Al-Quds Al-Arabi

كلنا عرايا: عندما تسحل الكرامة في تونس عيد الفنان في الجزائر يطرح ألف سؤال

- مريم بوزيد سبابو ٭

كلما تعظم الخطابات بأن الشــعوب ســتكون بخير وأمان، كلمــا زادت الخيبة وانكسرت الآمال في غد أفضل.

وكلما كشفت وســائل التواصل الاجتماعي الجوانب المرعبة من المسكوت عنه في المجتمع، بمصداقية أو لأجل الســبق والبوز - ازداد الإعلام مهما كانت طبيعته - في التحيز والموالاة أو الســقوط في فخ «فاحشة» ما يطرح من مواضيع الشذوذ وبنات الليل وغيرها من المواضيع التي يراها دسمة.

وبالرغم مــن أن المواطن فــي البلدان المغاربيــ­ة يبجل الإعــام - كونه الناقل لانشغالاته ومشــكلاته، والتي يتمنى أن تصل للمسؤولين للإسراع في حلها - فإن وســائل التواصل الاجتماعي التي تركــز على التباين المفرط بــن الطبقات وأفراد المجتمع، تهتم بايصال صورة الثــراء الفاحش للبعض من مؤثرين وفنانين وتوصل صورا نظيفة دون شوائب ونموذجا لحياة الأحلام.

وقد تنقل لنــا بعض صور وفيديوهات عن بشــر لم يدخلــوا التاريخ والتمدن، يعيشون حياة تنعدم فيها الأساسيات.

من يرى نصاعــة الوجوه وجمالها وكم المكياج، الذي يعلــو صور «اليوتيوبرز» والمؤثريــ­ن، لا يمكنه قبول وجوه غبرة وشــعور شــعثة، في وقت شــح المياه في الحنفيات.

النــاس لا تجد مياها للشــرب، فما بالنا بمياه الاســتحما­م. هكــذا تتغير ملامح بلداننا وتختفي الطبقة المتوسطة تدريجيا تحت ضغط بروز طبقة تستهلك الأخضر واليابس وتظهر في صورة الحمل الوديع والوجه الملائكي، بينما يخشوشن البقية، لأن المياه لا تدوم والبطالة متفشية بقوة، والثروات تتسلل لشرذمة، ويتوطن العنف والفوضى لدى من صنع الإعلام والسياسة، وهم أوعية لكل المآسي.

ماذا بقي من الكرامة!

أثار مقتل الشاب أحمد بن عمارة 32 سنة، بعد لحظات من اعتقاله من طرف أعوان الأمن في منطقة الشــعبية ســيدي حسين السيجومي، ســخط التونسيين وجعلهم يخرجون للتظاهر، حتى في العاصمة، ناهيك عن حال المنطقة مســرح الحدث، التي لم يهدأ لها بال منذ ذلك اليوم، وتتجدد فيها الاحتجاجات والمناوشــ­ات مع البوليس )حســب موقع كابتاليس( وعلى إثر هذا الحدث، وقع أمر مخز وهو ســحل الشاب التونســي القاصر من طرف أعوان الأمن عاريا، كما «ولدتــه أمه»، بعدما انتفض لما حدث لابن حيه.

هذا الحادث لــم ولن يبقى مجرد خبــر في صحف محلية، بل سينتشــر عبر كل وسائل إعلام الدنيا، بعدما انتشر في البلدان العربية.

وبعد السخط غير المسبوق على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لشاب غير معــروف الهوية - أفضل له على الأقل حتى يقلل من متاجرة الإعلام به - كما طالبت وتمنت ذلــك عربية حمادي في فيديــو مؤثر، وإدخال محيطه وأســرته وأصدقائه وحتى مدرســيه إن كان متمدرســا في لعبة الســبق الصحافي على حساب الحالة النفســية والكآبة الاجتماعية والاقتصادي­ة، التي يعيشها هذا الشاب المعنف بأقصى درجات العنف.

هكذا تضيع كرامة الإنسان، بينما الإعلام والناس منشغلون برقص صفير وجسد الدباغ ومخنثي الشوارع!

هكذا تخلق بؤر التوتر في المجتمع التونسي، الذي فعلا لا ينقصه هذا وهو يواجه أزمة اقتصادية متغولة ومتوغلة في مفاصله، والتي زادها فيروس كورونا.

وكذلك لا يجد التونســي بديلا سياسيا في جو الديمقراطي­ة، وهو بين فكي مطرقة النهضة وســندان الحزب الدستوري الحر. سحل جســدي وسحل سياسي ولا أحد يهتم لمن يتضور جوعا وكرامة. لكن هل العري عري الأجساد فقط؟

في فيديو مطول نوعا ما وبعنوان: «كلنا عرايا... كلنا طيحولنا السروال». تعرج الصحافية التونسية، التي أحيلت على البطالة قســرا، بسبب مواقفها، على خلفية قضية الشــاب، وكأنــه الأول من نوعه، بينمــا تتم تعرية التونســي في كل لحظة. والعري ليس عري الجسد، بل عري الروح والكرامة والنفس. كيف لا والكرامة تنتهك في كل مكان. في وسائل النقل ومقرات العمل وشروط التوظيف التعجيزية.

تقول طبيعي أن يرفسك رجل الأمن ما دام تم رفسك من طرف السياسي. ورغم أنها تحتــرم رجال الأمن لأنهم على خط النار والمخاطر، ولأن عائلاتهم لا يدرون إن كانوا سيعودون في المساء أو لا بعدما يغادرون صباحا، ولأن رواتبهم ضعيفة ولا تكفيهم إلى آخر الشــهر، فإنهم يفكرون في الرشــوة. أما السياسي أو رجل الأعمال أو المدير العام أو صاحب النفوذ، الذي يمسك القلم فقط ليمضي فإنه لم ولن يحاسب. فأحمد الذي توفي ليس الأول ولا الأخير. فما الفرق بينه وبين الدكتور بن الدين، الذي توفي بعدما سقط في المصعد في مستشفى جندوبة.

لا فرق، اليد نفسها والقتل نفسه والمجرم نفسه والمهين للكرامة وللمواطن نفسه. نتيجة قرار مسؤول فاســد وفر كل شــيء حتى يصبح رجل الأمن مجرد «روبوت» يشحن شحنا وعلى أعصابه. لا يفهم إلا بالشتم، إلا بالضرب.

تواصل حمادي، إن ما اســتفزها وقهرهــا ليس تنحية الســروال، فعلاوة على تعريته وتجريده من ملابســه مشى الصغير امتارا عاريا إلى أن وصل سيارة الأمن. قد تلفق له تهم و«يلبســوه قضايا» مثل أنه مخمور أو يتعاطى مخدرات وغيرها، كي تقول أنتم السبب. بسببكم يا فاسدين «طيحتوا» بكرامة التونسي وأصبح ينظر إليه في البلدان من فوق لتحت. بفسادكم وفساد إعلامكم، حاشا القلة، ألهيتم الشعب في «الرقص». نسيتم النساء العاملات اللواتي رحن ضحايا «الكوميونة». ألسن عرايا هؤلاء!؟ عندما تخرج للشــارع بـ 50 دينارا لا تعرف ماذا تشتري بها ولماذا لا يمكنك الشــرا، ألســت عاريا؟! كرامتك في ســروالك؟ كل يوم تنتهك الأعراض في وسائل الإعلام».

تواصل عربية حمادي سرد كل أحداث تونس المؤلمة وتتمنى أن تبقى هوية الشاي مجهولة حتى لا يستثمر فيها إعلام «الزبالة» أو إعلام «البوز».

كمــا تطمئنه بمرارة في الأخير قائلة: «ماتحطهاش في قلبك براس ولدي رانا كلنا عريانين، نواب البرلمان عرونا. رؤســاء الحكومات عرونا، الوزراء عرونا. وللأسف الشــديد كل من وضعنا فيهم الثقــة عرونا ونبقوا عريانين حتى يســترنا ربي. كلنا بدون استثناء عرايا».

زمن ريفكا ونوميديا وزمن بهية راشدي

من الفنان ومن ليس بفنان؟ من يعش أرقى عيشة ومن يلهث في البحث عن قانون يحميه. هل الناس، حظوظ أم مســتويات؟ أم زمن غابت فيــه المقاييس وأخلاقيات العمل في كل المجالات؟

هل حصد «الجامات» والمتابعات على وســائل التواصل الاجتماعي هو من يصنع الفنان اليوم الذي لا يحتاج لقانون فنان. بل يتســارع المسؤولون في الوصول لمثل هؤلاء الفنانين بحجة أنهم شــباب مثل ما حدث مع ريفكا ووزير الثقافة الســابق عز الدين ميهوبي.

هل النجوم تصنعهم السياســة والمال ثم تأتي الموهبة. مواهب تشــبه الفقاعات وتنشــط في كل المجالات. فنان شامل يغني ويرقص ويشــتم الاخرين. وقد يتحول لخاطبة، مثلمــا حدث مع «نوميديا لزول» التي تطوعت لأن تخطب لمحبيها، حســب ما تناقلته وســائل الإعلام ومنصــات التواصل الاجتماعي، وأن تســاعد في التقاء الأرواح من خلال الانستغرام وعرض عشرة رجال جادين في الارتباط وعشر نساء مع سيرهم الذاتية وصورهم. وقالت إنها ستغني في عرس أول زوج تنجح في تزويجه بهذه الطريقة. والله فكرة عندما تنتقل الخاطبة التقليدية التي كانت تتصيد الفتيات بالأعراس والحمامات، واللقاءات الأســرية، إلى الممثلة والمؤثرة وبواسطة منصات التواصل الاجتماعي.

كنا ننتقد تســليع الفتيات وعرضهن أمام الخطاب وأهاليهم. أصبحت السلع على الأنستغرام. اللي ما يشتري يتفرج. عوض الفرجة الأسرية قد تصبح فرجة مليونية!

الثنائي ريفكا ونوميديا اللذان يعتبران نماذج لجيل الشــباب، ما زالا يتصدران المشــهد في منصات التواصل الاجتماعي بعد مقطع الفيديــو، الذي ظهرا فيه مؤخرا والذي حصد مشــاهدة فاقت 2,7 مليون و413 ألف «جــام» وأكثر من 4 آلاف تعليق. مــدة الفيديو لا تتعدى 8 ثوان. وهما يظهران بنظارات ومناديل على الرأس، يذكران بموضة الخمســيني­ات )حســب ما جاء في موقع دزاير ديلي( وحتى كلبهما الصغير ظهر بنفس اللــوك. وهم يؤديان كلمــات أغنية «مايك بوســنر» التي تحمل عنوان «رجاء لا تذهب»، الأغنية التي تذكر بالأجــواء الاحتفالية والصيفية. في صيف بدأ حار جدا. كما واصل الشــاب ريفكا، إبهار معجبيه ومتابعيه، من خلال مقطع فيديو آخر، يعرض من خلاله فخامة بيته الجديد الذي اشتراه بقيمة 8 مليار سنتيم. البيت يطل على المسجد الأعظم. وردا على تعليق إحدى متابعاته التي طلبت من المسؤولين فتح تحقيق عن مصدر ثروته، رد مســتغربا أن يكون الحسد بلغ هذه الحدة، وأرجع سبب ثرائه إلى رضى الوالدة. هكذا يمتع ريفكا جيله ويميعه.

هذا وإلى جانب «الثورة الشــبابية الفنية»، بســلبياته­ا وايجابياته­ا ومنحاها الاســتهلا­كي المحض، في وقت ما زال «البوطي» يحصد الأرواح، بينما ريفكا يستقل طائرة خاصة للسفر كما يحلو له.

في هذا الزمن الــذي يزداد صعوبة على الجميع ومن بينهــم الفنانون، وفي عيد الفنان تناقل الاعــام ومنصات التواصل الاجتماعي لقاء الوزير الأول الســيد عبد العزيز جراد بالممثلة الكبيرة بهية راشــدي، في لفتة مسؤول لفنانة قد تمثل الفنانين وتحمل همومهم في عيد الفنان، الذي يحل دائما ليذكر بمشــاكل ومتاعب الفن وأهله في الجزائر. حتى نقول إننا لم ننس الكبار أو بعضهم وإن الســاحة لم تملأ من طرف أشباه النجوم الذين كانوا محظورين من الأعلام وأصبحوا الآن الكل في الكل.

نذكر أن هناك فنا من فن وفنان من فنان. وصناعة النجوم مثل صناعة السياسيين لا تعرف مقاديرها ووصفاتها بالضبط. ٭ كاتبة من الجزائر

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom