Al-Quds Al-Arabi

ما العمل؟ كان سؤالنا الأكبر ولم يزل

- *

نجح يائير لبيد، رئيس حزب «يــش عتيــد» بإقامــة حكومة إسرائيلية جديدة، بعد أن تنازل عن رئاستها في نصف مدة ولايتها الأول، لصالح رئيس حزب «يميناه»، نفتالي بينيت، وبعد أن ضمنوا دعمها من قبل نواب القائمة الموحدة التي هي في الواقع ممثلة للحركة الإسلامية الجنوبية في الكنيست.

رافقت جلســة التصويت على إقامة الحكومة، التي جرت يوم الأحــد الفائت، مشــاعر الإثارة والترقــب؛ فإمكانيات فوزها بثقة الأغلبية بقيــت غامضة حتى اللحظات الأخيرة، بعد أن أعلن بعض النواب فــي أحزاب الائتلاف عن إمكانية امتناعهم عن دعمها، أو حتــى التصويت ضدها. وقد برز من بين هؤلاء «المتمردين» النائب سعيد الخرومي، ممثل منطقة النقب في القائمة الموحدة، الذي احتج على استمرار عمليات هدم البيوت في القرى البدوية، بما فيها القرية التي يسكنها النائب وغيرها.

لم يصــوّت النائب الخرومــي ضد الحكومــة المقترحة، بل أعلــن، في اللحظة الحاســمة، امتناعه عــن التصويت، مسجلاً، في مشــهد تاريخي أنومالي/شــاذ، موقفاً يعادل، في الواقع، إعلان دعمه لها؛ لأنها حظيت، بســبب امتناعه، بستين صوتاً، بينما عارضها تســعة وخمسون نائباً، منهم ســتة أعضاء القائمة المشــتركة. لقد اثار تغيّب النواب أيمن عودة وأحمد الطيبي وأســامة السعدي عن جولة التصويت الأولى انتقــادات شــديدة داخل بعض أوســاط المواطنين العــرب؛ فقد تبين في النهاية أنهم لم يقصدوا فعلياً إســقاط الحكومة، بل عادوا إلى قاعة الكنيســت وصوتوا ضدها في جولة التصويت الثانية، بعد أن تأكدوا من أنها حصلت على الأغلبية النيابية المطلوبة.

ســتبقى جميع هذه التفاصيل، رغم أهميتها لدى البعض، غبــاراً علــى صفحة الحــدث الأهــم؛ وهو برأيي مشــاهد المخاضــات الأخيرة مــن عملية الصراع السياســي المحتدم داخل المجتمع الإســرائي­لي؛ والنجاح النســبي، غير المفهوم ضمنــاً، بإيقاف زحف القــوى اليمينية المستوحشــ­ة نحو سدة الحكم، وتوقعاتها أن تســتولي على الدولة التي كانت ســتتحول إلى كيان آخر لا يشبه المألوف الذي عانينا، نحن المواطنين العرب، من سياســاته وممارســات­ه طيلة العقود الماضية. مــن الصعــب أن نتنبأ حــول عمر هــذه الحكومة المتوقع، أو كيف ســتتصرف أزاء معظــم القضايا المفصلية والخلافية بين مركباتها الثمانية التي تجمعها شــهوة الحكم والكراهية الكبيرة لشــخص بنيامين نتنياهو، وتفرق بينها العقائد والمصالح والمطامع والرؤى.

يعتقد البعــض أن ضعف أحزابها وصغرها ســتكون من بواطن قوتها، فنفتالي بينيت، على ســبيل المثال، يعرف في قرارة نفســه، ورغــم انتمائه الطبيعي إلى معســكر اليمين الصهيونــي المتديــن، أنه مــا كان ليحقق أمنيــة حياة كل سياســي، ويصبح رئيس حكومة وهو يقود حزباً مكوناً من ستة أعضاء كنيست فقط. لم يتقبل اليمين الجديد خسارته، ولم يعترف الكثيرون من رموزه، بشــكل واضح، بشــرعية حكومــة بينيت - لبيد. وإذا ما راجعنــا خطاب نتنياهو في الكنيست وتصرفاته بعد تشــكيل الحكومة، سنلمس أنه لم ولن يتوقف عن إيجاد لحظة الانقضاض مجدداً على الحكم، ســواء عن طريق محاولاته لإســقاطها مــن داخلها، أو عن طريق وكلائه الغوغائيــ­ن، ودفعهم لخلق الفوضى والبلبة في شوارع الدولة، وفي نقاط التماس الحساسة، وإكثارهم من عمليات التحريض والاعتــدا­ءات، على غرار ما قامت به قطعان اليمين في هجومها قبل شهرين على الأحياء العربية في المدن المختلطة، وإشــعال موجة المواجهــا­ت الأخيرة مع المواطنين العرب؛ أو ما شــاهدناه يوم الثلاثاء الماضي عندما أصرت جماعات المستوطنين واليمينيين السائبين على إجراء ما يسمونه «مسيرة الأعلام» الاستفزازي­ة لمشاعر المقدسيين والمســلمي­ن، التي كانت أيضا، في هذه المــرة، أولى خطوات إرباك الحكومة الجديدة وحشــر حلفائهــا، خاصة أعضاء القائمة الموحدة/ الحركة الإســامية فــي «خانة اليك». وقد سارع النائب منصور عباس إلى شــجب المسيرة، ووصفها بعمل اســتفزازي؛ فنجا مؤقتاً من تبعاتها؛ لكنه أحس، هكذا أتوقع، بغرابة تأييده شــبه المطلق لحكومة سوف تضطر في المستقبل القريب إلى إجازة «مسيرات»سياسية أخطر وأكبر من مسيرة أعلام مستفزة».

ســوف نعود، بطبيعة الحال، إلى مناقشة مواقف الحركة الإســامية واختيارها طريق الشــراكة النفعية مع حكومة إسرائيل، من دون أن تعلن ما هي ضوابطها السياسية ومتى وفي أي الظروف ســتفك ارتباطها، خاصة أن قادتها ما زالوا يصــرون على كونها «بيضــة القبان» ويشــيدون بقرارهم الذي أدى إلى إســقاط حكومة نتنياهو، وتحقيقهم ما وعدوا الناخبين به، كما جاء في بيانهم الرســمي الصادر في أعقاب تأييدهــم للحكومة. وإلى أن تتم عودتي لمناقشــة خطوات ومواقف الحركة الإسلامية، أود تذكير مجلس شورتها، وهو الهيئة الموجهة العليا وصاحبة الصلاحية في اتخاذ قرارتها، بــأن قائمتهم قــد تعتبر «بيضــة القبان» تمامــاً، كما كانت تســتطيع أن تكون القائمة المشــتركة «بيضة ذلك القبان»، لكنها لم ترض بذلك، ولم تفعل، لأننا ببساطة بحاجة لوجود «قبان» قبل أن يصير حزب أو حركة ما «بيضته».

ودعوني أذكركم أيضا، أن شــعار إسقاط حكومة نتنياهو خلال المعركــة الانتخابية الأخيرة، كان أحد أبرز شــعارات «القائمة المشــتركة» وبعض الأحزاب اليهودية الأخرى مثل حزبي «ميريتس»و»العمــل»؛ لكنه لم يكن شــعار قائمتكم على الإطلاق. واذا نســيتم فتذكّروا كيف أيّدتم موقف رئيس القائمة الدكتور منصور عباس الذي أطلق وتمســك بشعاره الملتبس «لســنا في جيب أحد»، وأعلن «أننا لسنا يساراً ولا يميناً»، ثم مضى يفــاوض نتنياهو الــذي احتضنه بمحبة أبوية «وبيّضه» بمهنية، وشرعنه أمام المجتمع اليهودي. لقد سمعنا، مثلكم، كيف شكر نفتالي بينيت، في خطاب العرش، بنيامين نتنياهو وامتدح علاقتــه مع عباس؛ فلولا ما قام به نتنياهو، هكذا صرّح بينيت، في هذا الاتجاه لكان من الصعب عليه وعلى حلفائه احتواء الدكتور عباس، وقبول حركتكم كحليف شرعي داعم لحكومتهم.

لــم تُخــرج الانتخابــ­ات المجتمــع اليهودي مــن أزمته السياســية؛ ولا أرى كيف ستســاعده هــذه الحكومة على تخطي المرحلــة والانتقال إلى مرحلة مغايرة جديدة؛ خاصة وكلنا يعــرف أن إبعاد الأحزاب الصهيونية المتدينة وأحزاب اليهود الحريديم، عن تشــكيلة الحكومة التي يشــارك فيها حزب نفتالي بينيت «يميناه» وحزب «الأمل الجديد» برئاسة اليمينــي جدعون ســاعر، كان عملياً مجرد خيــار انتهازي للاثنين، ما خلق واقعا سياســيا غير مستقر، يناقض مواقف أكثرية المجتمع الإســرائي­لي الحقيقية، كما عبرت عنها نتائج الانتخابات الأخيرة. فما يجــري أمامنا هي تفاعلات معركة سياسية ستحســم قريباً؛ والمشــكلة انها قد تحسم ونحن، العــرب، نعاني حالة ترهل سياســي خطيــرة، وضياع في ســراديب معتمة؛ فالحركة الإســامية اختــارت طريقاً لم يسلكه من قبلها أي تنظيم عربي ولا نعرف إلى أين سيفضي بها وبنا، وكيف سيؤثر في سلوكيات أبناء مجتمعاتنا؛ بينما لم تعد القائمة المشــتركة، بشــكلها الحالــي، عنواناً ملائما لمواجهة المرحلة المقبلة ولا وسيلة جاذبة ومقنعة للناس. في المقابل، نشــاهد كيف تنمو بيننا شرائح شبابية تفكر بشكل «افتراضــي» وتعمل بأســاليب غيــر تقليديــة وبفوضوية أحيانا؛ فتفور ســاعة وقوع حدث مــا، أو احتفاءً بذكرى ما، ثم تهدأ وتختفــي داخل عوالمها الافتراضيـ­ـة؛ وعلى الغالب ما يجري كل ذلك بغيــاب قيادات واضحة لها وبدون أهداف سياســية محددة ومعلنة. إنهم أبناء جيل ما زال يفتش عن لغة توحّده وعن هوية تعرّفــه وعن وجهة يبحرون صوبها ؛ لكنهــم يتدافعون بأحاسيســه­م، قبل كل ذلــك ومن أجله، ضد عنصرية إســرائيل، ويواجهون بأجسادهم، بلا خوف، سياســاتها ويتصدّون لأوباش اليمين بلا هــوادة ونصرة لكراماتهم ولحقوق أبناء شعبهم.

لقد عرّت الانتخابات بشــكل نهائــي عيوب قادتنا وعجز معظم الأحــزاب والحركات الناشــطة بيننا؛ وأخشــى أن يحصل الانكســار المقبل داخل المجتمع الإسرائيلي ولّما نلملم جراحنا بعد، ولم نعدّ أنفسنا لمواجهة المرحلة المقبلة، فأمامنا خيــاران، أولهما: أن تعمّر حكومة بينيــت - لبيد مدة أطول مما نتوقعه، وســاعتها سيكون على قيادات مجتمعنا إيجاد الســبل للتواصل معها لما فيه مصلحــة الناس ومجتمعاتنا؛ وإما، وهــذا الاحتمال الثاني، أن تســقط الحكومــة قريباً، ويســتأنف التاريخ الأسود فورانه ويستعيد اليمين الفاشي حكومته، فساعتها علينا أن نعرف كيف نقاوم وكيف نصمد أمام من لن يترددوا بالعــودة إلى إحيائنا لإتمام ما بدأوا به في معركتهم الاخيرة.

لقد كان ســؤالنا الأكبر قبل الانتخابــ­ات ما العمل؟ وبقي سؤالنا الكبير بعدها ما العمل؟

ما يجري في إسرائيل تفاعلات معركة سياسية ستحسم قريباً؛ والمشكلة أنها قد تحسم ونحن العرب، نعاني حالة ترهل سياسي خطيرة

كاتب فلسطيني

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom