Al-Quds Al-Arabi

هل يتجه النزاع المغربي الإسباني إلى التدويل؟

- *كاتب وصحافي من تونس

إن كان جزء من الأوروبيين على الأقل يقــف مع الإســبان ظالمين أو مظلومين، فمــن يمكنه إذن أن يدعم الطرف الآخر في النــزاع معهم، أي المغــرب؟ حتــى الآن ما تــدل عليه المواقــف والبيانات الرســمية، أن منظمات أو هيئات إقليمية كالبرلمان العربي ومجلس التعاون الخليجي والأمانــة العامــة لمنظمة التعــاون الإســامي، هي من تصطف إلى جانب الرباط.

ويبدو ذلك في سياق الرد على قرار البرلمان الأوروبي عملا متوازنا ومعقولا. لكن من يمكنه المضي بعيدا في دعم الموقف المغربي، والمخاطرة بوضع علاقاته مع إســبانيا ومن ورائها أوروبا على كف عفريــت؟ حتى إن بدا الأمر للوهلة الأولى صعبا وغيــر مؤكد، فإن الثابت أن المغرب لا يعدم الأصدقاء الذين قد يقفــون معه في مرحلة ما، لا التزاما بما تفرضــه عليهم صداقته من واجب، بل حرصا بالدرجة الأولى على الحفاظ على مصالحهم في المنطقة، وعدم ترك المجال لخصومهم للتصرف هناك بانفراد.

وبغض النظر عما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تحدث الاثنــن الماضي مع رئيس الوزراء الإســباني بيدرو سانشيز على هامش قمة الناتو في بروكسل حول ذلك الملف، أم لا، فإن طريقة التحرك الأمريكي في الخلاف بين الجارتين تبقى محددا مهمــا لطبيعة المواقف، وردود الأفعال الإقليمية والدولية المقبلــة حوله. غير أن ذلك لا يعني أن التطورات التي ســتحصل في غضون الأسابيع المقبلة ستســير حتما وبالضرورة في اتجاه واحد، ولن تكــون مفتوحــة على أكثر مــن احتمال. ولعــل تصوير صحيفة محلية مغربية، الأســبوع الماضــي، للأزمة على أنها تجمّع «قارة في مواجهة دولة» في إشــارة إلى بيان البرلمان الأوروبي الخميس الماضي قد يبدو في خضم ذلك المعطى، إما نوعا من اللعن المتســرع للمســتقبل، أو على العكس شكلا من أشكال التهوين، وسوء التقدير للأبعاد الواســعة التي قد يأخذها المشــكل. فمن يستطيع الجزم بــأن الخلاف الذي بــدأ ثنائيا ثم صار أوروبيا ســيبقى بعدها بالضرورة ضمن تلك الأطر الإقليمية، التي تسعى مدريــد لحصرها فيه؟ ومن يضمن أنــه لن يكون له على المدى القصير، أو البعيد طابع دولي أوسع من ذلك؟ ثم من يستطيع أن يؤكد من الآن أن ذلك النزاع لن يفرز بالنهاية حلفين متقابلــن أحدهما يؤيــد المغــرب، والآخر يدعم الإســبان، ضمن رؤيتين مختلفتين للمصالح، وتصورين متناقضين تماما لمــا يفترض أن تكون عليه التوازنات في المستقبل، بين جنوب أوروبا وشــمال افريقيا؟ إن إعادة الأمور إلى نصابها، وإرجاع العلاقات الإسبانية المغربية إلى سالف وضعها، سيُسقط بلا شك جانبا كبيرا من تلك التساؤلات، لكن هل ســيكون من البساطة والسهولة أن يحصل ذلك؟ وكيف ســيتم الأمر؟ ومن ســيدفع بالأخير ثمن أي تسوية مرتقبة قد تنزع فتيل أزمة دولية قد تنشب بين لحظة وأخرى في الشمال الافريقي؟

ليس من الهين أبداً علــى الإدارة الأمريكية الحالية أن تلعب دور الحكم، أو الوسيط مثلما فعلته إدارة الرئيس الأسبق بوش، قبل ما يقرب من عشرين عاما من الآن، حين قامت بتطويق الأزمة التي نشبت بين الجارتين بسبب ما عــرف حينها بقضية صخــرة ليلى المغربيــة، لما فرضت على الجانبين تســوية قبلت بمقتضاها مدريد أن تسحب قواتها وتنــزل علمها مــن المنطقة، مقابــل تعهد الرباط بابقائها خالية من أي مظهر من مظاهر الســيادة المغربية عليها. ومن الغريــب حقا أن يذهب البعض حد تصور أن مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية أمريكا وإســبانيا، أو لقاءً قصيراً وعابراً بين بايدن وسانشيز سيكونان كافيين لقلــع الأزمة من جذورهــا، أو أن يتوهم آخرون أن كتابة الســطر الأخير للأزمة ســتتم فقط حين يفرض الرئيس الأمريكي على رئيس الوزراء الإســباني تســوية يذعن بمقتضاها بشــكل كامل وغير مشروط للمطالب المغربية. إن انتظار شيء من ذلك ســيكون تجاهلا كبيرا لتشعب الملــف، ولحرص الإســبان وجزء مــن الأوروبيين، على الأقل، على أن لا يخرج من بين أيديهم، وأن يظل محصورا في أبعاده الإقليمية، بما يدعم سيطرة الاتحاد الأوروبي واستمرار نفوذه على منطقة يراها حيوية واستراتيجي­ة بالنسبة له. فضلا عن أن غياب تهديد قوي يمكن أن يدفع الأمريكيين لإقحام أنفسهم هناك بشكل مباشر، يجعل ذلك الأمر بلا معنى. ولأجل ذلك فإنه ســيكون من غير المتوقع أن تنزل واشنطن بثقلها لدعم بلد عربي أو مغاربي، مهما كان مســتوى علاقاتهــا معه، على حســاب بلد أوروبي أو أطلســي مهما كانت درجة اختلافهــا معه حول بعض القضايا والمســائل. وأقصــى ما قد تفعلــه بالمقابل، أنها قد تســهل جلوس الطرفين إلى طاولة الحوار، وتعرض عليهما حزمــة من الأفكار، أو خطوطــا عريضة، أو حتى ورقة عمل تكون منطلقا للمســار التفاوضي بينهما. لكن هل ســيكون مسك العصا من الوســط مجديا؟ أم أنه من الضروري أن يســتعيد الأمريكيون دور الشرطي، الذي يفرض النظــام في منطقة تبدو الآن هادئــة، لكن لا أحد يضمن أن تستمر كذلك، إن تفاقمت الأزمة، ولم تطوق في الوقت المناسب وبالشكل الملائم.

إن الوعــي بــأن صمت قــوى دولية أخــرى لا يعني بالضــرورة أنهــا لا تهتــم بما يجــري في ذلــك الجزء مــن العالم، يفتــح المجال أمــام الحســابات، فالروس والصينيون لن يكتفوا بمتابعة أطــوار الخلاف المغربي الإســباني، إن خرج عن حد معين. ولعل البعض سيرى فقط في البيان الذي صدر الاثنين الماضي مثلا عن جمعية الصداقــة الصينية المغربية، وعبــرت فيه عن «تضامنها الكامل واللامشــر­وط مع المغرب فــي دفاعه عن وحدته الترابيــة، ومن أجل اســترجاع مدينتي ســبتة ومليلية المحتلتــن» نوعا من الجعجعة الفارغــة، لكن تأمل فقرة فيه أشــارت إلــى أن «الشــركات الصينيــة والفاعلين الاقتصاديـ­ـن والماليين الصينيين مســتعدون للانخراط فــي مسلســل التنمية في إقليــم المملكة مــن طنجة إلى الكويرة» قد يعطي انطباعا معاكســا، بل قد يشير إلى أن الطموحات الصينية فــي المنطقة ربما تدفع بكين في حال وصول الأزمة إلى منعرج آخر، لأن تدخل بطريقة ما على الخط، حتى إن كانــت عدة عوامل كعلاقتها هي والروس بالجارة الشــرقية، أي الجزائر، تجعل من تلك الفرضية مستبعدة وترجح بقاءها على الحياد. واللافت هنا هو أن الجيران الأقربين للربــاط، لا يزالون منكفئين ومترددين وعاجزيــن، لاعتبارات شــتى، حتى عن إصــدار بيان رمزي للتضامن معها، في مواجهة دولة أوروبية تواصل احتلال جزء من ترابها. وربما عكس الحرج الذي شعرت به وزيرة الخارجية الليبيــة الجمعة الماضي، وهي تؤكد في ختام كلمتها في مؤتمــر صحافي مع نظيرها المغربي، على تمســك ليبيا بالدعوة لقمة مغاربيــة، نوعا ما ذلك. لكن كيف سيتصرفون إن توســعت الأزمة وتم تدويلها؟ وفي صف من ســيقفون؟ ما تدركه الرباط جيدا هو أنهم لن يكونوا، وللأسف الشــديد، ومثلما هو مفترض ضمن حلقة الأصدقاء. وهــذا قد يكون في حد ذاته أقســى ما تخرج به من أزمتها مع الإسبان.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom