Al-Quds Al-Arabi

قمة بايدن ـ أردوغان: تقدم النزعة الأمريكية على التيار الأوراسي في تركيا

- ٭ كاتب سوري

■ استقبل نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم خبر انعقــاد اجتماع القمة المنتظــر بين أردوغان وبايدن بالتصفيق الحماسي، وحاولت الصحافة الموالية إضفــاء قيمة كبيرة علــى الاجتماع. فهل كانت نتائجه مما يبــرر هذا الحماس، أم أن مجرد انعقــاد القمة اعتبر إنجازاً لمصلحة تركيا؟

الواقع أن كثيراً مــن المخاوف كانت تحيط بالاجتماع قبل حدوثه، بســبب اتســاع رقعة الخلافات وعمقها بين الطرفين. لذلك فقد حرص كل من أردوغان وبايدن على إظهار جو ودي وإطلاق تصريحات متفائلة بشــأن العلاقات بين البلدين. وبالنظر إلى أن الزعيمين موجودان في بروكسل، أصلاً، للمشاركة في اجتماع قمة حلف شمال الأطلســي، فقد خيمت أجندة الحلف ونقاشاته بثقلها على لقائهما، بمعنى أن الأولوية الأطلسية المتمثلة في مواجهة روسيا والصين جعلت بايــدن يركز على مســاحات التوافق بين واشــنطن وأنقرة، مع غض النظر حالياً عن القضايا الشائكة. فلكي تركز واشنطن جهودها على الخصمين المذكورين لا بد أن تتخفف من المشــكلات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب إدراج تركيا في الاســترات­يجية الأطلسية والسعي لإبعادها عن موسكو.

بالمقابل، حســم الرئيس التركي خياراته وقرر أن مكان تركيا الطبيعي هو الغرب الأطلســي وليس الشرق الروســي ـ الصيني ـ الإيراني، على رغم كل الخلافات مع أولئك الشــركاء. والحال أن هذا الخيار لــه بعد داخلي أيضاً في السياســة التركية، حيث كثيراً ما يدور الحديث عن «التيار الأوراســي» الذي يرى في الولايات المتحدة وأوروبا خطراً على تركيا. ممثلو هذا التيار طيف من السياسيين والعسكريين وصناع الرأي، يستمدون قوتهم من هواجس شائعة في الرأي العام التركي بخصوص «مؤامرات امبريالية» تســعى إلى تقســيم تركيا، كما سبق وفككت الإمبراطور­ية العثمانية قبل مئة عام.

في أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة قادر هاس حول السياسة الخارجية، جاءت الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول التي تشــكل خطراً على تركيا. وبصــورة مفارقة، اعتبرت أكثرية المســتطلع­ة آراؤهم أنه مــن الضروري أن تتعــاون تركيا مع الولايات المتحدة! معنى هــذه المفارقة أن «الولايات المتحدة شر لا بد منه !»

هناك اعتقاد شائع لدى أنصار الحكومة بأن واشنطن لم تقف مع تركيا عند وقوع المحاولة الانقلابية في العام 2016، بل ثمة من يصل بظنونه حد القول إن الإدارة الديمقراطي­ة كانت تتمنى نجاح تلك المحاولة. وقد استخدمت الحكومة وإعلامها هذه النزعة المتشــككة والمعاديــ­ة بكثرة في التجاذبــا­ت الداخلية، وتحالفت، بعيــد المحاولة الانقلابية، مع حزب الحركــة القومية الذي لا تخلو خطابات أركانه من الهجــوم اللفظي العنيف ضد الولايــات المتحدة والغرب عمومــاً. ويكرر زعيــم الحزب المذكور دولــت بهجلي اتهام أحــزاب المعارضة بأنهــا تعقد آمالها علــى إدارة بايدن للتخلص من الســلطة، لأنها عاجزة عن إنجاز التغيير بنفســها. في هذه النقطة هنــاك تحليلات تتحدث عن النموذج الإســرائي­لي في التخلص من نتنياهــو. تفترض هذه التحليــات أنه ما كان بالإمــكان قيام ائتلاف بين ثمانية أحزاب إســرائيلي­ة متباعدة الألوان، بما في ذلك القائمة الموحــدة العربية، بهدف التخلص من حكومة الليكود ورئيســها نتنياهو لولا تشــجيع واشــنطن التي كانت تتوق بدورها للتخلص من عبء نتنياهو. فهل يمكن لإدارة بايدن، بالطريقة نفسها، أن تشجع على قيام ائتلاف عريض بين أحزاب المعارضة التركية، بما في ذلك الحزب الخيّر ذو الإيديولوج­يا القومية المتشــددة وحزب الشعوب الديمقراطي )الكردي( للإطاحة بالتحالف الإسلامي ـ القومي القائم في أول انتخابات قادمة؟

لا نعرف مــا إذا كانت أحزاب المعارضة المعنية بهذا الســيناري­و الافتراضي تعمل فعلاً على تحقيقه، ولكن من المحتمل أن الســلطة تخشى احتمالاً من هذا النوع، بالنظــر إلى معرفتها بــأن إدارة بايدن لا تستســيغ الحكومة التركية الحالية، وربمــا تتمنى فعلاً حدوث تغيير في تركيا. هاتان الخشــية والمعرفة ربما شــكلتا أحد الحوافز لاندفاع القيادة التركية في توكيد خيارها الأطلسي، بمعنى العمل علــى رأب الصدع مع الأمريكيين والأوروبيـ­ـن على رغم التنافر الواضح بين الجانبين.

أراد أردوغــان من اجتماعــه مع الرئيس الأمريكي، بهذا المعنى، أن يشــكل فاتحة تعاون بينهما، بمعنى تقديم نفسه وحكومته له كعنوان وحيد في تركيا. في حــن أن نتائج القمة المعلنة تشــير إلى رغبة أمريكية في إرســاء التعاون الثنائي على أسس مؤسسية لا شــخصية. أي نوع من تحويل قضايا التعاون والخلاف على حد سواء إلى «اللجان المختصة» وهنا قنوات الخارجية والدفاع والاســتخب­ارات والشؤون الاقتصادية وغيرها. لن تقوم بين الرئيسين صداقة شــخصية على غرار ما كان قائماً بين أردوغــان وترامب. ولم يتفقا على حلول للخلافات المعروفة: صواريخ إس 400 الروســية، طائــرات إف 35 الأمريكية، دعم الإدارة الأمريكية لقوات ســوريا الديمقراطي­ة... وغيرها. لكنهما أعربا عن رغبتهما في إيجاد حلول لها. لعل الأولوية الأمريكية تكمن في إبعاد أنقرة عن موســكو، ليس فقط فيما يتعلق بصفقة الصواريخ الروســية، بل كشريك في سوريا أيضاً. هل تستطيع أنقرة الاســتجاب­ة؟ كان لافتاً تصعيد روسيا ونظام بشار عســكرياً في الشــمال حيث مناطق النفوذ التركي، قبيل قمة أردوغان ـ بايدن. فهذا التصعيد رســالة صريحة لتركيا مفادهــا أن أي ابتعاد تركي عن موسكو في سوريا سيكون ثمنه باهظاً.

تنعقد قمة ثانية، أثناء كتابة هذه الســطور، بين بايدن والرئيس الروسي فلاديميــر بوتين، هو الأول مــن نوعه بــن الرجلين، وسيشــكل أول اختبار لاستراتيجي­ة الحلف الأطلسي الساعية إلى تطويق موسكو وبكين. وكما كانت مهمة بايدن في اجتماعه مع أردوغان هي محاولة إبعاده عن موسكو، ستكون مهمته فــي اجتماعه مع بوتين هي محاولة إبعاد موســكو عن بكين بهدف عزل الأخيرة وتطويقها. الأمر الذي يتطلب صفقة فيها تنازلات متبادلة.

عموماً نشاهد حركة نشطة في العلاقات الدولية، بحث متعدد الأطراف عن معادلات جديدة من شأنها أن تؤسس لنظام دولي جديد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom