Al-Quds Al-Arabi

«واشنطن بوست»: المناضلة زهرة ظريف تتحدث عن ثورة التحرير الجزائرية وجيل الحراك الذي يحمل المبادئ نفسها

-

تحــت عنوان «في الوقــت الذي يتلاشــى فيه الثوريون فــي الجزائر تســتعيد مفجرة ميلك بار الشــهير الحــادث دون ندم «نشــرت صحيفة «واشنطن بوست» مقابلة مع زهرة ظريف، 86 عاماً التي قامت بزرع القنبلة في عز حرب التحرير الجزائرية. وتحدثت في المقابلة عن نضالها في حركة التحرير الوطني وتفاؤلها لمستقبل الجزائر خاصة بعد الحراك الذي احتج على الفساد وسوء الحكم قبل عامين.

وقالت ســيوبان أوغاردي إن ظريف لم تثر انتبــاه المارة في 30 أيلول/ سبتمبر 1956، شابة فرنسية تستمتع بحلوى الخوخ مع الآيس الكريم في محل بوسط المدينة.

ولكن المرأة التي جلســت في «ميلك بار» كانت عنصرًا سريًا في المقاومة الجزائرية التي تكافح من أجل الاستقلال عن فرنسا. وكان في داخل حقيبة شاطئ ركنتها جنب قدمها قنبلة. وقتل في الانفجار الذي نفذته ظريف وهي في عمر الحادية والعشرين 3 أشــخاص وجرح العديد وشكل نقطة تحول في حركة الاستقلال الجزائري.

وجــذب الثــوار الجزائريون الذيــن انتفضوا ضد الجيش الفرنســي واستطاعوا في النهاية إجبار فرنسا على الخروج من الجزائر انتباه العالم وكان نجاحهم واحداً من أهم اللحظات في جهود التخلص من الاســتعما­ر الأوروبي بالقارة الأفريقية. واليوم يتلاشــى جيل الثوريين، وظريف هي واحدة من العدد المتناقص ولكنها تظل أهم الرموز. وفي سن الـ 86 تتحرك بهدوء وترتدي نظارات بإطار حديدي، وقصت شعرها قريباً من أذنيها.

كانت ظريف مقاتلة غير عادية، ولدت في غرب الجزائر عام 1934 وتلقت تعليماً فرنســياً، ولكنها فهمت منذ الصغر أن الفرنسيين سيظلون ينظرون إليها كغريبة فــي وطنها، كما كتبت في مذكراتها «في داخل معركة الجزائر: مذكرات مقاتلة حرية».

ومضــت عقود منذ أن تحركت هي ورفاقها من مخبــأ إلى آخر في الأزقة الضيقة من القصبة في العاصمة الجزائر، حيث كان مقاتلو الحرية ينظمون تحركاتهم سراً منها. ولا تزال ظريف تتذكر بكل التفاصيل الأحداث التي لم تشــكل مســتقبلها بل وبلدها أيضاً. وتقول إن تفجير ميلــك بار الذي كان يرتاده المستوطنون الفرنســيو­ن «هدف لخلق حالة نفس حالة الهلع بين الســكان الفرنســيي­ن» والتي كان يعيشــها الجزائريون. وأضافت ظريف التي قابلتها الصحافية بمنزل ابنها بالعاصمة الشهر الماضي إن الأوروبيين «كانــوا يتمتعون بحماية عاليــة كما أنه لم تكن هناك حــرب. وكان علينا إخبارهــم: الحرب في كل مكان، وليســت لنا فقط بل للفرنســيي­ن أيضاً». واعتبرت فرنســا الجزائر جزءاً منها واســتوطن فيها مليون أوروبي مع اندلاع حــرب التحرير. وقالت جنيفر سيشــنز، الباحثة فــي التاريخ في جامعة فرجينا: «لو نظرنا إلى فترة إزالة آثار الاســتعما­ر، فالمســتعم­رات الاستيطاني­ة كانت الأعنف والأصعب للتخلص منها».

ورغم انــدلاع الحرب في عام 1954 وتركزت بالمناطق الريفية الجزائرية إلا أن تفجير أيلول/سبتمبر 1956 كان بداية مرحلة مضطربة في العاصمة. فقــد كان التفجير الذي زرعته ظريف واحداً مــن ثلاثة تفجيرات وضعتها نســاء ذلك اليوم فــي مناطق مختلفة مــن العاصمــة. وأخافت وأغضبت الهجمات المنســقة السكان الأوروبيين في المدينة. وقضى الجيش الفرنسي عاماً كامــاً في ملاحقة وتفكيك وتحديد الناشــطين الذين نفذوا العمليات وخلايا الدعم لهم. واعتقل الآلاف بمن فيهم ظريف حيث عذب الكثيرون أو قتلوا فيما اختفى آخرون وهم كثر دون أثر.

وكانــت ظريف مقاتلة غيــر عادية، ولدت في غــرب الجزائر عام 1934 وتلقت تعليماً فرنســياً، ولكنها فهمت منذ الصغر أن الفرنســيي­ن سيظلون ينظرون إليها كغريبة فــي وطنها، كما كتبت في مذكراتها «في داخل معركة الجزائر: مذكرات مقاتلة حرية».

وكانــت طالبة متفوقة حيث انتقلت لاحقاً لإكمال دراســتها في الجزائر العاصمة، حيث كان واحدة ضمن قلة من الجزائريين في المدرسة الداخلية. والتقت هناك مع ســامية لخضاري التي أصبحــت زميلتها وتعاونت معها

في المقاومــة، وتوفيت لخضاري في 2012. وتتذكر ظريف قائلة: «من خلال معرفتنا بكل شــيء حدث في البلد، فقد كان مــن الواضح أنه لم يكن هناك خيار إلا المقاومة المسلحة وأن علينا مواجهة الفرنسيين بالعنف».

وجعل التعليم الفرنســي للفتيات وقدرتهن على الاختلاط في الأحياء الأوروبية منهن مرشــحات للعمل السري بالنيابة عن حركة المقاومة. وفي مســاء اليوم الذي زرعت فيه ظريــف القنبلة في مقهى ميلــك بار، زرعت الأخضري وأمها التي تزيت بزي امرأة فرنسية قنبلة في مقهى شعبي آخر.

وكما زرعت ثالثة جميلة بوحيرد في مكتب للخطوط الفرنســية ولكنها لم تنفجر. ونجحت ظريف بمغادرة مقهى ميلك بار قبل انفجار القنبلة، ولكنها شــعرت بقوة الانفجار بعد دقائق قليلة. وقادها الفــزع للذهاب إلى منزل عائلة صديقة، امرأة فرنسية لم تكن تعرف ان ظريف هي من قام بالعملية. وتصرفــت ظريف بأنها لا تعرف عما حدث في الوقت الذي عبرت فيه المرأة عن فزعهــا من التفجير. ثم ســارعت للذهاب إلى بيــت لخضاري. وقالت «كانت التعليمات ليس وضع القنبلة والمغادرة قبل انفجارها، ولكن تجنب الاعتقال» و»كان علينا العودة لان القبض علينا يعني الفشــل». وصورت التفجيرات في فيلم «معركــة الجزائر» الذي أخرجه عــام 1966 الإيطالي جيلو بينتكورفو والذي أعاد أهم اللحظات الحرجة في المقاومة الجزائرية بالعاصمة والقمع الفرنســي. واعتبر الفيلم مثيرًا للجدل في فرنســا ومنع عرضه مؤقتا. وبعــد التفجير ظلت ظريف تعمل في جبهة التحرير الوطني التي أصبحت بعد الاســتقلا­ل الحزب الحاكم. واعتقلت في مخبأ بالقصبة عام 1957 وأفرج عنها بعد خمسة أعوام عشية استقلال الجزائر عام 1962، والذي أدى لرحيل جماعي للأوروبيين عن البلاد.

وتزوجت ظريــف من رابح بيطاط أحــد رموز حــرب التحرير والذي أصبح سياســيا شــهيرا ورئيســا انتقاليا. وعملت في المحاماة وأصبحت لاحقاً نائبة لرئيــس مجلس الأمة. وانجبت ثلاثــة أولاد قبل وفاة بيطاط في 2000. وقبل عامين عندما اندلعت التظاهرات الســلمية الداعية للتغيير قالت ظريف إنها شعرت بأن الشباب الجزائري «قد حمل الشعلة من جديد» والتي أشعلها جيلها. وكانت نســب البطالة ترتفع والإحباط في تزايد من حكم عبد العزيز بوتفليقة، نفســه من رموز حركة التحرير الوطني. ورأت ظريف في التظاهرات دليلا على «التصــاق الجيل الجديد العميق ببلده.» وقالت ظريف إن العاطفة التي أظهرها الشــباب الجزائري زاد من حماسها لمستقبل الجزائر «فقد كانوا يقاتلون لنفس المبادئ التي قاتلنا من أجلها أي بلد يحكمه أبناؤه »

 ??  ?? زهرة ظريف
زهرة ظريف

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom