Al-Quds Al-Arabi

بعد اختباره في «مسيرة الأعلام»... كيف سيواجه بينيت مسألة التسوية مع غزة ومشروع «حزب الله» الصاروخي؟

- عاموس هرئيل

■ ســيكون على حكومــة نفتالي بينيت ويئيــر لبيد في أيامهــا الأولى أن تعالــج لغمين أمنيين وسياســيين أبقتهما الحكومة الســابقة في طريقها: مســيرة الأعلام التي يتوقع إجراؤها اليوم في إطار مقلــص في البلدة القديمة، والبؤرة غيــر القانونيــ­ة «أفيتار» جنــوب نابلس، التي ســتعطى تعليمــات للجيش الإســرائي­لي كما يبــدو بإخلائها. ولكن تنتظر رئيس الحكومــة بينيت ووزير الخارجية لبيد ووزير الدفاع غانتس، فــي نهاية الطريق، تحديات اســتراتيج­ية مهمة. وتتعلق هذه التحديات بجميع الســاحات الرئيسية التي تتعامل معها إســرائيل: إيران، والســاحة الشــمالية )ســوريا ولبنان(، والساحة الفلســطين­ية )الضفة الغربية وقطاع غزة(. وفي جميع الســاحات، ستكون القوة وهامش المناورة اللتين ستظهرهما إسرائيل، متعلقتين بدرجة كبيرة بعلاقاتها مع الإدارة الأمريكية.

في الـ 12 ســنة المتواصلة لولايته، سجل رئيس الحكومة الســابق نتنياهــو، نجاحاً كبيراً فــي رؤيته إزاء المســألة الفلســطين­ية، إلى جانب الفشل الكبير الذي لا يعترف به في الموضوع الإيراني. استغل نتنياهو التطورات التي حوله إلى أقصى درجة، الربيع العربــي وبعد ذلك صعود إدارة ترامب في الولايــات المتحدة، لكي ينوم المفاوضات السياســية مع السلطة الفلسطينية بشكل كامل.

تم جره إلى العمليات العســكرية في قطاع غزة رغم أنفه، ولكن في حالة واحدة )الجــرف الصامد( في 2014، اقتربت العمليــة بأبعادها من الحــرب الحقيقية. فــي الضفة، رغم علاقتــه المتوترة مع رئيس الســلطة الفلســطين­ية، محمود عبــاس، واصلت الســلطة العمل كمقاول أمنــي من الباطن لإسرائيل وســاعدتها على إحباط عمليات حماس. إن حذر نتنياهو من تنفيذ العمليات العسكرية، إلى جانب أداء ناجع للجيش الإسرائيلي والشــاباك، حول ولايته إلى فترة أهدأ بكثير من العقد التي ســبقها والذي تميز باندلاع الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية.

اســتغل نتنياهــو انخفــاض اهتمــام المجتمــع الدولي بمــا يحدث فــي المناطق لصالحه بشــكل جيــد. ففي عهده ازداد المســتوطن­ون في الضفــة بنحو 200 ألف مســتوطن )معظمهم نتيجة التكاثر الطبيعي، لا ســيما في المستوطنات الأصوليــة(. لم تتم إضافة مســتوطنات، لكن لم يتم إخلاء أي بؤر اســتيطاني­ة، وفي المقابل تم تبييــض عدد من البؤر الاستيطاني­ة القديمة.

وخلال تلك الفترة ازداد نفوذ رؤســاء المســتوطن­ين في مركز الليكود وفي أروقــة الحكومة. وقد ترجم ذلك إلى ضخ متواصــل لميزانيات ضخمــة وتأثير على اتخــاذ القرارات. بهذا، من المرجح ألا يكــون هناك أي تغيير أيضاً في الحكومة الجديــدة: بينيــت تربى فــي المهــد السياســي لـ»غوش ايمونيم»، في الوقــت الذي يتماهى فيه افيغــدور ليبرمان وجدعون ساعر مع تعزيز الاستيطان. وليس لوزراء اليسار فــي حكومة الوحدة احتمالية حقيقيــة لاجتياز وإحباط كل ما ســيتم الاتفاق عليه سراً بين المســتوطن­ين ووزراء اليمين والجيش.

لم ينجح نتنياهو في تجســيد طموحاته حول المشــروع النــووي الإيراني. ورغم الثناء الذي أغدقه على نفســه في خطابه في الكنيســت أول أمس )المقابلــة الوداعية لرئيس الموســاد التارك، يوســي كوهين( فــي برنامــج «عوفداه» )الحقيقة( في القناة 12، يصعب التجادل مع الوقائع: إيران قريبة جداً الآن من إنتاج القنبلة النووية أكثر مما كانت عليه في 2009، عندما عاد نتنياهو إلى الحكم. صحيح أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب، استجاب لضغط نتنياهو وانسحب في 2018 من الاتفاق النووي، لكن العقوبات الاقتصادية التي استأنفها الأمريكيون والعمليات السرية المنسوبة لإسرائيل لم توقف تقدم المشروع النووي.

على خلفية ذلك، ثمة أساس للادعاء بأنها قد حثت إيران على خــرق الاتفاق، بعملية الموســاد اللامعة، وهي ســرقة الأرشــيف النووي من طهران التي تركت في الواقع انطباعاً كبيراً على ترامب، لكنها لم تؤثر على ســير المشروع. ويمكن أن نرى في ذلك مثالاً كلاســيكياً على نقاط ضعف نتنياهو: استعراض البلاغة العدائية غير المدعومة بنتائج عملية.

تجربة قليلة نقطة الضعف الرئيســية لبينيت تتعلق بتجربته القليلة نســبياً؛ إذ لا تكفي بضع ســنوات من العضوية في الكابنت ونصف سنة في وزارة الدفاع، التي تم تبديد جزء كبير منها على خصومات عبثية بــادر إليها نتنياهو، مــن أجل إعداد

شخص لثقل المسؤولية الذي يكتنف قيادة دولة معقدة مثل إسرائيل.

تعــرض نتنياهو للانتقاد بســبب خطابه المســموم في الكنيســت، الذي قال فيــه إن أعداءنا راضون عن تشــكيل الحكومة الجديدة. ولكن من الصعب استبعاد سيناريو يقول إن أحداً من الجيران، باحتمالية عالية الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ســيريد قريباً اختبــار الحكومة الجديدة. إن هــذه الحكومة التي تتكــون من أحزاب تختلــف فيما بينها أيديولوجيـ­ـاً وتعتمــد على دعــم من الخــارج )على حزب عربي(، تزيد تعقيد الوضع.

ســؤال آخر يرتبط بالعلاقات مع الولايــات المتحدة؛ فقد كانــت إدارة ترامب فظيعة بالنســبة للجمهــور الأمريكي، مثلما أثبت ذلك معالجتها لوباء كورونا التي أدت إلى نهايته السياســية. ولكن فيما يتعلــق بصورة قوة إســرائيل في المنطقة، فقد كان لترامب إســهام حقيقي. إيران وحزب الله حذران من الاحتكاك المباشــر من إســرائيل لأنهما يجهلان الشيك المفتوح الذي وقع عليه ترامب لنتنياهو ضدهما.

العلاقات بين الرئيس الأمريكي بايــدن ونتنياهو، مثلما اعترف الأخير بصورة غير مباشرة في خطابه في الكنيست، كانت باردة جداً. أول أمس، سارع بايدن إلى احتضان بينيت عندما اتصل به على الفور بعد أداء اليمين. وخلافاً لادعاءات المعارضــة، تصعب رؤية الرئيس المجــرب وهو يضغط على رئيــس الحكومة الفتــي للدفع قدمــاً بحلم حــل الدولتين. وحتى الآن، هذا لا يشبه بأي شكل من الأشكال الدعم المطلق لنتنياهو من قبل ترامب.

المشــكلة الأكثر إلحاحاً والتي على جدول أعمال الحكومة الجديــدة هي قطاع غزة. إن وقف إطــاق النار الذي توصل إليه الوســطاء المصريون نص فقط علــى أن يكون الهدوء

مقابل الهدوء. وفي هذه الأثنــاء، لم تتم إضافة أي مضمون للتفاهمات. قررت الحكومة السابقة أن تبقي جزءاً من القيود على معابر الحــدود على حالها بهدف الدفــع قدماً بمعالجة قضية الأسرى والمفقودين الإسرائيلي­ين. لذا، ستشتعل غزة قريباً إذا لم يتم التوصل إلى تسوية أوسع.

ســبق أن صرح بينيت بأنه ســيواصل سياسة نتنياهو فيما يتعلق بإيران. وعملياً، تتقدم واشــنطن نحو التوقيع على اتفاق نووي جديــد، وبينيت غارق أقل من ســلفه في النضال ضد المشروع النووي. التقدير المرجح هو أن إسرائيل ستحتج على الاتفاق، لكنها فعلياً ستضبط نفسها )وربما هذا ما كان سيفعله نتنياهو أيضاً(. التحدي الأمني الحاسم الذي يمكن أن يواجه بينيت ولبيد وغانتس، ربما حتى في السنة القادمة، هو مشــروع زيادة دقة صواريــخ حزب الله. ومنذ اللحظة التي ســيكون فيها لحزب الله قــدرة صناعية على إنتاج سلاح دقيق على أراضي لبنان، فستقف إسرائيل أمام معضلة ملحة، هل يجــب عليها تدمير هذه القدرة والمخاطرة باندلاع حرب؟

ستضطر الحكومة في ذروة الأزمة الاقتصادية إلى مواجهة مطالب ميزانية متزايدة من جانب الجيش الإسرائيلي، سواء لملء مخازن الذخيــرة بعد جولة القتــال الأخيرة في قطاع غزة، أو لتطبيق الخطة متعددة الســنوات الطموحة لرئيس الأركان، افيف كوخافي. وسيضطر بينيت في القريب إلى أن يبت أيضاً في مصير تعيينات كبيرة: الأول، تعيين مستشــار جديــد للأمن القومــي، وبعد ذلك قبل أيلــول، تعيين رئيس جديد للشاباك. مئير بن شــبات، الذي طلب منه غانتس في هذه الأثناء مواصلة وظيفته كمستشار، كان مرشح نتنياهو لمنصب رئيس الجهاز. وهذا لن يحدث، وسيختار بينيت أحد النائبين الأخيرين للرئيس الحالي، نداف ارغمان.

ولكن أداء الحكومة الجديدة لليمين يبشر بفرصة لتحريك علاقات رئيس الحكومة مجــدداً مع القيادة الأمنية. وحقيقة أن نتنياهــو نجح في التشــاجر مع جميع رؤســاء الأجهزة الذين خدموا تحت رئاسته، ثم وقف معظمهم ضده علناً بعد إنهاء الخدمــة، تدل على عمق الأزمة. يبــدأ بينيت من نقطة انطلاق مختلفة كلياً، أكثر إيجابية بكثير.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom