Al-Quds Al-Arabi

المغرب: مشاركة الشباب السياسية تؤرق الأحزاب والحكومة والوجوه «القديمة» تهيمن على ترشيحات الانتخابات

- الرباط ـ «القدس العربي»:

ما زالــت قضية عزوف الشــباب المغربي عن المشــاركة السياسية تؤرق العديد من المؤسسات المعنية. واستعدادًا لتنظيم الانتخابات البرلمانيـ­ـة والبلدية في المغرب أيلول/ ســبتمبر المقبل، أعيد طرح الموضوع بحدة داخل الأحزاب، كما داخــل القطاعات الحكومية المعنيــة، ومن بينها وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المشرفة على تنظيم الانتخابات.

وتحاول هذه الأطراف مجتمعة وغيرها تحفيز الشــباب على الانخراط في الاســتحقا­قات المقبلة، إن على مســتوى التصويت، أو على مســتوى الترشــح لمقاعــد البرلمان أو المجالس البلدية والقروية.

غير أن هذه المحــاولا­ت تصطدم بالأرقام التي تكشــف عنها اســتطلاعا­ت الرأي مؤكدة عدم ثقة الشــباب المغربي بالسياسة؛ فقد خلص استطلاع رأي أجراه طالب دكتوراه مغربي أن حوالي 45 في المئة من الشــباب المغربي لا يثقون بالأحزاب السياسية.

أجري هذا الاســتطلا­ع على 1516 شابًا تتراوح أعمارهم بــن 18 و40 عامًا، بما في ذلك 1189 من ســكان المدن و308 يعيشــون في المناطــق الريفيــة، وقال 63.4 فــي المئة من المستجوبين إنهم لا يمارسون السياسة، وذكر 44.7 في المئة

منهم أنهم لا يثقون بالأحزاب السياسية.

وأجري هذا البحث من طرف مصطفــى التاج كجزء من أطروحة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياســية فــي جامعة ابن طفيــل بمدينة القنيطــرة المغربية. وتؤكد المؤشرات أنه رغم ارتفاع نسبة الشباب الذين لهم الحق في التصويت، إلا أن التســجيل في القوائم الانتخابية ضئيل جدًا. ورغم أن الشــباب يمثل ثلث سكان المغرب، فإن نسبة انضمامهم إلى الأحزاب قليلة جــدًا، ويرى بعض المراقبين أن متوســط العمر في الأحزاب السياسية 63 سنة. وهو ما لا يمثــل على الإطلاق المجتمع المغربــي؛ لافتين الانتباه إلى أن الخطاب السياسي الســائد لا يشجع على دخول المشهد السياسي، لكونه قائمًا على الوعود والشعبوية.

70 في المئة من الشــباب لا ينتمون إلــى أي من الأحزاب التي يفوق عددها الثلاثين حزبًــا في المغرب، ويبقى 30 في المئة فقط هم من يجســدون التزامهم الحزبي. أرقام توضح حســب الباحث مصطفى التاج ارتفاع نســبة الامتناع عن التصويت في الانتخابات الســابقة. ويعتقد معظم الشباب أن الاســتحقا­قات المقبلة لن تحدث أي تغيير لأنها ـ حسب رأيهم ـ تجسد فجوة كبيرة بين وعود السياسيين وأفعالهم.

وتبين من خلال اســتطلاع الرأي أن الكثير من الشــباب يودون من الدولة أن تدعمهم أكثر في دراســتهم، من خلال ضمان نظام تعليمــي جيد لهم، وفي ريادة الأعمال، ويدافع 29 في المئة عن خلــق وظائف في الخدمــة العامة. وهكذا، يؤيد 61.5 فــي المئة إصلاح نظام التعليــم، و15.1 في المئة يريــدون إصلاح نظــام الصحــة، و13.4٪ يركزون على العمل والوظائف.

يعتقد 44 في المئة من العينة المســتجوب­ة أنه يجب على الشباب الانخراط في الأحزاب السياسية من أجل المساهمة في التنمية الاقتصادية للمغرب، بينمــا يرى 12.5 في المئة من تلك العينة أن الاحتجاج في الشارع هو السبيل الوحيد للدفاع عن المطالــب. ولا يركز 3 في المئة من الشــباب على التنديد بمساوئ السياســة المغربية، بل إنهم ينشطون في المجتمع المدني لطرح مقترحات من شــأنها أن توضح معالم التغيير المنشود من طرف المواطنين.

وكان 7 فــي المئة من المغاربة الذين تتــراوح أعمارهم ما بين 18 و25 سنة مسجلين في القوائم الانتخابية عام 2015، لكن 3 في المئة منهم فقط كانت أسماؤهم مسجلة خلال نهاية آذار/ مــارس 2020، مقابل 19 في المئة بالنســبة للفئة التي تتراوح أعمارها ما بين 25 و34 ســنة، وفق معطيات وزارة الداخلية المغربية.

ولاحظت صحيفة "هســبريس" الإلكتروني­ة أن الأحزاب المغربية تدخل غمار المنافســة في الانتخابات التشــريعي­ة المقبلة بوجوه تقليدية معروفــة، في عجز واضح منها على تشبيب مرشحيها.

وكشــفت في تقرير لها أمس الخميس أن معظم الهيئات السياسية عجزت عن تقديم وجوه جديدة لتمثليها في هذه الاستحقاقا­ت.

وتفيد المعطيــات الواردة مــن مجموعة مــن الأحزاب الكبرى بــأن هذه الأخيرة تعتمد في الاســتحقا­قات المقبلة علــى "الماكينات الانتخابية" لضمــان الحصول على مقاعد بمجلــس النــواب، وبالتالي تصــدر نتائــج الانتخابات التشريعية.

ونقلت الصحيفة المذكــورة عن محمد بنجلون التويمي، القيادي في حــزب "الأصالة والمعاصرة" الُمعارض، قوله إن اللجوء إلى الوجوه المعروفة والتقليدية يرجع بالأســاس إلى كون كل تنظيم سياسي يرغب في الحصول على المقاعد البرلمانية لضمان موقع متقدم بالمشهد السياسي.

وأضاف أن "المغرب لم يصل بعد إلى مســألة التصويت على الأحزاب، إذ يتم التصويت على الأشخاص، حتى تقوم هذه التنظيمات الحزبية بوضع النخب والكفاءات والكوادر علــى رأس اللوائح"، مشــيرًا إلى أن ذلك يجعــل الهيئات السياسية تبحث عمن يستطيع كسب المقعد البرلماني.

وحمّل المتحدث المسؤولية للأحزاب والمواطنين، قائلًا إن " الشــباب والكوادر ينفرون من ممارسة العمل السياسي، فيمــا الأحــزاب لا تقوم بدورهــا في تأطيرهــم وتكوينهم وإشــراكهم في المجالــس المحليــة المنتخبة مســبقًا حتى يستطيعوا تكوين قاعدة لهم".

وتوجــه انتقــادات إلى الأحــزاب الكبرى لمعاكســته­ا طموحات المواطنــن باعتمادها على وجوه تقليدية لا تقدم شيئًا وتسير عكس طموحاتهم.

وعبر عدد من المهتمين بالشــأن الحزبي عن اســتيائهم من اختيــارات الأحزاب، لا ســيما وأن معظم الوجوه التي تم الإعــان عن ترشــحها تواجه موجة ســخط من طرف المواطنين بسبب فشــلها في تحقيق التنمية بالمناطق التي تمثلها. واســتغرب المهتمون كون الخطابات التي تسوقها الأحــزاب تخالف شــعارات التشــبيب وتخليــق الحياة السياســية، وتؤكد عجزها عن مجــاراة التوجهات العامة للبلاد.

ومن أجل محاربة استياء الشــباب من السياسة، أطلق أربعة مغاربة دون ســن الثلاثين، مجموعة تســمى "آجي تصوت" )تعال وصوّتْ( للتشــجيع على المشــاركة بكثافة في الاستحقاقا­ت الانتخابية المقبلة، وأيضًا لجعل الاهتمام بالشــباب قضية مركزية في برامــج الأحزاب وليس قضية ظرفية تُطرح عشية الانتخابات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom