Al-Quds Al-Arabi

تصاعد الانتقادات الإسرائيلي­ة لنتنياهو لرفضه مرافقة بينيت وإرشاده وإخلاء دار رئاسة الوزراء

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تتصاعد الانتقادات لدى الأوســاط السياسية والإعلامية في إســرائيل لســلوك رئيــس المعارضة بنيامــن نتنياهو واستنكافه عن تسليم مقاليد الســلطة بشكل سلس، وعدم مرافقة وإرشــاد رئيــس الــوزراء الجديد حــول القضايا الحساســة والمهمة، علاوة على رفضه مغادرة مقر رئاســة الوزراء في القدس المحتلة.

وخلافا لتقاليد إســرائيلي­ة ســابقة رفض رئيس حكومة الاحتلال الســابق نقل مقاليد الحكم في طقــوس احتفالية تشــمل رفع الأنخــاب والتقــاط الصور، لكنــه رفض أيضا الجلــوس مع رئيس الحكومة الجديد ســوى نصف ســاعة بعكس ما فعله رؤساء سابقون.

وتعرب أوساط سياسية وأمنية عن غضبها على نتنياهو لتخصيصــه 30 دقيقة فقط لما تعرف بفتــرة مرافقة خليفته، رغم أن المصالح العليا تتطلب قيــام رئيس الوزراء المنتهية ولايته بإطلاع خليفته على أســرار الدولة وعلى نقاط بالغة الحساسية، تاركا له أن يتعلمها بنفسه، رغم تجربته القليلة، مفضــا بذلك أنانيتــه ومصلحته الشــخصية على مصالح قومية عليا، وفق الاتهامات المستمرة ضده.

واحدة من أكثر الوظائف المعقدة في العالم

واستذكر موقع «واينت» العبري وصف نتنياهو لوظيفة رئيس حكومــة في إســرائيل بأنها «واحدة مــن الوظائف المعقدة والصعبة في العالم». وقــال الموقع إن نعت نتنياهو هــذا هو نعت دقيق ولا يمكن مناقشــته حــول ذلك. ويتابع «فعلا قليلة هــي المواقف التي تضع متخذهــا داخل طنجرة ضغط بحالة غليان كما هو الحال في إدارة شؤون إسرائيل». ومن هنا يتساءل «واينت» لماذا قرر نتنياهو في ختام 12 سنة من رئاسة الوزراء تخصيص 30 دقيقة فقط لمحادثة مع بينيت رغم الحاجة لمرافقته كرئيس وزراء شــاب وغير مجرب )49 سنة(.

واعتبــر نائب مستشــار الأمــن القومي الســابق عران عتسيون أن سلوك نتنياهو ينم عن قلة مسؤولية، منوها أنه غير متفاجىء منه لأن ذلك ينســجم مع مجمل إدارته للأمور خلال العامين الأخيرين على الأقل.

وعن ذلك يقول عتســيون «رئيس وزراء هو حالة خاصة ونادرة، وهنــاك معلومات يعرفها هو وحــده فقط. بمقدور نتنياهو الزعم بأن بينيت حصل على إرشــادات ومرافقة من قبل رئيس مجلس الأمن القومي ومن الســكرتير العسكري لرئيس الحكومة. هذا جيد ولكــن هناك أمورا وحقائق مهمة جــدا يعلمها رئيس الوزراء فقط قيلــت له في محادثة بأربع عيون بينه وبين قادة في العالم».

لقاءات القديم مع الجديد

وحســب «واينت» يفضل ديوان بينيت تحاشي الحديث عن تلك الجلســة «العجولة والفقيرة» مــع نتنياهو، مكتفيا بالقول إنه من الصعب الحديث عن خيبة الأمل من نتنياهو، بل إن التوقعات كانت ليست عالية منه.

في المقابل يوضح «واينت» أن كل من يرافق شؤون الدولة وإدارة المواضيع السياسية الدبلوماسي­ة والأمنية الحساسة يعبرّون عن صدمتهم من سلوك نتنياهو.

وفي هذا السياق يقول عتســيون إن لقاءات المرافقة بين القديم والجديد في رئاسة الوزراء ينبغي أن تستمر لساعات بل لأيام، لافتا لضرورة معرفة رئيس الحكومة الجديد أسرار الدولة والنقاط الحساســة والمهام العاجلة جدا الماثلة أمامه مباشرة ودون وساطة من سابقه في المنصب.

ويكشــف الموقع العبري أن جلّ جلســة بينيت ونتنياهو القصيرة دار حول قضايا أمنية بالتشديد على إيران، منوها أنه بالإضافة للحاجة لحديث معمق حول الملف الإيراني هناك

مواضيع حساســة أخرى تعتبر وجودية لم يتم التطرق لها في هذا اللقاء أو ذكرت على وجه السرعة وبصورة سطحية.

ويعــدد بعض هــذه القضايــا الحساســة المركزية التي يحتاج بينيــت لاســتكمال المعلومات حولها مثــل: الوضع الاســترات­يجي للولايات المتحدة، والعلاقات مع إدارة بايدن والحزب الديمقراطي، وكيف بدأ الحــوار الداخلي الحميمي بين نتنياهو وبين ترامب، ومن بعده مع بايدن وطاقمه.

العلاقات الوثيقة مع بوتين

وتســاءل «واينــت» في هذا الســياق هل قــدم نتنياهو التزامــات معينــة أمام بايدن أو ســابقه في مجــال تجميد البناء في المســتوطن­ات وفي القدس على سبيل المثال؟ وهل وعــد بالامتناع عــن هجمات معينــة داخل إيــران؟ ويقول إنه من غير المعقــول أن نتنياهو وبينيــت تحدثا بعمق عن الملف النووي الإيراني، ويتســاءل ماذا كانت اســتراتيج­ية نتنياهو المســتقبل­ية فــي هذا الملف؟ وكيــف ينبغي معالجة سباق التسلح النووي الإيراني منذ الآن؟ كما يشير للحاجة للاطلاع على عمق العلاقات الحساســة مع روسيا منوها إلى منظومة العلاقة الشــخصية التي أدارها نتنياهو مع بوتين، مشيرا الى أن السفير الإســرائي­لي في موسكو لم يشارك في لقاءاتهما، معتبرا أن هذا مثــال واضح على موضوع لا يمكن تحديث معلومات حياله إلا من خلال نتنياهو نفسه.

كما يشــير للعلاقات السرية مع السعودية خاصة مع ولي العهد فيها محمد بن سلمان، الذي التقاه نتنياهو في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ويتســاءل ما طبيعة العلاقات اليوم بين إسرائيل والسعودية؟ كيف تبدو علاقة نتنياهو مع قادة الإمارات والبحرين وقادة آخرين في دول الخليج في المرحلة الراهنة؟ ما الذي تم إنجازه مقابل الإمارات ومقابل ولي العهد فيها محمد بن زايــد، وما الذي كان مطروحــا على الأجندة

نفتالي بينيت في الكنيست قبل الزيــارة الملغية لنتنياهو لأبو ظبي عشــية الانتخابات الأخيرة للكنيست؟ كما يشير للعلاقات الحساسة الهشّة مع الأردن وملكها، منوها الى حاجة بينيت الآن لترميم العلاقات وبناء ثقة معه، وكذلك موضوع الحالة الصحية للأمين العام لحزب الله حســن نصر الله والمحاولات التي كانت أو لم تكن لاغتياله. والآن وبعد الكشــف عن اعتــال صحته من المهم الفهم كيف تدير إســرائيل أمورها مقابل العدو من الشمال؟ كذلك يتوقــف عند قضية العلاقات مع الصين وحساســيته­ا وتبعاتها علــى العلاقات مع الولايات المتحــدة التي تطالب إسرائيل بالامتناع عن منح عطاءات عمل في البلاد لشركات صينية خشية المساس بمصالح أمريكية.

وتندرج غزة وتسوية الصراع معها ضمن هذه التحديات والمشاغل، ويتساءل عتســيون ماهي التفاهمات والاتفاقات التي تم التوصلّ إليها مع حماس، وفي هذا الســياق يتساءل أين وصلت قضية مفاوضات تبادل الأسرى وعلى ماذا وافق نتنياهو وما الخط الأحمر الذي رسمه هنا؟

الطاقة والغاز

ويعتبر مســألة الطاقة والغاز قضية جوهرية ذات أبعاد دبلوماسية سياســية، أمنية واقتصادية. ويقول إنه كان من المفروض أن يشــرك نتنياهو بينيت بالاستراتي­جية المعتمدة لمواصلة الطريق: هل ينبغي الاســتثما­ر بحفر المزيد من آبار الغاز في قاع البحر الأبيض المتوسط؟ وهل ينبغي أن تصدرّ إسرائيل الغاز ولمن؟

وفي هذا الســياق توضــح الإذاعة العبريــة العامة التي انضمت للانتقــاد­ات الموجهة لنتنياهو وتقول إنه يعلم جيدا كيف تتم عملية نقل السلطة بسلاسة بعدما تعلم ذلك بشكل شخصي عندما سلمّه الحكم شيمعون بيريز بعد خسارته في الانتخابات المباشرة عام 1996.

ونقلت الإذاعة العبرية عن يونا بارطال أمينة ســرّ بيريز قولها إنه «خلال عدة أيام كان بيريز يصل خلسة بمركبة غير رسمية لمقر رئاســة الوزراء من أجل مرافقة وإرشاد نتنياهو رئيس الوزراء الجديد وقتها، رغم المرارة الكبيرة لدى بيريز الذي خســر الحكم بفــارق نحو 16 ألف صــوت فقط، وهو الدبلوماسـ­ـي والسياســي المجرب وأحد مؤسسي إسرائيل الأوائل».

وتتابع «كان بيريز يصل عند المساء ويغير مركبته كل مرة كي تبقى العملية سرية ويجلس مع نتنياهو لساعات طويلة أحيانا حتى طلــوع الفجر. وقتها قلت لبيريز: لو يعرف قادة حزب «العمل» أنك بصفتك رئيس المعارضة الآن تقوم بزيارة بيت رئيس الحكومة كل مساء لإرشاده لأقالوك من منصبك، عندها أجابني بالقول: يونــا، الدولة دائما هي الأهم يتلوها الحزب والشــخص يأتي بالدرجة الثالثة من ناحية الأهمية. وقتها جلس بيريز مع نتنياهو وسلمه كافة الوثائق المكتوبة وغير المكتوبة والحساسة، خاصة المسيرات التي قطعت قبل اســتكماله­ا. وقتها علي أن أقول إنهم اســتقبلون­ا ببشاشــة وبشكل طيب جدا».

خطوة غير محترمة

وتســتذكر الإذاعة العامة أن إيهود أولمرت بادر لتســليم مفاتيح الحكم لنتنياهو في2009 وأن «عملية المرافقة» بينهما دامت وقتا كافيا طويلا وشملت عدة لقاءات استغرقت بضع ســاعات كل مرة خصصّــت للحالة الأمنية والدبلوماس­ــية في الحلبات المختلفة، من بينها جلســة خاصــة حول الملف الإيراني.

وعن اللقاء القصيــر لنتنياهو مع بينيت قال أولمرت أمس إن الحديث فعلا يدور حول خطوة غير مســبوقة ومرفوضة وغير محترمة ولا تحترم دولة ولا احتياجاتها، ولكن من جهة

أخرى ما فاجأني».

وتبعه رئيس الوزراء الأســبق إيهود بــراك الذي قال»لا أذكر عملية مرافقة وإرشاد لرئيس وزراء جديد في إسرائيل تمت بهذا المستوى من الاستخفاف والفوضى.

والأنكى من ذلك عدم تنظيم حفل متواضع ومحترم خاص بنقل السلطة».

ويشدد عتسيون أن هناك معلومات حصرية لدى نتنياهو فقــط بعيدة عــن العين، منها على ســبيل المثال ما نشــرته صحيفة «واشنطن بوست» حول محاولة الانقلاب في الأردن بتواطؤ محمد بن سلمان وجاريد كوشنر ومشاركة نتنياهو. ويتابع «هذا موضوع اســتراتيج­ي مــن الدرجة الأولى ومن الواضــح أن بينيــت حينما يلتقي للمــرة الأولى مع مندوب عن دول ذات الصلة ســيتم طرح هذا الموضوع، وعندها ماذا سيقول بينيت؟ هل سيقول: لا أعرف… اسألوا نتنياهو؟».

تعقيب مكتب نتنياهو

ومن أجل ســدّ هذه الثغــرات يرى عتســيون أن بينيت ســيحتاج لمهارات دبلوماسية خاصة، مثلما سيحتاج السير بين النقاط في كل ما يتعلق بالعلاقات مع قادة كان لنتنياهو صلات متينــة معهم. ويضيــف «يتعين عليه أيضا إرســال مستشــار الأمن القومي للذهاب للأرشــيفا­ت ونبشها بعمق ربما يجد ما يعينه على إدارة دفة شؤون البلاد.

فهناك مستندات من مختلف الأنواع منها سرية جدا ومنها رســمية أكثر أو أقل وربمــا هناك مســتندات تم إتلافها ولذا ســيحتاج بينيت للحديث مع عدد من المســؤولي­ن السابقين والحاليين كي يثــري معرفته وفهمه لقضايــا كثيرة». وفي تعقيبه على هذه الانتقادات اكتفى مكتب نتنياهو بالزعم أن عملية مرافقة بينيت عالجت مواضيع أمنية.»

يرفض مغادرة دارة رئاسة الوزراء

وكشــفت القناة الإســرائي­لية إن نتنياهو يرفض مغادرة المقر الرســمي لرئاســة الــوزراء، بحجة أنــه يحتاج لعدة أسابيع لنقل محتوياته لبيته الخاص في مدينة قيسارية.

ووفقا للقناة 12 فإن بينيت تقبل الأمر مفضلا عدم الدخول في مواجهة مــع نتنياهو، رغم أن الأخير يواصل اســتقبال ضيوف رســميين في مقــر إقامته، متجاهــا وجود رئيس حكومة جديد.

ونوهت لاســتقبال نتنياهو لســفيرة الولايــات المتحدة الســابقة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، والتقاط صور معها في المكان نفســه الــذي كان يلتقط فيه صــورا مع ضيوف رفيعي المستوى خلال إشغاله رئاسة الوزراء منذ2009 على التوالي، مذكرا بذلك بنمط ســلوك صديقه المطرود من البيت الأبيض دونالد ترامب.

ويبــدو أن نتنياهو ما زال يرفض التســليم بالأمر الواقع ولم يهضم خســارته بعد كــون خصومــه الفائزين هم من حلفائــه وتلامذته الصغار، ومنهم بينيت نفســه الذي عمل مديرا لحملته الانتخابية في الماضي.

وربما يعبــر نتنياهو عما في دواخلــه بتصريحه مجددا أمــس إن حكومة بينيت ستســقط قريبا جدا وبأســرع مما تظن هي بنفســها. ولذا ربما هذا ما يقف خلف طلب محاميه تأجيل مداولات المحكمة بخصوص الملف 4000 الذي يتهم فيه نتنياهو بتلقي الرشــوة، وذلك إلى ما بعد الأعياد اليهودية، في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ويبدو أن كل هذا السلوك الخاص بنتنياهو يتعداه ويعبّر عن تغيرات عميقة في إســرائيل التي بات قادتها منشــغلين بأنفسهم وأحيانا على حساب مصالحها العليا أكثر من جيل المؤسسين بكثير، علاوة على استشــراء الفساد بكل أنواعه وانتشار الرشوة وخلط الأوراق والتورط بخطاب الكراهية والتخوين ضــد كل من يعــارض الحاكم، ممــا دفع رئيس إســرائيل المنتهية ولايته رؤوفين ريفلين للقول إن الأوضاع الداخلية المذكورة أشــد خطورة من قنبلة إيران وغيرها من التهديدات الخارجية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom