Al-Quds Al-Arabi

أطباء إسرائيليون يمنحون محققي الشاباك الضوء الأخضر لتعذيب الفلسطينيي­ن

- رام الله ـ «القدس العربي» من سعيد أبو معلا:

يروي الأسير الفلسطيني ) س. ط( حكايته أثناء فترة التحقيق معه في ســجن المسكوبية قائلا: «أثنــاء التحقيق أخذونــي للعيادة، لم يفحصني الطبيب هناك، وأعطاني حبوبا لتليين المعدة، ولم يكترث لمعاناتي من البواســير، لم يأخذوني للحمام بســرعة للاســتحما­م عندما كان ينزل الدم من البواسير، كانوا يحجزونني لســاعات طويلة بغرف التحقيــق مكبلا على الكرسي والدم يسيل مني».

تجسد هذه الحالة عشرات الحالات لمعتقلين فلســطينيي­ن تعرضــوا للتعذيــب فــي أقبية التحقيق الاحتلاليـ­ـة وتحديدا في «زنزانة 26» فيما تقدم طبيعة الــدور الذي يقوم به الأطباء هناك، حيث يتغاضون عن أية مسؤولية تجاه الأســرى من خــال التصريح بأهلية الأســير للاستمرار بالتحقيق معه.

وحســب الشــهادات التي قدمها الأســرى «يقتصــر عمــل الأطباء علــى منح الاســرى المســكنات للآلام دون أي تقييم حقيقي لطبيعة الوضع الصحي لهم».

وكانت مؤسسة الضمير قد وثقت أكثر من 10 حالات لأسرى فلسطينيين اقر الأطباء في أقبية التعذيب بأهلية المعتقل لاستكمال التحقيق معه رغم الوضع الصعب له.

وتشير الدراســة الجديدة المعنونة «تعذيب الأســرى في مراكــز تحقيق الاحتــال» التي أطلقتهــا مؤسســة «الضمير» لرعاية الأســير وحقوق الإنســان، أمس، والتــي تأتي كجزء مــن فعاليــات «زنزانــة 26 » في مركــز خليل الســكاكين­ي في مدينة رام الله، تشــير الى أن الأطباء والقضــاة رأوا كيف تم نقل الأســرى إلــى قاعة المحكمة وإلــى الحمامات على كراس متحركة نتيجة لعدم قدرتهم على المشي، بسبب ما تعرضوا له مــن تعذيب، واســتمر الأطباء بتقديم تصريحات أهلية للاستمرار بالتحقيق.

الأســير )ع. ف.( يقــول: «خــال التحقيق العســكري كان يتــم أخذي إلــى العيادة فقط لإجراء فحوصات للنبض والضغط، ولم ينظر الطبيب إلى آثار التعذيب على جســدي، وحين شكوت من أوجاع في الصدر كان جوابه أن هذا الوجع عادي، وحين كنت أشــكو من آلام المعدة كان يفحص بيده ويعطيني مسكنا للآلام».

الدراســة الجديدة التي أصدرتها مؤسســة «الضمير» لرعاية الأســرى وحقوق الإنســان ضمن فعاليات «زنزانة 26 « ترى أن إقرار أطباء الاحتــال الدائم بأهلية المعتقــل للتحقيق هي أولى الخطوات التي يبدأ بهــا دور الأطباء في عملية التعذيب، وهي مرحلة يمنح فيها الأطباء المحققين الضوء الأخضر لممارســة شتى أشكال التعذيب الوحشــي، فالأطباء يقومون بتبيض مســألة أن «الوضع الصحــي للمعتقل لا يمنع استخدام التعذيب معه .»

مشاركة معلومات

وأكــدت الدراســة أن الأطبــاء غالبــا مــا يشاركون مع المحققين معلومات صحية خاصة بالمعتقل وهو ما يتم اســتخدامه ضد المعتقلين، حيث يزيد ذلك احتمالية تعذيبهم باســتغلال ظروفهم الصحية الخاصــة. وهو أمر حدث مع الأسير )ج. د.( عندما استغل المحققون معاناته من ديســك في فقرات الظهر لغايــات الضغط عليه بوضعيات شــبح معينة، وهو ما نتج عنه إيلام الأسير بشكل كبير.

أما الشــكل الثاني من التواطؤ الطبي حسب الدراسة التي أعدتها الباحثة لانا خضر، فيتمثل فــي تجاهل الأطبــاء علامــات التعذيب وعدم توثيقها.

اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ومؤسســة أطباء لحقوق الإنســان أشارت في تقرير مشــترك الى أن أغلب العاملين في المجال الطبي في إطار السجون يلتزمون الصمت إزاء الإصابات التي يكتشــفونه­ا أو حتى تلك التي يتم إبلاغهم بها، كما أنهم يمتنعون عن التوثيق الكامــل للتعذيب الجســدي أو النفســي الذي يتعرض له الأسير.

ووفق مؤسسة «الضمير» فإن ذلك التجاهل والتغاضي عن التوثيق من شأنه أن يتسبب في حرمان الضحايا من اســتخدام هذه الأدلة ضد معذبيهم.

وتفيد بيانات المؤسســة إنه فــي عام 2019 صــدر أكثر من 340 أمر منع لقــاء المحامي بحق 75 معتقلا ممن تابعتهم المؤسسة، حيث تعرض هــؤلاء لتعذيب وحشــي ترك آثارا جســدية مخيفة على أجسادهم، وعلى الرغم من معاينة أطباء السجون لهم إلا أن ملفاتهم تخلو من أي توثيق لعلامات التعذيب الجسدي.

وجــاء في دراســة مؤسســة «الضمير» أن محامي المؤسســة قاموا بتوثيق هذه العلامات بعد أســابيع مــن حدوثها وذلك أثنــاء زيارة الأسرى. واعتبرت المؤسســة تجاهل الأجهزة الطبية الإســرائي­لية لعلامات التعذيب يشكل مخالفة جسيمة للمسؤولية الطبية والأخلاقية الواقعة عليهم.

ويرفــض الأطباء فــي المعتقــات مراعاة ظروف المعتقلين الصحية. وأشار ) ن. ح( إلى ما تعرض له من تجربة أليمة خلال فترة التحقيق، فيقول: «ذهبت إلى الطبيب لأن الجسر السفلي من الأسنان قد انتزع أثناء فترة التحقيق معي، ورفض الطبيب علاجي، واضطررت بعدها إلى خلع الجسر بنفسي، وكان ذلك مؤلما جدا.»

كما وثقت حالات كثيــرة رفض فيها الأطباء في الســجون تقديم العلاج للأســرى بشــكل مباشر.

وأشارت الدراسة، التي تقع في 146 صفحة، إلــى أن هنــاك تجســيدا لتكامــل الأدوار بين منظومة القضــاء ومنظومة المؤسســة الطبية ومنظومة مصلحة السجون الإسرائيلي­ة.

وتعتبر ممارســات الأطباء الإســرائي­ليين مخالفة صريحــة للواجب المهنــي والأخلاقي للأطباء، حيــث نصت مبادئ «آداب مهنة الطب المتصلة على دور الموظفين الصحيين ولا ســيما الأطبــاء في حماية المســجوني­ن مــن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنســا­نية أو المهينة» وهــي المبادئ التي اعتمدتهــا الجمعية العامة لــأمم المتحدة عام 1982 حيــث اعتبــرت ذلك بمثابة إســهام من الأطبــاء في جرائــم التعذيب، وهــي مخالفة جســيمة لآداب مهنة الطــب، وجريمة بموجب الصكوك الدولية.

بحوث طبية لمصلحة الشاباك

كما أشارت الدراسة إلى أن الأبحاث الطبية في المنظومة الاحتلالية تخــدم محققي «جهاز الشــاباك» الذين يمارســون التعذيب بطريقة مدربــة واحترافيــ­ة بهدف إيقاع أكبــر قدر من الألم والوجع، وهو أمــر لا يرتبط بمعرفة عامة عندهم، بــل ينم عن جهود طبيــة وبحثية يتم تقديمها للمؤسسة العسكرية الإسرائيلي­ة التي تهدف إلى تزويد المحققــن بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن آلية التســبب بأكبر ألم للمعتقل بأقل آثار جسدية ظاهرية.

وتؤكد أن الشــهادات التــي حصلت عليها مؤسســة «الضميــر» ووثقتها تطــرح قضية مســاءلة وملاحقة هؤلاء الأطباء أمام منظومة القانــون الدولــي باعتبارهم مســاعدين في جريمة التعذيب. وقدمت الدراســة شــهادات موثقة لمجموعة من الأسرى الذين عُذّبوا، وهي شــهادات ســلطت الضوء على أوجاع الأسرى وعذاباتهم ومخاوفهم، فيما وحشــية المحققين أبشع من أن توصف.

وجاءت الدراســة في ســبعة فصول، حيث تضمــن الفصــل الأول تمهيــدا نظريــا حول التعذيب كأداة للنظم الاســتعما­رية، والفصل الثانــي تضمن حديثا عن التعذيب في ســياق القانون الدولي، أما الفصل الثالث فتحدث عن التعذيب في إسرائيل ما بين عام 1948 ـ 2020، أما الفصل الرابع فتحدث عن التعذيب النفسي والجســدي للمعتقلين وأســاليب التعذيب في الســجون الإســرائي­لية، حيث تحدث مفصلا عن الوســائل ومنها: الضرب والضرب المبرح، والشــبح بوضعيــات مختلفــة، الحرمان من النوم، حرمان المعتقل من الحاجات الإنسانية، ومحــاولات الحط مــن الكرامة، واســتخدام أســاليب الصراخ والبصق والشــتم، وإسماع المعتقــل أصواتا أو إجباره على رؤية شــخص آخــر فــي التحقيــق أو الضغط علــى المعتقل باســتخدام العائلات، أو اســتخدام أساليب الخداع والألاعيب، وسياســة فصل المعتقل عن محيطة، والأثر النفسي للتعذيب على المعتقلين. فيما تناول الفصل الخامس المنظومة القانونية التي تعتبر جزءا مــن منظومة التعذيب، حيث تعــرض الأســرى لسياســة المنع مــن مقابلة المحامــي، وتمديــد التحقيقــا­ت للتغطية على جرائم التحقيق، وشــطب أجــزاء من محاضر الجلسات.

أما الفصل الســابع فيتحدث عن العقوبات الجماعيــة ومنها الاقتحامــ­ات المتكررة للقرى والبلدات المرتبطة بالمعتقلين.

وإلى جانب هذه الدراســة أطلقت المؤسسة المعرض الخاص بصور التعذيب، حيث تضمن شــرحا لأوضاع التعذيب وطرقه التي يتعرض لها الأســرى الفلســطين­يون في مراكز تحقيق الاحتلال.

وفي تصريحات لـ «القــدس العربي» قالت هبة حمارشــة، مديرة الاتصال بالإعلام المحلي لــدى مؤسســة «الضميــر» إن «زنزانــة 26 « الموجودة في سجن المسكوبية هي مكان تعرض فيه عشرات المعتقلين الفلســطين­يين للتعذيب الوحشي خلال العام الفائت والحالي، فهي رمز للتعذيب الوحشــي الذي يتعرض له الأسرى وتحديدا من تتهمهم إسرائيل بالقيام بعمليات ضدها.

يذكر أن «الضمير» مؤسسة أهلية فلسطينية مســتقلة غير ربحية تعنى بحقوق الإنســان ودعم ونصرة الأســرى ومناهضــة التعذيب، أسســت في مدينة القدس المحتلــة أواخر عام 1991 مــن مجموعة مــن النشــطاء والمهتمين بحقــوق الإنســان لدعــم ونصرة الأســرى، ومناهضة التعذيب عن طريق المراقبة والمتابعة القانونية والحملات التضامنية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom