Al-Quds Al-Arabi

«دعاة عصر السادات»: السبعينيات وبداية ضياع الهوية المصرية

- القاهرة ـ «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم:

يصعــب الاختــاف علــى أن ســنوات ســبعينيات القرن العشــرين، غيّرت تماما من ســلوك الشــعب المصري، ولتضافــر ظروف سياسية سيئة واجتماعية أسوأ، ظهر ما يُسمى بأســلمة الدولة، أو المد الديني، الذي جعل من دعــاة الدين ورجاله، أهم الأصــوات الُمتحكمة في أحــوال البلاد والعباد. ولا مبالغة في الأمر، وقد وعت السياســة قيمة وخطر رجال الدين، وكيفية استغلالهم وفق هوى مصالحها، وكان دوماً رجال الدين ـ إلا مَن رحمهم ربهم ـ لها من المخلصــن، وهو ما نجده حتــى الآن من خلال وسائل الميديا، كالفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي.

حاول البعض الكشــف عن هــذه الظاهرة وتأثيرها ونتائجها، رغم اختلاف قيمة ما يُكتب من مقالات ومؤلفات تدّعي الرصانة، إلا أنها في مجملها تأتي تحقيقــاً لمآرب أخرى، أو تحريضاً بأوامر سياســية، حيث لا يختلف رجال الدين عن الموســومي­ن بالمثقفين، فهم آفة الجهل العام. ولنا أن نرى في غضب الســادة الموســومي­ن، مــن تهافت تأثيرهم، مقارنــة بمحترفي الدجل الدينــي، وهو أمر أيضاً مــردوده تعمد تجهيل الناس، لأن الأهم في كل ذلك هو مصلحة النظام الحاكــم لا أكثر ولا أقل. وفي مطلــع هذا العام، صدر كتاب بعنــوان «دعاة عصر الســادات» للصحافــي والإعلامي وائل لطفــي، الذي يعد الثالث في مشروعه، بعد كتابي «ظاهرة الدعاة الجدد» و«دعاة الســوبر ماركــت» إضافة إلى

فــوز لطفي منذ أيــام بجائزة الدولــة للتفوق فرع العلوم الاجتماعيـ­ـة. ويأتي العمل منتهجاً منهج البحث العلمي، مع سعة المصادر والمراجع وتنوعهــا، وكــذا الآراء المؤيــدة والمختلفة مع وجهة نظــره، أو ما يحاول التوصــل إليه من نتائج.

جذور الظاهرة

يوضح الكاتب بداية، أن الأفكار التي تبناها واعتنقها الدعاة في فترة السبعينيات، وبثوها في عقول الشــباب والفتيات في الجامعات، أو من خلال خطبهم على المنابر وعبر الشاشات، لا تبتعد كثيراً عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين، ومفهوم الدولة الإســامية وتطبيق الشريعة، ورغــم الانفصال الظاهري لبعــض الدعاة عن الإخوان، إلا أن نظرتهم لم تتغير عن حسن البنا وأفكاره، بل أصبحت فتاواهم وكتاباتهم مرجعاً لشباب الجماعات الإسلامية الجديدة. نجد أن التغيير الجذري ضرب مصر منذ انقلاب يوليو/ تموز 1952، واســتمر مع اختلاف السياســات حتــى الآن. وتأتي جماعة الإخوان المســلمين وتفرعاتها، التي نشــأت بداية فــي كنفها، ثم انشــقت عنها واختلفت أهدافها ووسائلها ـ لا ننســى أن عبد الناصر نفسه كان ضمن أعضاء الجماعة، كما ذكر أكثــر من مصدر، أهمهم خالد محيي الدين في كتابه «الآن أتكلم» إلا أن أغلب الأخوة اليساريين ينكرون ـ لكن تفشي ظاهرة هذه الجماعات وتغلغلها فــي المجتمع المصري جاء مع عصر الســادات، بداية مــن عام 1970 وحتى اغتياله عام 1981 على يد إحداها، بهدف القضاء على اليسار والشيوعيين، أو من يُطلق عليهم بـ)تابعي فكر عبد الناصر(. إلا أن هناك العديد مــن العوامل التي ســاعدت على تفاقم ظاهرة )تديين المجتمع( بالقوة، وكأن الشــعب المصري كان يعبــد الأصنام وقتها ـ مع ملاحظة أن دعاة الســبعيني­ات كان ترويجهم الأساس هــو فقه وأحــكام إســام الصحــراء، وليس الإسلام كما فهمه وعاشــه المصريون ـ فهزيمة 1967 فتحت باب الشك على مصراعيه في صدق المشــروع الناصري، وكذا اكتشــاف أو الإقرار باســتبداد الرجل ودولته القمعية، فسقط حلم القوميــة لصالح الأمة الإســامية، وبالطبع لا يوجد أفضــل من رجال الدين والدعاة للحديث عــن الآخرة ونعيمهــا، وضياع الإنســان، بل الدولة كلها عند الابتعــاد عن منهج الله. بينما رأي آخر يرى أن الســادات هــو مَن فتح المجال واســعاً للإســاميي­ن، من خلال صفقة للقضاء على خصومه، خاصة اليســاريي­ن، إضافة إلى ميل شخصي لديه لأسلمة الدولة، أو البحث عن سياسة مخالفه لسلفه، لكن كامب ديفيد كانت بداية نهاية شهر العسل، الذي انتهى باغتياله.

نجم النجوم

يرى الكاتــب أن محمد متولي الشــعراوي (1911 ــــ 1998( بحكــم تكوينه السياســي والثقافــي، يعد خير مَــن يحمل رايــة العداء للســتينيا­ت. كما يصفه بـ)الوفدي الإخواني( وهما أكثر تيارين كرهوا عبــد الناصر وزمنه، حتى أنه تخيــل أن الانقلاب ـ يصــف الكاتب دوماً أحــداث يوليو بأنها ثورة ـ ســوف يُعيد النحاس باشا لرئاسة الوزراء، وذهب بالفعل لاســتقبال­ه في المطار بعد عودته من سويسرا

بعد يوليو مع وفد مــن زعماء الطلاب، ليُطلعه النحاس بالحقيقة، بأن الوفد لن يعود للسلطة مرة أخــرى، فيرحل الشــعراوي عن مصر في العام نفســه ـ 1952 ـ إلى السعودية مع البعثة الأزهريــة، ولمدة عشــر ســنوات كاملة حتى 1962وعندما عادت البعثة لظروف سياسية، لم يستطع الرجل البقاء في مصر، فسافر في العام التالي 1963 مع بعثــة الأزهر للجزائر، وعندما مات عبد الناصر عاد الشــعراوي إلى العربية الســعودية ـ أحب البلاد إلى نفســه ـ ليستقر بعدها في مصر، ويبدأ ماراثون الدعوة واللعب بعقول النــاس بداية من عــام 1974، ليصبح نجماً من نجوم التلفزيون، ووزيراً للأوقاف ما بــن 1976 و1978 أي وزير أوقاف كامب ديفيد، ليســتمر بعدها في تقديم عروضه التلفزيوني­ة بأداء تمثيلي بارع، فأصبــح أكثر المؤثرين في عقول الشــعب المصري حتى الآن ـ راجع مقالنا بعنوان )العالم والداعية.. دولة العلم والإيمان ولعبة تغييــب الوعي.. «القــدس العربي» 19 يونيو/حزيران 2019 .)

النجم الهادئ

ويرى الكاتب أن الإمام محمد الغزالي )1917 ــ 1996( رغم خروجه عن جماعة الإخوان بعد يوليو، إثر خلافه مع الهضيبي، مُنتقداً التنظيم وأفكاره واســتغلال­ه للدين مــن أجل الوصول للســلطة، إلا أنه خلال فترة السبعينيات ومع عودة الروح للجماعــة، عادت الصلة بقوة بين الغزالي والإخوان، وأصبح من أبرز الشــيوخ الذين يدعمون الجماعات الإســامية، خاصة في المعســكرا­ت التي كانوا يقيمونها للشباب،

إضافة إلــى أنه كان من أبرز الداعين لأفكار الإخوان، كتطبيق الشريعة ـ فكرة تطبيق الشــريعة لا تقتصــر على الإخــوان، بل تشــمل كل المتأســلم­ين ـ حتى أن البعض اســتغل فتوى تكفيره لمن يُنكر الشريعة، وضرورة تطبيقها في اغتيال فرج فودة. وبمناســبة فرج فودة الذي ارتبط باسم الغزالــي.. نــرى في المقابلــة أن صوت فرج فودة كان صوت الدولة وقتذاك في حربها ضد الإرهاب ـ رغم تهافت نتاجه الفكري في مُجملــه مقارنة بغيره ـ فقد تم إفســاح المجال أمامه فــي الصحف وحريــة إقامــة الندوات وما شــابه، حتى صار نجماً، ليأتي الأغبياء الذين اغتالــوه ليحولوه إلــى بطل الحرية والتنوير. ومن المفارقات العجيبة أن الأخوة اليســار يطلقون عليه لقب )الشهيد( وهو لقب ديني في المقام الأول!

نجم اللايف

ويأتي الحديث عن الشيخ عبد الحميد كشك المولــود عام 1933، والذي يــراه الكاتب كنجم برامج «التوك شــو» حالياً، والذي لولا اختراع الكاســيت لما أمكن لخطب الشــيخ الساخر أن تطوف الوطن العربي كله، وأن تبقى حية حتى اليوم. فخطــب الرجل السياســية التي تأتي دومــاً تعليقاً على الأحداث كانت تقام في جامع يحمل اسمه )جامع الشــيخ كشك( في حدائق القبة في القاهــرة، فكانت هــذه الخطب تقام أمام الجماهير، الذين كان يضيق بهم المســجد ليفترشوا الشوارع، ويقومون بتسجيل الخطبة

لتصل ربوع مصر، وتتخطى حدودها. انتقم كشك من عبد الناصر ورجاله، وقد سُجن في عهده ـ عــام 1965 ـ إلا أنه بــدأ صدامه مع نظام السادات بعد كامب ديفيد، وتم اعتقاله في حمله الاعتقالات الشهيرة عام 1981، قبل مقتل الســادات بقليل، وتم الإفراج عنــه في 1982، ومُنع من الخطابة وإلقــاء الدروس طوال عهد مبارك المخلوع، حتى وفاته عام 1996. ويرجع تأثير الرجل لبســاطة كلماته، التي كانت دوماً ما تربط الديني بما يعيشه الناس، والبسطاء منهم بالأخص، إضافة إلى العديد من الحكايات السياســية والدينية، والربــط بينها في عمق وســهولة، ولك أن تســتمع إلــى إحدى خطب الشــيخ، لتقاطعه صرخات الجماهير المدوية.. )الله(.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom