Al-Quds Al-Arabi

الأحلام تَنْقُطُ المستقبل

- ٭ كاتبة سورية

■ إنّه الربيع، يخبرنــي دمي الذي يفرقع كقرص فيتامين ثاء. حان وقــت الملابس الزاهية والهــواء العليل حيث كلّ نفَسٍ عن عشــرة أنفاس شــتَويّة. يدغدغني شــيء ما في جسدي وأسمع تثاؤبات استيقاظ. إنها شاماتي تصحو من سباتها الشتوي!

لقد نســيتها تماما. يا للفرحة! الياقات الدائرية الواسعة والمربعة، التي تأخذ شــكل الرقم ســبعة، كم ســتزهو بها الشامة على عنقي وتومِئُ للحبّ عن بعد ميل،

أتحسســها كما بداية كل ربيع، أكبــرت أم صغرت، وهل مازال لونها على حاله؟

لم تعثر أصابعي عليها هــذه المرّة، ربّما فقدت نفورها. يا للحزن، سأتفحصها في المرآة.

وقفت أمام المرآة بشــكل جانبيّ، نظرت إليها مُلويةً عنقي للخلف قليلا. لم أجدها، ربّما حقّا نســيت مكانها.. سأتحقق من الجهة الأخرى. مرّت ثوان من الفزع و... لم أجدها أيضا، تســارعت دقّات قلبي بشــدّة، جثوت على ركبتــيّ وكِدت أيأس، لكنّ فكــرةً أنقذتني، ربّما زحطت الشــامة إلى بقعة مجاورة أو حتى أصابها الملــل وانتقلَتْ.. ربّما إلى قدمي، أو ربّما كان موقعها فوق أحد الشــرايين وفي أحد الأيام ارتفع ضغط دمي فســار قويّا وســيّرها معه، ربّمــا أصبحت في رأســي الآن. بدأتُ البحث عن موقعها الجديد. لم تَسلمْ منّي مسامة، حتّى رأسي فتّشته جيّدا عبر اللّمس والمرآة والتقاط الصور. لم أجدها! أنا منهكة وحزينة. غفوت دون أن أشــعر وحلمت: كنت في حفل لأحد الأصدقاء.. مناســبة ما، وحفل ملــيء بالصبايا والشــباب، وكنت وحبيبــي نضحك دون توقّف إلّا لأكل الســلطة المليئة بالبقدونس. دعاني للرّقص. همَمْنا بالنهوض فاستوقفني فجأة وقال: انظري.. انظري.. هل علق البقدونس بأســناني؟ وضحك مكشرا عن أسنانه العبثية. ضحكت متفاجئةً وهمســتُ لــه: لا بقدونس، لكنّ شــامتي قد علِقَتْ بأحد أسنانك. بســرعة أزِحها بلسانك. لا ينبغي لأحد أن ينتبه ستكون فضيحة دسمة. أزاحها، فقلت له: ابصقها في يــدِي لأعيدها، لكنّه ضحــك ضحكةً خبيثةً وابتلعها. صحوتُ مذعورة! كيف أســترجع شامتي؟ هناك فاصل زمنيّ شاسع. لا أعلم أين هو ذاك الشاب ـ حبيبي ـ يا لحزني. ولم يعرف أحد أن يفسّر منامي.

الآن و بعد كلّ تلك الســنين تُثبت الحيــاة أنّنا لا يمكن أن نتوقّع شــيئاً. رأيتُه في أحد الشــوارع. ذاك الشاب يمشي مسرعاً متأبّطاً اســمه بإحكامٍ وحذرٍ شديدين.. اسمه الُمنَقّط بشــامتي! وتعيدني الصدمة إلى لحظةٍ قديمة حيث كنّا معا وسرقتُ نُقطة اســمه وخبّأتها لئلّا يغادر. لكنّه غادر وكلانا نسي أمرها. حِرصُه الشــديدُ على اسمه والمساحةُ الواسعةُ على عنقي تزهو بالفراغ.. لقد فُسِّر منامي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom