Al-Quds Al-Arabi

قلق في موريتانيا لاحتمال فقدان كاسات الشاي الأخضر لفترة طويلة

دخل قبل قرنين وجيماته ثلاث وله ديوان شعر والجميع مغرم به

- نواكشوط – «القدس العربي»

خبر حزين أعلنته أمس وزيرة التجــارة الموريتاني­ة الناها بنت مكناس، عندما أكدت خلال مســاءلة برلمانية "أن الشعب الموريتاني سيفقد الشــاي لفترة طويلة إن تأكد ما يشاع من وجود مواد سامة في مواده المستوردة من الصين".

وأوضحت "أن وزارتها قررت فحص عينات من الشاي الموريتاني هذا الأســبوع في مختبــر أجنبي معروف، وفي حــال تم التأكد من وجود مواد ســامة به فســتتم مصادرة الكميات الموجودة منه في الأســواق وإعادة النظر في طريقة اســتيراده حتى يتم التأكد من سلامته".

ويأتي هذا الإجراء الذي اتخذته وزيرة التجارة، بعد أن أشــيع بأن كميات الشــاي الأخضر المســتورد­ة من الصين تعالج بأسمدة سامة، وأن حالات تسمم قد سجلت بسبب الشاي الملوث.

لقد تناســت الوزيرة أن الشــاي الأخضر في موريتانيا مشروب مقــدس، فهو بمنزلة القات عند اليمنيــن والقهوة عند الأتراك: فهو المشروب السحري الذي لا تمكن الحياة من دونه.

وقد دخل الشــاي الأخضر إلى ربوع موريتانيــ­ا قادماً من مزارع الصين في القرن التاسع عشر عبر دول المشرق العربي.

ونقل مــؤرخ موريتانيا المختار بن حامد، عن الباحث الفرنســي المهتم بالشــأن الموريتاني ألبير لريش، أن أول دخول للشــاي إلى موريتانيا كان على يد تاجر يسمى عبد المعطي السباعي، في حدود 1875-1858 وكان عن طريق المغرب".

ويقول الباحث الموريتاني محمد ســالم عبد المجيد: "كلمة الشاي أو "أتاي" كما يســمى محليــاً، تتجاوز في مدلولهــا الحقيقي حدود مشــروب يومي بذاته، لتُحيل إلى عالم رحب من القيم الاجتماعية والثقافية، مرتبط بالإمتاع والمؤانسة والضيافة".

ويتم إعــداد الشــاي الموريتاني قديمــاً بطريقة خاصــة، تقوم على غلْي الماء علــى فحم متقد، ثم وضع الشــاي الأخضر في كأس صغيــرة، وإراقة الماء الســاخن عليه لتنظيفــه أولاً )وهي خطوة تسمى الشلالة(، ثم صبّه في الإبريق وإراقة الماء الحار عليه حسب عدد الندماء، برويّــة وتمهّل هذه المرة، ثم تحليته بالســكر وصبّه بين الكؤوس والإبريق مرات عديدة حتى يمتزج الســكر بالشــاي )الورقة(، ثم توزيعه على الندماء بعد ذلك.

ويقول الباحث: "للموريتاني­ين قديماً طقوس محددة تمثل قوانين للشــاي يجب التقيّد بها عند إعداده، ويمكن التعبير عنها اختصاراً بـــ "الجيمات" الثلاثة، وتعنــي "الجمر" و"الجماعــة" و"الجرّ". فلا شــاي دون نار يُغلى عليها أصلاً، ولا شــاي مكتمل الأركان معنوياً دون وجود ندماء في المســتوى ذاته عقلاً ومعرفة وعمراً، فضلاً عن "الجرّ" الذي يقصد به التمهّل والتؤدة في الإعداد، حتى يطول الأنس والإمتــاع وينقضي ما أمكن من الوقت، لأن المجلس ليس "للشــرب" فقط، بقدر ما هو لحظات للدردشــة والســمر وتناشــد الأشــعار والمفاكهة بين الأصدقاء".

وأضــاف: "لقد تفنّن الشــعراء الموريتاني­ون في وصف الشــاي ومجالســه وتغنّوا بمآثره، وأكثروا من ذكر فوائده وقيمه، جاعلين منه "خمراً" محلية، مســتحضرين المعجم الخمــري القديم، باعثين مصطلحاته من قبيــل "الكأس" و"النديم" وغير ذلك مما يســتخدم فــي هذا البــاب". وانتقل الشــاي الموريتاني عبر الزمــن من كونه مشروباً يومياً عادياً، إلى مصافّ الموائد التي تقدم للضيوف إمعاناً في إكرامهم وتقديرهم والإعلاء من شــأنهم، فمثــاً يمكن أن تقدّمه للضيف مع قليل مما تيسّــر من الطعام، دون أن تتّهم بالتقصير في حقه أو عدم إكرامه، لكن كثرة المــأكل وتنوعه لا يمكن أن تقوم مقام الشاي بحال، وهذا ما قد يفسّر مركزية الشاي في ثقافة الموريتاني­ين.

و"الأتــاي" مع ذلك يســاهم في تقويــة الأواصر داخل الأســرة الواحدة؛ فإليــه تهفو نفوس الموريتاني­ين عموماً؛ ذلك أن له مواعيد يومية محددة، أصبحت بمثابة ملتقى يجمــع كل من فرّقتهم دروب الحياة في موعد لا يخلفه معظم الموريتاني­ين؛ وفي مجلســه تُحكى الأشعار العربية والشعبية، ويحلو لقاء الأصدقاء والخلان، وعلى أنغامه تُتعاطى السياســة، وبه أيضاً يقتل البطّالون من الشــباب معظم أوقاتهم الطويلة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom