Al-Quds Al-Arabi

نصر المقاومة وعبء أوسلو والتطبيع ودور إيران

تعقيبا على مقال د. عبد الحكم دياب: «المعادلة الصعبة في جمع الفصائل الفلسطينية»

- ٭ كاتب مصري د. يحيى القزاز ٭

أخي العزيز المفكر العروبي أ. محمد عبد الحكم دياب

كالعادة اســتيقظ مبكرا صباح كل سبت على مقالكم الذي يحمــل من الوضوح والمباشــر­ة والمواجهة، ما ينــوء عن حمله كثيــرون. ومنــذ اخترتم طريــق النضال بالقلــم كان دوما لكم الســبق في تعرية الأنظمة المستبدة والعميلة بلا خوف، وحين قامت ثورة 25 كانــون الثاني/يناير 2011 عدتم فورا إلى مصر للمشــاركة فيهــا، ولم تبــال من مصيــر مجهول قــد ينتظركم نتيجة مواقفكم الوطنية والعروبية السابقة. وكان لك شرفان الانضمام إلى مســيرة ثورة تموز/يوليو 1952، والمشاركة في ثورة كانــون الثاني/ينايــر 2011، ليس هذا فحســب بل كنت طرفا أصيلا ومعدا وفاعلا في المشــاركة في ثورة 30 حزيران /يونيو 2013 ضد ســوء إدارة حكم الإخوان، وظللت داعما لها حتى سرقت منا. سرق جماعة الإخوان وأنصارهم الطائفيون والانتهازي­ــون ثــورة كانــون الثانــي/ ينايــر 2011، وســرق السيسي وأعوانه ثورة حزيران /يونيو 2011.

المعادلة الصعبة

رؤاك في مقالك في "القــدس العربي" في 12 حزيران /يونيو "المعادلة الصعبة في جمع الفصائل الفلسطينية" بالتأكيد متفق معها بلا جدال وخاصة ما ختمت به مقالك من أن تأجيل اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة قد يكون سببه علاقات المشير السيسي بالدوائر الأمريكية والصهيونية.

وبرغــم اتفاقــي الكامــل مــع رؤاك، إلا أن هواجس بدأت تحــوم بــن خلايــا عقلي فتــؤرق ليلــي وتقــض مضجعي. فقــررت أن أبوح لك بها من باب "دردشــة أخوية". وإن كان لــدي بعــض الحيثيات قــد يعضد مــا أقول، وهــذا البعض لا يعنــي الحقيقــة، وإنما يدعوني للدردشــة معــك للتوصل للحقيقة حســب ما نراه وما يتاح لنا مــن معلومات، وأيضا حسب خبرتنا التاريخية زاد حجمها أو قل.

ودعني أبدأ - ومن مقالك - تمســك محمود عباس )أبو مــازن( بالمقاومة الســلمية وحمــاس وأنصارهــا بالمقاومة المســلحة للتحرير. الأول حسب شرعية أوسلو التي أفرغت القضية الفلســطين­ية وجردتها من كل شــيء ســوى سلطة

يجلس على رأســها مستســلم، وها هو محمود عباس يعلن تمســكه بالمقاومة الســلمية لشــعب مشــرد أمام عصابات صهيونيــة تقتل بآلتها العســكرية كل يوم علــى الأقل ما لا يقــل عن أصابع اليــد الواحدة، وتقتطع يوميا بالاســتيط­ان مــا لا يقل عن دونم، هــذا غير ما يحدث أثناء شــن الغارات. وهــذه نقطة مهما يبــدو من اتفــاق المنظمــات المقاومة على تحرير فلســطين فلن تســلم بها قيادات جاءت وتجيء على رأس منظمة التحرير بشــرعية أوســلو الاستسلامي­ة. وتلك عقبة أولى إن تم تجاوزها في مناقشــات الغرف المغلقة في القاهــرة أو غيره، تطل برأســها عند الخروج، فيتمســك كل طرف بشــرعيته التي جاءت به.. شــرعية أوســلو وشرعية المقاومــة المســلحة لحمــاس وأنصارها. نقطة تبدو ســهلة لكننــي فــي ظل الخنــوع العربي أراهــا صعبــة، وطلقة غدر فــي ظهر المقاومة المســلحة. وإعطاء الأمان وكشــف أوراق المقاومة المســلحة أمام قيادات منظمــة التحرير الحالية هو منحهــم رصاصة يطلقونهــا على ظهورهم. منظمة تتمســك بمقاومة سلمية )اضربني بالنار أقول لك عيب الله يسامحك خلينا حبايب.. منطــق العاجزين( ومقاومة تعبير عن نبض الشــارع الفلســطين­ي تتمســك بالمقاومــ­ة المســلحة )العين بالعــن( في مواجهــة العصابــات الصهيونيــ­ة لتحرير كل التراب الفلسطيني، فكيف يلتقي المستسلم مع القابض على جمر تراب وطنه في المعبد؟! هذه اســتحالة ما لم يتم تحرير منظمة التحرير من أيدي شــيوخ وربائب أوســلو وعودتها لعقيدتها الأولى الكفاح المســلح، وأن يكون تحرير فلسطين بالمقاومة المســلحة هو القاسم المشــترك لكل الفصائل، ولا شرعية تعلو شرعية الكفاح المسلح.

من هنــا يمكن القول إن تحرير فلســطين يبدأ بتحرير كل الفصائــل من وهــم الفوقيــة والدونية والضعف وأوســلو الانهزامية الاستســام­ية، ورفــض التطبيع وإنكار المطبعين العــرب المتصهينــ­ن، ورفض العهر السياســي بما يســمى المقاومــة المســلحة فــي وجــه ترســانة عســكرية كل يــوم تقتــل وتبيد فلســطينيي­ن وتغتصب أرضا. وجــود منطقين متناقضــن للمقاومــة هــو قنبلــة مؤجلــة. تحريــر منظمة التحريــر من شــرعية أوســلو والتخلــي عن بدعــة المقاومة الســلمية في مواجهة عدو يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والعزل والشباب المقاوم. هذا أولا.

ثانيا، أخشــى أن تختزل فلســطين في قطاع غزة، لما أبلاه القطاع من مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الصهيوني أكد فيها انتصار الإرادة وقوة العزيمة وهو ما لا علاقة له بتكافؤ القوى وتكبد الخســائر. وايضا حقق انتصارا عظيما على الصهاينة فألهم جحورهــم كالجــرذان ســاعة الخطر، والانتصارا­ت لا تعنــي تحقيق كل ما تريد مــرة واحدة، وإنمــا أن تضع قدمك على الطريق الصحيح في المواجهة وتعرف كيف تصيب هدفا وتوجع عدوك. وبمقارنة القوى نجد أن المقاومة الفلســطين­ية المســلحة فــي غــزة حققت نصــرا عســكريا علــى العصابات الصهيونيــ­ة بلا جــدال. فالتركيز على "غزة" من دون نســبها لفلســطين دوما )المقاومة الفلســطين­ية في قطــاع غزة، وهي معروفة حماس والجهاد..(.

ثالثا، الأمريكيــ­ون والصهاينة يختلفان عــن العرب بناء على الفارق العلمي والمعرفي، قيادات العدو جاءت بالمعاناة والديمقراط­يــة وتعــرف معنــى الوطن وتحافــظ عليه وهي تعــرف أنه احتلال وليس وطنهم، وقيــادات عربية جاء بها الاســتعما­ر وما زالت تعترف بفضل الاستعمار عليها وتظل عميلة له، وقيادات أخرى جاءت بمساندة شعب يحقق آماله ويرفع رايــة العروبــة والتحرير يحاربونه حتــى يتخلصوا منــه. الأمريكيــ­ون والصهاينــ­ة يخططون قبل الإقــدام على الفعل بزمن، يدرسونه جيدا ويعملون على تنفيذه باختراق المحيط العربي من خلال عملائهم والخونة.. والتاريخ مليء بهذا. لذلك موضوع عزل غزة بلا احتلال أرضي مع احتلال فضائــي مقصــود، وضــرب غــزة حتــى لا تفيــق مقصود. مقصــود أن تبقــى غزة بديلا عن فلســطين مؤقتــا، وبعدها استكمال المشروع العنصري الصهيوني.

رابعا، تخوف قيادات "منظمة أوســلو" )منظمة التحرير الفلســطين­ية ســابقا( من اســتغلال حماس لمــا حققته من نصــر لوضع قدمها وفرض أجندتها. وهو تخوف في محله لكنه غير مشــروع للانهزاميي­ن فهم طلقــات مؤجلة في ظهر المقاومة المسلحة يجب نزعهم وابعادهم.

خامســا، قد تصاب حماس بالغــرور، وهذا حق المحروم مــن الانتصــار دوما، لكنــه ليس من حــق المناضــل المقاوم بالســاح من يحمل روحه على كتفه فداء للوطن. وأرى في قيادة حماس الجديــدة واقعية براغماتيــ­ة لا تخل بثوابتها العقائدية وتعرف هدفها، ولو اســتطاعت أن توســع مجال رؤيتها ويتســع صدرها بصبر وحنكــة وتعمل على تجميع كل الفصائــل المؤمنة بالمقاومة المســلحة فــي جبهة واحدة كـ"جبهــة التحريــر الجزائريــ­ة" ويتفقون على اســم جديد وليكــن على ســبيل المثــال "جبهــة تحرير فلســطين" يكون التنســيق بــن الفصائل والفعل باســم فلســطين لا باســم فصيــل معين. وكل فصيل يجد نفســه في قاســم مشــترك أدنى لكنه مهم وهو الأســاس والحاكم، يساعدهم ويسهل مهمتهم عند التحرير في اختيار طريقهم وديمقراطيت­هم.

سادســا، وقد يكون معطوفا على خامسا في براغماتية حمــاس، وللأمانــة أراهــا نقطــة رائعــة بغــض النظــر عن التخوفات من التأثيــرا­ت الجانبية للعلاج التي قد تحدث أو لا تحدث، وهو التعاون مع إيران والإشادة بدورها وفضلها في دعم المقاومة المسلحة الفلســطين­ية في قطاع غزة. وفيه خــروج عــن أيديولوجيـ­ـة جماعــة الإخــوان بتمييز الســنة وشيطنة الشيعة )إيران(.

لكل هدف ومصلحة

ســابعا، في الحــروب لا أحــد يدعــم أحدا لجمــال وجهه وســواد عينيه، فلكل هدف ومصلحة. إيــران دعمت المقاومة الفلســطين­ية المســلحة )وأنا هنا لا أنكر دور حمــاس وأقدره تمامــا وهي فعلت ما لــم يفعله العرب أجمعــن لكنني أريد ان تظــل فلســطين دوما هــي الســيدة المعنونة والمذكــور­ة.. هي الأم لحمــاس ومثيلاتهــ­ا مــن فصائــل المقاومــة، وأيضــا أن تكــون المقاومة متاحة لكل فصيل فلســطيني بغض النظر عن دينــه وإيديولوجي­ته، وحمــاس في هذه الحــرب لقنت العدو الصهيوني درســا عظيما وجديدا عنوانه: "قف.. كفاك توغلا ففــي الأرض شــب رجــال صدقوا مــا عاهدوا الله والشــعب عليه"( وإيران لهــا مصلحة وهدف في دعم حماس للانتصار على إســرائيل، فإســرائيل هي شــوكة في ظهر إيران بعد أن صــارت صديقــة للمطبعين العــرب المتصهينــ­ن. وتعمل على ضرب إيران وإعاقة تقدمها التكنولوجي ولو ببطء.

إيــران تريــد أن يكــون لهــا موضــع فــي "القــارة العربية" بعــد تمزقها، وهــذا حقها. مــاذا تصنع حمــاس إذا ما عادت الجماعات الطائفية )الإسلام السياسي( من إخوان وسلفيين وعزفوا على نغمة السنة والشــيعة، وتحويل التوافق المقاوم ضد الصهيونية إلى صراع ديني؛ سني وشيعي.

إلى أي مــدى تصمد الحركات الســنية فــي مواجهة من احترفــوا دق الأســافين وتفجيــر كل قاعدة تصلــح للبناء؟

وإلــى أي مدى تدعــم إيران حركة حماس الســنية في حالة تصالحها السياســي مع أمريكا وتحقيــق مصالحها؟ وفي تصالــح أمريــكا مــع إيــران كــف الأذى الإســرائي­لي عنها، فإسرائيل هي بندقية أمريكا في المنطقة.

السياســة تحكمهــا المصالــح ولا علاقــة لهــا بديــن ولا منطق فدينها المصلحة ومنطقها تغيير الثياب ليتناســب مع المناسبات.

أخيرا وليس آخرا أثبت العلم الحديث أن الحروب ليست بحاجة لمعــدات ثقيلة ولا جيوش تغزو، بــل تدار بالريموت كنترول ويتم الاســتيلا­ء علــى الأوطان المقصــود احتلالها بأبنائهــا وكلاء الاســتعما­ر في بلادهم وبــن ظهراني بني وطنهــم. صار العلم أداة مهمة في الحروب، وأثبتت كورونا أنه بإمكان علمــاء البيولوجيا تخليق أو تحوير فيروســات تقتل. وصــارت التقنيات متاحة، ويمكــن لعلماء العرب في الخارج وفلســطين على وجه الخصوص المساعدة في دعم هذا النوع في فلســطين، وهو لا يحتــاج لجهد جهيد، معامل وخبــرة كمــا كان المقاومــو­ن يصنعون قنابــل يدوية بمواد متفجرة بسيطة.

وقبــل الختام أتعجب كيــف لزائدة )ســنطة( في الوجه العربــي تترك وتنمو ولا يتم اجتثاثها، وكيف لبرغوثة تترك فــي المرقد فتتكاثــر وتطرد صاحــب المرقد مــن مكانه؟! إنه الجهــل أولا بما يصنعه البرغوث، والإهمــال في تركه وفيه بلاهة وعدم تقدير للأمــور، وقصر النظر وعدم إدراك معنى تكاثر البرغوث مستقبلا.

هــذا هو الفرق بين حكام عرب جهلة جاءت بهم الصدفة، ورثوا أوطانا ليســوا على قدرها ولا على قدر المحافظة على استقلالها ففرطوا فيها واحتموا بعدوهم وباعوا شعوبهم، وورثــوا ثروات ليســوا على مســتوى الأمانــات ليحافظوا عليهــا وينموهــا، والأعــداء ورثوا حلمــا باطلا عملــوا على تحقيقه بــكل قواهم، أهانــوا غيرهم وقتلوهــم واحتلوهم، واحترمــوا بنــي جلدتهــم وكرموهــم، ولما صــاروا حكاما جلادين علــى غيرهم عملــوا على تنميــة الديمقراطي­ة بينهم ليحكم أفضلهم الذي يختارونــه، وهو بالطبع الأكثر دموية لغيرهم، ليعزز بقاءهم. إنها الديمقراطي­ة في كيان الاحتلال الصهيوني مقابل الديكتاتور­ية في بلادنا العربية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom