Al-Quds Al-Arabi

مراقب إسرائيلي: ريفلين نزل عن المنصة وبقي تحذيره من الخطر الأكبر على إسرائيل حاضرا وصارخا

وضع دولة الاحتلال أمام المرآة

- الناصرة ـ «القدس العربي»:

قال مراقب ومحلل إســرائيلي بارز إن رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين رحل عن المنصة السياسية بعد ســبع سنوات وبقي الخطر الأكبر الذي يهددها وســبق وأن حذر منه، وهو خطاب التشظي والكراهية الذي يعّمق الفجوات بين» الأسباط» الأربعة فيها.

ويقول يــارون يارون ديكل محرر الشــؤون السياســية فــي القناة الرســمية في مقال مطول ترجمه الصحافي هشام نفاع للعربية، إنه «حين دخل رؤوفين ريفلين إلى مقر رؤســاء إســرائيل في يوليــو/ تموز 2014، كان قد توصل مســبقاً إلى قرار مركزي بارز: أن يكون هو نفســه، وعلى نحو خاص أن لا يكون شــيمون بيريز ) رئيس الدولة الســابق(ً فبيريز الذي وصل إلى الرئاســة في جيل 84 عاما، بعد أن كان قد نجح في ترؤس الحكومة وشغل عدة وزارات على مدار 60 عاما، انشغل في فترة ولايته في علاقات إسرائيل الخارجية وكأنه وزير أعلى للخارجية.»

أما ريفلين فقد عرف أنه سوف يحقق النجاح فقط لو تركز في إسرائيل داخلياً، فهو قد وصل إلى الوظيفة وقد قر قراره على البقاء شــعبيا، وأن لا يســمح للوظيفة العالية في الســلطة بأن تدب فيه الغــرور وأدرك أن تحديات إسرائيل هي قبل كل شيء في الحلبة الداخلية.

ويســتذكر ديكل أن أحد أول أفعاله كرئيس لإســرائيل كان حين وقف أمام الكاميرات الى جانب فتى تعرض للإهانة والاذلال من قبل زملائه في شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي فيديو قصير ومثيــر للانفعال أنتجه مقر رئيس الدولة، شــوهد الاثنــان معاً، الرئيس والفتــى، وهما يتصفحان لافتــات كرتونية كبيرة كتبت عليهــا مقولات تدعو إلى احتــرام كرامة الغيــر. ويتابع «لكن بعد سبع ســنوات من ذلك ينهي رؤوفين فترة ولايته كرئيس بشعور معين من تفويت الفرصة.

هناك كثيرون في اليمين الإسرائيلي ممن أداروا لهم ظهره. والتحريض ضده في شبكات التواصل الاجتماعي ازداد وتعاظم أكثر فأكثر. إنه ليس رئيس إجماع، مثلما كان يحلــم بأن يكون. ريفلين اليوم هو على ما يبدو، ليس نفســه الذي كان عام 2014 ولكن اليمين الذي جاء منه ريفلين ليس نفس اليمين أيضاً .»

ويشــير ديكل الى أنــه في هذه الأيــام يجري العمل فــي مقر رئيس إسرائيل على إعداد كراس يلخص فترة ولاية الرئيس العاشر وهو المؤلف من نحو 60 صفحة، يبدأ بما يمكن اعتباره العنوان المركزي في رئاســته: «خطاب الأسباط .»

في هذا الخطاب رســم ريفلين صــورة لأربع قبائل / أســباط تعيش الواحدة بجانب الأخرى في إســرائيل: العلمانيون، المتدينون، الحريديم والعرب. ويعتبر ان وزير التاريخ سوف يتذكر على نحو أكيد هذا الخطاب بكونه محورا مؤسسا في رئاسة ريفلين: الصدامات التي اندلعت في المدن الســاحلية خلال عملية «حارس الاســوار» أثبتت للرئيس بأنه كان على حق، وهو يشــعر بأن خطابه الذي ألقاه في يونيــو/ حزيران 2015 كان أشبه بالتشخيص المسبق الذي حقق نفسه لاحقا.

ويضيــف ديكل» صحيح أن القبائل المذكــورة تعيش الواحدة بجانب الأخرى، ولكنها لم تدرك كيفية العمــل والتعاون مع بعضها البعض. فقد كان اندلاع الصدام مســألة وقت فقط. بعد وقت قصير على عودة الهدوء في عكا، ووادي عارة، واللد ويافا، سعوا في مقر رئيس الدولة إلى تنظيم اجتماع طارئ للمدن الساحلية او المختلطة. تم التوجه إلى وزارة التربية والتعليم التي ردت بتجاهل وبرود.

كلمة «شــراكة» التي كان يفترض أن تتلألأ في عنوان الاجتماع المخطط له، تم رفضها وشطبها، ناهيك عن أن عبارة «التعايش المشترك» تعرضت للمصير نفسه. في حكومة بنيامين نتنياهو المنتهية هاتان الكلمتان لم يتم اعتبارهما أمرا يليق التفاخر به. لقد اصطدم التوجه الرسمي لدى ريفلين بالشروخ وبالكراهية، التي تعمقت وتعاظمت في سنوات ولايته السبع.»

من قلب اليمين

ويتســاءل ماذا كانت تلــك النقطة التــي واجه فيها اليمــن الرئيس الليكــودي بوجه متجهم، وهو الــذي تربى في بيت «تنقيحــي» (التيّار الصهيوني اليميني المتشــدّد الذي تعود جذور «الليكــود» الحالي إليه ـ المترجم( وكانت شــخصيات مثل مناحيم بيغن وزئيف جابوتنسكي هي الشخصيات التي بجّلها في فترة شبابه؟

عن ذلك يقول ديكل إنهم في اليمين يشــيرون إلى أول خطابات ريفلين التي ألقاها في الكنيست، مع افتتاح الدورة الشتوية للبرلمان في اكتوبر/ تشــرين الأول 2014 بعد شــهرين من انتهاء عملية «الجرف الصامد» عام 2014 جاء رئيس الدولة محملا بأقوال متحدّية، وعلى نحو أســاس ضد البلطجة والعنف في شبكات التواصل الاجتماعي.

وقال إن ريفلين لم يتردد، فاقتبس مقولات قاسية جدا كتبت ضده «في هذا الصيف خصصنا وقتا غير قصير أيضا، للأســف، كي نحدد أعداءً من داخل البيت» «أنت مجرد يهودي وضيع كاذب» هكذا شــتمني البعض... » «اذهب وكن رئيســا في غزة» «أنت متملق مقــرف» «أنت صفر وأقل من صفر».

ويقول إن ريفلين نشر عن ذلك بالقول «هذه كانت بعض الشتائم التي قذفت نحوي». ويضيف: «أعضاء الكنيســت وعلــى نحو خاص أعضاء الكنيســت في اليمين، أصيبوا بالذهول. هذا الرئيس الجديد وضع أمامهم مرآة لم يكونوا متعودين عليها. لاحقا جاء قراره بإلغاء مشــاركة المغني عمير بنيــون في حفل نظّمه مقر رئيس الدولة، في اعقاب أغنية مهينة قام بكتابتها. وهنا بدأت التســاؤلا­ت في اليمين: هل يعمــل ريفلين كي يثبت للمعســكر الآخر أنه «رئيس للجميع»؟ هل يسعى للتوضيح أمام الجميع خطأ من اعتبر أن بيت الرئيس سيكون فرعا لحزب الليكود الذي جاء منه بالأصل؟

منوهــا أن خطاب القبائل لم يقابَل بالترحــاب في صفوف الصهيونية الدينية أيضا. ويضيف «صحيح أن ريفلين زار الخليل والمستوطنا­ت أكثر من أي رئيس آخر ســبقه بل أكثر حتى من رئيــس حكومة اليمين بنيامين نتنياهو نفســه، ولكن مضمون أقواله في ذلك الخطاب لم يكن سهلا على الهضم. المنشــور الذي عممه الرئيس بعد جريمــة القتل الرهيبة في دوما الفلســطين­ية التي تم فيها إحراق عائلة دوابشة وهم أحياء ونيام بأيدي يهود مــن اليمين المتطرف، مــا زال صداه يتردد. «أبناء شــعبي اختاروا الإرهاب وفقدوا صورتهم الإنسانية» كتب ريفلين.

والحقيقــة أن موظفي طاقــم الرئيس هــم الذين كتبوا هذا المنشــور وعمموه بعــد أن عبّر جهاز الأمن العام )الشــاباك( عن الخشــية من أن حادثة دوما ســوف تجــر أعمالا إرهابية مــن قبل فلســطينيي­ن واندلاع انتفاضة ثالثة. هم من عمّم هذا المنشــور في شبكات التواصل الاجتماعي. وحين اكتشــف الرئيس ما كُتب كان قد فات الوقت على تغييره. وريفلين أصدر إليهم التعليمــا­ت بعدم تغيير الصياغة. وذلك بإدراك كامل منه بأن أي تغيير ســيتحول إلى عنوان بحد ذاته، متجاهلا بشــاعة وملابسات الجريمة في دوما ينوه إلى حين كتابة المنشور المذكور ورغم أن جرائم قتل عربٍ بأيدي يهود قد وقعت في السابق، لم يكن هناك رئيس إسرائيلي قد سمى المنفذين اليهود «إرهابيين».

ويتابع ديــكل: «لو ســئل الرئيس المنتهيــة ولايته كيــف تميز عمله ونشاطه أمام حكومات بنيامين نتنياهو في السنوات السبع الأخيرة التي شكلت ولايته؟ يمكن الافتراض بأنه سيصفها بكلمتين «معركة كبح». فقد كبح قانون القومية الأصلي، وفي خطوة استثنائية لا مثيل لها توجّه إلى الكنيست طالبا شــطب البند الذي تطرق إلى إقامة بلدات منفصلة للعرب وأخرى لليهود. بموازاة ذلك عمل خلف الكواليس لمنع سـّـن قانون خفض صوت الأذان في المســاجد بشكل قســري بعد أن تلقى مكالمات هاتفية من الرئيس المصري والملك الأردني.

ويشير أنه في قضية الجندي القاتل إليئور أزاريا التي هزت البلاد وقف ريفلــن بالكامل إلى جانب قائد الجيش الســابق غادي أيزنكوت وقد قام أيضا بكبح الدعوات التي ألقيت في الكنيست لإعطاء عفو رئاسي للجندي الــذي أدين بالقتل، في حين تحول أزاريا نفســه في نظر جهات كثيرة في اليمين إلى «بطل إسرائيل». هذه الأمثلة تشكل قائمة جزئية فقط.»

ويســتذكر ديكل أن كلمان ليبســكيند، وهو أحد الصحافيين البارزين الذين يحظون بالتقدير من صفــوف اليمين، لم يتردد وكتب معقبا «هناك أمر ســيىء يمر على ريفلين منذ انتخابه رئيسا للدولة. حين أطلق إعلان نوايا عبر فيه عما يرغب كمن جاء من المعســكر القومي لإقامة تواصل مع جماهير إضافية، كان هذا توجها إيجابيا. وكذلك حين قام بفعل كل شــيء من أجل تقريب العرب في إســرائيل لم يكن هنــاك فعل لائق أكثر من هذا. ولكن ريفلين لم يتوقف، يوما بعد آخر، أسبوعا تلو الأسبوع، من حدث إلى آخر، من تصريح إلى آخر، وريفلين يبتعد وينقطع وينفصل.»

ونوه أن العلاقات التي ربطت ريفلين ببنيامين نتنياهو علاقات ســيئة

منــذ اللحظة الأولى، حين أطلــق رئيس الحكومة حربا شــعواء ضد هذا العضو في حزبه كي لا يتــم انتخابه لمنصب الرئيس، ووصلت الأمور إلى درجــات هذيانية وصلت إلى حدّ إطلاق محاولة فجائية لإلغاء مؤسســة الرئاســة برمتها. ويقول ديكل إن الرئيس المنتخــب ريفلين لم ينس ولم يغفــر، رفض أن يدع هذا الجرح يلتئم، أمــا نتنياهو من جهته، فاهتم بأن يلقي بالحطب في موقد لهيب النيران التي أحاطت بالعلاقات مع الرئيس، ومن فترة إلى أخرى، أطلق نحوه اتهامات بحياكة مؤامرات.»

كراهية وغضب

ويقــول إنها الاتهامات التي جعلت ريفلين يغلــي غضباً في كل مرة من جديد، ويشــير الى انه في المرات الخمس التي توجهت إسرائيل فيها إلى انتخابات في فترة رئاسته ألقى مهمة تشكيل الحكومة على نتنياهو الذي يكنّ لــه كراهية تامة فيما ظل الغضب جانبا. ويتابع «كان ريفلين ولا يزال صوتا رســميا وباعثا على التهدئة في فترات الضائقة والأزمة أيضا. كان الوحيد الذي زار جميع المستشــفي­ات في إســرائيل من أجل تقديم الشكر لطواقم الأطبــاء على أدائها في فترة ســنة كورونا القاســية. وفي آخر أســابيع ولايته أظهر كيف أنه يمكن العمل كشــخص ناضج ومسؤول في أصعب الأوقات حين كان الدم يُســفك والغرائز تهيمن وتســيطر وتعربد. في الليلة التي وقعت فيها جرائم اللينــش في عكا وبات يام، كان هذا هو الرئيس وحده الذي وقف أمام الجمهور على شاشــات قنوات التلفزيون الثلاث كي يطلق صرخته ضد مثيري الشغب العرب واليهود الذين مسوا بمواطنين أبرياء بسبب هويتهم الإثنية لا غير. أطلق الصوت الذي يناشد الجميع التوقف وتهدئة الأمور.

إن الرئيس العاشر لدولة إسرائيل لا يترك المنصة العامة كرمز للإجماع الذي كان يأمــل بأن يكونه». وينبه إلى أن الرئيس الذي ســبقه، بيريز، أنهى ولايته وهو أكثر شــعبية منــه ولكن ريفلين يخــرج من مقر رئيس الدولة وهو راض تماما عما فعله في ســنواته السبع. معتبرا أنه في عام 2021 الرئيس ليس الرئيس نفســه، واليمين الذي ســبق أن حمله على الأكتاف في الماضي، ليس اليمين نفســه. لو سألوا ريفلين ما إذا كان هناك شــيء يندم عليه، مقولة كان ربما يفضل محوها، فسيرد كما يبدو بالنفي التام. ربما ما عدا اســتضافة ابنتــه في ليلة عيد الفصــح العبري خلال جائحة كورونــا. لقد خرج من بيت مقر الرئيس وقد فقد شــريكة حياته، زوجته نحاما التــي اهتمت على الدوام بأن توازن أداءه وأن تشــدد من وثاق ارتباطه بالجمهور .»

ويخلص ديكل للقول « إن المرآة التي وضعها ريفلين أمام الإســرائي­ليين، وخلال ســنوات مليئة بالتحديات على نحو خاص، ستظل جزءا من إرثه حتى لو لم يحب الجميع الصورة التي رأوها ورأوا أنفســهم فيها، وقد ذهب ريفلين وبقيت حالة التشــظي والكراهية تشــكل تحديا اســتراتيج­يا أشد خطورة من قنبلة إيران وسائر المخاطر الخارجية كما قال ريفلين نفسه.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom