Al-Quds Al-Arabi

ممثل السيستاني ينتقد الحكومة العراقية: ماذا قدمتم للشهداء والجرحى؟ والفساد معركتنا الأخطر

تساءل عن السبب في سقوط نينوى في يد تنظيم «الدولة» وحذر من تكرار الحادثة

- بغداد ـ «القدس العربي»:

وجّه أحمــد الصافي، ممثل رجل الدين الشــيعي البارز، علي السيســتان­ي، والمتولي الشــرعي للعتبة العباسية في كربــاء، أمس الخميــس، نقداً لاذعــاً للحكومــة العراقية، بشأن إجراءاتها في تخليد قتلى وجرحى الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» محذّراً في الوقت عيّنه من خطورة تكرار مشــهد ســقوط مدينة الموصل مرّة أخرى، فيما عدّ الفســاد بـ«المعركة الأخطر».

جاء ذلك خــال كلمة ألقاها فــي حفل افتتــاح فعّالياتِ النســخة الخامســة من مؤتمر «فتوى الدّفاع الكفائيّ» الذي عُقِد أمس تحت شعار «التوثيقُ الإعلاميّ.. الشاهدُ الحيّ».

وقال الصافي: «نستحضر هذه الأيّام تلك الفتوى العظيمة التي أعــادتْ للعراق هيبته، وأبعدت ذلــك الخطر والخوف الذي كان يخيّم على البلاد ودفعته إلى غير رجعة» متسائلاً: «لو لم تكن الفتوى موجودة ماذا ســيحصل؟ أو بمعنى آخر لو لم تكن الفتوى حاضرةً وموجــودةً ما الذي كان يُمكن أن يحصل؟».

وأضاف: «القراءةُ للأحداث هــي مهمّةُ العقلاء والمفكّرين وأهل الرأي والقرار، وقد يقول القائل: لا داعي لهذا السؤال، باعتبــار أنّ الأمر مــرّ وانتهى، والفتوى حضرتْ وأسّســتْ وغيّرتْ، فلماذا نســأل هذا السؤال؟! بل سيكون هذا السؤال من فرض المحال باعتبار أنّ، زمن مضى، ولا يُمكن العودة به، هذا صحيح، لكن جاء الســؤال من باب التحليل والتفتيش عن مجريات الأمور في وقتها، والتداعيات التي كان يُمكن أن تحصل، لأنّنا عندما نتحدّث عن مســألةٍ لابُدّ أن نفهم عظمها وأهمّيتها، حتّى تكون ردود الفعل بمقدار هذا الفعل».

وأشــار إلى أن «الفتوى فعلٌ عظيم وكبير، فلابُدّ أن تكون ردود الفعل متناســبةً مــع هذه العظمة، وهذا الســؤال لعلّ الوقت ليس وقت مناقشــتِهِ على هــذه المنصّة، لكن من باب الإثارة لكي نفهم الأمور وكيف نقرأ التاريخ»

«ظاهرة مهمة»

ورأى أن «هذه الفتــوى المباركة هي ظاهرةٌ مهمّة ولابُدّ أن تُدرس، ونحن في العتبة العبّاســية المقدّســة بعد أن اتّفقت الإدارة على أنّ هناك مشــكلة في توثيق منجزاتنا، لا أتحدّث الآن، إنّما كعراقيّين عندنا هذه المشــكلة، منجزاتنا لا نؤرّخها أو نوثّقها بل كثير من الأمــور تمرّ مرور الكرام، وإذا أردنا أن نســتذكر فإنّ الذاكرة ســتخوننا في كثيرٍ من الجزئيّات أو ســنقرأُها في كتبِ مَنْ لم يصنع الحدث، وبالنتيجة ســيضع مبتنياته على ما يسطّر، فإذا كان الجيلُ شاهداً على خلاف ما يســطّر فالجيل الآتي ستنطلي عليه هذه الشبهات، ويتعامل مع الواقع مثل ما كُتِب، لذلك حرصنــا أن يكون هذا التوثيق بيــد أبنائِهِ، وطلبنا من الإخوة أن يكتبــوا كلّ ما كان له دورٌ في المعركة أن وثّقوه واكتبوه، وهناك لجانٌ متعدّدة ستتبنّى الحفاظ على الفكرة، وإعادة الصياغة وفق ما تتطلّبه طريقة الموسوعات».

وتابع: «البعــض اســتجاب والآخر بين بــن والبعض تكاســل، وما زال الباب مفتوحاً لكلّ من عنده شــيء قد فات أن يذكره أو يكتبه أو لــم يكتبه أصلاً، فما زال الباب مفتوحاً

وعلى الإخوة الأعزّاء أن يكتبوا كلّ ما كان في هذه الفترة من نشاطٍ أو انتصار أو معاناة، وسنعمل على تضمينه في القادم من هذه الموســوعة التي تتألّف من )62( جزءاً، فإنّنا نأمل أن تُضاف إليها عشرات الأجزاء، وقد بدأ الإخوة بجمع ما ستتمّ إضافته من توثيقات، وبعض الأمــور التي لم تكن حاضرة، فلا بُدّ أن نكيّف أمورنا وفق رؤيةٍ مقبولةٍ، وهذه الموســوعة وغيرها ســتكون تحت نظر أهل القرار مــادّةً علميّة لكلّ مَنْ يريد أن يحلّل أو يفتّــش، أو من يريد أن يقرأ هذا التاريخ في هذه الحقبة، طبعاً لا ندّعي التكامل في ذلك لكن هذا ما وصلت إليه أيدينا، فالنقطة الأولى لابُدّ أن تُدرس هذه الظاهرة وهي ظاهرة الفتوى، وتُســتَذكر في كلّ وقتٍ لأنّها فعلاً أحدثتْ ما أحدثَتْ».

ووصف الصافــي فتوى «الجهاد الكفائي» للسيســتان­ي عــام 2014 بأنها «جريئــة» و«حافظت على البــاد والعباد والمقدّســات والأعراض من جهة» ومن جهــةٍ أخرى «منعت وصــولَ هذا الفكر الداعشــيّ المنحرف إلى العــراق، وأنتم تعلمون أنّ التاريخ قــد يُكتَب بأفكارٍ منحرفــة، فكما يُكتب بأفكارٍ جيّدة يُمكن أن يُكتب بأفــكارٍ منحرفة، فعندما تكون هذه الفتوى بهــذه العظمة والقوّة وحفظتْ شــيئاً ومنعتْ أشــياء، منعتْ هذا التدنيس الذي ـ إن شاء الله ـ لن يكون والــذي كان ينــادي به هؤلاء، أيضــاً منعــت التأثير على مســاحاتٍ كثيرة ودولٍ أُخَر، ومن ورائهم ما يُمكن أن يكون شــيئاً كبيراً، وهذا ليس عملي لكن على الإخوة الباحثين أن يدقّقوا كيــف حدث هذا؟ ومَــنْ كان وراءه؟ وماذا كان يُراد لــه؟! بحيث جاءت هــذه الفتوى وغيّــرت الموازين وقلبت المعادلة».

لماذا وقع العراق في الفخ؟

وتســاءل أيضاً: «لماذا وقع العراق في الفخ؟ من أين كانت المشكلة؟ بحيث تمكّن هؤلاء الشــرذمة من أن يحتلّوا مدينةً كبيــرة ويحاولوا احتلال مدنٍ أخَر، فأين المشــكلة؟ وما هي الضمانة على أنّهــا لا تتكرّر؟ هذا الســؤال يحتاج إلى مزيدٍ من الجرأة في الجواب، ومزيدٍ من الواقعيّة لأنّ المشكلة التي حدثت كبيرةٌ جدّاً، والفتوى كانت في حالةٍ أعظم من المشكلة الفعليّة، والمشكلة التي من الُممكن أن تكون تداعيات للمشكلة فأوقِفَــتْ، لكن لماذا حدثتْ هذه الأمــور التي هي خارجة عن الفتوى، فهل المشكلة في النظام السياسي؟

أم المشــكلة في الجيش؟ أم في الفســاد المستشــري في البلاد؟ أم المشكلة في تسلم أشــخاصٍ غير كفوئين ومهنيّين لمقدّرات البلد؟ أين المشكلة؟! ما حدث أمرٌ خطير لم يحدث في بلدان العالم».

وأكد أن «الاستجابة للفتوى حدثت من جماهير الناس من الشعب. أنا الآن قارئٌ للمشهد، الآن المعركة بحمد الله تعالى انتهت والنصر المؤزّر كان حليف البلاد والعباد، وكان حليف العراق، واليوم، نحن نعيش حالة استذكار الفتوى والنصر الذي تحقّق في نفس الوقت، لكن الجماهير هي التي ساعدت واستجابت وســارعت، بمجرّد أن صدرت الفتوى الجماهير زحفت إلــى مواقع التهيئة للقتال، مَنْ هــؤلاء الذين قاتلوا؟ أعمارهم متباينة ومختلفة وقد ذكرناها في أكثر من مناسبة، أقول هؤلاء الآن الاستحقاقا­ت التي لهم مَن المتكفّلُ بها؟».

ومضى يقول: «هؤلاء عشــقوا البلد ونزفت دماؤهم على أرضــه، ولم يفرّقوا بــن مدينتهم ومدينةٍ أخــرى تبعد أكثر من 400 كليو متر عنهم، فالعــراق كلّه بلدهم ونزفت دماؤهم هناك، كيف نتعامل مع هؤلاء؟! كشــهداء من جهةٍ وكجرحى أحياء من جهةٍ أخرى، وكطليعةٍ مؤمنةٍ من أبناء البلد ما زالت تحمل البندقيّة على كتفها، كيف نتعامل مع هؤلاء؟».

وشــدد على «أهمية أن تتولى الجهات الرســمية متابعة )ملف الشــهداء)» لافتاً إلى أنهم «صنعــوا تاريخاً بدمائهم، وهم مفخرة، عندما نريد أن نفتخر بالعراق نذكر الشــهداء، نقول: هؤلاء أوقفوا هذا الزحف الداعشيّ، فالجهات الرسميّة ماذا تفعل لهم؟».

وزاد: «الجرحى هم شبابٌ بعمر الورد منهم مَنْ فقَدَ بعضَ أعضائه، الدولة والجهات الرســميّة ماذا تفعل لهؤلاء؟ أنا لا أقول شــعارات أنا صريح في هذه الأمور، فالشعارُ لا يُغني، لكن عمليّاً مــاذا فعلنا؟ المقاتلون الأعزّة الذيــن ما زالوا في جبهــات القتال، وعيونهم ســاهرةٌ وهم يحملــون بنادقهم على أكتافهم ما هو المفروض أن يُهيّأ لهم؟ مع مناقشــة أسباب المشــكلة التي حدثت، كيف عالجنا المشكلة في وقتها حتّى لا يتكرّر المشهد أو بعضه، ما هي الخطوات العمليّة؟».

وطالــب الصافي، المســؤولي­ن أن «يســتفيدوا كثيراً من التجربة التي حصلت، وأكرّر ســؤالي الأوّل )لولا الفتوى ما كان ســيحدث؟( فإذن عندما نتعاون لابُدّ أن نهيّئ الأرضيّة الطيّبة لسرعة الانتصار، فالانتصار يحتاج إلى أدوات، لابُدّ أن نهيّئ الأرضيّة الطيّبة الصلبة القويّة لســرعة الانتصار، ولا نســمح بتكرار بعض المشهد فهذا لا يُمكن، يجب أن نكون كالبنيان المرصوص الذي لا يُمكن أن يُخترق، وهذه ليســت مســؤوليّة الناس فقط إنّما مســؤوليّة الجهات الرســميّة، التي عليها اســتحقاق، ما دام هو في مرتبــةٍ متقدّمة فعليه استحقاقات، أن يحفظ البلاد ويحافظ عليها، أن يقرأ المشكلة كيف حدثت، ثمّ تبدأ المعالجــا­ت الحقيقيّة والجادّة في ذلك، فالفســاد أمرٌ خطير وهو معركة، كما في خطبة النصر التي عبّر عنها ســماحة المرجع الدينيّ الأعلى أنّنا ســنبدأ معركةً

جديدة، وهذه المعركة قد تكون أخطر من المعركة الســابقة، التي كانت تحتــاج إلى قوّة وتحتاج إلى همّة رجال، والعدوّ مشخّص والحمد لله، وبعد ثلاث سنواتٍ من القتال الضاري اســتطاع العراقيّون أن يعيدوا خريطة العراق إلى ما كانت عليه، والعلــم العراقيّ بقي ناصعاً ولــم يلوّثه ملوّث، لكن المعركة الأخطر هي معركة الفساد الذي هو كحشرة الإرضة، عندما يأتي على بنيانٍ ســرعان ما يهدّه، وإذا ضرب الفسادُ كلّ مفاصــل الدولة فســتنهار، فلابُدّ من إجــراءاتٍ حقيقيّة وواقعيّة، فنحن نســلتذّ بما حصل من الاســتجاب­ة الكبيرة لكن هذا يحتاج إلى أن تستمرّ.»

وختم بالقول: «العراق قد تعافى واســتفاد من التجربة اســتفادةً جمّة، وأُعِيــد بناءُ جميع المؤسّســات التي كانت تعاني من بناءٍ معوجّ» مشــدداً على أهمية أن «نُكرم الشهيد بهــذا العمل، نقول لــه: إنّ هذه الدماء قــد أنبتت وأينعت، واســتفدنا منها، وقد روت أرضنا التي ســتكون منيعةً على كلّ معتدٍ أثيم .»

 ??  ?? أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني
أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom