Al-Quds Al-Arabi

رغم فشل الاتفاق على حل أزمة «إس 400»: هل ينجح اردوغان وبايدن في سياسة «تحييد الخلافات»؟

- إسطنبول إسماعيل جمال: «القدس العربي»

كشــف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الخميس، عــن أنه أبلــغ نظيــره الأمريكي جو بايدن بأن لا يتوقع من تركيا أن تتراجع في ملف منظومــة «إس 400» الروســية، وذلك في موقف جازم يظهر إصــرار تركيا علــى موقفها ويرجح بقوة فشــل القمة الأخيرة بــن الزعيمين في حل المعضلــة الأبــرز والعقدة الأصعب في مســاعي تحســن العلاقات التركيــة الأمريكية، وســط تكهنات مختلفة عــن مدى قبول بايدن بالمنظومة الروســية كـ»أمر واقع» في تركيــا للحفاظ على حليف استراتيجي كبير والعمل بسياسة «تحييد الخلافات» مع نظيره التركي.

والتقــى اردوغــان وبايدن علــى هامش قمة حلف شــمال الأطلســي )الناتو(، الاثنين، لأول مرة منــذ وصول الأخيــر إلى البيــت الأبيض، وانصبت الاتصالات والتحضيرات التي شاركت فيها كافة المســتويا­ت السياسية والعسكرية من الجانبــن على محاولة التوصــل إلى صيغة حل لأزمــة «إس 400 » التي مازالــت تعتبر أبرز نقاط الخلاف المتشــعبة بين البلديــن، وكان يؤمل من القمة التوصــل إلى صيغة حل مــن بين كثير من السيناريوه­ات التي وضعها المستشارون.

وعقــب القمــة، أطلــق اردوغــان وبايــدن تصريحات مختلفة أجمعت علــى أن القمة كانت «إيجابية ومفيدة وصريحة»، في تصريحات فهم منها لاحقاً أنها لم تكن ســوى كلمات دبلوماسية لتجنب الإعلان المباشــر عن فشــل الجانبين في حل المشــكلة الأبــرز بينهما، إلا أن ذلــك لا ينفي سيناريوهات أخرى تتعلق بالاتفاق على تحييد الخلافات جانباً أو التوصل إلى مقايضات بسبب كثرة الملفات المطروحة بين البلدين في هذه الفترة وبروز ملفــات جديدة أبرزها مــا يتعلق بحاجة الناتو لاستمرار تركيا في مهمتها بالناتو وتوليها بشكل أساسي حماية مطار كابول عقب انسحاب قوات الحلف.

وعقب القمة، قال بايدن إن لقاءه مع اردوغان «كان إيجابياً ومثمراً»، لافتاً إلى أنه «ســيواصل فريقانا المناقشــا­ت، وأثق بأننا ســنحرز تقدماً حقيقياً بين تركيا والولايات المتحدة». من جهته، وصف اردوغان اللقاء بأنه كان «بناء وصادقاً،» وقال: «نعتقد أنه لا توجد مشــاكل في العلاقات الأمريكية التركية، وأن مجالات التعاون بالنسبة لنا أهم وأكبر من المشكلات.»

لكن اردوغان الذي قال عقب القمة مباشرة إن «موقــف بلاده لم يتغير مــن منظومة إس 400،» دون أن يعطــي تفاصيل أكثــر، تحدث الخميس الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الأمريكي جو بايدن خلال اجتماع على هامش قمة «الناتو» في العاصمة البلجيكية بروكسل

بشــكل أوضح بدا جازماً فيه عندما قال إنه أبلغ نظيره الأمريكي خلال القمة بأن لا يتوقع الجانب الأمريكي من تركيــا أن تتخذ خطــوات مختلفة فيما يتعلــق بملفــي «إس 400» وطائــرات إف 35، وذلك خلال لقاء مــع الصحافيين بالعاصمة الأذربيجان­ية باكو، التي زارها في طريق عودته من قمة الناتو في بروكسل.

وفي ظل تراجع فرص الحل، تعزز الحديث عن تغليب اســتراتيج­ية «تحييد الخلافات» للحفاظ على التحالــف وتعزيز التعاون في ملفات ملحة. وفي هــذا الإطار يقول جيس جيفــري، المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا والخبير بالعلاقات التركيــة الأمريكيــ­ة في الســنوات الأخيرة، في لقاء مع تلفزيون «ســي إن إن تورك »، إنه يوصي الإدارة الأمريكيــ­ة بضــرورة العمــل علــى حل الخلافات مع تركيا «ولكن إذا تعذر الأمر يتوجب وضع الخلافات جانباً .»

ورداً على ســؤال حول ما إن كانت الخلافات بين البلدين اقتربت مــن الحل أم لا، قال جيفري: «غيــر متأكد، لكن أوصي دائماً بأنه في حال تعذر حل الخلافــات يتوجــب وضعها جانبــاً، يجب المضي قدماً ومنع توسع العقوبات لتطال الملفات الأخــرى، لدينا خلافــات مع كل بلــد، لكن المهم التركيز على نقاط التعــاون والتركيز على نقاط الاتفاق.. أمريكا وتركيا يمكنهمــا فعل الكثير في هذا الإطار .»

ويتربع ملــف منظومــة «إس 400» الدفاعية الروسية على رأس الملفات الخلافية والصدامية بــن البلدين فــي الســنوات الأخيــرة، حيث تعارض واشنطن شراء أنقرة المنظومة الروسية واســتعداد­ها لإدخالهــا الخدمة بشــكل نهائي، وترفض ذلك بشكل مطلق، واعتبرته ابتعاداً عن الناتو، وبدأت بفرض سلسلة عقوبات على تركيا في محاولــة لإجبارها على التخلي عن المنظومة، وهو ما لم يقبل به الرئيس التركي حتى اليوم.

وقبيــل القمة الأخيــرة، طرحــت العديد من الســيناري­وهات والمقترحات لحل الأزمة في إطار ما أطلق عليــه «الحلول الإبداعية» عقب فشــل الكثير من المقترحات الســابقة، حيث تحدث أكثر من مصدر -غير رســمي- عــن أن إدارة بايدن طرحت تخزين منظومة «إس 400» الروســية في قاعدة إنجيرلك الجوية التي تســتخدمها القوات الأمريكية بولاية أضنة علــى أن تبقى غير مفعلة وتحت رقابة القــوات الأمريكية المتواجدة هناك، إلا أن تصريحــات اردوغان أعطت مؤشــراً قوياً على فشــل هذا المقترح أيضاً أو عدم الاتفاق حول حتى الآن بالحد الأدنى.

وعمليــاً، يبدو هــذا المقترح صعبــاً جداً على الحكومة التركية التي شــددت طوال الســنوات الماضيــة على أن ملــف منظومــة «إس 400» هو «قضية ســيادية تركية»، وبالتالــي فإن الموافقة على الرقابة الأمريكية ســوف يعتبــر «تراجعاً وانتقاصــاً من ســيادة البلاد»، إلــى جانب أن روسيا لن تسمح بأي رقابة أو اطلاع أمريكي على تقنيات منظوماتها الدفاعية الأحدث.

وفــي هــذا الإطــار أيضــاً، جــاءت أحدث تصريحــات لوزيــر الخارجية مولــود جاوش أوغلو، الذي أكد أن قرار بلاده بشــراء المنظومة الروسية «أمر سيادي»، وقال الوزير: «الولايات المتحدة تزعــم أن المنظومة الروســية تتعارض مع النظام الدفاعــي لحلف الناتو، فما كان منا إلا أن قدمنا اقتراحاً بتشــكيل لجنة فنية لبحث هذا الأمر، لكنهــم رفضوا لأنهم يعرفــون أنها مزاعم غير صحيحة»، مضيفــاً: «على الولايات المتحدة أن تقبل بفكــرة أن الجمهورية التركية اشــترت نظاماً دفاعياً من دولــة أخرى مرة واحدة، وهذا حدث وانتهى.. وفيما بعد ستكون لنا احتياجات لهــذه الأنظمة علينا أن نلبيها حتــى يأتي اليوم الذي نبدأ فيــه بإنتاج مثل تلــك الأنظمة؛ لذلك على واشــنطن أن تتعاون معنا وتقدم ضمانات بخصوص المنتجات التي سنشتريها فيما بعد.»

وفي السياق ذاته، أعرب وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، عن اســتعداد بلاده لتبديد «القلق الفني» لــدى حلفائها بخصــوص منظومة «إس 400»، معتبــراً أن «الحلول المعقولــة والمنطقية ممكنة دائماً»، وقال: «قمنا بشــراء أنظمة الدفاع الجو إس 400 من روسيا التي استوفت الشروط التي أردناها. لــم نفعل ذلك في الخفــاء. هدفنا الرئيســي في الحصــول على هــذه الأنظمة هو حماية بلدنا ومواطننا البالــغ عددهم 84 مليوناً ضد التهديدات الجوية المحتملة.»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom