Al-Quds Al-Arabi

غياب فلسطين والسد الإثيوبي واليمن وسوريا عن قمة الدول الصناعية

- * كاتب مصري

تعرضــت القضيــة الفلســطين­ية لضربتــن فــي بدايــة هــذا الأســبوع، فقد غابت عــن البيان الختامــي لقمة الدول الصناعيــة، كما غابت عــن أولويات الحكومة الإســرائي­لية الجديــدة التــي فازت بثقــة الكنيســت يوم الأحــد الماضي، بأغلبيــة صوت واحد فقــط. الأولويات التــي أعلنها نفتالي بينيت تتضمن إصــاح التعليم، وتعزيــز الرعاية الصحية، وتحســن بيئة إنشاء الشركات والأعمال، والبدء في تنفيذ برنامج للإســكان الاجتماعي، والبناء في «أرض إسرائيل» خصوصــا المنطقة ج، والانفتــا­ح على فلســطينيي الداخل، وتوســيع نطاق تطبيع العلاقات مع الدول العربية. وتهدف هــذه الأولويــا­ت إلى بنــاء قاعدة شــعبية انتخابيــة مؤيدة للتحالف الحكومي الجديد.

وعلــى الرغم من غيــاب القضيــة الفلســطين­ية تماما عن البيــان الختامــي لقمــة الــدول الســبع، التي انعقــدت في كورنوال في إنكلترا، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان في ضيافة ملكة بريطانيا بعد انتهاء القمة، بعث برقية تهنئــة إلى الحكومة الإســرائي­لية الجديدة، مؤكــدا الالتزام الثابت بأمن إسرائيل والتشــاور معها على كل المستويات، في ما يتعلق بالرسائل الإقليمية.

وقد تناول البيان الختامي للقمة عددا من قضايا الشرق الأوســط والقــرن الافريقــي، ليس مــن بينها ســد النهضة الإثيوبي، على الرغم من جهود الوســاطة التي يقوم بها كل من الولايــات المتحدة والاتحــاد الأوروبــي. ويعكس غياب أزمة ســد النهضة حقيقة تدني مستوى الاهتمام بها دوليا، علــى الرغم من جهود الدبلوماسـ­ـية المصرية والســودان­ية. وتســود في الدوائر الأمريكية والأوروبيـ­ـة والأمم المتحدة، قناعــة بأن الخلاف بشــأن الســد، هو موضــوع يمكن حله بالتفاوض بين الدول المعنية وبمســاعدة الاتحاد الافريقي، مــع اســتعداد الأطــراف الثلاثــة لتقــديم مســاعدات فنية لتســهيل المفاوضــا­ت، أو صياغــة الحلول. ومن المســتبعد أن يكون ســقوط أزمة ســد النهضة من جدول أعمال القمة، بسبب خلافات بين الدول الســبع حول طريقة حلها. كذلك غاب عن البيان الختامي، أي ذكر للأزمة اليمنية، على الرغم

مــن الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة، كما لم يتضمن إشــارة إلى الأزمة في ســوريا، والموقف مــن الوضع هناك بعد الانتخابات الأخيرة، التي أجراها بشــار الأسد. الشرق الأوســط كان غائبــا أيضا عــن مائــدة الاجتماعــ­ات، التي شــاركت فيها وفود من خــارج مجموعة الــدول الصناعية الكبرى تمثــل، كوريا الجنوبية وجنوب افريقيا، إضافة إلى الهند التي شاركت عن بعد.

القرن الافريقي

تناولــت الفقرة 54 من البيان الختامــي للقمة الوضع في إقليم تيغراي، والصراع المستمر هناك، الذي أدى إلى مأساة إنسانية تتســع يوما بعد يوم، وتتخذ أشكالا متعددة، منها انتشــار المجاعة بين عشــرات الآلاف من الســكان، بســبب النــزوح وتداعيــات القتــال. كمــا كشــفت تقاريــر متابعة الأوضاع الإنســاني­ة، أن آلاف النســاء تعرضــن لاعتداءات جنســية على نطاق واسع بواسطة الأطراف المتحاربة. وقد أدان البيــان كل أشــكال العنف والاعتــدا­ءات التي يتعرض لها الســكان، وطالب بالوقف الفوري للقتال والانتهاكا­ت، كما طالب بضــرورة انســحاب القوات الإريتريــ­ة من إقليم تيغراي، وبدء عملية سياســية تعيد الاســتقرا­ر إلى الإقليم. ونظــرا للصعوبــات التي تواجههــا مهمة مكتــب المفوضية العليا لحقوق الإنســان فــي تيغراي، فإن البيان ناشــد كل الأطراف باحترام مهمة مســؤولي الأمم المتحدة، وتســهيل أدائهــم لواجباتهــ­م، خصوصا في مــا يتعلق بفتــح منافذ تتيح وصول المساعدات الإنســاني­ة إلى كل مناطق الإقليم. ووجهــت القمة نداء إلــى القيــادة الإثيوبية بالشــروع في عملية سياســية شــاملة تعيد الثقــة إلى مواطنــي تيغراي، وتساعد على اندماجهم في النظام السياسي.

الإرهاب في افريقيا

اهتم البيان في الفقرة رقم 55 بقضية مواجهة الجماعات الإرهابية النشيطة في دول الساحل الافريقي، وهي قضية تحتــل أولوية في السياســة الخارجيــة للولايــات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خصوصا فرنســا، التي تشــارك بقوة كبيــرة في عمليــات المكافحــة. وأكد البيــان التــزام الدول الصناعيــة الغربيــة ببذل كل الجهــود الضروريــة لتحقيق الانتصار على الإرهاب، وتخفيف معاناة الســكان المدنيين، وأشــادت بقمــة مجموعــة دول الســاحل وفرنســا، التــي انعقــدت في العاصمة التشــادية نجامينا في شــهر فبراير الماضــي، وهــي القمة التــي أكدت علــى أهميــة دور القوى المدنيــة فــي صنــع الاســتقرا­ر والســام، كما أبــدت ثقتها في دور الاتحــاد الافريقي فــي هذا الســياق، بالتعاون مع اللجنــة الاقتصادية لغــرب افريقيا، التي تقدم المســاعدا­ت لتعزيــز القدرات الاقتصادية وتحقيــق التنمية لهذه الدول، خصوصا في كل من تشــاد ومالي، وما تم بذله من مجهود

لإصــاح الأوضــاع الدســتوري­ة والسياســي­ة للقضاء على أسباب عدم الاستقرار في كل منهما.

ليبيا

احتــل الوضع فــي ليبيا مســاحة كبيرة من المناقشــا­ت بين قــادة الــدول الســبع، نظــرا لأهميتهــا الاســترات­يجية والاقتصادي­ة بالنســبة لكل من الولايــات المتحدة والاتحاد الأوروبــي، خصوصــا ألمانيا، التــي تحــاول أن تلعب دورا دبلوماســي­ا حيويا، يساعد على إعادة توحيد ليبيا، وتوفير ظروف الاســتقرا­ر فيها، بما يزيل احتمــالات تجدد القتال، ويقود إلى بناء ســلطة سياســية منتخبة قبــل نهاية العام الحالــي. وقــد أكد البيان علــى أهمية إنجاح عملية الســام التي تقودها الأمم المتحــدة، والتي تقوم على ما تم التوصل إليه فــي مؤتمر برلين للســام في يناير من العــام الماضي. وتضمنت الفقــرة رقم 56 من البيان الختامــي، التأكيد على ضــرورة إجــراء انتخابــات شــفافة ونزيهــة فــي موعدها المقرر في 24 من ديســمبر المقبل، كما أكــد أيضا على أهمية احتــرام اتفاقيــة وقف إطــاق النار الموقعة فــي اكتوبر من العام الماضــي، والالتزام بكل بنودها التي تشــمل ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية، وقوات المرتزقة من كل أنحاء ليبيا. وأعاد البيان التأكيد على ضرورة احترام دول العالم، وكل الأطــراف المتورطة في الصــراع الليبي بقراري مجلس الأمن رقم 2570 و 2571 لعام 2021 بشأن العملية السياسية وضرورة انسحاب القوات الأجنبية بدون تأخير.

أفغانستان

دعــا البيان أطــراف الصراع فــي أفغانســتا­ن إلى تقليل حــدة العنــف، والاتفــاق على خطوات تســاعد علــى تنفيذ وقف دائم وشــامل للقتال، والانخراط في عملية سياســية تحقن الدماء، وتفتــح الباب لتحقيق الاســتقرا­ر في البلاد. وتضمنــت الفقرة 57 مــن البيان الختامــي تحديدا لأهداف العملية السياســية المطلوبة وكيفية تحقيقهــا. وقال البيان إن التسوية السياسية الشــاملة، هي الحل الوحيد لتحقيق ســام دائم وعادل، يســتفيد منه كل الأفغــان. وأكد البيان أن مجموعــة الــدول الصناعيــة مصممــة علــى التزاماتهـ­ـا بتقــديم كل المســاندة العاجلة للشــعب الأفغانــي، بما يلبي الاحتياجات الأمنية والإنسانية لجميع المواطنين، خصوصا الأطفــال والنســاء ومجتمعــات الأقليــات، والمحافظة على حرياتهــم وحقوقهــم، التي اكتســبوها بتضحيــات كبيرة خلال السنوات الماضية.

إيران

جــاءت المســألة الإيرانية في الفقــرة رقم 61 مــن البيان الختامــي للقمة، التــي تضمنــت تعهدا واضحــا من جانب دول المجموعــة، بعدم تمكين إيران من تطوير ســاح نووي. وفــي هذا الســياق فإن الــدول المعنية، رحبت بالمناقشــ­ات بين دول الاتفــاق النووي وإيران، وكذلــك تلك التي تجري بشــكل منفصل مــع الولايــات المتحــدة، لحثها إيــران على الالتــزام بنصــوص الاتفــاق النــووي، وضمــان أن تكــون أنشطتها النووية ذات طابع ســلمي، كما طالبها البيان بأن تلتــزم التزاما كاملا بنصوص الاتفاق الأصلي، واســتمرار التعــاون مع الوكالة الدولية للطاقــة الذرية. وتضمن البيان إدانة للأنشــطة التي تقــوم بها إيران فــي المنطقة عن طريق وكلائها، التي تمدهم بالمســاعد­ات والأســلحة ومن ضمنها الصواريخ المتوسطة المدى.

العراق

تناولــت الفقــرة 62 فــي البيــان الأوضــاع فــي العراق، ووجهــت التحية إلى القــوات العراقية وقوات البيشــمرك­ة الكرديــة، لنجاحهما في مواجهة تنظيم الدولة الإســامية، وتعهــدت بمواصلة مســاعداته­ا للعــراق من أجــل تحقيق النصــر الكامــل. كما أعربت الــدول الصناعية عــن تأييدها لوحــدة العراق وســيادته وســامة أراضيه، ومســاندته­ا لقرار مجلس الأمن رقم 2576 الذي يدعو إلى إرسال مراقبين دوليــن للانتخابات المقررة في شــهر أكتوبر المقبل، ودعت العراقيــن إلــى المشــاركة بقوة في هــذه الانتخابــ­ات. كما أعلن البيان مســاندة جهود الحكومة العراقية في محاسبة الجماعات المســلحة غيــر القانونية، بســبب الهجمات التي تشــنها على مواطنين عراقيــن وعلى أفــراد تابعين لقوات التحالــف، وهــي القــوات الموجــودة بدعوة مــن الحكومة العراقية، للمساعدة على مواصلة القتال ضد داعش.

وقد تضمــن البيان عددا من المســائل المهمة التي تتصدر جدول السياســة الخارجية للدول الصناعية، على رأســها العمــل علــى إنهاء خطــر فيــروس كورونــا بحلــول نهاية العــام المقبــل، وتقــديم ما يقــرب من مليــار جرعــة مجانية مــن اللقاحات إلــى الــدول الفقيــرة، ومواجهــة التداعيات الاقتصادية للجائحة بزيــادة موارد صندوق النقد الدولي. وفــي ما يتعلــق بمواجهة التحدي الصينــي، تم إعلان خطة منافسة لمبادرة الحزام والطريق التي بدأت الصين تنفيذها منــذ 8 أعــوام فــي مناطق كثيــرة من العالــم منهــا، إيطاليا عضــو مجموعة الــدول الصناعيــة، واليونــان عضو حلف الأطلنطي. ومع أن البيان أكد على ضرورة اســتمرار الحوار والتعــاون مع الصين في مجــالات المصالح المشــتركة مثل المناخ والمحافظــ­ة على التنوع البيئي، فإن السياســة العامة إزاء الصين تكرس الحرب الباردة، ومن شــأنها أن تضعف النظام الدولي المتعدد الأطراف.

ويعكس غياب أزمة سد النهضة حقيقة تدني مستوى الاهتمام بها دوليا، رغم جهود الدبلوماسي­ة المصرية والسودانية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom