Al-Quds Al-Arabi

عقب سنوات من الانقسام: توحيد مصرف ليبيا المركزي يقترب وسط ردود فعل دولية ومحلية

- طرابلس – «القدس العربي» من نسرين سليمان:

شهدت ليبيا الخميس، ولأول مرة منذ ســنوات، إجراءً عملياً يمثل توحيداً لمصرف ليبيا المركزي بعد انقســام دام لســنوات، حيث التقى من خلاله طرفا النزاع، وهما محافظا المصرفين المتوازيين شرقاً وغرباً، واحتفلا بإصدار التقرير الذي وضعت عليه الآمال ليكون بداية لتوزيع الثروة بالتساوي، والذي كان جزءاً من مطالب المواطنين.

فقد انطلقت صباح الخميس، في العاصمة طرابلس، فعاليات مراسم استلام تقرير المراجعة والتدقيق المالي لحسابات مصرف ليبيا المركزي "ديليويت". وحضر حفــل الانطلاق الصديق الكبيــر رئيس المصرف المركزي الليبي، وعلي الحبري نائــب رئيس محافظ المصرف المركزي ومحافظ المصرف الموازي.

والأربعاء، تســلم رئيس حكومــة الوحــدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، خلال لقائه المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، النســخة الأولى مــن تقرير المراجعــة الدولية الخاص بمصــرف ليبيا المركزي طرابلس والبيضاء، والذي تم إعداده تحت إشراف البعثة.

خطوات نحو التوحيد ..

وفي هذا الاطار وأثناء مراســم التســليم والاســتلا­م، قال محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، إن المصرف ســيدرس ما ورد في تقرير لجنة المراجعة الدولية لحســاباته من ملاحظات وتوصيات، ثم يتواصل بشا نٔها مع الأطراف المعنية.

وتابع قائلاً: "ســعادتنا اليوم تكمُن في بدء انهاء مرحلة انقســام المصرف، وانطلاق مرحلــة جديدة نتمنى أن يســودها الود والوئام وروح الفريق، في أطار الالتزام بالمسؤولية والشفافية والمحاسبة".

وشدد الكبير على أن توحيد المصرف المركزي أصبح مطلباً للجميع، تتويجاً لجهود حكومة الوحدة الوطنية الســاعية لتوحيد مؤسسات الدولة، مؤكداً أنه لم يعد هناك مبرر لاســتمرار حالة الانقســام داخل المصرف المركزي والقطاع المصرفي.

وختم محافظ المصرف المركزي كلمته قائلاً إن لقاء اليوم تحت مظلة حكومة وحدة وطنية بادرة لانهاء حالة الانقســام السياســي يبعث فينا روح التفــاو لٔ بتوحيد مصرف ليبيا المركزي وبقية مؤسســات الدولة الســيادية. وعقب مراسم التسليم، التقى محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديــق الكبير، نائب المحافظ علي الحبــري بمقر المصرف، وقال مصرف ليبيا المركزي عبر صفحته على فيســبوك، إن لقاء الكبير والحبري بمقر المصرف في طرابلس لأول مرة منذ العام 2014 يأتي في إطار الجهود المبذولة لتوحيد مصرف ليبيا المركزي.

حدث تاريخي ..

وفي الســياق ذاته، وصف رئيس المجلس الرئاســي محمد المنفي، تســلم تقرير المراجعة والتدقيق المالي لحسابات مصرف ليبيا المركزي بالحدث التاريخــي باعتبارها المــرة الأولى التي تدقــق جهة دولية فنية محايدة حســابات المصرف، معلناً أن المجلس الرئاسي سيتعامل بمسؤولية وجدية تامة مع ما ورد في التقرير من نتائج وتوصيات.

وطالب الرئاسي في كلمته بالمناسبة، محافظ ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي، على التحلي بروح المسؤولية تجاه الوطن والعمل المهني الجاد لوضع ما ورد في التقرير من توصيات موضع التنفيذ وتجنب كل الأعمال والممارسات السلبية التي تعمق انقسام النظام المصرفي.

وشدد المنفي على أن هذه الأعمال لن تكون مقبولة في المرحلة المقبلة التي يعمل فيها المجلس الرئاســي وحكومة الوحــدة الوطنية الموقتة علــى توطئة البيئة السياســية والاقتصادي­ة والاجتماعي­ة المناســبة للانتخابات العامة.

وختم المنفي حديثه بأن التدقيق على حسابات المصرف سيساعد في تقييم وإعادة بناء هذه المؤسسة على الأسس والمعايير الدولية، منوهاً إلــى أن التدقيق الخارجــي المحايد كان من أهم المتطلبات الأساســية لتوحيد ودمج السلطة النقدية في ليبيا.

كما قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد الدبيبة، إن توحيد مصرف ليبيا المركزي أصبح ضرورة ملحة، فضلاً عن تحديد الدين العام واعتماده.

وقال الدبيبة إن التئام المؤسســات العامة بالدولة هدف أساســي لبناء دولة ديمقراطية ومستقرة، وذلك بعد نجاح الحكومة في توحيد مؤسساتها الإدارية.

ردود فعل دولية ومحلية ..

قال المبعوث الســابق للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا غســان سلامة، إن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، كان له الفضل فــي طلب تقرير المراجعة المالية الدولية لحســابات مصرف ليبيا المركزي، من مجلس الأمن الدولي.

حيث أوضح أنه تلقى والمبعوثة الأممية بالإنابة الســابقة ستيفاني وليامز، ببالغ الســرور خبر تســليم شــركة التدقيــق لتقريرها عن المصرف، حســب تغريدة على حســابه بموقع تويتر، معقباً في ختام حديثه: "كلنا أمل أن يســتكمل المصرف فوراً عمليــة توحده وقد طال انتظارها" .

المختــص في الشــأن الليبي والباحــث في وحــدة الأبحاث حول النزاعــات في "معهد كلينغندايل للعلاقــات الدولية" في لاهاي، جلال حرشاوي قال تعليقاً على الحدث، إن الســبب الأول وراء كون إعادة توحيد البنوك في ليبيا أمراً بالغ الأهميــة هو ما قيمته 50 مليار دينار ليبي من ديون صادرة عن الحكومة المؤقتة السابقة مدرجة في الميزانية العمومية للبنوك التجارية التي يتركز نشــاطها فــي برقة، مضيفاً أن اســتيعاب طرابلس لهذه الـ50 مليار دينار سيكون بمثابة تنازل كبير للجيش الوطني الليبي.

عضو مجلس النواب الليبي عبد السلام نصية، قال هو الآخر إن "من حق الشــعب الليبي الاطلاع علــى تقرير المراجعــة الدولية للمصرف المركزي، فالشعب هو من دفع ثمن الانقسام المصرفي بداية من طوابير الســيولة إلى انخفاض القوة الشــرائية للدينار"، موضحاً أن إخفاء التقرير عن الشــعب مثل ما حدث في الملحق 13 من تقرير الخبراء، يعد من أكبر جرائم التضليل في العصر الحديث.

تصاعد المخاوف ..

ورغم المطالبــا­ت المتكررة بتوحيــد مصرف ليبيا المركــزي، إلا أن هناك مخاوف كبيرة تتصاعد عقب منح اتفاق بوزنيقة لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي للمنطقة الشرقية التي يسيطر عليها حفتر.

حيث عمل حفتر على تمويل حروبه المتكررة من خلال الاقتراض من مصارف المنطقة الشــرقية، ما أدى إلى تصاعد الدين العام إلى خمسين مليار دينار ليبي لم تسدد الدولة منها شيئاً بعدُ.

توحيد المصرف ووضع محافظ له من المنطقة الشــرقية أو نقله لها، مــن الممكن أن يجعله رهينة في يد حفتر مجدداً، أو أداة لتمويل حروب أخرى بأموال الليبيين جميعاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom