Al-Quds Al-Arabi

كيف تنظر السلطة الفلسطينية إلى المتظاهرين احتجاجاً على «قتل» بنات؟

- عميرة هاس هآرتس 2021/7/8

■ موت الناشــط السياســي نزار بنات، الذي انتقــد قيــادة الســلطة الفلســطين­ية وتوفي قبل نحو أســبوعين أثنــاء اعتقاله من قبــل رجال أمن فلســطينيي­ن في الخليــل، يواصل خلــق توتر بين جهات في السلطة الفلسطينية وفتح، وبين نشطاء يســار ومنظمات حقوق إنسان فلسطينية. الاثنين الماضــي، اعتقلت الشــرطة الفلســطين­ية ســبعة متظاهرين خططــوا للاحتجاج على موت بنات في مركز رام الله. وبعد ذلك، في المساء نفسه، اعتقلت الشــرطة 12 متظاهــراً آخريــن جــاءوا إلى مركز الشــرطة الذي تم احتجازهم فيه وطالبوا بإطلاق سراحهم.

طلب رجال الشــرطة من المقربين الذين تجمعوا أمــام مركــز الشــرطة، أبنــاء عائــات المعتقلين وأصدقاءهم ومحامــن وصحافيين، بالتفرق خلال عشــر دقائق. وعندمــا لم يفعلوا ذلــك هاجموهم واعتقلوا بعضهم. رجال الشــرطة استخدموا غاز الفلفل وضربوا وســحبوا النســاء من شعورهن وجروهن إلى داخل مركز الشرطة.

تم إطلاق ســراح عدد مــن المعتقلين فــي الليلة نفســها، بعد منتصف الليل، بدون شروط مقيدة. رئيس الحكومة الفلســطين­ية، محمد اشــتية، هو الذي أصــدر تعليماته للشــرطة مــن أجل إطلاق ســراحهم، كما قال المتحدث بلســانه فيما بعد. في وقت متأخر في الليل، اعتُقل مراسل قناة التلفزيون "العربي" الذي أجرى مقابلة مــع عدد من المعتقلين الذين تم إطلاق ســراحهم. طارده رجال الشــرطة عندما ابتعد عن مركز الشــرطة واعتقلوه بذريعة لا صلة لها بالمظاهرة. وقد تم إطلاق سراحه بكفالة المتحدث بلســان رئيس الحكومة الفلسطينية. وقد تم إطلاق ســراح ســبعة معتقلين آخرين بالكفالة في صبــاح اليوم التالــي بعد مثولهــم في محكمة الصلح في رام الله. وقد اتُهموا بتنظيم مظاهرة غير قانونية والمشاركة فيها.

معتقل آخــر، الذي -حســب الشــهادات- تم ضربه ضرباً مبرحاً في مركز الشــرطة، تم نقله إلى المستشفى وهو يعاني من كسور في جسده. وبسبب وضعه، فقد جاء إلى جلسة مناقشة إطلاق سراحه بالكفالــة. ولكن المحكمة اســتجابت لطلب النيابة العامة، وهو تمديد اعتقاله ليــوم واحد بتهمة أنه هاجم موظفاً عاماً. وحسب شهادات معتقلات أُطلق سراحهن، يوجد هناك معتقلان آخران ضُربا ضرباً مبرحاً في مركز الشرطة، وتم نقلهما إلى المستشفى. تحدث المعتقلتان مع وكالة الأنباء المستقلة "وطن"، التي ضــرب اثنان مــن العاملين فيها قــرب مركز الشرطة، وتم اعتقال أحدهما أيضاً.

المتحدث بلســان الشرطة أعلن مســاء الاثنين الماضي، بأن المعتقلين الســبعة الأوائل تم اعتقالهم لأنهم لم يطلبوا إذناً بإجراء المظاهرة. مع ذلك، قال المتظاهرون ومنظمات حقوق الإنســان إن القانون الفلســطين­ي لا يطالب بتقديم طلب إذن بالتظاهر، وأن المطلوب فقط هو إبلاغ الشــرطة مســبقاً عن نية التظاهــر من أجل أن تنظــم الحركة في المكان. ومثلما في المظاهرات التي تم تنظيمها في الأســبوع الماضي، علمت الشــرطة هذه المرة من منشــورات في الشــبكات الاجتماعية عن نية إجراء اعتصام، هذا ما قالــه للصحيفة أحد النشــطاء. وأضاف بأ الشــرطة لو أرادت ذلك، لاستطاعت تنظيم الحركة طبقاً لذلك، دون الحاجة إلى إجــراء اعتقالات من اللحظة الأولى.

إن اعتقــال النشــطاء الســبعة والعنف الذي اســتخدم ضد مقربيهــم فاجأ المحتجــن. مؤخراً، أسمعت شــخصيات رفيعة في السلطة تصريحات تصالحية، أظهرت الأســف على مهاجمة مراسلات

فــي المظاهرات التي جــرت فور قتل بنــات. وقال رئيس الحكومة، محمد اشــتية، أموراً مشابهة في جلسة الحكومة يوم الاثنين، وأكد أن السلطة تلتزم بحرية السكان وحرية الرأي والتعبير.

أقوال مشــابهة أســمعها أيضاً مصــدر رفيع في حركة فتح، وهو جبريل الرجــوب، رغم أنه طالب في أقوالــه بتحويل الانتقاد عــن الأجهزة الأمنية، وقال إن المستوى السياسي هو المسؤول وهو الذي يقرر في السلطة الفلسطينية. مؤخراً، ناقشت لجنة الســجناء المحررين التي تضم عدة تيارات، طرقاً لتخفيف التوتر بين السلطات والجمهور والمنظمات المختلفة. وناقشــت الشــروط المحتملــة من أجل التوصل إلى "مصالحة" بين الســلطة الفلسطينية وعائلة بنات. ورجال الأمن الـ 14 الذين شــاركوا في اعتقال بنــات تم اعتقالهم، بعــد أن تم تحويل ملــف التحقيق في موتــه إلى النيابة العســكرية الفلسطينية.

يبدو أن جهات مختلفة في الســلطة وفي "فتح" اعتبروا هــذه الأقــوال والخطوات ســبباً لوقف نشاطات الاحتجاج. ولكن الذين خططوا الاعتصام الاحتجاجي طالبوا ومعهم أيضــاً منظمات حقوق الإنسان، بتهدئة الموضوع وتقديم المسؤولين الكبار للمحاكمــة. حســب رأيهم، يجب فحــص الحادثة ضمن الســياق العام لكمّ الأفواه وســلب الحقوق الديقراطية الأساســية، أولها الحق في الترشح في الانتخابات للمجلس التشريعي.

تحدثت مصادر فــي منظمات حقوق الإنســان مع ممثلي الشرطة والحكومة مســاء الاثنين أثناء الاعتقالات، وفهموا منهم بأن اشــتية لم يعرف عن ذلك، وأنه تفاجأ هو نفســه مما حدث. واستنتجوا من محادثاتهم بأن الحديث لا يدور عن قرار خاطئ لمركز شــرطة محلــي، وأن أمر إســكات الاحتجاج جاء من مستوى سياسي أعلى. هؤلاء النشطاء لم يكشفوا عن هوياتهم.

الســبب الثاني للمفاجأة والصدمة التي أثارتها الاعتقالات هو أن الكثير من المعتقلين كانوا نشطاء قدامى وشــخصيات رفيعة في تنظيمات اليسار أو مقربين منهــا. هم وعدد من المعتقلين الأكثر شــباباً كانوا معتقلين في السابق في السجون الإسرائيلي­ة بســبب معارضتهم للاحتلال. توقــع المحتجون أن رصيد هــؤلاء المتظاهريـ­ـن السياســي وتقديرهم ســيحميهم مــن الاعتقــال ومــن عنف الشــرطة الفلسطينية.

في الأســابيع الأخيرة، كرر المتحدثون بلســان "فتح" والســلطة قولهم بــأن المتظاهريـ­ـن الذين احتجوا على مــوت بنات تحركهم "أجندة أجنبية"، واشــتكوا من أنهم يهينون "فتح" والأجهزة الأمنية الفلســطين­ية )التي تعتمد على حركــة فتح(، التي تحمل، حســب رأيهم، راية النضــال الوطني. بناء على ذلــك، توقــع المتظاهرون أنهم ســيتصرفون معهم بنفس المعيار من التقدير لدورهم في النضال الوطني، مثلما يطلب منهم أن يظهروه تجاه أعضاء فتح.

إن فرض معايير مزدوجة ليس اختراعاً جديداً، لكنه دائماً يثير الغضب. الاعتقالات التي تم تنفيذها الاثنين الماضي، أضيفت إلى اعتقال نشطاء آخرين يومي الســبت والأحد، الذين تم إطلاق ســراحهم الآن. على الأقل معتقــل واحد تم ضربه أيضاً ضرباً مبرحــاً أثناء الاعتقال. إن اعتقــالات من يرفضون العودة إلى الحياة الطبيعيــة احتجاجاً على موت بنات والعنف الذي اســتخدم ضدهــم، تظهر بأن جهات سياســية عليا في الســلطة الفلسطينية ما زالت مقتنعة بأن الطريقة الصحيحة والمناسبة هي إسكات المنتقدين وردعهم وتخويفهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom