Al-Quds Al-Arabi

«سيريالية مالية»: لبنانيون يبحثون عن سبل لاستخدام الليرة بعد هبوط قيمتها ويفضلون البيرة على البنوك

-

■ بيروت - رويترز: فــي مواجهة الاختيار بين إبقــاء الُمدَّخرات معطلة في البنوك أو استثمارها بخسارة كبيرة، يختار بعض اللبنانيين اللجوء إلى البيرة حلا للمعضلة. فبالنســبة لهم هي الخيار الوحيد المعقول في نظام مالي شوهته الأزمة. فمع استحالة وصولهم إلى ودائعهم الدولارية في البنوك، أصبح بعضهم يرى في الاســتثما­ر في شركات يتركز نشــاطها على التصدير وسيلة للوصول إلى العملة الصعبة والاستفادة بشــكل من الأشكال من الدولارات المحتجزة في مصارف لبنان والتي أصبح البعض يسمونها «لولارات». ويلقى خيار مصدري المشروبات الكحولية رواجاً بما في ذلك مُصنِّعي البيرة وتجار مشروب الجن.

يقــول كمال فياض، الرئيس التنفيذي لشــركة «بيــرة961» المتخصصة في تصدير البيرة اللبنانية «إذا اســتثمرت معي الآن الدولارات المحتجزة سأردها لك دولارات جديدة».

وبمقتضى القيود غير الرســمية على الأموال، يمكن للمودعين كتابة شيكات على حســاباتهم المقومة بالدولار الأمريكي لكن لا يمكن استخدام هذه الشيكات فــي الخارج، وإذا بيعــت محليا فإنها تفقــد 75 في المئة على الأقــل من قيمتها. ويعكــس هذا الفرق الكبير محنة امتلاك دولارات محتجزة في مصارف لبنانية. وتفرض البنوك التي انخفض بشــدة ما لديها من ســيولة دولارية قيودا على تصرف زبائنها في أموالهم وتســمح لهم الآن بالســحب من الودائع الدولارية بالعملة اللبنانية بســعر 3900 ليرة مقابل الــدولار أي حوالي ربع قيمة الدولار في السوق السوداء.

قــال فياض أنه يجــري محادثات مع مســتثمرين لجمع ما يعــادل أكثر من مليون دولار من بينها ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين «لولار» من الدولارات المحتجــزة. وأضاف أن «المســتثمر­ين يفضلــون قبول المخاطرة معــي بدلاً من الاحتفاظ بالمال في البنك. على الأقل أنا أفيد الصناعة. أنا أكثر أمنا بالنسبة لهم من المصرف هذه الأيام».

ويعكس الاستعداد لقبول الخسارة المالية يأســا من خروج لبنان من مسار الأزمة التي يعيشــها، بعــد أن زج الانهيار الاقتصادي بنصف الســكان البالغ عددهم ستة ملايين نســمة في براثن الفقر ومحا قيمة المدخرات وخفض القدرة الشرائية لدى المستهلكين بشدة.

قال توفيق غاســبار، الخبير الاقتصادي الذي عمل مستشــارا في «صندوق النقد الدولي» ومستشــارا لوزير مالية ســابق في لبنان «هذه فعلا ســيرالية سياسية ومالية». وأضاف «إذا رفض المريض أن يأخذ الدواء على مدى 20 شهراً فماذا نتوقع أن يحدث له؟ بالطبع ستتدهور صحة المريض. وهذا بالضبط هو ما نشــاهده في لبنان، تناقص الاحتياطيا­ت ومزيد من الانخفاض في قيمة العملة ومزيد من أزمات نقص الســلع الأساســية». ولم يرد مكتب كل من وزير المالية ووزير الاقتصاد على طلبات التعليق.

أزمات الاستيراد

يعتمد لبنان على الاســتيرا­د، وظل المصرف المركزي يساعد منذ سنوات في تمويل العجز التجاري بعرض أســعار فائدة مرتفعة على الودائع الدولارية في البنوك التجارية. وطبقت البنوك هذه الأســعار على زبائنها فاجتذبت طوفاناً من الودائع والأرباح الوفيرة للنظام المصرفي الذي تضخمت أصوله لما يصل إلى 167 في المئة من الناتج الاقتصادي للبلاد عام 2015.

وانهــار النظــام عندما تخلفــت الحكومة عن ســداد دينها العــام الماضي. وانخفضت الاحتياطيا­ت الخارجية لــدى المصرف المركزي من أكثر من 30 مليار دولار قبــل الأزمة إلى حوالــي 15 مليارا في مارس آذار كمــا أن برنامجا باهظ الكلفة لدعم أســعار الواردات يدفع الاحتياطيا­ت القابلة للاســتخدا­م إلى الحد الذي تكاد معه أن تنفد.

وامتد أثر نقص الواردات الآن إلى الحياة اليومية للمواطن اللبناني العادي.

وأدى تشــكل طوابير طويلة انتظارا للحصول على الوقود إلى وقوع اشتباكات في شــمال لبنان بينما شــهدت الصيدليات إضرابا لمدة يومين الأسبوع الماضي لنفاد الأدوية.

وقال هاني بحصلي، نقيب مستوردي السلع الغذائية والمنتجات الاستهلاكي­ة والمشــروب­ات، أن كثيرين من المســتورد­ين يواجهون تأخيــرات في مدفوعات الدعم من المصرف المركزي الأمر الذي أثر ســلبا على تدفقات الســيولة المالية. وأضاف «من مجرد الحديث مع التجــار يمكنني القول إن هناك ما بين 50 مليون دولار و100 مليون دولار من الفواتير غير المسددة عن واردات غذائية. البضائع وصلت وتم بيعها لكن المصرف المركزي لم يتول تغطيتها.»

وقال أن مثل هذه التأخيرات أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لأن المستوردين لا يعرفون متى سيحصلون على المال ولا يمكنهم الاعتماد على المصارف في تمويل الواردات. وأضاف «تحتاج لتمويل مشترياتك من قدرتك المالية باستخدام أموال من حساباتك الشخصية، أو بدولارات جديدة تأخذها من حسابات أجنبية.» ولم يرد المصرف المركزي على طلب للتعليق. وتتطلــع الحكومة لإصلاح نظام الدعم غير أنهــا امتنعت عن إنهاء العمل به لحين موافقة البرلمان على نظام بديل يقوم على الدعم النقدي للعائلات الأشــد عَوزاً.

مزيد من الركود

تبخــرت الثقة في المصارف، التي كانت في يوم من الأيام ركيزة الاســتقرا­ر، منذ تخلــف الحكومة عن الســداد وأصبحت فــروع البنوك المحصنــة بألواح معدنية هدفا للاحتجاجات. ويقدر أن خسائر القطاع المالي أكبر دائن في الدولة تجاوزت 80 مليار دولار وفقا لتقديرات الحكومة المســتقيل­ة العام الماضي، وهو رقم يتضاءل إلى جانبه الناتج الاقتصادي السنوي في لبنان.

وحاول كثيرون من اللبنانيين، خوفاً على مدخراتهم، نقل أموالهم من البنوك من خلال سداد ديون على أفراد وعلى شركات.

وقال مدير تنفيذي في شــركة للخدمات المالية مقرها بيروت، مشــترطا عدم الكشف عن هويته، أنه شهد ارتفاعا في طلب المستثمرين على تمويل المصدرين والمصنعين مما أسفر عن إغلاق بعض الشركات لتسهيلاتها الإئتمانية المصرفية.

وقد شــهد أندريه ملاك من شــركة «ثري براذرز» اللبنانية المنتجة لمشروب الجن زيادة بنسبة 30 في المئة في اســتثمارا­تها الخارجية منذ الأزمة. وأضاف «بدأنا نشهد زيادة في الاهتمام منذ بداية الركود عندما كان الناس يريدون نقل أموالهم من البنك .»

وقال مايك عازار، المستشــار المالــي في بيروت، أن نظام لبنان المالي شــهد تخفيض قيمة الديون بأكثر من 20 مليار دولار منذ أكتوبر/تشــرين الأول 2019 . وساهم اســتخدام الدولارات المحتجزة في ســداد ديون مستحقة في تخفيض قيمــة العملة، إذ أن بيع الشــيكات مقابــل دولارات أمريكية يرفــع الطلب على إمدادات لا تفتأ تتقلص.

من ناحية أخرى ينوي المصرف المركزي الســماح للمودعين بسحب جزء من دولاراتهم المحتجزة مــن خلال خطة جديدة بحد لا يتجاوز 800 دولار شــهرياً نصفها بالدولار والباقي بالليرة اللبنانية بسعر صرف حكومي يبلغ حوالي 12 ألف ليرة للدولار.

وســيمثل ذلك خفضا لقيمة أموال المودعين لأن ســعر الصرف في الســوق السوداء يبلغ حوالي 15 ألف ليرة للدولار كما أنه يرتفع يوما بعد يوم.

وقال عازار «المصرف المركزي يريد خفــض الالتزامات الدولارية في النظام، وإن كان يفعــل ذلك بطريقة لا تقلل الخســارة، لكنه يجعلها تتبلور في شــكل تخفيــض في قيمة العملة ومزيد من التخفيض فــي قيمة الودائع الباقية ومزيد من الركود للاقتصاد الحقيقي .»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom