Al-Quds Al-Arabi

العراق: القضاء والانتخابا­ت وأشياء أخرى!

- ٭ كاتب عراقي

■ في كل انتخابات عراقية، برلمانية كانت أم تتعلق بمجالس المحافظات، يحدث لغط كبير حول أحــكام القضاء فيما يتعلق بالمرشــحي­ن من جهة، او حول بعض القضايا المرتبطة بالعملية الانتخابية. ولعل الإشكال الأبرز هنا هو عدم استقرار الأحكام والقــرارا­ت القضائية الصــادرة عن الهيئــة التمييزية المكلفة بالنظــر في الطعون المتعلقة بإجراءات المســاءلة والعدالة، أو الهيئة القضائية للانتخابات التــي تنظر في الطعون الخاصة بالقرارات الصادرة عن مجلــس المفوضين، والتي يفترض بها توحيد التفسير وعدم اصدار أحكام متناقضة.

عرف قانون الهيئة الوطنية العليا للمســاءلة والعدالة رقم 10 لســنة 2008 الهيئــة التمييزية بأنها «الهيئــة المختصة في محكمة التمييز بتطبيق قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة» (المادة 1/ ثالثــا( ونص القانون على أن «تعد الهيئة جهة كاشــفة عن المشــمولي­ن بالإجراءات الــواردة في الفصل الرابع من هــذا القانون» (المادة 2/ثانيــا( وان القرارات التي تصدرهــا «قطعية وباتة» (المادة 17(. وفي انتخابات عام 2010 اجتمعت الهيئة التمييزية للنظر في بعض الطعون المقدمة إليها، وأصدرت قرارا فــي 2010 رأت فيه ان البــت في هذه الطعون «يتطلــب وقتا لا ينســجم ولا يتناســب مع الوقــت المحدد مع موعد بدء الحملة الانتخابيـ­ـة» ومن ثم قررت بالاتفاق «إرجاء النظر في الطعن مع بقية الطعون المقدمة والســماح للمعترض بالمشاركة بالترشــيح للانتخابات لممارسة حقه الدستوري... وفي حالة فــوزه وفق قانــون الانتخابات... فــان هذا الفوز لا يرتب له حق إشــغال مقعــد في مجلس النــواب ولا يخوله التمتع بالحقوق والامتيازا­ت التــي يمنحها القانون للأعضاء في مجلس النــواب، ومنها الحصانة البرلمانيـ­ـة والمزايا المالية وغيرها، إلا بعد البــت باعتراضه». نحن، إذا، أمام قرار صريح يستند إلى معايير العدالة التي تشــترط التدقيق في الوثائق وهي عملية فنية معقدة تســتلزم وقتا لإتمامها، ولكننا وجدنا يومها تدخلا صريحا مارسته السلطتان التنفيذية والتشريعية اضطر الهيئة التمييزية للتراجع عن قراراها مع كونه «قطعيا» بموجب القانون، وأصدرت قرار آخر يجتث هؤلاء!

بموجــب قانون المفوضية العليا المســتقلة للانتخابات رقم 11 لســنة 2007 تشــكلت الهيئة القضائيــة للانتخابات التي تتألف من ثلاثة قضاة تمييز للنظر في الطعون المحالة اليها من مجلس المفوضين أو المقدمة مــن المتضررين من قرارات المجلس مباشــرة )المادة 8/ ثالثا( وقد وجدنا هــذه الهيئة «تجتهد» في أحكامها، إلى الدرجة التي تنتهك فيها احكام الدســتور نفسه! ففي انتخابات 2014 أصدرت هذه الهيئــة قرارات «متناقضة» فيما يتعلق بشــرط حسن السيرة، إلى الحد الذي جعل مجلس المفوضــن في المفوضية العليا المســتقلة للانتخابات في حيرة من أمره؛ فالهيئة التمييزية أقصت مرشــحين في قضايا تتعلق بالنشــر، وعندما حاول مجلس المفوضين تطبيق هذا «القرار» من خلال منع المتهمين في قضايا نشر من الترشح للانتخابات، رفضت الهيئــة التمييزية ذلك، وســمحت لبعض المرشــحين المتهمين بقضايا تتعلق بالنشر بالترشح!

ولكن الواقعــة الأبرز كانــت «إقصاء» مرشــح ومنعه من الترشــح للانتخابات بدعوى «أن الجريمة المنســوبة للمرشح وفق أدلتهــا المســتخلص­ة من وقائعهــا الثابتة فــي الأوراق التحقيقية، تشكل خرقا لشرط حسن السيرة والسلوك» (القرار التمييزي رقم 46 في ‪2014( 3/ 16/‬ وملخص القضية أن المرشح وهو نائب في البرلمان اتهم فــي قضية اختلاس، ولكن المحكمة المختصة أثبتــت عدم صحة ذلك الاتهام، ولكن الهيئة التمييزية خالفت نصا دســتوريا بــأن «المتهم بريء حتــى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة» وعدت مجرد الاتهام يشــكل خرقا لشرط حسن السيرة! في إطار الاستعداد للانتخابات المبكرة، والتي أســتبعد شــخصيا إجراءها، ظهرت قــرارات قضائية إشكالية أخرى، فبعد أن اســتقرت الهيئة التمييزية السباعية )المكلفــة بالنظر في الطعــون المتعلقة بالمســاءل­ة والعدالة في انتخابات الأعوام 2010 و 2014 و 2018( على استبعاد من كان بدرجة عضو في حزب البعث من الترشــح للانتخابات، مع أن المــادة 6/ ثامنا من قانون هيئة المســاءلة والعدالة نصت على أن «يمنع من إشغال وظائف الدرجات الخاصة )مدير عام أو ما يعادلها فما فوق ومدراء الوحدات الإدارية( كل من كان بدرجة عضو فما فوق في صفــوف حزب البعث وأثرى على حســاب المال العام» قررت الهيئة التمييزية فــي العام 2021 أن المادة لا تمنع العضو من الترشــح إلا في حــال وجود حكم قضائي بات بأنه قد أثرى على حســاب المال العام، وبالتالي سمحت لـ 168

بالترشح للانتخابات. وكان يفترض أن يكون الامر منتهيا عند هذا الحد، لأن هذه الهيئة هي المختصة حصرا بالنظر في شمول أو عدم شمول المرشحين بإجراءات المساءلة والعدالة أولا، ولأن قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لســنة 2020 اشترط أن لا يكون المرشح للانتخابات مشمولا بقانون المساءلة والعدالة حصرا، وليس أي قانون آخر ثانيا، ولأن القانون الأخير نفسه حدد الجهة المختصة بالبت في هذه المسألة وهي الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ثالثا.

ولكن المفاجــأة جاءت من الهيئة القضائية للانتخابات هذه المرة! فقد أصدرت هذه الهيئة قرارا خاطئا جملة وتفصيلا، ليس فقط لأنها تدخلت في موضوع ليس من صلاحيتها أصلا، ولكن لأنها «اجتهدت» في أن «تنتقي» مرشحين سمحت لهم بالترشح، في مقابل إقصاء آخرين عن الترشح، على الرغم من أنهم جميعا مشمولون بالمادة نفسها وهي المادة 6/ ثامنا!

فقانون الهيئــة الوطنية العليا للمســاءلة والعدالة أعطى لهذه الهيئة حصرا حق تقرير المشــمولي­ن من عدم المشــمولي­ن بإجراءاتهـ­ـا، وقرر ان قرارات الهيئة التمييزية الســباعية هي قرارات قطعيــة وباتة، كما ان قانون الانتخابات رقم 9 لســنة 2020 حــدد شــرطا صريحا هو أن لا يكون المرشــح مشــمولا بإجراءات المساءلة والعدالة، وان الجهة المنوط بها تقرير ذلك هي الهيئة المختصة بذلك وهي هيئة المساءلة والعدالة تحديدا!

أصدر مجلس القضاء الأعلى يــوم الأربعاء 7 تموز/ يوليو توضيحا حاول فيه تســويغ الأخطاء القانونية التي أشــرنا إليها، فأخبرنا كاتب هذا التوضيح أن الهيئة التمييزية المختصة بالمساءلة والعدالة يقتصر عملها على النظر في الطعون المقدمة فيمــا يتعلــق بالوظيفة العامــة وأن المادة 6 مــن قانون هيئة المســاءلة والعدالة «لم تتطرق في جميــع فقراتها إلى موضوع الترشــيح للانتخابــ­ات البرلمانية وقبول المرشــح من عدمه !» ولكنه نســي كما يبدو ان قانــون انتخابــات مجلس النواب رقــم 9 لســنة 2020 في المــادة 10/ أولا هو الذي قــرر أن هيئة المســاءلة والعدالة هي المختصة بتقرير شــمول أو عدم شمول المرشحين بإجراءاتها! كما نســي أيضا أنه في انتخابات 2010 و 2014 و 2018 كانت هذه الهيئــة وحدها هي المختصة بالنظر في الطعون المتعلقة بالترشــح للانتخابات، وأنها نظرت فعلا

في ذلــك عــام 2021، وأن قراراتها «القطعية « كانت تتعلق بالترشيح للانتخابات!

ثم يخبرنــا كاتب هذا التوضيح أن الهيئة القضائية للانتخابات المشــكلة بموجــب المادة 19/ أولا مــن قانــون المفوضية العليــا المســتقلة للانتخابات هي صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بـ «التحقق من صحة شــروط المرشحين وقبول ترشيحهم من عدمه» ثم يستشهد بالمادة 7 من الدســتور، وبقانون حظر حزب البعث رقم 32 لسنة 2016، لكن هذا التوضيــح غير صحيح بالمطلق؛ فقانون انتخابات مجلس النواب قد نص على أن من شــروط المرشح أن «لا يكون مشمولا بقانون هيئة المساءلة والعدالة» تحديدا، وليس أي قانون آخر أولا، وأن القانون هو من قرر أن ترسل قوائم بأسماء المرشحين إلى «الهيئــة الوطنيــة العليا للمســاءلة والعدالة» حســب الاختصاص حصرا، ومن الواضح أن كاتب التوضيح قد نســي أن موضوع المســاءلة والعدالة إنما يتعلق بالعدالة الانتقالية وأن المقصوديــ­ن فيه هــم من كانوا بعثيين قبل لحظة نيســان 2003، وأن قانــون حظر حزب البعث يتعلــق بالانتماء لحزب البعث بعد صدور القانون في العام 2016، لأنه لو تم تطبيق هذا القانون على المرشــحين فهذا يعني أنهم ما زالوا بعثيين، وهذا يستوجب الحكم عليهم بموجب المادة 8/ أولا من ذلك القانون!

أن تصدر هيئــة تمييزية مختصة مكونة من ســبعة قضاة تمييز قرارا تمييزيا قطعيا وباتا بعدم شــمول مرشحين بقانون المساءلة والعدالة بالإقصاء، ثم تأتي هيئة قضائية للانتخابات مكونة من ثلاثــة قضاة تمييز، لتنقض ذلــك القرار «القطعي» دون ان يكــون لها صلاحية النظر في ذلــك الموضوع، أو الحق فــي نقض القرار التمييزي، و«تجتهد» هــذه الهيئة في التمييز بين المرشحين على أسس سياسية، فتسمح لمن لديهم «حظوة» بالاســتمر­ار في الترشــح، وتمنــع غيرهم من ذلــك، ثم يأتي توضيح صادر عن مجلس القضاء ليتســتر على هذا الخطأ من خلال حجج واهية لا ســند لها في القانون أو في المنطق، فذلك من « الأحجيات» التي لا تجدها إلا في العراق!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom