Al-Quds Al-Arabi

الشاعر التونسي محمد الحبيب الزناد: وسائل التواصل الاجتماعي لم تقتل الشعر

-

لو تحدثنا عن البدايات؟ كيف كانت؟ وماذا تذكر عن تلك المرحلة؟

■ الحقيقــة أن مرحلــة الســتينيا­ت كانــت مرحلة خصبة في تاريخ الأدب التونسي المعاصر بالنسبة لمن كان يتعاطى تلك الهواية أو الحرفة، على حد قول أبي حيــان التوحيدي «أصابتني حرفــة الأدب». وفي تلك المرحلــة كنت تلميذا في معهد ابن شــرف الثانوي في العاصمة تونس، وكان والدي الشــيخ عبد الله الزناد شــاعرا معروفا في مســقط رأســي مدينة المنســتير، وكان ينشــر بعــض قصائــده فــي الصحــف، وكنت الوحيد من بين أخوتي من استهوته الكتابة والمطالعة. فكنــت أقرأ ما يكتبه والدي، وكان شــعره تقليديا، أي كان يكتــب القصيــدة العموديــة. فبــدأت محاولاتــي الأولــى وأنا في ســن الرابعة عشــرة. وعندما انتقلت إلــى العاصمــة درســت العربية علــى يد اســاتذة من طراز رفيع، وكنت أتلهف على دراســة الأدب العربي. وعندما تجولت في شوارع المدينة، انبهرت بضجيجها وأنا القادم من مدينة ســاحلية صغيرة نسبيا. فبدأت أشعر بالرغبة في الكتابة، لكن بطريقة مغايرة. فكيف يمكن لإنسان يعيش في أجواء فيها شيء من الحداثة في ذلك الوقت، أن يكتــب القصيدة التقليدية؟ فبدأت أتمــرد على عمــود الشــعر، وكتبت قصائــدي الأولى بتشــجيع من أســتاذي في التاريخ الشــاعر الميداني بــن صالح صاحب ديــوان «قرط أمــي». ومن المعلوم أن الميدانــي درّس التاريــخ في العــراق، فجاء محملا بالشــعر العراقــي، أي بــدر شــاكر الســياب ونــازك الملائكــة وعبد الوهــاب البياتي وبلند الحيدري، وهؤلاء هــم رواد القصيدة الحرة بالإضافــة إلــى نــزار قبانــي في الشــام، وصلاح عبــد الصبور في مصــر. فكان يقرأ علينــا نماذج من أشــعارهم التــي لــم تكــن معروفة بكثــرة لــدى الشــباب والمثقفــن فــي تونــس. فانخرطت فــي كتابة القصيــدة الجديــدة وقــرأت أولــى قصائدي علــى الميداني بــن صالح، فقــال لــي أنــت الآن تريــد أن تتمرد، وإذا كان تمــردك ســيؤدي بــك إلــى فتح جديد في مجال الشــعر فمرحبا. وأخذ القصيدة وهي بعنوان «الشيات الصغير» أي ماســح الأحذية الصغير، ونشــرها فــي مجلــة «الشــعب» وهي مجلة الاتحاد العام التونســي للشغل، فأحدثــت حينها ضجــة، وانهالت عليّ الهجومــات، وقيــل كيف يتجرأ شــاب تونســي لم يتجاوز العشــرين من عمره على أن يخرق قانون الشــعر العربي؟ فكان ذلك باعثا لــي كي أواصل فــي ما بعد في الجامعــة، وكنت أقرأ قصائــدي علــى الطلبــة، وكانــوا بحكم أنهــم مثلي شــباب يرحبون بما أكتب، ولاسيما أنني كنت أكتب القصيدة الســاخرة والناقدة للأوضاع السياســية والاجتماعي­ــة. ثم بدأت أنشــر قصائــدي في مجلة «الفكــر» وفي الملحــق الأدبي لجريــدة «العمل» إلى

جانب عدة أقلام أخرى شــابة. وكان للشاعر الراحل الطاهر الهمامي إســهام كبير في التنظير لما سمي في مــا بعد بحركــة «في غيــر العمودي وفي غيــر الحر.» وكتب في هذا بيانات إما بمفرده، أو بالاشــترا­ك معي تأصيلا لهــذه التجربة، ثم قدم الهمامي رحمه الله في وقت لاحق رسالة دكتوراه تحت عنوان حركة الطليعة الأدبية فــي تونس، خصص جزءا منهــا للحديث عن تجربتي الشــعرية. وبالطبع كانت الســاحة الثقافية تتجــه للتجديــد لا فــي الشــعر فقــط، بل فــي القصة والروايــة والمســرح والفنــون التشــكيلي­ة والســينما والموســيق­ى فتكــوّن نوع مــن اللحمة بــن هــذه الفنــون والمنتمــن إليهــا، وكنا نلتقي في دور الثقافة، وفــي بعــض المقاهــي الأدبية فــي العاصمة ســاعات طويلــة،

يجمعنا شيء واحد هو حب التجديد الفني وامتد ذلك من الستينيات والسبعينيا­ت إلى الثمانينيا­ت.

لنعــد إلــى اليوم كيــف ترى حال الشــعر في تونس؟ هل لا يــزال، في خضم الأزمات العديدة التي تعيشها البلاد، بخير؟

■ أســتطيع أن أجزم بأن الشعر في تونس بخير، وهــذا ليس من باب المبالغة. فمنذ أواخر الســتينيا­ت، أي مــع ظهــور حركــة الطليعــة الأدبيــة والشــعرية، التي كنت أحد المســاهمي­ن فيها، تكاثر عدد الشــعراء وتعــددت مشــاركاته­م فــي كثيــر مــن المهرجانــ­ات الشــعرية في الداخل والخارج. ولم يفتر المد الشعري أبداً، ولــم تنطفئ جذوة الشــعر منذ ذلــك الوقت إلى اليــوم، بل على العكــس. والآن أكاد أقــول إنه في كل شــهر تصدر عشرة دواوين شعرية في تونس، مقابل ديوان أو اثنين في العام الواحد في الستينيات .

لكن هل تعتقد أن هناك تزايدا في أعداد المهتمين بالشعر، وتوســعا في الإقبال على قراءة الشعر في تونس؟

■ هذا السؤال الذي كنت أنتظره.. الإقبال على الشــعر لا يحصل إلا من أهل الشــعر، أي أن اغلب قراء الدواوين الشــعرية هم شعراء. فالطلبة مثلا في الجامعــة وهم المعول عليهــم، لا يقرؤون إلا ما هو مقرر لهم، لكن إن فتحت فيســبوك فستجد بين القصيــدة والقصيــدة قصيــدة لشــعراء ممتازين، ورغــم أن هنــاك كثيرا مــن المتطفلين والهــواة، فإن أغلب من ينشــرون على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي من شعراء معروفين ينشرون في الوقت نفسه دواوينهم الورقية ويشاركون بها في معارض الكتاب.

إذن هــل تعتبــر مواقع التواصــل الاجتماعي مفيدة للشعر التونسي؟

 ??  ?? محمدالحبيب­الزناد
محمدالحبيب­الزناد
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom