Al-Quds Al-Arabi

بعد تدخل منظمات حقوق إنسان... هذا ما يرمي إليه الجيش الإسرائيلي باقتحاماته المتكررة لبيوت الفلسطينيي­ن بالضفة الغربية

- ينيف كوفوفيتش وهاجر شيزاف – –

■ إن تعليمات قائد المنطقة الوسطى، الجنرال تمير يدعــي، بالكف عــن اجتياح بيوت الفلســطين­يين في الضفة الغربيــة بغرض جمع المعلومات -باســتثناء حالات استثنائية- تم نشرها بعد أن أمر نائب رئيسة المحكمة العليا، حنان ملتســر، الجيش بأن «يســتعد لعرض صيغة الأوامر» حتى شــهر آب. أجرى الجيش الإســرائي­لي تعديلات تمكنه من عدم نشــر إجراءات الاقتحامات وتعفيــه من تداعيات الجمهــور التي قد تثيرها هذه الاقتحامات.

الإجراءات التي ألغيت تســمى باللغة العســكرية «رســم خرائط للمباني»، يدخل الجنــود فيها كل ليلة إلى بيوت فلســطينيي­ن غير مشــتبه فيهم بأي شيء بهدف تســجيل ســكان البيت ووصف المبنى. وصف الجيش هذا الأمر )إلغاء هذا الإجراء( كخطوة إنسانية اســتهدفت «التقليل من المس بروتين حياة السكان.» وقالــوا إن التغيير بــدأ «على خلفية تطــور الأدوات العملية والاستخبار­ية في منطقة يهودا والسامرة.»

تناولت النقاشــات التي أجريت في المحكمة العليا، الأحد الماضي، الالتماس الــذي قدمته جمعية «يوجد حكــم » وجمعية «أطباء من أجل حقوق الإنســان » في آذار 2020، إضافة إلى ســتة ملتمســن فلسطينيين، كانوا طالبوا بتغيير التشــريع بصورة تمنع الجيش من اقتحام بيوت الفلســطين­يين إلا بأمر قضائي. وقد طلب الملتمســو­ن أيضاً الكف عن التفتيشــا­ت إلى أن يتم تنفيذ التعديل بتشريع عسكري، باستثناء حالات استثنائية وملحة. وأضاف القاضي ملتسر بأن «ليس فيمــا قيل إعلاه ما من شــأنه أن ينتقــص من إمكانية مطالبة الطرفين بالرد على أســئلة أخرى ســتطرحها عليهم الهيئة القضائية إذا رأت ذلك مناسباً.»

يعتبر الجيش الإســرائي­لي هذا الإجراء «نشــاطاً عملياتيــاً للدخول إلــى بيوت فلســطينيي­ن بغرض جمع المعلومات لأهداف أمنية مختلفة»، وذلك حســب التعريف الذي عرضه ممثلو النيابة العســكرية على المحكمة العليا في 2015 رداً على التماس ســابق حول هذا الأمر. وحسب النيابة العامة، «هذا النشاط لم يكن عرضياً، بل استهدف تحقيق هدف عملي استخباري، وصادقت عليه مســتويات القيــادة. إضافة إلى ذلك، تم إعطاء تعليمــات للجنود وضبــاط الجيش الذين نفذوا النشــاط تعليمات بخصوص طريقــة التنفيذ

والحساســي­ة المطلوبة، من أجل تقليص إزعاج نسيج حياة الســكان». وأضافــوا أيضاً بأن الأمــر تم «وفقاً لقوانين الاحتلال العسكري في القانون الدولي.»

في إطارها هــذه العملية، يطلب من الجنود اقتحام بيــوت فلســطينيي­ن ليلاً وفجــراً بدون أمــر وبدون معلومــات اســتخباري­ة تشــير إلى وجود اشــتباه بتورط سكانها في عمليات إرهابية أو جنائية. وأثناء الاقتحام، يطلــب من الجنود توثيق البيت وســكانه عن طريق الرســم وأحياناً التصوير وجمع المعلومات عن الســكان وتفاصيل شــخصية عنهم أيضاً، «كل ما يمكن معرفتــه خلال المكوث لبضع دقائق أو ســاعات في البيت». من معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنســيق الشــؤون الإنســاني­ة في المناطق «أوتشــا»، التي تم عرضها في الالتماس، يتبــن أن الجيش نفذ في 2017 و2018 نحــو 265 عمليــة تفتيش شــهرياً في الضفة الغربية. وفي جمعية «يوجد حكم » جمعوا شهادات عن 128 حالة كهذه، منها 38 حالة قال فيها الفلســطين­يون بأن الجنود هددوهم لفظياً أو بالسلاح. وفي 32 حالة تم الإبلاغ عن استخدام القوة أو العنف الجسدي. في حالة واحدة فقط قال الفلسطينيو­ن إن الجنود أجبروا أبناء العائلة على الذهاب ســيراً وهم حفاة على قطع زجاج مهشم. وفي شهادة أخرى استثنائية، تم الإبلاغ عن أحد أبناء عائلة أطلــق الرصاص على بطنه. وفي 27 شهادة تم الإبلاغ عن الإضرار بالممتلكات.

وقال الملتمســو­ن إنه «من الشــهادات التي جمعت وحللت من قبلنا، يتبين أن تم تنفيذ رســم الخرائط في بيوت أشخاص غير مشــتبه فيهم في أغلب الحالات، حيث كان للجنود المشاركين في هذه النشاطات إدراك بأن هــذه النشــاطات ترتكز في أفضــل الحالات إلى حاجة عامة لجمع المعلومات عن كل بيت فلسطيني في الضفة، وفي أسوأ الحالات اســتهدفت العملية إثبات الوجــود والتدرب». في الالتمــاس طلبوا من المحكمة إعطاء أوامــر للجيش بأن يكشــف للجمهور «الأوامر أو التعليمات أو التوجيهات التي تســري على منفذي عملية رسم الخرائط للمباني في الضفة.»

سميح دعنّة، وهو أحد ســكان الخليل وأب لسبعة أولاد ويعيــش قرب مســتوطنة «كريــات أربع»، قال للصحيفــة إن الجنــود الإســرائي­ليين اعتــادوا في الســنوات الأخيرة على اقتحام بيته في كل أسبوع. « كان لهذا تأثير علــى الأولاد، خصوصاً عندما يدخلون في ســاعات الليل المتأخرة»، قال. «عندما يكون الولد نائماً ويســتيقظ فيرى الجندي أمامــه فهذا يؤثر في

نفســيته وقدرته على إقامة شــبكة علاقات سليمة». تحــدث دعنّة عن حالة أيقظ فيهــا الجنود أحد أولاده الذي يعاني ضعفاً في النظر وطلبوا التقاط صورة له. «حاولت إخبارهم بأن لديه مشــاكل في النظر وطلبت منهم تركه. ولكن الجندي أجابني بأن: الأمر لا يهمك».

وأضاف دعنّة أن الجنــود طلبوا في بعض الحالات التقاط صور لأبناء العائلة، وفي بعض الحالات قاموا بفحص بطاقات الهوية وتصوير البيت نفسه. عن قرار الجيش إلغاء هذا الإجراء قال: «هذه الخطوة قد تكون ايجابية جداً بالنسبة لنا. هذا الإجراء موجه إلينا بلا نهاية وهو يمسنا جميعاً».

مرشــد الكركــي، أحــد ســكان الخليل، قــال إن الاقتحامــ­ات الليلية أمر روتيني منــذ زمن. وقد حدث ذلك له ولعائلته «ثلاث مرات منــذ العام 2019، بفرق زمني خمســة ستة أشــهر تقريباً»، حسب قوله. في جميع هذه الحالات، دخل الجنود إلى بيته في الساعة الثانية فجــراً وصوروا البيت وأبنــاء العائلة. وذات مرة، فعلوا ذلك دون الطرق على الباب، حسب قوله.

«تأتي لتصوير بيتي بدون أمر، هذا أمر غير طبيعي

وغير محتــرم»، قال الكركي. «إذا اكتشــفت ذات مرة أن صور أبناء عائلتي منشــورة في الخارج فلا أعرف ما ســأفعله. في إســرائيل قانون، أليس كذلك؟ لذلك، أطلب أن يتصرفوا حســب القانون». وقد تحدث أيضاً عن تأثير هذه الاقتحامات على أولاده: «هناك شــعور بالذعر. بناتي يلتصقن ببعضهن من شدة الخوف. هم يهددون خصوصيتنا بدون سبب».

ملتمسة فلسطينية للمحكمة العليا ضد هذا الإجراء وصفت اقتحام بيتها في ســلوان في 30 تشرين الأول ،2018 «في الســاعة الثانية فجراً بينمــا أبناء العائلة نائمون، طرق الجنــود الباب بقوة. نحــو 12 جندياً دخلوا وهــم يصوبون ســاحهم وطلبوا مشــاهدة بطاقات الهوية»، كتب فــي الالتماس. «تعامل الجنود مع أبناء العائلة بشكل عنيف. وعندما سألهم صاحب البيت عن ســبب بالتفتيــش، أمروه بــأن: اصمت». وحســب شــهادات الجنود، فقد بقوا في البيت بضع ساعات. «وقال أحدهم لأبناء العائلة بأنهم سيعودون مرة أخرى».

وصفت هذه الاقتحامات أيضاً في الشــهادات التي قدمهــا جنــود لجمعية «نحطــم الصمــت» على مدى ســنوات. «رســم الخرائط هو أن تنقض على قرية أو عدد مــن القرى وتأخذ خرائطها وصــوراً جوية لعدد من البيوت وتوزعها داخل الكتيبة»، قال أحد الجنود. «هكذا يغطون كل القرية، حيث الهدف هو -سواء في ليلة أو عدد متواصــل من الليالي- الدخول إلى جميع البيوت ورســم كيف تبدو من الداخل، وهذا يصل بعد ذلك إلــى مخابرات الخليــل والســامرة أو أي كان». جندي آخر قال: «كل طاقم يتسلم هدفاً في قرية معينة. كانوا يقولون لنا بالتحديد إن أشخاصاً غير متورطين يســكنون هذه البيوت، وأنهم أشــخاص غير متهمين بالإرهاب، أبرياء بلغة مغسولة».

«أتذكر أن طُلب منا ذات مرة القيام برســم خرائط وتصويــر النــاس»، قــال أحــد الجنــود. «صورت الأشخاص وبطاقات هوياتهم بالهاتف المحمول. وبعد العملية، فعلت مــا يجب أن أفعله بهــذه الصور ولمن سأحول المعلومات. قال لي الضباط إنه ليس لديهم أي فكرة عن ذلك. انتظرت بضعة أيام، وبعد أســبوع على عدم قيام أحد بطلب ذلك، حذفت هذه الصور».

«شــعوري هو أن هذا لا يعنيهم أبــداً»، أضاف أحد الجنود. «حســب رأيي، عملية رســم الخرائط هدفها الضغط علــى الفلســطين­يين والدخول إلــى بيوتهم وإيقاظهم في الليل وخلق شعور بالملاحقة لديهم. هذا إجراء غير منظم لترسيم المباني، هذا هراء».

ميخائيل ســفارد، المستشــار القانوني في جمعية «يوجد حكــم» قال للصحيفة بعد قــرار الجيش إلغاء هذا الإجراء: «يبدو أن الجيش فهم أنه لا توجد طريقة للدفاع عن هذه الممارســة المهمة، وربما هناك من اعتقد بأنه من غير الســليم أخلاقياً الدفــاع عنها. مهما كان الأمر، قرار الاســتجاب­ة لهذا الطلب وإلغاء ممارســة عســكرية، دون أن تضطر منظمات حقوق إنسان إلى تقديم التمــاس للمحكمة العليا من أجــل إلغائها، هو أمر نــادر جداً. ربما يتعلق القــرار بحقيقة أن التماس جمعية «يوجد حكــم» وجمعية «أطباء من أجل حقوق الإنســان»، يتحــدى سياســة التفتيش فــي بيوت فلســطينيي­ن في الضفــة، وهو الأمر الــذي يتم بدون أمر قضائــي أو رقابة خارجيــة. وأن الجيش فهم أنه من الصحيح أن يظهــروا مصغين لمطلب الإصلاح هذا؛ لتقليل حجم اقتحام بيوت عائلات فلسطينية».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom