Al-Quds Al-Arabi

الأردن: «احمل لجنتك واتبعني»

- ٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

■ كنا ثلاثة بمعية أبرز مستشــار فــي تلك الفترة وأبلغنــا الرجل بأن إرادة مرجعية صدرت بتشــكيل لجنة رشــيقة ومهنية تتولى وضع وثيقــة إجرائية بعنوان «الإصلاح الإعلامي».

شــكلت اللجنة بالتشــاور مع الحاضرين وطلبت شــخصيا من المســؤول الذي كان بارزا آنذاك التأكد من وجود ممثلي الحكومة والقطــاع العام ثم أطراف الانتاج الإعلامي وممثلي «الرقابة والعســس» أيضا فــي حالة العصف الذهني والتأكد مــن أن الدولة لن تعيق التفكير الجماعي.

نظمت اجتماعات وفتحت لنا قاعات»ملكية» وبدأ طرح الأفــكار، وفجأة انقطعت الأضــواء والكهرباء، وبدأت الحكومــة وجهات أخرى بنهــش تلك اللجنة المهنية الصغيرة، والتي أسست بمنطق الخبراء فقط وليــس التمثيل. علــى كل حال قررنــا وبجهد ذاتي وبعيــدا عن الإطــار المرجعي والتنميــط والتفصيل والتسميات إشعال شمعة، وإكمال الحوار في مكاتبنا الشخصية وإعداد وثيقة استراتيجية أرسلناها فعلا للديوان الملكي. اليوم وبصراحة لا نعرف من كنا وماذا أصبحنا؟ لا نعرف في أي متحف أو درج وضعت تلك الوثيقة، وفجأة تخلت الدولــة بكل تصنيفاتهــ­ا عن الخبراء وأوراقهم ولجنتهم المزعومة.

حتى اللحظة وبعد أكثــر من عام ونصف العام لم يبلغنا أي مسؤول عما حصل آنذاك طبعا، وبعدما ملأ الدنيا وأشغل الناس من تحدث معنا باسم المرجعيات

وغطائها والإرادة السياسية، لا أحد يعرف ماذا يعمل ويفعل الآن.

على كل حال تماما مثــل توزيع الحقائب الوزارية، لا أحد يعرف بالمشهد السياســي الأردني كيف ولماذا تتشــكل اللجان وأيــن تختفي وتتلاشــى فجأة مع وثائقها واســتراتي­جياتها، رغم أن بعــض الوثائق تحولت إلــى مجلدات أنيقــة، ورغــم أن العديد من الاجتماعــ­ات الحواريــة كان يتخللهــا الاســتمتا­ع بوجبات ثرية من المناسف والحلويات.

يشــعر المراقب أحيانا بأن تشــكيل لجنة قد يكون هدفــا بحد ذاتــه، واللافت أن بعض الــذوات الذين أعرفهم وأعرف عنهم شــخصيا الكثيــر، بادروا إلى الاحتفال والابتهاج بعضوية لجان سرعان ما انقلبوا عليها وهاجموها.

لا توجد آليــة ولا تقنيــة يمكنها أن تقنــع قاعدة عريضة من الجمهور بأن تركيب وتفصيل وتشــكيل أي لجان يمكن أن يقود حقا وفعــا إلى تمثيل قاعدة واســعة من النــاس والمكونات أو يمكــن أن يرضي الجميع.

أحد أعضاء لجنة مهمة شكلت مؤخرا فوجئ بمئات مــن أقاربه يبتهجــون ويحتفلون بموقعــه الجديد، وعبثــا حاول الرجــل إقناعهم بأن عضويــة اللجنة ليســت وظيفــة ولا منصبا، وبأن تلــك العضوية لن تساعد في أن يتوســط لهم باحتياجاته­م وقضاياهم الخدماتية.

يشــك حتى صاحبنا في أن البهجــة الاجتماعية التــي رافقت إعــان عضويته في لجنة مــا تتضمن معرفة ماهية وهوية وحتى اسم اللجنة وموضوعها، فنحن جزء من شارع يقيم وصلات الوناسة بناء على الاستماع فقط ودون تدقيق.

وثمة اعتقاد كامن في أن عضوية أي لجنة يمكن أن تنتهي بمنصب أو دور أو وجاهة، وهذا الاعتقاد وحده كفيل بإحباط إنتاجية أي عضو في لجنة استشارية، وكفيل لاحقا بعد تجميــع الابتهاجات غير الضرورية بإحباط اللجنة نفسها لا بل برنامجها.

يعلم الجميع أن المجموعــا­ت الأفقية مثل العائلات الممتدة، وبأن تشــكيل لجان عريضة لأهداف التمثيل الأفقي أشبه بغداء العرس، حيث لا تعرف مع من تأكل ثم لا تعرف مع من تغســل يديك لأن الجميع موجود لا على التعيين.

طبعــا ذلك لا يمكنه أن يكون بديلا عن الســلطات الدســتوري­ة والمؤسســا­ت التمثيلية والحاجة ملحة دوما إلــى مجموعات رشــيقة صغيرة مــن الخبراء المختصــن، وليــس إلى لجــان تضاف إلــى أخرى، وتنتهي بوثائــق تزاحمت لدرجة أن المواطن الأردني لم يعد يحفظ أو يقرأ أيا منها.

هوس المحاصصة والتمثيل عندما يخترق اللجان الاستشــار­ية والوطنية يخرجها فورا عن ســياقها، ويقود إلى نتائج عدمية، وقد ينطوي دوما على خدش أو جــرح نبل الفكــرة والمبادرة، فالإقــرار بالحاجة لإصلاح والتصويــب يعني بأن الأخطــاء والأعطال موجودة.

ومن ارتكب تلك الأخطاء وتســبب بالأعطــال هــم موظفون بالضرورة تابعون للحكومــة، يقترحون هربا من الأزمــة تشــكيل لجان تناقش أخطاءهم وتصلحها، ويفســدون الأمر لاحقا بالإصرار على تشــكيلة غير مقنعة للجان التصويب وعلى قاعدة «احمل لجنتك واتبعني».

تختلــط الأوراق هنــا، ومن يعتــرض أو يتداخل أو ينتقــد او حتى يســأل ثمة علبــة إتهامات جاهزة لقصفــه تخرجه أحيانا مــن الملة الوطنيــة، وتزاود عليه دومــا في الانتمــاء والولاء أو تزعــم في فرية ممجوجة وكذبــة متواصلة بأنــه غاضب لأن موجة «العضوية» لــم تصله. الزحام علــى أعتاب اللجان أحد أبرز ملامح الخلل الوطني، والإصلاح مهما كانت هويته أو درجته يبــدأ أو يفترض أن يبدأ بعد النوايا والإرادة بإجراءات وقرارات، ومن الصعب التصديق بأن المبادرات المرجعيــة النبيلة الراغبة في التحريك والتصويب تفسدها تلك المطابخ التي تكلف بتشكيل لجان غالبا ما تغضب الناس أكثر مما ترضيهم وتنتج أسئلة أكثر بكثير من الإجابات.

تفعيل المبــادرا­ت النبيلــة الملكية فــي حاجة إلى مقاربة أوضح وأعمق، وقد لا نبالغ إذا قلنا إلى «طاقم مستنير».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom