفيذية )رئاستا الجمهورية والحكومة(، وهي أول حكومة تتعرض لنقد لاذع منذ تأسيســها، وخرجت في مشهد مشوه، سواء من خلال رئيــس الجمهورية الذي طالب المقربين منه بمنع التصويت لها، أو بالصورة المسيئة لهذه الحكومة عندما ظهر الائتــاف الذي يقف خلفها يوم التصويت، وهي صــورة صادمة لنا جميعها وجعلت الانطباع حول هذه الحكومة سيئاً".

وأضاف: "الحكومة جــاءت على ميزانية تكاد تكون مفلســة ووضع اقتصادي متــردٍ وكورونا تعصف بالبلاد كما لــم يعصف بها وباء من قبل. وبالتالي هــي حكومة لــم تأتِ بحلــول للوباء وللماليــة العمومية والآن هنــاك تداعيات أمنية خطيرة للبلاد، هي حكومة لم تســتطع أن تنجز شيئاً ولم يوفر لها المجتمع مناخ الإنجاز، بالتالي أصبح عبئاً ثقيلاً على تونس ويجب تخفيف هذا العبء مهما كانت الظروف".

كما عبّر عن تأييــده للدعوات المطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، مشيراً إلى أن البرلمان الحالــي "لم يعد منتجاً، وهو -برئاســته وكُتله الموجودة حاليــاً- هو برلمان ضجيــج ولا ينتج لا قوانــن ولا غيرها، وهو الأكثــر إثارة لغضب التونســيي­ن منذ أن وجدت البرلمانات في البلاد، وهذا البرلمان يجــب أن يُعاد انتخــاب أعضائه من جديــد، ولكن على قاعدة جديــدة هي قاعدة تغيير النظام السياســي وتغييــر القوانين التي تنظم وجود وحياة البرلمان، ماذا يعني أن نجري انتخابات جديدة بنفس القوانين الحالية، يعني

سنعيد إنتاج نفس المشكلة ولن نجد حلولاً. لا بد من الدخول في حــوار وطني حقيقي وجدي لحل المشــكلة السياسية، فمشــكلة تونس بالأساس هي مشــكلة نجاعة حكــم، فالحكــم ديمقراطي ولكنه ليس ناجعاً، يجب أن نضيف للديمقراطي­ة النجاعة، حتى يصبح لدينــا حكم قادر على حل مشاكل التونسيين".

وأثار اقتحام نواب من حزب قلب تونس لمكتب قاضــي التحقيق بالقطب القضائــي الاقتصادي والمالــي، أخيــراً، ومطالبتهــ­م بإطلاق ســراح رئيس الحزب نبيــل القروي، جدلاً واســعاً في تونس، حيث اعتبــر البعض أنه محاولة من قبل السياســيي­ن للضغط على القضــاة والتدخل في عملهم.

وعلق كرشــيد على ذلك بالقول: "توجه نواب قلب تونس للقضاء والمطالبة بإطلاق سراح نبيل القروي هو حمّال أوجه، فإذا نظرنا له من زاوية أن الغايــة منه هــي تبليغ صوت نبيــل القروي للقضاء مــن خلال القول بأنها عملية سياســية، فربما يُفهــم هذا في إطار الانضباط الحزبي، وإذا فُهم منه الضغــط على القاضــي وتخويفه فهذا أمر مرفوض. عموماً أعتقد أن القاضي التونســي له من وســائل الحماية مــن الضغوط )وخاصة اســتقلالي­ته المحفوظة ضمن القانون الأساســي

للقضــاة( ما يجعل رفع أي شــعارات أمام مكتبه مــن قبل نــواب وغيرهــم لا تخيفــه، والقضاء التونســي لا يخضع لهــذه الضغــوط، ولكننا نخشــى على القضاء التونســي مــن الضغوط السياسية المستترة غير الظاهرة والتي تأتي من "غرف مظلمة" تقود الأبحاث القضائية في بعض الأحيان نحو اتجاه معين".

وكان القضاء التونسي قرر، الثلاثاء، الإفراج عن نبيل القروي، والذي يقضي عقوبة الســجن بتهمة تبييــض الأمــوال والتهــرب الضريبي، وهو ما قوبل بردود فعــل متفاوتة داخل الطبقة السياسية.

 ??  ?? مبروك كرشيد
مبروك كرشيد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom