Al-Quds Al-Arabi

«المدينة محتلة»... هذا ما كشفت عنه «مسيرة الأعلام» التي نظمها المستوطنون في القدس

ضربوا أبواب المحلات بالعصي واعتدوا على المحجبات والصحافيات وأدوا «رقصة الكراهية» قرب باب العامود وهتفوا: الموت للعرب

- نير حسون هآرتس 2021/6/16

■ القــدس معتــادة علــى أحــداث بشــعة تعــرض اســتقراره­ا للخطر. مســيرة الأعلام التــي جرت أمس كانت من بين هذه الأحداث الصعبة والمدانة فيها.

هذه المســيرة جاءت نتيجــة الإهانة التــي أوجدتها المســيرة الســابقة التي جرت فــي «يوم القــدس». في حينه، تم تغيير المســار في اللحظة الأخيرة، وتم إطلاق الصاروخ الأول أيضاً في جولة القتال وعملية «حارس الأســوار»، إلى جانب الهزيمة السياســية التي تعرض لها اليمــن المتطرف في هذا الأســبوع، والبيبية النقية وخائبة الأمل من نزول نتنياهو عن المنصة.

كان الحدث ســيجري الخميس الماضي، لكنه تأجل بتعليمــات مــن الشــرطة. فــي أحــد قراراتــه الأخيرة كرئيــس للحكومة، أملى نتنياهو على الشــرطة تأجيل موعد المســيرة إلى يوم أمس، أي بعــد يومين على أداء الحكومة الجديــدة لليمين. صمم منظمو المســيرة على «الرقــص» الجماعــي في ســاحة باب العامــود، وهي الساحة التي كانت بؤرة للمواجهات في شهر رمضان والتي أدت في نهاية المطاف إلى جولة العنف مع غزة.

مسيرة الأعلام في القدس حدث تقليدي يتم إجراؤه فــي «يوم القدس». وحتى قبل أربع ســنوات، كان هذا الحــدث يعتبر قبيحــاً جداً. مئــات من المشــاركي­ن في المســيرة هتفوا «المــوت للعرب» وقاموا بغنــاء عدائي، وهاجموا المــارة وخربوا وأضروا بالمحــات التجارية فــي الحــي الإســامي. عصــي الأعــام اســتخدمت بالأســاس أداة للضرب على أبواب المحــات التجارية فــي الحــي الإســامي، وكانــت الضجة تصــم الآذان ومهددة.

في الســنوات الأخيــرة، في أعقاب انتقــاد لاذع من المحكمــة العليــا فــي أحــد النقاشــات حول المســيرة،

وبــخ القاضــي اليكيــم روبنشــتاي­ن الشــرطة قائــاً: «المــوت للعــرب، خلــف الأســوار» – نجــح منظمــو المســيرة الســنوية، وهــي جمعيــة «عام كلافــي»، في تهدئــة النفوس. وطالــب حاخامات بوقــف الهتافات العنصــري، ومنــع المســؤولو­ن عــن النظام ذلــك على الأرض بقدر اســتطاعته­م. بقيت المســيرة اســتفزازي­ة وعنيفــة، لكن على الأقل لم نشــهد أي هجمات وأعمال عنصريــة صارخة. حتــى أنهم، قبل ســنتين، كورونا، تركوا وراءهــم عدداً من المحلات التجارية المفتوحة في الحي الإسلامي.

ولكــن ثمة منظمــات أخرى وقفت من وراء المســيرة الحاليــة: منظمــة «إذا شــئتم» المقربــة مــن نتنياهــو، وحــزب «الصهيونيــ­ة الدينيــة» والمجالــس الإقليميــ­ة من «يشــع». هؤلاء لــم يعرفوا – أو لم يريــدوا – إدارة الحدث. والنتيجة هي أعمال شــغب لحوالي 200 شاب مــن المتماهــن مع ملصقــات «كهانــا كان علــى حق،» الذيــن جــاءوا إلى بــاب العامــود يركضــون بصورة هائجــة ويبحثون عن أي ضحية عربية. ولأن الشــرطة ســبق وأخلــت كل المنطقة من الســكان العــرب، الأمر الذي أدى إلى مواجهات صعبة في الشــوارع القريبة، اضطروا إلى الاكتفــاء بامرأتين محجبتين كانتا تقفان على الدرج وبعــدد من الصحافيين الفلســطين­يين. لقد هاجموا بالبصــق والدفع وغنــوا كل الأغاني وأطلقوا هتافــات عنصريــة ممــا هــب ودب: «المــوت للعرب،» «لتحرق قريتكم»، «شــعفاط تحتــرق»، وبالطبع أغنية الثــأر المعروفة من عــرس الكراهية: «ســأنتقم من أحد العيون... وليمح اسمهم من فلسطين.»

حسب المسار الرسمي الذي صادقت عليه الشرطة، كان من المقرر أن يكون رقصاً في ســاحة باب العامود. عدد قليل جــداً منهم رقصوا، ومن فعلــوا ذلك رقصوا أيضــاً علــى أنغــام «ســأنتقم». عندما لاحظ الشــباب عضو الكنيســت ايتمار بن غبير تغيرت الأغنية بسرعة

إلى «من هو القادم؟ رئيس الحكومة القادم».

بالإجمال، المنظمون على حــق في الادعاء بأن الأمر يتعلق بحفنة من بين الثلاثة آلاف مشارك في المسيرة. اكتفــت الأغلبية بأغاني القدس، وأناشــيد إيمان ورفع الأعلام. ولكن هذه الحفنة تكشف بدرجة كبيرة الطابع الحقيقي لمســيرة الأعلام. هذا حدث جميعه اســتهدف الإهانــة والاســتفز­از، وليس فيــه أي فرح باســتثناء الفرح بمصيبة الآخرين.

اختفى منظمو المســيرة خلف سذاجة وورع السؤال الذي يكرر نفســه: هل أصبح الســير ورفع الأعلام في شــوارع القدس محظوراً؟ ولكن ليس هناك مثل مسيرة الأعلام لكشــف ما نســعى إلــى إخفائه طوال الســنة، وهــو حقيقــة أن عاصمتنا مدينــة محتلة. ففــي مدينة كهذه، فيها 40 في المئة من الســكان ليسوا من مواطني الدولة، وفيها شرطة تمنع احتجاج فلسطينيين هادئاً، لمصلحــة دولــة تخلي وتدمــر بيوتــاً حســب الانتماء القومي، إن مدينة كهذه يمكن للشــرطة فيها أن تفرض حظر التجول على وســط المدينة وتغلق مئات المحلات التجارية والمحطة المركزية )في شرقي القدس( لتسمح بإجراء مسيرة عنصرية وعنيفة بالمرور في الشوارع.

تكشــف المســيرة حقيقة أخرى، وهي أن ليس لدينا حل لمســألة القدس. طوال 12 ســنة من حكم نتنياهو، من المشــكوك فيه أن يكون قد جرى نقاش واحد جدي حول مســتقبل المدينة ومســتقبل الفجوة غير المحتملة فــي حقــوق المواطــن لســكانها. عندما لا تكــون هناك مواطنــة فلــن يبقى حلــم، بل تبقــى القوة فقــط. حتى كتابــة هذه الســطور، نجحــت الشــرطة، وبجهد كبير وبثمن 33 فلسطينياً وشرطيين مصابين، في استيعاب هذا الحدث حتى المسيرة القادمة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom