Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل وفلسطين: عهد جديد؟

- ٭ كاتب فلسطيني

■ كثيــرون جدا في إســرائيل من اســتقبلوا «حدث» خلــع بنيامــن نتنياهــو، من كرســي رئاســة الحكومة هناك، وتنفّســوا الصعداء، عندما نالت حكومة الرأسين، )نفتالي بينيت ويائير لبيد( الثقة في الكنيســت )البرلمان الإسرائيلي( تلك الثقة التي لم تكن مضمونة حتى اللحظة والثانيــة الأخيرة، بالمعنى الدقيــق للكلمة، وخيّمت فوق رؤوس جميع المتابعــن والمراقبين للأوضاع السياســية والحزبية في إســرائيل، غمامة صــوّرت نتنياهو على أنه «الساحر» والسياســي الماكر الذي يفاجئ منافسيه في كل مرّة ومــرّة، بإخراج أرنب من كُمّه مرّة، أو بيضة من قبّعته في المرّة التالية، فيُربك منافسه، ويفوز بالاحتفاظ بكرسي قيادة إســرائيل، على مدى 12 ســنة متواصلة، وهو ما لم يحظ به أي رئيس حكومة في إسرائيل، حتى ولا دافيد بن غوريون، «مهندس» إقامة دولة إسرائيل نفسه.

لكــن، وأخيراً، وبعد أربــع دورات انتخابات خلال أقل من ســنتين، وبعد بذل جهود مضنية ومتواصلة من جميع المكوّنات ذات الحق في الإقتراع في إســرائيل، تمت إزاحة بنيامين نتنياهو عن كرســي رئاســة الحكومة. هذا تطور كبير في المشــهد الإسرائيلي، وســتترتب عليه بالتأكيد، تغييرات جذرية في الشكل وفي المضمون، على حد سواء.

عودة إلى المشــهد الإســرائي­لي الحالي، وما طرأ عليه من تطورات هذا الأسبوع، يمكن تسجيل ملاحظات كثيرة وهامّــة، على صعيد رئيــس الحكومة الســابق، بنيامين نتنياهــو، ورئيــس الحكومــة الجديد، نفتالــي بينيت؛ وتشــكيلة الحكومة؛ ونوعيات وهويــات الأحزاب التي تشــكَّل منها الإئتلاف الحكومي؛ وما تعنيه كل واحدة من هذه التطورات.

اســاس الإختلاف، )ولا أقول الخلاف( بــن نتنياهو وحزب الليكود الذي يرأســه، من جهــة، وبينيت وحزب «يمينا» (أي الى اليمين( الذي يرأســه، من جهة ثانية، هو: من يكره الفلســطين­يين أكثر، ومَــن مِنهما أقدر على إلحاق أضرار أكبر بالفلســطي­نيين خاصة، وبالعرب والمســلمي­ن عامة، وبـ»اليســار» في إســرائيل والعالم أيضاً. على أن نتنتياهو اليميني العنصري، انتهازي بشــكل واضح، في حين أن بينيت يميني عنصري أيديولوجي. ويلتقي الإثنان عند نقطة تشــبّعهما بنمط الحياة والتربية والتكوين في أمريــكا، حيث عاش نتنياهو فترة طويلة في أمريكا، وكان

من بين ما درسه هناك، مادة التمثيل وفن الخطابة، وعمل في التســويق التجاري هناك، قبــل أن يتحول الى العمل الديبلوماس­ي و «التسويق السياسي » في إسرائيل؛ وكذلك فــإن بينيت، الذي ولد في حيفا، بعــد أن هاجر والداه من أمريكا الى إســرائيل، بعد حــرب حزيران/يونيو 1967، لكن عائلته عادت الى أمريكا بســبب عدم تمكن والدته من الانسجام مع نمط الحياة في إسرائيل، ثم ما لبثت العائلة أن هاجرت الى إســرائيل ثانية بعد حرب تشــرين الأول/ اكتوبــر 1973. وليس معروفاً عن بينيــت «إصابته» بآفة البُخل، التي يتّصف بها نتنياهو وأفراد عائلته؛ واختلاف آخر بين شخصيتيهما، هو أن بينيت يحرص على مجاملة وتكريم العاملين معه، على عكــس نتنياهو، الذي يحاول تقزيم كل مــن حوله، واقتناص كل نجاح لمــن يعمل معه، ونسبته الى نفسه.

على صعيد التشــكيلة الحكوميــة، ونوعيات وهويات الأحــزاب التي تشــكَّل منهــا الإئتــاف الحكومي، يمكن ملاحظة أن ثلث اعضائها من النســاء، فهن تسع وزيرات من اصل اعضاء الحكومة البالغ عددهم ســبعة وعشرين وزيراً. ويلفت الانتباه ايضا صغر أعمارهم: معدل اعمارهم جميعاً هو 52 سنة، )55 سنة للذكور، و46.5 سنة للإناث(. ومــع أهمية هذه الحقيقة، إلا أن ما لا يقــل أهمية عن ذلك، بل ربما يفوقها ايضا، هو أنهــا تركيبة خالية من المتديّنين المتزمّتــن )الحريديم( وأكثر من ذلــك، أن من يتولّى اثنين من المناصب الأهم فــي الحكومة: منصب «رئيس الحكومة البديــل» ووزير الخارجيــة، ورئيس الحــزب الأكبر في الإئتــاف، يائير لابيد؛ ووزير الماليــة، افيغدور ليبرمان؛ هما من أكثــر المعارضين للحريــديم. وإذا أضفنا الى هذه الحقيقة، حقيقــة أن أهم ما تركز عليــه أحزاب الحريديم هو الموضوع المالي، وخاصة لقضايا التعليم في مدارســهم الخاصة بالتعليــم الديني )اليهودي( وتهميش كل العلوم الأُخرى، وكذلــك المنح الخاصة لــأولاد للعائلات كثيرة الأولاد، )ومعــروف ان عائــات الحريــديم كلهــا كثيرة الإنجاب( نعرف حينها ســبب علو صــراخ الحريديم من تولي «عدوّهــم» الأول في إســرائيل: ليبرمــان، لمنصب وزير المالية، ونجاحه في فرض عضو في كتلته البرلمانية، رئيســاً للجنة المالية في الكنيســت. ) هل يلفت انتباهنا، ونحــن في هذا السّــياق، ان «القائمة العربيــة الموحَّدة»

برئاســة الدكتور منصور عباس، هي نوع من «الحريديم المســلمين»)!( وانها أول حزب عربي في إســرائيل، ـ اذا اســتثنينا «الأحزاب الكرتونية» التي كانت مجرد كواكب تدور في فلك حزب «ماباي» الحاكم سابقاً، وفي السنوات الأولــى من إقامة إســرائيل، عضو مشــارك في الأئتلاف الحكومي الجديد؟(. كل ذلك ايضا لا يقل أهمية عن وجود، وعن دور سياسي، لأحزاب «وسطية» وأحزاب «يسارية» بالمقاييس الإســرائي­لية الصهيونية طبعاً، في التشــكيلة الحكومية الجديدة في إســرائيل، رغــم أن هذه الأحزاب اضطرت الى تقديم تنازلات كبيرة لأحزاب اليمين واليمين المتطرف، لتنجح فــي ازاحة نتنياهو وائتلافه من ســدّة الحكم هناك.

لا يكتمل الحديــث في هذا الموضــوع دون التطرق الى جردة حســاب شاملة لتقييم كل مرحلة نتنياهو على رأس الســلطة التنفيذية في إســرائيل. إنهــا باختصار مرحلة حافلة بنجاحات شــكلية، وحافلة أكثر بمسلسل من فشلٍ مدوٍّ اكثــر بكثير على الصعيد الحقيقي: صعيد فلســطين، وإيران، والعلاقــة مع حليف إســرائيل الأقوى، ومصدر قوتهــا العملية، وهــو العلاقات مع الحزبــن الأمريكيين: الديمقراطي والجمهوري، اللذين يتناوبان السلطة هناك.

هذه التطورات على الأوضاع في إســرائيل، تستدعي، وبالضرورة، اعتماد سياسة فلســطينية نشطة وشاملة، عقلانيــة ومقنعة وعملية، يتم إعدادهــا في مراكز أبحاث متخصصة، وخلايا عمل وعصف فكري، تعتمد على أُسس عديدة، اهمها، في اعتقادي:

1ـ مبــادرات )وليــس ردود فعــل( فلســطينية ذكية لخطوات عملية مشــروعة، من نضال وطني على الأرض، بكل أشــكال، وأســلحة، وأســاليب النضال التــي تقرها الشــرعية الدولية، ينتجها ويعرضها على صانعي القرار الفلسطيني «مصنع مبادرات» يعتمد على عقول فلسطينية مبدعة، وعقــول عربية وغيــر عربية، حليفــة وصديقة ومناصرة للحقوق الفلسطينية.

2ـ مبــادرات )وليــس ردود فعل( ذكيــة على الصعيد الدولي، سياســية وديبلوماسـ­ـية، تعتمد على مشروعية وشــرعية المطالــب الفلســطين­ية، الفوريــة، والمرحلية، والنهائية. وتســتفيد من الموجة الدولية العارمة المناصرة للحقوق الفلســطين­ية، والتي تجلّت بوضوح خلال «الهبّة المباركــة» التــي انطلقــت من حي الشــيخ جرّاح فــي القدس العربيــة، والمســجد الأقصى، واتّســعت لتصبــح «هبّــة فلسطينية شــاملة» شــاركت فيها جماهير وأفراد من كل القطاعات الفلســطين­ية: في داخــل الأرض المحتلة 1948، وقطاع غزة، والضفة الغربيــة، ومخيمات اللجوء، ودول الشــتات، واعادت الى الذاكرة ما كان عليه شــكل ووجه النضال الفلسطيني اثناء الإنتفاضة الفلسطينية الشاملة، والتي انطلقت من غزة في خريف 1987.

3ـ إعــداد «خليّة ردود فعــل» تتولى الــرد والتصدي لكل خطوة إســرائيلي­ة، على كل صعيد، وتستفيد من بدء انقشــاع الســيطرة الكاملة لوســائل الإعلام التقليدية، من صحف وإذاعات وفضائيات ودور انتاج ســينمائية، تهيمن عليها، بشــكل شبه مطلق، شــخصيات وجمعيات وأمــوال يهودية صهيونية، وأجنبيــة وعربية متصهينة، على تشــكيل الــرأي العام والمزاج الشــعبي فــي غالبية دول العالم. هذه الســيطرة لوســائل الإعلام التقليدية، بدأت في الإنحسار لصالح وســائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ ويكفي أن نتابــع الأثر الإيجابي البالغ في الرأي العام، لابنتي السيد الفلســطين­ي محمد حديد، عارضتي الأزياء العالميتــ­ن: جيجي وبيلا، من خلال ما تنشــرانه على صفحاتهما في كافة وســائل التواصــل الاجتماعي. ويكفي أن نعرف أن إســرائيل قررت، )حســب ما نشرته بعض الصحف الإسرائيلي­ة في الأسابيع القليلة الماضية( تخصيص مليار ونصــف المليار دولار للتصــدي للتأثير «الســلبي» لوســائل التواصل الإجتماعي الحديثة، على صورة إسرائيل في العالم.

ولا يضيرنا هنا تسجيل ملاحظة أن الإعلام الإسرائيلي، والإعلام المناصر لإســرائيل، يحرص علــى تغييب هوية محمــد حديد كـ»فلســطيني» ويســتبدلو­نها بهوية «من أصول فلســطينية»،!! رغم أن أُمه خيريــة، من الناصرة، وأبــوه أنور حديد، من صفــد؛ وأطلق اســم والده أنور، على بِكــرِه، تأكيداً لاعتزازه بهويته الشــخصية الوطنية والقومية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom