ماذا سيتغيّر بعد «حكومة التغيير» الإسرائيلية؟
■ أظهرت «حكومة التغيير» الإسرائيلية، منذ بداية استلام رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، لمنصبه، إشــارات تريد أن تكون واضحة للفلســطينيين بأن لا تغيير فعليا في سياسات القمع التي مارستها كافّة الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولا تغيير في سياق الإعلان الواضح عن أنها ستكون لها اليد العليا حين يتعلّق الأمر بالصراع مع الفلسطينيين.
مــن قبيل ذلــك كانــت موافقتهــا علــى «مســيرة الأعلام» الخطيــرة التــي كانــت نســختها الأولــى، أثناء حكــم رئيس الــوزراء الســابق، بنيامــن نتنياهــو، قــد أدّت إلى اشــتعال موجــة من الاحتجاجــات، وســاهمت، مع إجــراءات القضاء الإســرائيلي لانتزاع بيوت مقدســيين في حي الشــيخ جراح، والاعتــداءات علــى المســجد الأقصى، فــي امتداد النــزاع إلى مشــاركة فلســطينيين مناطق نكبة 1948، والتدخّل العسكري لـ«حمــاس» في غزة، الــذي أفضى إلى عــدوان دموي دام 11 يوماً.
إضافــة إلى ذلك، فقد أعادت الحكومة الجديدة تعيين وزير جيش الاحتلال في حكومة نتنياهو في المنصب نفسه مجددا، والــذي أصدر قــرارا بقصف جويّ جديد لمواقــع في غزة، ردا علــى إطلاق بالونات حرارية، وتبع ذلك، بعد ســاعات، تدخّل عســكري محــدود فــي جنــوب القطــاع، وتابعت الســلطات الإســرائيلية تســليم أوامــر الهــدم في أحيــاء بلدة ســلوان، جنوب المســجد الأقصى، وقتلت الدكتورة مي يوسف عفانة، المتزوجــة والأم لطفلــة في الثامنة مــن عمرها، بعد ســلوكها شــارعا عســكريا بالخطأ، والمقصود مــن كل ذلك هــو القول للفلســطينيين إن هذه الحكومة ليســت أقل جبروتا وعنفا من سابقتها.
إعــان «حكومــة التغييــر» أن السياســة الحديديــة ضــد الفلســطينيين لــم تتغيّــر لا يعني، رغــم كل الوقائع الســابقة، عــدم الانتبــاه إلى مســائل أخــرى تغيّــرت، ويمكــن أن يظهر تغييرهــا هذا، ولو بشــكل نســبيّ، على العلاقات السياســية الداخلية الإســرائيلية، بمــا فيها بعض الوجــود العربيّ فيها، عبر «القائمة الموحــدة» وحزب «ميريتس» اليســاري، وكذلك كنتيجة لــدور الصوت العربيّ في الانتخابات، والذي ســاهم في رحيل بنيامين نتنياهو.
حســب وســائل إعلام عبرية فإن الحكومة الجديدة بعثت رسائل إلى السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، قبل «مسيرة الأعــام» مفادهــا أن الخطوة لا تأتي في ســياق التصعيد في مدينــة القدس المحتلــة، وأن مســارها قد تم تعديلــه لتخفيف ضغوط اليمين المتطرّف الإســرائيلي، وكذلــك لمنع انفجار مع الطــرف الفلســطيني، وحملــت الرســائل «ضمانات» بشــأن تعزيز تأمين المســيرة، وجــاءت هذه الرســائل ردا أيضا على ضغوط من جهات دولية على رأســها الإدارة الأمريكية تطالب بمنع عودة التوترات الأمنية والخشــية مــن تصعيد جديد في قطاع غزة.
يمكــن قــراءة القصف والتدخّــل المحدود اللذيــن جريا في غــزة كنوع من إجــراءات احتاجتهــا حكومة بينيــت لـ «حفظ ماء الوجه» أمام الناخبين الإســرائيليين، كما يمكن احتســاب الطريقــة التي عولجــت بها قضية المســيرة كنوع مــن احتواء مدروس لمسيرة الاستيطان الاستفزازية.
حســب تقريــر لوكالة الصحافة الفرنســية فــإن الحكومة الإســرائيلية الجديدة «همّشــت الأحزاب اليهودية المتشددة» غير أن هذا العنصر الداخليّ الإسرائيلي لا يمكن أن تُنسب إليه علائم تغيير محتمل وحده، فهناك عوامل أخرى لا تقلّ أهمية، أوّلها الرد الفلســطيني الشــامل، الذي تداخل فيه العســكريّ
مع امتــداد التضامــن والاحتجاجــات إلى كل أماكــن تواجد الفلسطينيين، إضافة إلى وجود موقف أمريكيّ لا يقدّم لليمين العنصــريّ والفاشــي الإســرائيلي «شــيكا على بيــاض » كما كان الحــال في عهد دونالد ترامب، وســفيره ديفيد فريدمان، وصهره جاريد كوشنر.
أحد العناصــر الأخرى التــي يظهر أن تغييرا ما ســيطالها هــو العلاقة الحميمــة التي قامــت إدارة ترامــب بترتيبها بين حكومة نتنياهــو وحكومتي الإمــارات والبحرين، وقد ذكرت صحيفــة إســرائيلية أمس أن وزيــرة حماية البيئــة الجديدة، تامــار زاندبــرغ، تطالب بإلغــاء اتفاق نقــل النفــط الإماراتي عبــر إســرائيل. كل هذه الأحــداث تشــير إلــى أن التغيير في الحكومــة الإســرائيلية الجديدة هــو حصيلة تغييــرات دولية وإقليميــة وإســرائيلية - فلســطينية، ورغــم هــذه العناصــر جميعهــا، فــإن هشاشــة الحكومــة الإســرائيلية، ومزايدات المســتوطنين والأحــزاب الدينية المتشــددة، والقمع المســتمر ضد الفلســطينيين، يمكن أن توجّه هــذا «التغيير» في الاتجاه المعاكــس، كمــا يمكــن أن تــودي بالحكومــة برمّتهــا، وتعيد التوازنات إلى نقطة الصفر مجددا.