Al-Quds Al-Arabi

نقد «حماس»... على أي أساس؟!

- ٭ كاتب وإعلامي تونسي

■ ها هــي الحكومة الإســرئيل­ية الجديدة ترى النــور فتنهال برقيــات ومكالمــات التهنئة من كل أنحاء العالم. لا أحد، عدا الفلســطين­يين طبعا، قال إن نتالي بينيت زعيم حزب ديني متطرف أكثر من نتنياهو، المتطرف هو الآخر، وإن كثيرا من أعضاء حكومته هم كذلك مــن أحزاب دينية متطرفة تؤمن بتأبيد الاحتلال واستمرار الاستيطان وترفض أي تسوية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

لو قُدِّر للانتخابات الفلسطينية أن تمضي قدما، ولو قُدِّر للفلســطين­يين أن يشكّلوا حكومة ائتلافية من كل ألوان الطيف السياســي، بما في ذلك حركة «حماس» أو «الجهاد الإســامي» إن قبلت، لرأيت العالم يهتز احتجاجا بما في ذلك بعض الحكومات العربية. حتى قبل إجراء هــذه الانتخابات، كانت إسرائيل تضغط على السلطة لتخويفها من إمكانية فوز «حمــاس» وحتى مع دعــوة الرئيس محمود عباس الأخيرة لتشــكيل حكومة جديدة وشــرط الانضمام إليهــا الموافقة على المعاهــدا­ت الدولية والالتزام بالشــرعية الدولية فإنك ستجد من يندد بأي انضمام لحركة «حماس» إليها، مع أن مثل هذا الانضمام يبدو مستبعدا حاليا.

ليس هذا هــو المهم، رغم ما في هــذا الاختلاف في التعامل بين المشــهدين من مفارقة مستفزّة ومن نفاق بيّن، فالأمــر في النهاية ليــس بجديد، لكن المهم والمثير فعلا للدهشــة والاستغراب فهو تناغم أوساط عربية رســمية مع مثل هذا التوجه بل أكثر من ذلك تجريمها لــ «حمــاس» في تماهٍ مع الموقف الإســرائي­لي بحرفيتــه تقريبا.. وممّــن؟ من قِبل مســؤولي دول لم تجمعها يوم حربٌ مع إسرائيل، ولا هــي دول حدودية معها، ولا هــي حتى تعاني مــن معارضة إســامية على أرضهــا متحالفة مع «حماس». حتى مصر الرســمية التــي جرى بينها وبين «حماس» ما جرى، وألبستها اتهامات ما أنزل الله بها من ســلطان، وقطاع غزة على حدودها، لم يقل فيها مســؤولوها ما قاله وزيــر خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة.

من حق أي كان أن تكون لــه انتقاداته الكثيرة على «حماس» وهذا ما فعلتُــه أنا مثلا في أكثر من مقال وأكثر من مناســبة، لكن ذلك، على وجاهته أو وجاهة بعضه على الأقــل، لا يجب أن يصل بالمرء مطلقا إلى أن يصطف مع إســرائيل ضدها، وتحت أي تبريرات مهما كانت، خاصة وقد نجحت الحركة في معركة غزة الأخيرة فــي أن تهز ضمائر عديدة في أنحاء العالم وتجبــر الجميع على أن ينظر إلى معضلة الاحتلال الإســرائي­لي، ولو مُكرهًا، بعد أن ظن ترامب ونتنياهــو أنهما نجحا في طي صفحته نهائيا.

البوصلة الحقيقية، أمام أي إنسان منصف وحر،

هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي البغيض أما ما قد يوجه من انتقادات إلى الحركة فمشروع في سياق مختلف أو هو قابل للتأجيل، لا للإلغاء. هناك دائما المهم والأهم، والأهم في هذه المرحلة، بلا جدال، هو هذا الفرق بين من يتصــدى للإحتلال ومن يهادنه بل ويطبّع معه، وهنا لــــ «حماس» تفوق أخلاقي لا يجــب نكرانــه. المعيار أيضا في هــذا هو نبض الشارع الفلســطين­ي، حتى قبل العربي أو العالمي، فحين يخرج النــاس في الضفــة والقطاع وداخل الخــط الأخضر دعما لمــا أبدته الحركــة وفصائل المقاومة الأخرى من بســالة في الدفاع عن الأقصى وسكان الشيخ جراح ولتلك الصواريخ التي أربكت الاحتلال رغم فداحة الخســائر الفلسطينية فتلك رسالة لا تخفى إلا على من أعمى الله بصيرته.

ما أعطــى لحماس أيضا هذا التأييــد هو الهزال الشــديد الذي وصل إليــه خيار التســوية الذي راهنت عليه السلطة الفلســطين­ية، دون أن يُقابل بأي تقدير أو نتيجة، لأنــه في النهاية ما من حركة تحرر وطني فــي العالــم نالت ما تريــد بالرهان فقط علــى عدالة القضيــة والقانــون الدولي، بل بالمفاوضات التي تفرضها فرضا شراســة المقاومة وارتفــاع فاتورة التكلفــة على العــدو. لا مفر من تــزاوج الخيارين فبإمكان الفلســطين­يين أن يكمّل كل واحد منهــم الآخر، فلا هذا يتهم الآخر بالخنوع

والاستسلام ولا ذاك يتهمه بالتهــوّر والتطرف. الأول يحتاج لواجهة سياســية دوليــة والثانــي يحتاج لرافعة مقاومة تصلب عوده السياسي، وأي تحرك يلغي الآخر هو تحرك أعرج بالضرورة.

هذه حسابات فلســطينية داخلية يُرجى أن يتم ترتيبها بذكاء. من لا تعجبه الســلطة أو «حماس» فذلك شــأنه طالما أن الشــطط لا يصل بــه إلى أن يصطــف مع الاحتلال من بــاب النكاية الغبية. من الغريب أن نجد عربيا يســتلطف نتياهو وترامب ويمقت «حماس» لا يزعجــه أصلا أن يكون رئيس الحكومــة الإســرائي­لي الجديد من حــزب يهودي متطرف ويزعجه جدا أن تكون «حماس» إسلامية حتــى ولو ســلّمنا له جــدلا بأنها متطرفــة، فهذا متطرف في احتلاله وذاك متطــرف في الدفاع عن أرضه.. فأي التطرفين نختار؟!

في برنامج ديني على قناة ســعودية، تحدث أحد المشــايخ حانقا علــى هؤلاء الــذي يجرّمون «حماس» فــي معركة غزة الأخيــرة ويتزلفون في المقابل إلى إســرائيل قائلا لهم بصرامة وحزن: يا أخي شوية كرامة... يا أخي شوية نخوة!!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom