Al-Quds Al-Arabi

حكومة نتنياهو بلا نتنياهو

- * رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

أنجــزت الحكومــة الإســرائي­لية أول وأهــم أهدافها فــي لحظة إقامتهــا. كان هدفها الإطاحة بنتنياهو، وقد نجحت في ذلــك، وبقي أمامها أن تصمد وقتا كافيــا لفتح المجال لتفاعلات سياســية تمنع عودته. وعلى الرغم من أن مــا يجمع الفرقاء في هذه الحكومة هو الرغبة فــي التخلص من نتنياهو، إلا أنه لا توجد لديها أي نية للابتعاد عن سياســاته، بل بالعكس هي حكومة استمرار لهذه السياسات، وهي لن تسعى إلى تغييرها. هي، وبســبب خلافاتها الداخلية، حتى غير قادرة على ذلك إذا حاولت. في الواقع هذه حكومة نتنياهو بلا نتنياهو، ليس أكثر ولا أقل.

الطريق إلى حكومة بينيت ـ لبيد - غانتس

فشل بنيامين نتنياهو في تشــكيل حكومة عند تكليفه بذلك بعد الانتخابات الرابعة للكنيســت خــال عامين.. وكان، هذه المرة، قريبا جدا من ذلك، بعد أن قررت القائمة العربية الموحدة برئاســة منصور عباس الانضمام إلى التحالف اليميني الذي يقــوده، إلا أن قيادة حــزب «الصهيونية الدينيــة» اليميني المتطرف، رفضت المشــاركة في ائتلاف يشــمل حزبــاً عربياً، ولم تفلــح كل جهود نتنياهــو وتصريحات منصــور عباس «المطمئنة» لليمين، فــي تغيير موقف هذه القيادة. وبعد انتهاء المدة القانونيــ­ة انتقل التكليــف إلى يئير لبيــد، زعيم حزب اليمين ـ وســط «يش عتيــد»، الذي بذل جهــودا كبيرة لجمع أحزاب من اليســار والوســط واليمين الصهيوني في حكومة واحدة. وكان يبدو أن هذه الجهود ستفشــل، بســبب الحرب على غزة، والمواجهات في القدس ومدن الســاحل الفلسطيني والضفة الغربية. وبعد أن ســاد الاعتقاد، خلال المواجهة، بأن أجواء الحرب ستمنع تشــكيل حكومة بديلة، جاء صمود غزة

وفشل العدوان عليها ليحبط خطة نتنياهو في تعطيل مسعى خصومــه لإزاحته عن الحكم، وفي بناء مجده السياســي من جديد فوق جثث أطفال وأهالي غزة.

بعد أن أخفق نتنياهو في اســتثمار العدوان الإجرامي على غزة للبقاء في الســلطة، لجأ إلى أســلوب التهديد، عبر تأليب جمهور اليمين ضد قيادات يمينية، أبدت اســتعدادا للانضمام لحكومة لا يرأسها هو، وانطلقت، تبعا لذلك، دعوات هستيرية من حاخامات اليمين لفعل «كل شيء» لمنع إقامة حكومة بديلة، ما دفع رئيس وكالة المخابرات العامة الإســرائي­لية )الشاباك( للخروج ببيان رســمي وعلني غير مسبوق، حذّر فيه من خطر اعتداءات جســدية، أو حتى اغتيالات سياســية، مســتذكرا اغتيال رئيس الوزراء الإســرائي­لي الأســبق إســحاق رابين، عام 1995. في المقابــل انبرى نتنياهو بالعمل على إغراء نواب ما يسمى «كتلة التغيير» للانشــقاق عنها مقابل وعود بضمان الانتخاب فــي قائمة الليكود في الانتخابــ­ات المقبلة، ولإثبات جدية وعوده قام بتمرير قرار رســمي في الليكود بتخصيص ثلاثة مقاعد مضمونة لمــن يلبي النداء. وطلــع نتنياهو كذلك باقتراحات يومية، باســتعداد­ه للتناوب على رئاسة الحكومة مــع من يقبل بترك «كتلة التغيير»، وقــد رفض كل من جدعون ســاعار، رئيس حزب «أمل جديد»، اليمينــي، وبيني غانتس رئيس حزب «أبيض أزرق» هذه العروض، ولم يقبل بها نفتالي بينيــت باعتبارها غيــر جدية. بعد تشــكيل الحكومة البديلة ســيواصل نتنياهو سياســة التهديد والإغراء للإطاحة بمن أطاحوا به. هو نزل عن العرش مضطــرا، لكنه لم ولن يتنازل عن العرش.. المهم في الأمر أن جموح نتنياهو هذا يشكل ضغطا قويا على الحكومة الجديدة ويؤثر كثيرا في اتخاذ القرار فيها.

تركيبة الوزارة الجديدة

تتشكل الحكومة الإســرائي­لية الجديدة من ثمانية أحزاب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليســار الصهيونــي، إضافة إلى حزب عربي يعرّف نفســه علــى أنه ينتمي إلى تيار الإســام السياسي.

تشــمل مجموعة اليمــن المتطرف في هــذه الحكومة ثلاثة أحزاب: 1ـ حزب «يمينا» برئاســة نفتالي بينيت، الذي أصبح رئيسا للوزراء، وله 6 أعضاء كنيست )بعد انشقاق نائب عنه( وثلاثة وزراء، 2 ـ حزب «أمل جديد» برئاســة جدعون ساعار، الذي أصبح وزيــر القضاء وله 6 نواب في الكنيســت وأربعة وزراء، 3 ـ حزب «إســرائيل بيتنا » بزعامــة أفيغدور ليبرمان، الذي تســلم وزارة المالية، ولــه 6 نواب في الكنيســت )بعد انسحاب أحد اعضائه( وثلاثة وزراء أيضا.

المجموعــة الثانية هي كتلة اليمين ـ وســط وهي مكونة من حزبين: 1 ـ حزب «يوجد مســتقبل ـ يش عتيد» برئاســة يئير لبيد وزير الخارجية ورئيس الوزراء البديل )يســتلم رئاسة الحكومة بعد عامين(، وله 17 نائبا في الكنيست وسبعة وزراء، 2 ـ حزب «أزرق أبيض» بزعامة بيني غانتس، الذي سيبقى في

موقعه وزيرا للأمن، وله 8 مقاعد في الكنيست وأربعة وزراء.

المجموعــة الثالثة مكونة من حزب اليســار الصهيوني: 1 ـ حزب «العمل»، برئاســة ميراف ميخائلــي وزيرة المواصلات الجديــدة، ولــه 7 أعضاء كنيســت وثلاثــة وزراء، 2 ـ حزب «ميرتص» برئاسة نيتسان هوروفيتس، وله 6 أعضاء كنيست وثلاثة وزراء.

لقــد أقيمت هذه الحكومة على أســاس أنها مكونة رســميا من كتلتين، الأولى هي كتلة «يمينا» وتشــمل ايضا حزب «أمل جديد»، والثانية هي كتلة «يش عتيد»، وتشــمل أيضا أحزاب «إسرائيل بيتنا» وحزب «العمل» و»ميرتص» و»أزرق أبيض.» وعلى الرغم مــن عدم التوازي في عدد النــواب والوزراء بين الكتلتين، فإن لكل منهما الحــق في منع أي قرار لا توافق عليه، كما أن لهما تمثيلا بعدد الوزراء نفســه فــي أهم لجنة وزارية وهي الكابينيت السياســي الأمني، الذي يتخذ عمليا القرارات المهمة ذات الصلة.

ما هي سياسة هذه الحكومة؟

بعد اعتماد مبــدأ التكافؤ في التصويت بــن وزراء اليمين المتطرف وبقية الــوزراء، ضمن حزبا «يمينــا» و»أمل جديد» ســيطرة كاملة علــى اتخاذ القرار السياســي فــي الحكومة الجديــدة. وإذا أخذنا بعــن الاعتبار أن هذيــن الحزبين هما على يمين الليكود، فمن المســتحيل أن يســمحا بتمرير أي قرار يكون، أو قد يفســر أكثر اعتدالا من مواقــف نتنياهو. هما في المقابل غير قادرين على تمرير قرارات أكثر تطرفا، لأن الأحزاب الأخرى لــن توافق. من هنــا فإن سياســة الحكومة الجديدة ستكون، في المحصلة، مثل سياســة نتنياهو، بل إنها ستكون حكومة نتنياهو السادسة، من حيث نهجها بالأخص في الشأن الفلســطين­ي، فيبدو أن مواقفها ســتكون بلا تغيير سوى في التكتيك، فهي وبالتنســي­ق مع الولايات المتحدة، ستكون أكثر تشددا تجاه حماس، وأخف وطأة في تعاملها مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله.

كيف ســتتعامل الحكومة الجديدة مــع خلافاتها الداخلية، خاصة تلك التي قد تؤدي إلى تفككها وســقوطها؟ هذه ستكون أصعب مهامها، وهي ستفعل ذلك من خلال عدد من الطرق:

1 ـ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، بأن حكومته ستعمل في ما هو متفق عليه، وتضع المختلف عليه جانبا، إضافة إلى ذلك فإن السياســات القائمة سوف تستمر، إلا إذا اتخــذ قــرار بتغييرها، وهــذا أمر في غايــة الصعوبة. اليمين المتطرف في الحكومة مرتاح لاستمرار سياسات تعميق الاحتلال في منطقة «ج»، وتوســيع الاســتيطا­ن، وتشــديد الحصــار على غزة، ومواصلة مشــاريع التهويــد في القدس، وبالمجل سياسة الحكومات السابقة هي سياساته وهي سارية المفعول كما هي.

2 ـ ترحيــل الخلافات فــي المجال الأمني وجزء من الشــأن السياســي إلى المؤسســة الأمنية، لتتخذ هي القــرار لتتبناه الحكومة بعدها، واستغلال ســطوة هذه المؤسسة وشعبيتها في الــرأي العام لمنح القرارات السياســية شــرعية «أمنية». وهنا ســيجري المضي في مســار تحويل القضية الفلسطينية إلى مجــرد قضية أمنيــة، ونزع البعــد السياســي عنها، كما فعل نتنياهو، الذي تبنى اســتراتيج­ية «الإبادة السياســية» للشــعب الفلســطين­ي، وبينيت وســاعار وليبرمان وغيرهم يفكرون بالطريقة نفسها، وسيكون بإمكانهم وفق بنية وأسس الحكومة الجديــدة منع تغيير هذه السياســة، وهم ليســوا بحاجة لفرضها لأنها قائمة في الواقع.

3 ـ الالتزام بمواصلة مســعى تهميش القضية الفلسطينية، الــذي اتبعه نتنياهــو في العقــد الأخير، ونجــح في فرضه دوليا وعربيــا. ويعتقد القيمون على الحكومة الإســرائي­لية، أنه ســيكون بإمكانهم تجنب الخلافات، عبــر عدم التعامل مع القضية الفلسطينية واتباع سياسة التهميش ما أمكن.

4 ـ العمــل على ضم حــزب إضافي مثل حزب «شــاس» أو «ديجيل هتوراة»، لتوســيع قاعدتها البرلمانية، وتوفير حماية أكبر لها من خطر السقوط.

5 ـ تضخيم أهميــة القضايا غير الخلافيــة، التي تعمل بها الحكومة والعمل على التعامل مع القضايا الخلافية إلى قضايا غير مهمة، وقد وصل الأمر برئيس معهد دراسات الامن القومي، الجنرال احتياط عموس يدلين، الداعم للحكومة الجديدة، إلى الكتابة أن القضية الفلســطين­ية هامشية، وعلى الحكومة عدم الانشــغال بها، والاهتمام بما اعتبره قضايــا مهمة وتوافقية مثل، الملف النووي الإيراني، واســتهداف حماس وحزب الله والوجود الإيراني في ســوريا، والعلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، والســام الإبراهيمي، ورفع جاهزية الجيش للحرب المقبلــة وغيرها، إضافــة بالطبع إلــى القضايــا الاقتصادية والاجتماعي­ة الحارقة.

ما العمل؟

تعيش إسرائيل أزمة سياسية، والإطاحة بنتنياهو محطة من محطاتها ويجب الحذر من إنقاذها، بادعاء منع عودة نتنياهو

إزاء هذه الحكومــة الجديدة من المهم عدم الوقوع في أوهام قد تــروج لهــا الإدارة الأمريكيــ­ة وبعض الأنظمــة العربية. السياســة الإســرائي­لية لم تتبدل، بعد الإطاحــة بنتنياهو، وهي غير مرشــحة للتغيير، ولا حاجة للانتظار المعتاد. تعيش إســرائيل أزمة سياســية، والاطاحة بنتنياهو هي محطة من محطاتها وليس نهاية لها، ويجب الحــذر من التبرع بإنقاذها مــن هذه الأزمــة، بادعاء منع عــودة نتنياهــو. على العكس تماما هذه الأزمــة هي فرصة يجب اســتغلاله­ا لتقوية الموقف الفلســطين­ي، عبر تفعيل النضال الموحد على الأرض من جهة، والقيــام بحملة دولية لفضح هذه الحكومــة الجديدة، التي لا تختلف عــن حكومات نتنياهو، والتصــدي لحملات الترويج وكأننــا أمام واقع جديد أكثر اعتدالا في إســرائيل، فهذه كذبة يسهل تفنيدها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom