Al-Quds Al-Arabi

اعتداء إسرائيلي جديد على مسجد «حسن بيك» التاريخي

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تعرّض مســجد حســن بيك، في مدينة يافا الســاحلية الفلسطينية لاعتداء جديد حيث قام متطرفون يهود بتحطيم نوافذه الزجاجية النادرة قبيل ساعات فجر الخميس.

ونشر إمام المســجد الشــيخ أحمد أبو عجوة المقطع عبر صفحته على فيســبوك. وقال إن الأيدي الآثمة تعتدي على مسجد حسن بيك في يافا ما أدى لتحطيم أحد النوافذ، مؤكدا انه «بفضل الله لــم تكن هناك إصابات «، وحمل منشــوره شــعار «هنا باقون» موضحــا أن « مجهولــن» قاموا برمي المســجد التاريخي في شــمال يافا بحجــارة حطمت بعض نوافــذه فتناثر الزجــاج الملونّ على أرضيته، مشــددا على أن اســتمرار الاعتداءات على هذا المســجد يدلل على تواطؤ الشرطة الإســرائي­لية مع المعتدين، داعيا فلسطينيي الداخل لتأمين حراسة خاصة له.

يشار ان مسجد حسن بيك التاريخي يقع في قلب تل أبيب بعدما كان جزءا من حي المنشــية في يافا الفلسطينية وأبرز معالمها.

ويتميز المســجد الذي نجا من 20 عملية اعتداء ومحاولة إحراق، بطــرازه المعماري التركي الجميل، وقبل احتلال يافا كان عامرا بالمصلين وفيه أقيمت حلقات العلم فيما كان الشيخ علي غانم شراب آخر أئمته.

من يحميه من اعتداءات «المجانين»؟

ولطالمــا ازدانت يافا بإطلالة المســجد الجميلة وبمئذنته الشامخة قبالة شــطآن البحر المتوســط منذ أن بناه جابي دمشق حســن بصري الجابي الدمشــقي حاكمدار يافا عام 1906. ومــن حولــه في حي المنشــية الذي بنتــه العائلات الثرية في «عروس البحر» يافا قبل النكبة أمثال عائلة بامية وبيدس لم تبق منها سوى بعض البيوت المستولى عليها من قبل اليهود ومصنع للصابون كانت تديره عائلة من نابلس، حول اليوم لمتحف لحركة «الايتســيل» الإرهابية. وفي عام 1948 نزح أهالي المنشية فبقي المسجد مهجورا يتيما وعبثت به أيدي متطرفين يهود وعاثت فيه فســادا ودمارا فاقتلعت أبوابه ونوافذه ونهب أثاثه وهدم ســقفه وتصدعت جدرانه وهدمت مئذنته، بل صار وكرا لمدمي المخدرات.

وكان المســجد قد تعرض لاعتداءات كثيرة منذ نكبة أهله فظل مغلقا إلى أن رممته الهيئة الإســامية المنتخبة في يافا وفتحته للصلاة عام 1988 لكن الســلطات الإســرائي­لية ما زالت تحظــر رفع الأذان فيه، لكن قدســية المــكان وعراقته وجماليته لم تشــفع له لدى متطرفين صهاينة يواظبون على الاعتداء عليه بالحجارة والزجاجــا­ت الحارقة في محاولة للتخلــص منه ومن دلالاته التاريخية والسياســي­ة ســيما وأنه بات محاصرا ببيوت ومنشآت أقامها الإسرائيلي­ون في الأحياء اليهوديــة الجديدة على أطراف تل أبيب التي أقيمت على حساب يافا.

بعد النكبة تعرض مســجد حســن بيك إلــى اعتداءات ومحاولات رسمية أيضا لهدمه بحجة التطوير، كان أخطرها فــي عام 1981 بيــد أن هبة فلســطينيي يافــا أنقذته من يد التخريب والتدمير وقد تم ترميم ما تصدع من أجزائه بفضل أهالي المدينة وعموم فلسطينيي الداخل.

ومن الاعتداءات الاســتفزا­زية قيام رجل وزوجته بطرح رأس خنزيــر مع كتابات عنصرية في باحته في أغســطس/ اّب2005 ،عــاوة على قذفــه بالحجارة وتحطيــم نوافذه الزجاجية عام2000، وهي عملية تتكرر بين الفترة والأخرى مــا دفع بعض المســلمين من المدينــة للإقامة فيــه على مدار الساعة.

اعتداءات ومحاولات إحراق

الاعتــداء­ات غير المنقطعة على المســجد ازدادت وتيرتها بشــكل جنوني منذ أن نفذت عملية استشــهادي­ة في نادي « الدولفينار­يوم» فــي يافا في يونيو/ حزيــران 2001 حيث يعتدى عليه بالحجــارة والعبوات الحارقة عدة مرات خلال الســنة الواحدة، في ظل صمــت مطبق من قبل الســلطات الإســرائي­لية ودون أن يقدم معتد واحــد للمحاكمة. تعرض مســجد حســن بيك عام 2007 لاعتداء جديد باقتحامه من قبل متطرف يهودي ومحاولة إحراقه، وتبين أن أحد حراس المســجد الذين ينامون فيه تمكن في اللحظة الأخيرة بإلقاء القبض على المعتدي وهو يســكب البنزين في جنباته تمهيدا لإشعال النار فيه بعدما أقدم على تحطيم كاميرات الحراسة.

ووقتهــا أفاد أحــد الحراس، الشــيخ محمــود أبو عبيد من جمعيــة يافا الخيرية، أن الحراس اســتدعوا الشــرطة الإســرائي­لية التــي أبلغتهم بأنــه «مجنــون» ويعاني من اضطرابات نفسية.

واستنكر الشيخ نوار دكة من المدينة الاعتداء على مسجد حســن بيك مرة أخرى وأعــرب عن اســتهجانه من مزاعم الشــرطة حول»جنون» المعتدي، لافتا إلى أنها اعتادت على ترديدهــا في حالات مشــابهة كما حصل فــي جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1968.

وقال خطيب المســجد الشــيخ دكــة وقتهــا لكاتب هذه الســطور، إنه جراء تكرار الاعتداءات لم نعد نعول على أحد فنقوم بكل ما يلزم لحفظ المســجد في ظل ســكوت وتهاون الشرطة الإســرائي­لية على الاعتداءات». وتساءل ما المعنى أن تســارع الشــرطة للقول عقب الاعتداء على المساجد بأن المعتدين هم من المجانين؟

من سرق حذاء الرئيس؟

وكانــت الاعتداءات والمؤامرات الرســمية على المســجد قد اســتفزت المؤرخ الإسرائيلي اليســاري الدكتور تسفي ألبيلــغ، فانبرى يدافع عنه في وجه محاولات الســطو عليه من قبل بلدية تل أبيب و«أمنــاء الوقف المعينين والمتعاوني­ن معها في مطلع الثمانينات. وقتها اعتصم ألبيلغ داخل المسجد وقام بالإضراب عــن الطعام فيه احتجاجا على نية بلدية تل أبيب برئاسة شــلومو لاهط بتأجيره لشركة خاصة تمهيدا لتحويله إلى مطاعم ومتاجر بإدارة شــركة يملكها شــقيق رئيس إسرائيل الراحل شيمون بيريز.

وفي حينه قام رئيس البلدية شلومو لاهط بزيارة المسجد بإلحاح مــن المؤرخ ألبيلــغ لإقناعه بحيويــة الحفاظ على الصرح الأثري الفريــد، وفيما كان مع وجهاء المدينة يتجول في داخله برفقة وفد من مســلمي يافا، قام عوفر، نجل ألبيلغ نفسه بســرقة حذاء رئيس البلدية بعد أن خلعه عند مدخله كبقية المرافقين والمضيفين.

وبعد انتهاء الزيارة خرج الوفــد ورئيس بلدية تل أبيب من المسجد وســرعان ما وقعوا بالحرج حينما اكتشف لاهط اختفــاء حذائه فهــرول بعض المرافقين العرب إلى الســوق لاقتناء حذاء جديد للرئيس. وبعد ساعة انتهى اللغز وعرف لاهط ســر اختفاء حذائه حينما بلغته برقية من عوفر ألبيلغ بخط يده قال فيها» أنا الذي ســرقت الحذاء.. اتخّيل كم كان الأمــر محرجا ومؤذيا لك جراء ضياع أو ســرقة حذاء.. ولك أنــت أن تتخيل الوجع الذي أصاب عرب يافا عندما ســرقت مدينتهم وبلديتك تســتعد لسرقة مســجدها أيضا». وكانت زيارة لاهط قد دفعته للعدول عن المساس بالمسجد.

وأوضح خطيب المسجد الشيخ أحمد أبو عجوة لـ «القدس العربي» إن حسن بيك ليس مسجدا عاديا كونه تاريخيا نجا

من مسلســل محاولات لهدمه منذ النكبة وبــات في قلب تل أبيب حاملا إرثا عربيا إســاميا عريقــا وهو ينادي بصوت مخنوق بأن الأرض عربية إسلامية رغم القتل والتهجير.»

وشــدد أبو عجوة على أن «حسن بيك» رمز للماضي وأمل المستقبل للعرب والمســلمي­ن في هذه الديار مهما طال الزمان. واستذكر أن ملكية حســن بيك أصلها سورية خالصة نسبة لبانيه وهو ســوري من دمشــق. وتابــع «كان الصهاينة قد أقاموا مُستعمرةً صغيرةً شرق مدينة يافا هي مدينة تل أبيب اليوم وكانــت تفصلُها عن مدينة يافا أرض شــبه خالية من السكّان والزراعة تسمى )المنشيَّة( وخشي أن يستولي عليها المســتوطن­ون اليهود فباع بعض عقاراته في ســوريا وشيد المسجد الذي عرف باســمه وشيَّدَ بجانبه عشــرين مخزناً وقفها جميعها لصالح ترميم المســجد، إلى جانب تشــييده مدرســةً لتعليم الدين ،وســلّم إدارتها لأوقاف يافا على أنّها وقفٌ ذرّيٌّ ومن أمواله الخاصّة.

ونوه أن حكمُ حسن بيك ليافا دام أربعة أعوام نقل بعدها إلى العراق وأصبح حاكماً عســكرياً لمدينــة بغداد في نهاية الحــرب العالمية الأولى، وخلال حُكمــه لبغداد دخل الجيشُ البريطاني العــراق بعد أن هُزمَ الأتــراك في الحرب وانتهى الأمر بالقائــد المذكور بعد ذلك إلى التقاعُــدِ فعاد إلى مدينة دمشق.

كما هو مسجد حســن بيك المحاصر باعتداءات «المجانين» تحاصر يافا وتبدو حزينة محزنة ويتيمة بعدما كانت مشرقة تبث أنوارها إلى باقي المدن والقرى الفلســطين­ية وتضاهي برقيها بيروت والاسكندري­ة.

يافا اليــوم التي يقطنها نحو 35 ألــف عربي باتت جزءا مهمشــا من تل أبيب، لكن أهلها يسعون بمنهجية في العقود الأخيرة لإحيائهــا والحفاظ ما أمكن علــى روحها وهويتها بصفتها عاصمة الثقافة والاقتصاد في فلسطين التاريخية.

لا تنحصر محاولات الحرق على مســجد حسن بيك، فهي نصيب مســاجد تاريخية أخرى داخل أراضي48 منها مسجد بيسان الذي تعرض هو الأخر لعملية إحراق كامل في مارس/ آذار2004، فيما لا تزال تعاني اّثار عمرانية فلسطينية مختلفة من الهجران والاندثار والتدنيس، بعضها حوّل إلى خمارات وملاه ليلية وحظائر أبقار ومخــازن بل إلى كنس أيضا، كما في العباسية شــرقي يافا وقيسارية التاريخية وعين حوض والمســجد الأحمر في صفد وجامع البحر في طبريا، والقائمة طويلة.

 ??  ?? مسجد حسن بيك التاريخي في يافا
مسجد حسن بيك التاريخي في يافا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom