Al-Quds Al-Arabi

«إيكونومست»: قمة بايدن- بوتين عودة للدبلوماسي­ة التقليدية... والرئيس الروسي حصل على ما يريد

-

علقت مجلة «إيكونومســ­ت» على قمة الرئيــس الأمريكي جوزيف بايدن والروســي فلاديمير بوتين في جنيف في سويســرا بأنها نسمة من التقارب وتعبر عن عودة أمريكا وروســيا إلى دبلوماســي­ة القوى العظمى التقليدية، مشــيرة إلى أن ما حصل عليه الرئيسان من اللقاء كان صغيراً لكنه صلب.

وقالت إن جوزيف بايدن كان في سن الـ 12 عاماً عندما جلس دوايت أيزنهاور في جنيف مع نيكيتا خروشــوف لأول مرة في قمة ثنائية بين قادة أمريكا والإتحاد الســوفييت­ي. وكان سن الرئيس الحالي 42 عاماً يعمل كســيناتور في مجال التحكم في الســاح عندما جلس الرئيس رونالــد ريغان على الأريكة مع ميخائيل غورباتشــو­ف لأول مرة وفي المدينة نفســها، فيما نظر إليها على أنها الخطوة الأولى لنهاية الحرب الباردة.

وجاء دور الرئيس بايدن فــي 16 حزيران/يونيو لمواجهة الرئيس الروسي بوتين والذي قوض الكثير من مكتسبات مرحلة ما بعد الحرب الباردة وأحيا بعض الممارســا­ت السوفييتية الســيئة. ورغم تشابه المكان إلا أن الحبكة للقاء كانــت مختلفة. فلم يكن اللقاء قمة بين قوتين عظميــن تقرران مصير العالم بينهما، ولــم تكن محاولة أخرى لإعادة ضبط العلاقة كما فعل باراك أوباما، لكن كان أمراً أكثر غموضاً.

وكان هــدف اللقــاء هــو إدارة المواجهــة عبر رســم خطوط حمر وتوضيح قواعد الاشــتباك والتعرف على نقاط ضعف كل طرف. وكان الإنجاز الوحيد من اللقاء هو الاتفاق على بدء محادثات نووية جديدة وعودة السفيرين إلى منصبيهما.

ملامح انفراج

وكانت القمة ابتعاداً عن الدراما السيكولوجي­ة لعلاقة دونالد ترامب مع بوتين. ويشــعر الدبلوماسي­ون الأمريكيون بالذعر عندما يتذكرون المؤتمر الصحافي في هلســنكي عندما قال ترامب إنــه لا يجد أي مبرر لعدم ثقته ببوتين.

ولم يكن هناك مؤتمر صحافي مشــترك، لكن بعد لقاء في فيلا تعود للقرن الثامن عشــر لمدة لم تزد عن 4 ساعات حدد كل من بوتين وبايدن موقفهما: الهجمات الإلكتروني­ة يجب ألا تســتهدف المنشآت الحيوية، ويجب عدم حل الخلافات المتعلقة في أوكرانيا وبيلاروسيا عبر الطرق العســكرية. كما أن موت المعارض الروسي أليكسي نافالني في سجنه ســتكون عواقبه وخيمة. ومن المؤســف أن انتهاكات حقوق الإنسان يجب التعامل معها كشأن منفصل عن الأمن.

وبلغــة الحرب البــاردة، فقد أشــارت القمة إلى الكثيــر من ملامح الانفــراج. وقدم بايدن العلاقة مع روســيا من خــال تعبيرات كبرى وأنها تنافس بين الديمقراطي­ة والاســتبد­اد، التي مثلتها روســيا هذا الأســبوع، مع أن المقصود هي الصين. ووضع بايدن لقاءه مع بوتين في سياق الوحدة الجديدة بين مجموعة الدول السبع وحلف الناتو. وكان حريصًا في أسلوبه وخطابه التأكيد على أنه مختلف عن ترامب. وكان شعاره هو «إعادة اليقين والاســتقر­ار» للعلاقات الأمريكية مع روسيا وخلــق قاعدة للعلاقات القائمــة على التعامل حتى لــو كانت عدائية والعودة إلى أسلوب العلاقات مع الاتحاد السوفييتي السابق.

انتصار جديد لبوتين

والمشكلة أن الرجل الذي كان يجلس أمامه في جنيف ليس قائداً من العهد السوفييتي المقيد بالأيديولو­جية والهيكلية الحزبية، والأهم من كل هذا تجربة الانتصار المشتركة في الحرب العالمية الثانية. فهو نتاج انهيار الاتحاد السوفييتي ويقود نظاماً من أصحاب المصالح وتسيطر عليه أجهزة الأمن العنيفة. وهو نظام يهتــم بالثروة لا الأيديولوج­ية ومنشــغل بالبقاء لا التنافس الدولي مع الولايات المتحدة، علاوة على اهتمامه بمصالح الشعب الروســي. وهو ينتعش في الفوضى ويغزو الدول الجارة ويسمم المعارضة ويشن الحرب الإلكتروني­ة ضد الغرب. ويتحدث بوتين عن إعادة المجد الروســي مع أنه ســمح لشــلته بنهب مصادر روسيا. والخطر هو أن خطاب بوتين المتشدد قد يكون بديلاً عن الفعل القاسي وليس مؤشراً عليه.

وأصل القمة هي دليل عن نتائجها، ففي آذار/مارس وبعد شــهرين من تنصيبه كرئيس الذي تزامن مع عودة المعارض الروســي نافانلي. ووصــف بايدن بوتين بالقاتــل. ورد بوتين بابتســامة متكلفة وتمنى للرئيس الصحة والعافية واقترح مناظــرة تلفزيونية بينهما. وأجاب مكتب الرئيس بايــدن أن لديه ما هو أكثر أهميــة لعمله في نهاية ذلك الأسبوع.

وبعد أســابيع قام بوتين بحشــد قواته على الحدود الأوكرانية ثم أنزل قوات أمنه لقمــع أنصار نافالني. وهرب بعض المعارضين للخارج وكمم بوتين ما تبقى من وســائل إعلام مســتقلة ووصف العاملين فيها بـ»عمــاء الأجانب» مما أخاف المعلنين عليها. ولإيصال الرســالة إلى واشنطن قام قراصنة الإنترنت الروس بالقرصنة على منظمات حقوق الإنسان معاهد البحث التي انتقدت بوتين. وأثارت طبول الحرب التي قرعها بوتين انتباه بايدن حيث اقترح قمة لإرضاء غروره، حسبما فكر فريق الرئيس وإظهار أسلوب جديد في القيادة والتحاور.

ومنح بايدن انتصاراً جديداً لبوتين عندما تجاوز اعتراضات عدد من كبار مســاعديه ورفع العقوبات عن واحدة من الشركات المشتركة في خط الغاز «نورد ســتريم 2» الذي تبنيه روسيا تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا متجاوزا بولندا وأوكرانيا. واعتبر بايــدن أن هذا تنازلا لألمانيا وليس لروســيا مع ان الخط اكتمل بنســبة 90 لكن بوتين والرئيس الأوكراني فولديمير زيلنســكي الذي علم عــن القرار من خلال الإعلام اعتبره انتصارا لروسيا. وعبر بوتين أيضا، عن رغبة بعلاقة «مستقرة ويقينية» وعنى بذلك أن تظل الولايات المتحدة بعيدة عن شؤون بلاده وتدخلها في الحديقة الخلفية لها.

وفي محاولة وقائية منه قبل القمة أعلن عن تصنيف جماعة نافالني بالجماعة المتطرفــة وهدد بمحو أوكرانيا لو اقتــرب حلف الناتو منها ودعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي اختطف الشهر الماضي طائــرة «رايان إير» للقبض على معارض كان عليها. وحســب ألكســندر كورتونوف، مدير المجلس الروسي للشــؤون الدولية فإن روسيا توصلت خلال السنوات الماضية إلى نتيجة وهي أنها لا تستطيع التخلص من المخاطر لحكمها في الداخل وهي تقاتل في نفس الوقت ضد الغرب وبثمن مرتفع». ولو كان بايدن يريد تخفيف التوتر مع روســيا حتى يستطيع التركيز على الأمور الملحة، مثل الصين، فبوتين في حاجة لنوع من الانفراجة مــع أمريكا ليركز انتباهه على قمع المعارضة لحكمه وإعادة بناء إمبراطوريت­ه.

وفي الوقت الذي يتعامل فيه بايدن كما فعل باراك أوباما من قبله مع روســيا كنوع من حرف الانتباه، ينظر بوتين لأمريكا كتهديد وجودي.

ويرى ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موســكو «لو قبل بوتين بمطالــب بايدن مثل الإفراج عن المعتقلين السياســيي­ن وانســحب من القرم ودونبــاس وتنازل للغرب في الموضوعــا­ت الأخرى فإنه يكتب نهاية حكمه». وفي الوقت الحالي يبدو أن رهان بوتين قد نجح، بعودة للمحادثات النووية واســتئناف العلاقات الدبلوماسي­ة بشكل يعطي مظهر شــرعية لنظام مارق مســتعد للتضحية بحياة الآخرين لحماية ثروته وسلطته.

والسؤال إن كانت القمة ستجعل النظام أقل خطورة أم لا، لكن فيونا هيــل التي عملت في مجلس الأمن القومي أثنــاء إدارة ترامب تقول إن مجموعة المصالــح في نظام بوتين والقرصنة الإلكتروني­ة أصبحتا أكبر التهديدات الأمنية للغرب. وقالت «علينا أن نظهر اســتعداداً للتمســك بالموقــف من خلال الفعل وإلا فإننا نطلب من روســيا المضي فيما تقوم بعمله».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom