Al-Quds Al-Arabi

قبل عام 2100

-

يتحــدث ديفيد أتينبوره فــي فيلمه الوثائقــي ‪A Life‬

‪on Our Planet‬ أو «حياة على كوكبنا» عن هذا التنوع البيولوجــ­ي على كوكبنا الذي ســمح للحياة أن تســتمر، والــذي يعانــي الآن مــن تدهــور شــديد وعنيــف. يقول أتينبــوره، إن فناءات جماعية ضخمة حدثت خمس مرات علــى كوكبنــا، كان آخرها هــو الحدث الــذي أنهى عصر الديناصــو­رات حين ضرب نيزك أرضنــا محدثاً تغييرات شاســعة، وذلك بمســح 75% من الحياة على الأرض. «لم يكن للحياة أي خيار سوى أن تعيد بناء نفسها.

على مدى 65 مليون ســنة، كانت الحياة مشغولة ببناء العالــم الحي، وذلك حتــى الوصول للعالــم الذي نعرف: زمننــا». يســمي العلماء عصرنــا بالعصر الهولوســي­ني، الــذي يعتبــر أحــد أكثر الفقــرات الزمنيــة اســتقراراً في تاريــخ كوكبنا مــن حيث ثبــات درجات الحــرارة، والتي ثبتها التنــوع والازدهار البيولوجي العظيــم على أرضنا. العصر الهوليســي­ني أعطى جنســنا فرصاً عظيمة للتطور الشاســع، الــذي بــدأ باختــراع الزراعــة ليســتمر حثيثاً وبإيقاع هارموني مع بقيــة الكائنات الحية. «في الماضي كان على الحيوانــا­ت أن تطور نوعاً من القدرة الجســدية ليغيــروا حيواتهــم، يقول أتينبــوره، ولكن بالنســبة لنا، فكرة ما يمكنها أن تحقق ذلــك، فكرة يمكن نقلها من جيل لآخر. لقد كنا نغير نوعية ما يستطيع جنسنا إنجازه».

عند هذه المرحلة، وفي البداية بلا اســتيعاب من البشر، بــدأ كل شــيء يأخــذ طريقــاً منحــدراً وعراً، حــن بدأت الحيوانات تختفي بســبب الممارســا­ت البشــرية بالطبع، وحين بدأ عالم النباتات يعاني بشكل عنيف غير مسبوق. أحد أقســى مــا يُظهره لنــا فيلم أتينبوره هــو ما تعرضت لــه الحيتان مــن حملات قتــل ممنهجة متوحشــة، والتي لم يتلفت الناس لوحشــيتها إلا حــن تحولت الحيتان من مصــدر للحــم والزيــوت إلــى أن أصبحت «كائنــات ذات شــخصية» حين أظهر العلم أنها كائنــات متواصلة ذات مشــاعر وأحاســيس. كذلك، يركــز الفيلم علــى الغابات المطيرة التي تعرضت أشجارها وكائناتها الحية بالعموم لوحشية غير مسبوقة، مما تسبب في حالة تصحر حارقة امتدت لتشمل غابات غنّاء عديدة في مختلف أنحاء الكرة الأرضيــة، ولتضــع الأرض بمجملهــا علــى طريق شــديد الخطورة والتهديد.

على مدى سنوات قليلة، ارتفعت نسبة الكربون بشكل مــروع، وانخفضت نســب الحياة بتنوعها بشــكل مرعب على ســطح الأرض، لتبدأ المحيطات المائية بالموت البطيء كذلك. هــذه هي بدايــة النهاية، كمــا يؤكد الفيلــم، إذا لم يتحرك البشر بشكل جدي وفوري.

أخذنــي الفيلــم إلــى فكــرة منهجيــة ومعنــى وجودنا البشــري على الأرض، وكيف أوصلتنــا المنهجية إلى هذا التنــوع والجمــال الحياتــي، وكيف صنعنا نحــن معاني ســتحرق كل مــا أوصلتنــا الطبيعــة إليــه. لقد شَــرَحت النظريــة التطورية، وبالأدلــة الموثقة وبما لا يترك للشــك العلمي مجالاً ســوى في حيز قليل، الطريق الذي اتخذته الحياة وصولاً إلى كائننا الهومو ســيبيان صاحب الوعي والتفكير، والســؤال الذي لم يســأله، حسب علمنا، غيرنا من الكائنات الحية ألا وهو: كيف ولم نحن هنا؟ حين كان الأمــر في زمــام يد الطبيعــة، كانت الأمور تســري بهدوء وجمــال وتنامٍ خارق الإعجاز، وحين أخذ الإنســان زمام الأمور فــي يديه، فأدخــل تطلعاته وطموحاتــه طرفاً في المعادلة التطورية، بدأت الأمور تأخذ منحدرها الخطير.

أخذ الإنســان اليوم في تدمير بيئتــه، البرية والبحرية والجوية، وهو يدمرها بوتيرة متسارعة جداً وقاسية جداً وإلــى حد كبير، وأعتــذر عن اللفظ، حقيرة جــداً جداً. في طريقة صيدنا الجماعي للأســماك الذي أخلى المحيطات، بدرجة خطرة، من الحياة التي تسكنه، صورة. في طريقة تدميرنا للحياة البحرية عموماً، ومثال ذلك تحول الشعب المرجانيــ­ة للــون الأبيض الذي هــو في الواقــع دليل، كما يشــير أتينبوره، على موتها وتحولهــا إلى هياكل عظمية، صورة.

في عنفنا مع غيرنا من الكائنات الحية، ومثال على ذلك طريقة تقتيل الحيتان الكبيرة وبشــاعة المتاجرة بموادها العضويــة، صورة. فــي تدميرنا للأشــجار، فــي تلويثنا للهواء، في إغراقنا لمحيطاتنا بالمخلفات والبلاســت­يكيات المســممة، فــي تنقيبنا غيــر الرحيم في باطــن الأرض عن النفط وغيره من المعادن الثمينــة، في تعذيبنا للحيوانات من أجــل فرائهــا أو جلودها أو ريشــها والتــي تعد كلها صور ثــراء «رخيصــة» باهظة الثمــن المــادي والطبيعي، صور وصور.

يقــول أتينبــوره إنــه على هــذا المنوال، سنشــهد إبادة جماعيــة هائلة للحياة على الأرض بداية من عام 2100، إلا أنه يؤكد كذلك أنه ما زال في الوقت متسع لإنقاذ ما يمكن إنقــاذه ولإعــادة الحياة الطبيعيــة والتــوازن البيولوجي لــأرض، لكن ذلــك يتطلب إيثــاراً وتضافراً وعمــاً جاداً وفهماً عميقــاً، والأهم والأصعب.. إنســانية خلاقة. فإن وفرنا كل ما ســبق، هل سنستطيع الأخيرة؟ هل سنتمكن مــن تحفيز إنســانيتن­ا التــي قدمتها لنــا الطبيعة الخلابة والبيولوجي­ا التطورية الرائعة الإعجازية كي نفي الطبيعة شيئاً من حقها وفضلها علينا؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom