Al-Quds Al-Arabi

حماس وأقلام الشيطنة الإسرائيلي­ة

- ٭ استاذ العلوم السياسية/ الكويت

■ تبرز عبر بعض وسائل الإعلام العربي كتابات تســاوي بين حماس وإســرائيل، بل إن بعض هذه الكتابات العربية تشعرك وكأن حماس هي إسرائيل وإسرائيل هي الحق والنور.

وإن دققنا فــي هــذه الكتابات المكتوبــة بأقلام عربية والتــي تدعمها أنظمة عربية تقــوم أجندتها على التطبيع المفتوح، ســنجد الكثير منها تبسيطيا، سطحي النزعة، لا يعي طبيعة الوضع في فلسطين أم في غزة، كما ولا يعي طبيعة المواجهة مع الصهيونية لا من قريــب أو بعيد. لتلــك الأقلام حريــة الكتابة بالطبــع، لكنها تعيش فــي عالم من صنــع خيالها بعزلة كاملة عــن الأوضاع علــى الأرض في الواقع الفلسطيني والعربي أو حتى الدولي.

إن تبسيط تاريخ الصراع مع الصهيونية وتسطيح الواقــع يتحــول، بقصد أو بــدون قصــد، لخدمة الصهيونية، فالعنصرية التي تميــز خطابات ولغة نتنياهو وقادة إســرائيل هي التي تميز اليوم بعض الكتاب العــرب. هم حتما أحرار، لكــن المخادعة في طرح لغة العدو لن تفيد لأنه سرعان ما تنكشف تماما كما كشــفت الأحداث الأخيرة حــول الأقصى وغزة وبقية فلسطين مدى هشاشة لغة العدو ووضعه. في بعض الحالات أنصح القارئ بعمل تجربة. أن يمسح اسم الكاتب العربي ويمسح الاسم العربي للصحيفة التي كتب فيها المقال ثم يقــوم بقراءة المقال بتجرد.

ســيجد أن الكاتــب متطابق مع تصريحــات اليمين الإسرائيلي. حتما هناك خطأ عندما تجد أن لغتك عن المقاومة وعن حماس تتساوى وتتطابق مع إسرائيل واليمين الإسرائيلي. هذا يثير الكثير من الإسئلة في أدنى تقدير.

لكن مــن قال إن تبنــي لغة العدو شــيء جديد؟ في فيتنــام في عز تحررهــا، وفي الجزائــر في عز معركتهــا برزت دائما أصوات أقــرب لصوت العدو، وهي اصوات ركزت على إفقاد الشــعب ثقته بنفسه وبقضاياه التي يناضل من أجلهــا. تلك المواقف تنم عن نظرة تحتقــر الجماهير والشــعوب وحقوقها، وتعظم القــوة والتماهــي مع الغرب والاســتعم­ار الســلطوي. لقد كتب فرانز فانون كتابا قيما أصبح من الكتب الكلاســيك­ية في تحليــل الظاهرة: ذوي البشرة السمراء والأقنعة البيضاء. ولو حملنا ذات التعبير للحالة العربية سنجد بشرة عربية مغمسة بأقنعة إسرائيلية.

تلك المدرسة تتماهى مع إســرائيل والتكنولوج­يا والعلــوم الإســرائي­لية، لكنهــا تغــض النظر عن العنصرية الإســرائي­لية وسياســة التطهير العرقي والابارتها­يد السائد في قوانينها وبنيتها، بل وتغض النظر عن الظلم الذي تنشره إسرائيل محملة العرب والفلسطيني­ين مسؤولية الإحتلال والاستيطان. إن الســعي لقلب الحقائق التاريخية والوقائع الراهنة

لن ينجح في استغفال أمة وشعوب العرب.

حركة حماس حركة سياســية وحركة تحرر برزت منــذ عــام 1988 أي أثنــاء الانتفاضــ­ة الثانية، وهي حركة تطورت وتغيرت مع الوقــت، لتصبح المعبر عن منهجية الكفاح المسلح في الســاحة الفلسطينية. ولم تأت منهجية الكفاح المسلح في الســاحة الفلسطينية من فراغ بل من جراء العنف الإســرائي­لي اليومي ضد الشعب الفلسطيني والمستمر منذ النكبة وما قبل النكبة عام 1948. وبالتحديد تمثل قوات كتائب القســام قوة عســكرية وطنية لفلسطين، كما أن شــبانها مناضلون تاريخيون في الشــأن الفلســطين­ي بأكثــر من كونهم حماس أو غيرها. فمن انضم من الشبان لكتائب القسام إنضــم اليها بســبب قدرتها على إيــام العدو وليس بسبب إيديولوجية حماس ذات الطابع الإسلامي.

شــيطنة حمــاس الهــادف لطمــس إيجابياتها وتعظيــم أخطائها، عمل مقصــود يصدر عن أجهزة المخابــرا­ت الإســرائي­لية، كما ويصدر عــن أجهزة الخارجية الإسرائيلي­ة، وليس من الصدفة أن بعض العــرب الذين آمنــوا بالتطبيع من الباب الواســع يتبنون الــرؤى الإســرائي­لية الصهيونية في ذات الشــيطنة. لكن هذا لن ينفع، فحماس فصيل مقاوم، وقد اســتطاع في اســابيع قليلة في معركة «ســيف القدس» كسر حالة الشــيطنة التي عمل عليها قطاع من العرب.

حمــاس نتــاج للاحتلال الإســرائي­لي ونتاج للنكبة، يكفــي أن نذكر بــأن 90 في المئــة من ســكان غــزة من اللاجئين الفلسطينيي­ن، وأن حماس عبرت عن سعي اللاجئين للعودة لوطنهم. بل وفي ظل سعي السلطة الفلســطين­ية للتفاوض على أراض تزداد اختفاء بل وفي ظل عــدم مقدرتها الخروج من المســتنقع الذي وضعتها إسرائيل فيها، سيكون من الطبيعي أن تملأ حماس الفــراغ وذلك بهدف مقاومــة العدو وتثبيت موازين جديدة في مواجهة الصهيونية.

إن الحملــة لشــيطنة حمــاس هي حملــة لإبراز إســرائيل كدولة مســالمة، بينما في الواقع هي دولة عنيفة ودولة عنصرية ودولــة ابارتهايد قائمة على ســرقة أراضي الغير. حتــى الجامعــة العبرية في قلب القدس الغربية قامت على أراض مســروقة من الفلسطينيي­ن، وكذلك جامعة حيفا وجامعات يهودية عــدة. إن للإســتغفا­ل حدودا، والشــعوب العربية اليوم أكثر وعيا، بل يكفي أنه رغم كل أنواع الشيطنة استوعبت مصر في الآونة الاخيرة ضرورة التفاهم مع حمــاس والتعامل معها كحركة مقاومة قادرة، من قلب الميدان، التأثير على موازين القوى.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom