Al-Quds Al-Arabi

فشل «الموحدة» في التأثير على صناعة القرارات الإسرائيلي­ة سيفضي لانفجار في أراضي 48 أشد من «هبّة الكرامة» الشهر الماضي

باحث في جامعة تل أبيب يحذر:

- الناصرة، «القدس العربي»:

يؤكد باحث إسرائيلي بارز أن فشــل القائمة العربية الموحدة في تحقيق مهمتها بالتأثير على صناعة القرارات في إســرائيل رغم مشــاركتها في دعــم الائتلاف الحاكم الجديــد، من شــأنه أن يؤدي لتعميق عزلة فلســطينيي الداخل وتهيئــة الأوضاع لانفجار جديد كالذي حصل في مايو/ أيار الماضي.

في المقابل يرى الباحث الدكتور ميخائيل ميليشطاين والمحاضر في جامعة تل أبيــب، أن نجاح القائمة العربية الموحدة سيمنحها فرصة لتكون التيار السياسي العربي المهيمن داخل أراضي 48.

وقال في مقال مطول نشره معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إنــه من الصعب عدم المبالغة في أهمية انضمام حزب القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحاكم الجديد، معتبرا ما جرى منعطفا تاريخيا، ســواء بالنسبة إلى الجمهور العربي في إسرائيل أو بالنسبة إلى العلاقات بين اليهود والعرب داخلها.

وبالنسبة له أيضا كسرت الموحدة المحرّمات، أي التابو القديم في السياسة العربية، أي اختيار «موقف المتفرج» والتقدم نحو الاندمــاج في الحيز الحكومي «الصهيوني» الأمر الذي أقصى العرب حتى اليوم عن اتخاذ القرارات، وعن عملية توزيع الموارد الوطنية.»

ويعتبر أن «قرار رئيس القائمة العربية الموحدة النائب منصور عباس يمكن أن يشكل حاجزاً يفصل بين السياسة العربيــة القديمة التي لاقــت صعوبة فــي التغيّر، وبين سياســة جديدة مرنة وعملية». ويتابع «لكن من الصعب فهــم العربية الموحدة من طرف الجمهــور اليهودي الذي بدأ يــدرك في العامين الأخيرين الفروقات في السياســة العربية بعــد أن تعامل معها حتى الآن ككيان واحد. تمثل الموحدة مناطق الأطراف الاجتماعية والجغرافية لجمهور عربي يعرفه الجمهور اليهودي بصورة أقل مقارنةً بسائر الأحزاب العربية والجماعات التي تمثلها.»

فكّ شيفرة «الموحدة»

علاوة على ذلك، في رأي ميليشــطاي­ن مــن الصعب فكّ شــيفرة حزب الموحدة فــي ضوء حقيقــة أن الحزب الذي اندمج بصورة عميقة في اللعبة السياســية في إســرائيل هــو بالتحديد كيان دينــي ـ محافظ، وهو فــرع من حركة «الإخوان المســلمين » وهو من الناحية الاجتماعية أقرب إلى أحزاب اليهود الحريديم الدينية في إســرائيل أكثر مما هو قريب من اليســار الصهيوني الذي كان «المعسكر الطبيعي» بالنسبة إلى الجمهور العربي.

وبالنســبة إلى الجمهور العربي، مثّلت الموحدة بصورة واضحة تفضيلها معالجة مشاكل مدنية صعبة، وعلى رأسها الجريمة والعنف، على الاهتمــام بموضوعات أيديولوجية وسياسية، بما فيها الموضوع الفلسطيني. لهذه الغاية وضع عباس شــعار»لا يمين ولا يسار» في إســرائيل، موضحاً أن الموحدة ليست في جيب معسكر اليسار، وأن الحزب يتحرك في ضــوء مصالح الجمهور العربي فقط، لذلك هو مســتعد للتعاون مع أي طرف في السياسة الإسرائيلي­ة.

ويغفل ميليشــطاي­ن أن هناك أحزابا وأوســاطا عربية داخــل أراضي 48 تــرى بذلك انتهازيــة وتفريطا بثوابت وطنية أو قبولا بالفتات مقابل التنازل عن حقوق سياسية.

ويدعــو لفهم نقطة مهمــة لا علاقة لهــا بالموحدة: على عكــس ما يجري في السياســة اليهوديــة وحتى العربية المعروفة، المقصود حــزب يمثّل حركة واســعة ويخدمها. الموحدة هو الممثل للجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إســرائيل، التي تُعتبر كياناً له بنية تحتية غنية مؤلفة من جمعيات خيرية، ومســاجد، وأجهزة بلدية، ومؤسســات تعليمية ودعائية، ومنظمات شــبابية وطلابية ونسائية. ويشــير إلى أن الموحدة تقــوم بخدمة حاجــات الحركة ويخضــع لقراراتهــ­ا. ويضيف «صحيــح أن عباس زعيم جــريء ورائد، لكنه ليــس مصدر الصلاحيــا­ت العليا في الموحدة. في إمكانــه التأثير من خلال الحزب، لكن المطلوب منه طــوال الوقت الحصــول على موافقــة وتوجيهات من مصادر الســلطة التــي تعتمد على الشــريعة» موضحا أن عملية اتخاذ القرارات داخــل القائمة العربية الموحدة أكثر تعقيداً بكثير مما هي عليه في الأحزاب السياســية: منصور عباس هو النائب الثاني لرئيس الحركة الإســامية الشيخ حماد أبو دعابس، وإلى جانبه يعمل النائب الأول )الشــيخ صفوت فريج( المســؤول عن إدارة الحركة، ورئيس المكتب السياســي )إبراهيم حجازي( الذي يمثل الهيئة التنفيذية المركزية للحركة ـ المكتب السياسي.

ويوضح أيضا أن مَن يقرر سياسة الحركة الإسلامية كلها ـ بما فيها الموحدة ـ هو مجلس الشورى، مكوّن أساسي في الحركات التي تتماهى مع الإخوان المسلمين، وأن هذه الهيئة هي التي تحسم مسائل أساسية سياسية واجتماعية وتقدم الأساس الشرعي للخطوات المتخذة.

ويقول إنه تحــت القيادة القطرية تعمل قيادات مناطقية - في النقب والوسط والشمال - ولكل واحدة منها مجلس شــورى محلي، قيــادات وزعماء هذه المؤسســات يجري انتخابهم في مؤتمر عــام يتألف من مئات الناشــطين عُقد حتى اليوم 23 مرة.

وفي قراءتــه يقول ميليشــطاي­ن إن مجلس الشــورى هو المســؤول عن تســوية التناقضات التي تعترض طريق الحركة الإســامية، وفي حالة الجنــاح الجنوبي يبرز منذ أعوام توجّه ثابــت: مرونة عندما يكــون مصدر التناقض سياسياً، ومن جهة أُخرى تشدّد في الموضوعات الاجتماعية والثقافية. ويســتذكر أن مجلس الشورى هو الذي قرر في ســنة 1996 الدخول في اللعبة السياسية الإسرائيلي­ة، وفي سنة 2021 هو الذي قرر الانضمام إلى الائتلاف الحاكم وهو

أيضاً الذي أوضح أن التشــريع في موضوع المثليين أو المسّ بالمقدسات الإســامية هما «خط أحمر».ويغفل ميليشطاين أن هناك مكتبا سياســيا يعمل الى جانب مجلس الشــورى ويشاركه في صناعة القرارات داخل الحركة.

وحســب ميليشــطاي­ن يمتاز الجناح الجنوبي للحركة الإســامية عموماً والموحــدة خصوصاً بعدد مــن الميزات الواضحة: يوجد في رئاسته ممثلون لجيل الشباب، أغلبهم من مواليد الســبعيني­ات )مثلاً أعضاء الكنيســت منصور عباس وســعيد الخرومي أو إبراهيم حجازي( بينما مهمة الجيل المؤســس محدودة أكثر، وهم ممثَّلون في الأســاس في مجلس الشــورى )أغلبيتهم من مواليد الخمســيني­ات أو بداية الســتينيا­ت، مثل أبو دعابس أو النائب الســابق إبراهيم صرصــور الرئيس الســابق للجنــاح الجنوبي. ويقــول إنه مثــل معظم الحركات الإســامية في الشــرق الأوسط وخارجه تتألف الحركة الإسلامية في إسرائيل، في أغلبيتها، من زعامات غير دينية، ومن أصحاب المهن الحرة )عباس طبيب أســنان، حجازي طبيب نفســي، الخرومي يحمل شــهادة في الفيزياء، وليد طه أســتاذ ومدير قســم التربية والتعليم في بلدية كفر قاســم سابقا ويحمل شهادة في العلوم السياســية(. كما يقول إن جزءا أساسيا منهم مرّ في مسار مشابه من التعليم في بلدته، والاندماج في مجال البلديات، ومن هناك انتقل إلى السياســة، معتبرا أن أهمية المســتوى التعليمي والمهمات الدينية تبرز في الأساس لدى الجيل القديم في الحركة.

كذلــك يلاحظ أن هــذه القيــادات تمثّل جميــع المراكز الجغرافية للحركة الإسلامية، وعلى رأسها المجتمع البدوي في النقب، الذي منح حوالى نصف أصوات ناخبي الموحدة في الانتخابــ­ات الأخيرة ويتمثل من خــال رئيس الجناح الجنوبــي الشــيخ أبو دعابس وعضو الكنيســت ســعيد الخرومي، وفي المثلث الجنوبي، وخصوصاً في كفرقاســم «عاصمة ومهــد ولادة الحركة الإســامية» وفــي البلدات المختلطة الساحلية في وسط البلد، وفي منطقة الشمال التي يأتي منها، عباس )من قرية المغار( وحجازي )من طمرة(.

الشق الشمالي المحظور

في المقابل يشــير الباحث الإســرائي­لي وهو خريج المؤسســة الأمنيــة ســابقا، أنه إلــى جانــب الجناح الجنوبي يعمل توأمه الجناح الشــمالي بقيادة الشــيخ رائد صلاح الذي لديه بنية تنظيمية مشــابهة ومنظومة مدنية موازية تضم حزباً لا يشــارك في المجال السياسي الرسمي في إسرائيل )اسمه الوفاء والإصلاح(. وبعكس الجناح الجنوبي، للجناح الشمالي علاقة متينة بجهات خارجية، وخصوصاً في معاقل القوة للإخوان المسلمين في المنطقة، وعلى رأســها قطر وتركيا وسلطة «حماس» بينما علاقات الجناح الجنوبي محدودة نســبياً بسبب إحجام عناصر إســامية في المنطقة مــن أن تكون على عباس منصور يتبادل أطراف الحديث مع رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت في الكنيست علاقــة بكيان يعترف فــي دولة إســرائيل، وانضم إلى المنظومة السياســية الرسمية فيها وتحول إلى عضو في الائتلاف الحاكم.

وفي عيــون ميليشــطاي­ن يعتبر الجمهــور العربي انضمــام الموحدة إلــى الائتــاف اختبــاراً تاريخياً: السياســة العربيــة «القديمــة» فشــلت والآن أُعطيت الفرصة لســبيل جديد من الاندمــاج والتأثير من دون التخلي عن الهوية المســتقلة، وأيضــاً من دون أن تكون هــذه الهوية مصدراً دائمــاً لعدم الانتمــاء وللانفصال والعزلة في نظر الجمهور اليهودي. إذا نجح عباس، ولو جزئياً، في إيجاد رد على المشــكلات الأساسية للجمهور العربــي ـ وعلى رأســها استشــراء الجريمــة والعنف والضائقة الاقتصادية، فقــد يتحول إلى قوة مهيمنة في المجتمع العربي، وســيتمكن من الدفع قدماً بإعادة صوغ العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة، لكن إذا فشل في مسعاه فإن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى إقصاء الجمهور العربي عــن الدولة وعن المجتمع اليهودي وزيادة فرص نشــوب مواجهات مشــابهة لتلك التي حدثت في مايو الماضي، وربما بصورة أعنف.

يشــار الى أن الحركة الإســامية داخــل أراضي 48 تشكلت في نهاية ســبعينيات القرن الماضي بتأثير المد الإسلامي في المنطقة بعد ثورة الخميني في إيران، وفي عام 1996 انشــقت لشطرين شمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح وكمال خطيب المعتقلين وهو يحرّم المشــاركة في انتخابات البرلمان الإسرائيلي.

وفــي المقابل أيد الشــطر الجنوبي برئاســة رئيس الحركة الإســامية المؤسس الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش الذي حلل المشاركة، مسوغا ذلك بأن فلسطينيي الداخــل يقيمون داخــل «بطن الحــوت» وعليهم إبداء مواقف سياســية فيها مرونة لحماية البقاء والمكتسبات وامتلاك فرصة للتأثير لا التمثيل السياسي فحسب.

وقد اســتخدم أنصار الشــق الجنوبي هــذه الرؤية للتدليــل على صحــة طريقهم بعدما حرمت الســلطات الإسرائيلي­ة الشــق الشــمالي في 2015. وعقّب الشيخ رائد صلاح علــى ذلك في كتاب مذكراتــه )أضواء على الحركة الإســامية( بالقول إن دخول الحركة الإسلامية للكنيســت الإســرائي­لي ســيؤدي لموتها بكل الأحوال لأنها ســتفقد روحها وإن بقي جســدها. قبل ذلك جرت عدة محاولات لــرأب الصدع واســتعادة لحمة الحركة الإسلامية في الداخل ولكن دون نجاح.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom