Al-Quds Al-Arabi

حض المواطنين على التفاؤل هدف السلطة... وتهرب مجلس الأمن من واجباته لا يعفيه من المسؤولية سوء نية

الذين خذلونا سيندمون... حشد مليون إثيوبي للدفاع عن البناء الخرساني... ودك سد «النكبة» أمل الأغلبية

-

قبل الموت عطشاً

خلال هــذه اللحظــة المصيريــة التي نشــهدها، فإن الطلب الأهم الذي دعا إليه الدكتور أحمد الســيد النجار في "المشــهد" يتمثل في أن اتفاقية 2015 "الرديئة" ينبغي التخلص منهــا نهائيا، بمبرر واضح هو عدم وفاء إثيوبيا بالتزاماته­ــا فــي تلك الاتفاقيــ­ة. كما يجــب التذكير بأن الاتفاقية الأساس والعمدة هي اتفاقية 1902، التي وضعت الحدود الدولية لإثيوبيا مع السودان، ومنحتها إقليم بني شــنقول، الذي يُقام ســد النهضة على أرضه، وهي تلزم إثيوبيا بعدم إعاقة التدفق الحــر لمياه النيل الأزرق ونهر الســوباط، وعدم احتجاز أي قطرة منهما. وكانت اتفاقية 1891 قد فعلت الأمر نفســه بالنســبة لنهر عطبرة، نحن لا يعنينــا اعتــراف إثيوبيا بحصة مصر مــن مياه النيل الذي تتعدد روافده الاســتوائ­ية والإثيوبية، فذلك أمر لا يخصها أصــا، وإنما يعنينا ضمان التدفــق الحر بلا أي احتجاز للمياه من الروافد الإثيوبية لنهر النيل، فهي مياه مصر وحقها التاريخي، وفقا لانتســاب المياه للحياة التي خلقتها، والتي يعتمد وجودها واســتمرار­ها كليا عليها، وليــس لبقعة الأرض التي ســقطت عليهــا الأمطار، ولم ترتبط بأي حياة فيها، حيــث تعتمد إثيوبيا على الزراعة على المطر )يســقط عليها مــن ‪-950 900‬مليار متر مكعب من الأمطــار(، وعلى وفرة المياه الســطحية الفائضة عن الاســتخدا­م من أنهار أخرى، وعلى المخــزون الكبير من المياه الجوفية العذبة. كمــا يجب التذكير بأنه رغم أهمية تحجيم سعة الخزان وإطالة سنوات الملء، إلا أن الأهم هو المشاركة في الإشراف على إدارة التخزين في بحيرة السد بصورة دائمة وملزمة، حتى لا يتحول الســد إلى محبس لمنح أو قتل الحياة في مصر بيد إثيوبيا.

ما حك جلدك غير ظفرك

شــدد الدكتور أحمد الســيد النجار علــى أنه ينبغي عدم توقع الكثير من المجتمــع الدولي، فالولايات المتحدة لا يهمها ســوى مصالحهــا، ولا تأبــه للقانــون الدولي والاتفاقيا­ت المنظمة للعلاقــات المائية بين مصر وإثيوبيا، خاصة أننا تأخرنا كثيرا في عــرض موقفنا وأحقيتنا في ميــاه النيل وتدفقها الحر. وأزمتها مع إثيوبيا تكمن في أن الأخيرة تعمق علاقاتها الاستراتيج­ية الشاملة مع الصين، التــي ترعى التطــور الاقتصادي لإثيوبيا باســتثمار­ات ضخمة وقروض كبيرة وشــراكة تجارية واسعة النطاق، على قاعدة المصالح ولا غير ذلك. أما الصين فإن سياستها الخارجية المبنية على المبادئ، دُفنت مع الزعيم المؤســس ماوتســي تونغ، وأصبحت تلــك العلاقات تُدار بشــكل براغماتــي، وعلى قاعدة تحقيق المصالــح الصينية فقط، أما روســيا التــي تتفهم حاجــة مصر لمياه النيــل، فإنها ترفض العمل العســكري كخيار لضمان التدفق الحر لها، وهي تحاول إرضاء كل من مصر والسودان وإثيوبيا معا، بموقف مائع لا يفــرق وجوده عن عدمه، ولا يرضي أحدا. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن موقف بلدانه لا يختلف عن الموقف الروسي، ويزيد عليه بالنسبة لإيطاليا أن أحد أكبر شركاتها )ســاليني( تقوم بالدور الرئيس في تنفيذ السد، وبالتالي فإنها إلى جانب إثيوبيا، خاصة أن الظلال القاتمة لقضية تعذيب وقتــل "ريجيني" في مصر ما زالت تســمم أجواء العلاقات بين القاهرة ورومــا. أما الاتحاد الافريقي فإنه لا يرغب في نشــوب أزمة كبرى لا يستطيع معالجتها، وبالتالي يفضل بقاء الحــال على ما هو عليه، والخلاصة أن قضية ســد النهضة، التي تنقل التحكم في شريان حياة مصر وروحها ووجودها إلى أيدي عنصرية ومعادية، لن تتورع في سنوات الجفاف عن إلحاق أضرار جســيمة وكارثية بمصر، لن يعالجها المجتمع الدولي غير المعني بالتهديــد الكبير، وبالتالي فالأمــر كله ملقى على عاتقنا، ويتعلــق بما نفعله والمنطق الحاكــم هنا هو: "ما حك جلدك غير ظفرك، فتول أنت جميع أمرك". ولن يصعب على مصــر مواجهة دولة تعتبر علاقاتهــا مع كل جيرانها قابلة للانفجار.

غرور الضعيف

المصري هذه الأيــام، كما يرى الدكتــور محمود خليل فــي "الوطن" منزعــج أشــد الانزعاج مما يحــدث، فهو عندما يقارن قدراته بقدرات الدولة الإثيوبية يتســاءل: كيف تقدم أديس أبابا على مــا أقدمت عليه، وتعاند بهذه الصورة وهي تعلم أن أي مواجهة ســتدخلها مع المصريين ستخســر فيها كثيراً؟ لعل هذا الســؤال هو أكثر ما يحير المصري ويثير عجبه، فهو يرى في نفســه قوة لا يستهان بها، ولا بد أن يُحســب لها ألف حســاب، وهو يغفل وهو يفكر بهــذه الطريقة، أن الإنســان - مهمــا كانت درجة قوته - عرضة لأن ينــال منه الأضعف والأقل شــأناً في الأوقات التي يهمل، أو يسهو فيها أو يقل تركيزه. الضعف يخرج من رحم القوة.. والقوة تنساب من رحم الضعف.. والعاقل من يســتجمع تفكيره وهو يحســب الحسابات، ويتخذ القــرارات، ويفهم متى يتحتم عليه أن يســتخدم عناصر قوته بلا تردد، ومتى يتوجب عليه أن يســتوعب ويصبر على الضعيــف الذي يحاول الركوب فوق أكتافه، حتى تتاح له لحظة ليســحق من يحاول امتصاص دمه. إثيوبيا تريد امتصاص ماء المصريين، وكلما تراكمت المياه خلف سدها الكبير داخلها المزيد من الاطمئنان، إنها تحاول امتصاص المزيد، إدراكاً منها أن كل زيادة تصب في بحيرة الســد تحصنه ضد أي هجوم، وقد خرج أحد عســكرييها مؤكــداً أن مصر والســودان بعد الملء الثاني ســيكونان الأشد حرصاً على سلامة الســد من الإثيوبيين، كما خرج رئيس وزرائها متحدثاً عن حشــد مليــون إثيوبي للدفاع عن البناء الخرساني. إنه غرور الضعيف الذي يحاول أن ينســج خيوط العنكبوت، وكلما زاد النسيج داخله شعر أكثر بالأمان من الضربات. فالعنكبوت لا يعى أن بيته هو أوهن البيوت وأهونها وأضعفها، ويتصور وهو ينظر منه إلى العالم الخارجي بأنه بات في مأمن من ضربات الغير.. ذلك هو الوهم بعينه.. فما أســرع أن تمتد الأيدي لتسحق البنــاء الهش الضعيف. إهمال الإنســان مهما كانت قوته يجعله عرضة لـ«لدغــات» أضعف الكائنــات، لكن على الضعيف ألا ينخدع ويفرح بما فعل، وأن يتحسب للحظة التي سوف تمتد فيها اليد القوية لتهد كيانه.

مجد قديم

عاد عبــد الله الســناوي بالتاريخ لزمــن قيادة مصر لافريقيا، قائلا في "الشروق"، "لو امتلك الإثيوبيون ثروة تمكنهم من تنفيذ أفكارهم بشأن النيل، فليكن الله في عون مصر". كان ذلك استنتاجا بريطانيا تضمنته وثيقة سرية حصلت عليها «بي. بي. سي» من أرشيف وزارة الخارجية وفق قانون المعلومات. لم تكن تعوز الاستنتاج، الذي يعود إلى عام )1961(، الدراســات التفصيلية للأوضاع المائية في دول وادي النيــل، ولا غابت عنه أجــواء التحريض مثــل «إن المصريين لا يقدرون الإثيوبيين» و«يســتخفون بقدرتهم علــى إلحاق أي ضرر بهم علــى النيل الأزرق.»! المفارقة فإن ذلك العام هو عام التحرر الوطني واســتقلال أغلب دول القارة بزعامة الرئيــس عبدالناصر، لا التنكر والاستخفاف. نســبت الوثيقة للســفارة البريطانية في القاهــرة إدارة مفاوضات «فنية غير رســمية» بين مصر والسودان ودول شرق افريقيا، بغية التوصل إلى صيغة مشــتركة للتعامل مع مياه النيل، خاصــة النيل الأزرق، كمــا التعرف على آراء المصريين في مشــكلة نهر النيل مع إثيوبيــا، و«هو ما لم يحــدث إطلاقا» بتأكيد مستشــار عبدالناصر للشــؤون الافريقية محمد فائق! لم تكن هناك مشكلة ضاغطة تستدعي التقصي بالسؤال، لكنها دواعي البحث عن ثغرات يمكن استخدامها ضد مصر عند شريان وجودهــا لتصفية الحســابات بعد خمس ســنوات من هزيمة السويس. قالت الوثيقة إن «السلوك المصري تجاه إثيوبيــا غامض نوعا ما وسياســاته­ا غير واضحة وغير مفهومة». كان ذلك اســتنادا، حســب نصها المنشور، إلى اجتماع جمــع محمد فائق مستشــار الرئيس عبدالناصر مع أحد دبلوماسيي الســفارة، لم تذكر اسمه ولا منصبه، نوقش فيه موضوع على درجة عالية من الخطورة: «مدى قدرة إثيوبيا على حجز المياه عن مصــر». «لم أكن وزيرا في ذلك الوقــت، ولا كان من طبيعة دوري إجراء حوارات فنية من مثل هذا النوع». في وثيقة سرية بريطانية أخرى مطلع تسعينيات القرن الماضي، إشارات لافتة إلى احتمال أن يستخدم ســاح المياه الاســترات­يجي ضد مصر، وأن المصريين لن يقبلوا في أي حــال أن تكون بلادهم رهينة، غير أنه لا يمكن ثني إثيوبيا عن تنفيذ مشروعات قد تضر بالمصالح المصريــة، خاصة في ســنوات الجفاف. المعنى بالضبط فــي الســيناري­و البريطانــ­ي أن الإثيوبيين لن يتراجعوا والمصريين لن يقبلوا.

حرب مؤجلة

وأكد عبد الله الســناوي، على أنه في أوقات الصعود نشأت صراعات بين السياستين المصرية والإثيوبية على خلفية مــا يحدث في الصومال، ومواضع أخرى من القارة بــن عامــي )1953( و)1956(. جرى تطويــق تداعياتها بعلاقــات خاصة بين الرئيس عبدالناصــ­ر، والإمبراطو­ر الإثيوبي هيلا سيلاسي. حســب فائق: «كنت أزور أديس أبابــا كل أســبوعين تقريبا للحــوار والتفاهــم مع هيلا سيلاسي خشية أن تستخدم تباينات المواقف في اصطناع صراعات تضر بالمصالح العليا للبلدين». وصلت العلاقات المصريــة الإثيوبية ذروتهــا عام )1963( حين تأسســت «منظمة الوحدة الافريقية»، وبدأ ســؤال مقرها يتردد في أوساط القادة الأفارقة المؤسســن، الذين نالوا استقلال بلادهم بالفعل. سأل الإمبراطور الإثيوبي الزعيم المصري، إذا كان ممكنا أن تكون أديس أبابا مقرا للمنظمة الوليدة، التي أصبح اسمها في ما بعد «الاتحاد الافريقي» لم يتردد عبدالناصر بثقله الاســتثنا­ئي في حركة التحرير الوطني الافريقيــ­ة في حســم ذلك الاختيــار، بالنظــر للمصالح المصرية العليا عند منابع النيل. حسب حسنين هيكل، فإن\ عبدالناصر تعرض لعتاب مرير من صديقه الزعيم الغانى كوامــي نكروما، صاحب الدور الأكبر في بلورة مشــروع الوحدة الافريقية: «لماذا أديس أبابا وليســت أكرا؟». بعد عناء تقبل نكروما القرار وتفهم أســبابه، فهواه مصري، وزوجتــه مصرية، ويرى في عبدالناصــ­ر زعيما تاريخيا للقارة. قال السناوي: سألت الأستاذ هيكل: «لكن الأستاذ فائق لم يشــر إلى تلك القصة في ما كتب وروى». أجاب: «ربما لم يصل إلى علمه ما جرى من عتاب بين عبدالناصر ونكروما». بقوة الحقائــق التاريخية، كان اختيار أديس أبابــا مقرا للمنظمــة الافريقية، قرارا مصريــا صرفا. في أوقات الانعزال تراجعت مكانة مصر في قارتها وهمشــت أدوارها. من أســوأ ما يجرى الآن الاستثمار الإثيوبي في مقــر الاتحاد الافريقــي، كما لو كان ملكيــة حصرية، ضد مصــر. إذا لم يكن هناك ردع دولــي لإثيوبيا لاحترام حق المصريين والسودانيي­ن في الحياة، فإن قوانين الرياضيات ســوف تمارس فعلها، فلكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويضاده في الاتجاه.

الحقيقــة التــي توصــل لها مرســي عطــا الله في "الأهرام" أن الدبلوماسي­ة المصرية تعاملت مع المراوغات والمنــاور­ات والمماطــا­ت الإثيوبية خــال كل مراحل التفاوض مــع إثيوبيا حول أزمة الســد، بكفاءة مهنية عاليــة لم تتوقــف عند حــد مقارعة الحجــة بالحجة، وتعريــة كل دوافع الجــدل الذي انتهجتــه أديس أبابا أسلوبا لكسب الوقت، وإنما تجاوزت كل ذلك وأوضحت للمجتمع الدولي أن المســألة ليســت فقط مجرد تعنت وتصلب تفاوضي يمارســه المفــاوض الإثيوبي بخبث ودهاء، وإنمــا الأمر يتعلــق بما اســتحدثته مصر من مصطلح سياســي جديد اسمه دبلوماسية «سوء النية» لتوصيف الموقف الإثيوبــي، ومن ثم العمل على حرمان إثيوبيا من مواصلة الســعي لخلــط الأوراق، وتغييب الحقائــق خلــف ضبــاب الوهــم وســحب الأكاذيب! ولأن تعبيــر «ســوء النية» أدهشــني وأثــار إعجابي بالدبلوماس­ية المصرية، وقدرتها على توظيفه في تعرية الموقف الإثيوبي، فقد عدت إلــى معاجم اللغة بحثا عن المعنى الدقيق لهذا التعبير، فوجــدت أنه أدق توصيف للحالة الإثيوبية وتحديدا منذ مجيء أبي أحمد إلى سدة الحكم في أديس أبابا، بعد انتزاع جائزة نوبل للســام بالنفــاق والخداع إن «ســوء النية» فــي معاجم اللغة معناه هــو التذبذب في التفكير والنيــات، في ما يتعلق بالنفاق أو الغش أو الخداع، وقد ينطوى سوء النية على الخداع المتعمد للآخريــن أو على خداع النفس ذاتها، ثم إن مصطلح «سوء النية» يرتبط بمصطلح تذبذب النية، الذي يترجم «تذبذب الفكر» أيضا. وهنا ينبغي علينا أن ندرك ما هو مفهوم «سوء النية» في إطار الفهم الصحيح لمعنى كلمة «سوء» التي تجســد كل ما هو سيئ وقبيح، ولا شــك في أن العقول والنفوس الســيئة لا تستوعب النية الحســنة، التي يتعامل بهــا الآخرون معهم بروح المحبة والإخاء، والسعي إلى تجنب الخصام والعداء من نوع ما ســعت إليه مصر منذ البداية، بإبداء قبولها لحق إثيوبيا في التنمية. مصر وهــى تتحرك لصون حقوقها تشعر الآن براحة الضمير في أنها لم تترك سبيلا لتجنب الصدام إلا وسلكته.

فلنجمع شتاتنا

لــم يتوقع الكثيرون وفــق رؤية عمرو الشــوبكي في "المصري اليوم" أن تحســم جلسة مجلس الأمن قضية سد النهضة، ســواء صدر قرار يلزم إثيوبيا بعدم الملء الثاني أم لا، إلا أن استراتيجية «ما بعد الجلسة» يجب أن تختلف عما قبلها، فمهما كان شكل القرار الذي سيصدر من مجلس الأمن، فإن علــى مصر أن تكون مســتعدة لكل الخيارات والبدائل، التي قد تضطرها إلى الانتقال من السياســات إلى الأفعال الخشــنة. والمؤكد أن التعنــت الإثيوبي جاء ليغلق مرحلة السياسات الناعمة، ومراعاة حسن الجوار والنوايا الحســنة التي تبنتها مصر، منــذ توقيعها على إعلان المبادئ في 2015، وأعطــت لإثيوبيا الحق في بناء الســد كمشــروع تنموي بما لا يضر بمصالح دول المصب، وتحديدا مصر والســودان. وللأسف الشــديد لم تتفاعل إثيوبيا بشــكل إيجابي مع رســائل مصــر، وأصرت على تعنتها واســتهانت­ها بكل القواعد والأعراف الدولية، التي تنظم علاقة أنهار دولة المنشأ بدول الممر والمصب، وأصرت على الملء الأول للســد فــي العام الماضي، بــدون اتفاق مع مصر والســودان، ثــم عادت وبدأت فــي الملء الثاني الأسبوع الماضي.

قبل أن نحارب

انتهى عمرو الشــوبكي إلى أنه إذا قــرر مجلس الأمن العــودة إلى المظلة الافريقية فيجب أن لا ترفضها مصر من حيث المبدأ، كما يرى البعــض، لأن افريقيا هي عمق مصر الاستراتيج­ي، وموقع الحدث الذي تجري حوله مفاوضات السد الإثيوبي، إنما عليها أن تضع ثلاثة شروط أساسية لهذا القبول: أولها الجدول الزمني للمفاوضات، كما أعلن وزير الخارجية، والثانــي أن توقف إثيوبيا الملء الثاني، سواء بشــكل معلن أو ضمني، والثالث أن يدخل مراقبون دوليون، وأن يكون من بينهم ممثلــون عن أي من الدول الثلاث دائمــة العضوية في مجلس الأمــن، أي الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا. الموقف الروسي والصيني في جلسة الأمن لم يكن غريبا، وهو أمر يحتاج لمراجعة من جانبنا، بحيث يكون خطابنا السياسي والإعلامي متسقا مع تحالفاتنا الاســترات­يجية على المستويين الاقتصادي والعســكري، وهي حتى هذه اللحظة لاتزال مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أساسًا. أما خطوات التنسيق المصري السوداني فقد قطعت أشواطًا كبيرة حيث وضعتا التهديــد الوجودي الــذي تتعرضان له مــن قِبَل إثيوبيا فوق أي خلافات أو تباينــات حدثت في أعقاب الانتفاضة الســوداني­ة، وهو أمر يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة لصالح علاقــة قائمة علــى الاحترام المتبــادل والمصالح المشتركة. التحركات المقبلة لا بد أن تشرك قطاعات أوسع من النخب المصرية الموجودة في الغــرب، توضح للعالم المخاطر الجمة على 150 مليون مصري وســوداني، جراء الملء الثاني وتهديدهم بعطش مائي وبوار لأرض زراعية. تحرك مصر بعد جلسة مجلس الأمن على المستوى المحلي الشــعبي والإقليمي والدولي هو الذي سيجعل الأطراف الدولية الكبرى تقبل أو تغمض عينيها عن أي فعل خشــن تقوم به مصر تجاه السد.

بئس المجلس

سوف يكون مؤسفاً كما قال جلال عارف في "الأخبار"، أن يتهرب مجلس الأمــن من مســؤوليات­ه، وألا يتصدى بفاعليــة لأزمة ســد النهضة بتبني مشــروع القرار الذي قدمته الشقيقة تونس، لوقف الملء الثاني للسد، ولإعادة الحياة للمسار التفاوضي باشتراط مشاركة دولية فاعلة فــي التفاوض، وبتحديد ســتة شــهور للتوصل للاتفاق الملزم، الذي يحفــظ حقوق كل الأطــراف، وفقاً للقوانين الدولية. ســيكون الأمر مؤسفاً لأن تهرب مجلس الأمن من مسؤولياته لا يعني إلا أن يســتمر العبث الإثيوبي، الذي يمثل خطراً وجودياً على حياة شــعبي مصر والسودان، وهو ما يســتدعي بالضرورة الرد الحاســم والمشــروع الذي تتضمنه القوانــن والمواثيق الدولية، حين تتعرض لهذا التهديد الوجودي، وحــن لا يكون هناك بديل إلا أن تتولى بنفســها حماية حقها الأصيل فــي الحياة. وهو ما وضعته مصــر أمام مجلس الأمن بــكل وضوح. إن تهرب مجلس الأمن من واجباته لا يعفيه من المســؤولي­ة مطلقاً. والاختبــا­ء وراء ما جاء في ميثــاق الأمم المتحدة عن حل النزاعــات بالتفاوض المباشــر، أو عن طريــق المنظمات الإقليمية، هو بنص الميثاق نفســه خطــوة ابتدائية قبل عــرض النزاع علــى مجلس الأمن صاحــب الاختصاص الأصيل. وقد فاوضت مصر والســودان الطرف الإثيوبي لمدة عشــر ســنوات بلا نتيجة، لقد وضعنا قضيتنا أمام العالــم بكل وضــوح، وقلنا بكل حســم إن كل الخيارات متاحة لحماية حقوقنا المائية. لقد بذلنا كل الجهد من أجل تفادي الصدام ولا شك في أننا سنكون بعد معركة مجلس الأمن أمام مرحلة جديدة وحســابات مختلفة. ســتكون هناك بالقطــع مراجعة دقيقة لمواقف الــدول من صراعنا الوجودي. ولــن ينتظر مــن دعموا العــدوان الإثيوبي كثيرا ليدركوا أنهم أكبر الخاســرين. لقد أشــهدنا العالم على عدالة قضيتنا، وعرفنــا مواقف الأصدقاء والأعداء، وبقيت الحقيقة الأساســية: لدينا الحق، ولدينا ما نحمي به حقوقنا، رغم كل التحديــات، وحتى لو وضع «الكبار» مجلس الأمن خارج الخدمة.

لن نيأس

أكــد محمد فؤاد في "الوفد"، على أنــه بعد تعنت إثيوبيا في أزمة ســد النهضة ووصول المفاوضــا­ت معها إلى طريق مســدود، وإصرارها على تنفيذ الملء الثاني فإن قدرة مصر على مواجهة الأزمة مرتبطة بقــدرة المصريين على التكاتف خلف قيــادة الرئيــس عبدالفتــا­ح السيســي. نحن نثق بشــكل كامل في قدرة وحكمة وحنكة الرئيس السيســي، ومؤسســات الدولة في إدارة تلك الأزمــة، والعبور بمصر والمصريــن إلى بر الأمان، خاصة بعــد التزام مصر بأقصى درجات ضبــط النفس وتغليب المصلحة العامة، والســعي لاتفاق قانوني ملزم يتضمن المســاواة لكل الأطراف، ويلبي احتياجات الجميع. لم يكن هذا الطريق التفاوضى، قصيرا أو حديثــا، وإنما بدأت التفاوضات منذ عام 2011 بين الدول الثلاث )مصر والســودان وإثيوبيا( للوصــول إلى اتّفاق حول ملء وتشــغيل هذا السد، الذي يستوعب 74 مليار متر مكعب مــن المياه، وفي مــارس/آذار 2015، وقّع قادة الدول الثلاث في الخرطــوم اتفاق إعلان مبــادئ، بهدف تجاوز الخلافات، إلا أن إثيوبيا ما زالت تتعنت وتتعامل بلا مبالاة مع مصالح الــدول الأخرى. ولآخر لحظة تمســكت الدولة المصرية بالحلول السلمية والودية، وتقدمت بخطاب رسمي تشــكو فيه إثيوبيا لمجلس الأمن، للوصول إلى حل وسطي يضمن حقها في المياه ويمنع عنها الضرر، في الوقت نفســه الذي تتعنت فيــه إثيوبيا وتتعجرف ولا تنظر لمصلحة دول الجوار، وتصر علــى احتباس النهر ومنعه من الاندفاع إلى دول المصب. ولعل كلمة الوزير ســامح شكري أمام مجلس الأمن تؤكد حرص مصر على الحلول الســلمية لآخر لحظة، وهي مرفوعة الرأس، قوية، عزيزة، تســتطيع أن تدفع عن شعبها الخطر في أي لحظة، فمصر القوية لن تسمح بحدوث أزمة مياه، وعلى الشعب جميعه أن يطمئن بأنه تحت حماية رجال لا يعرفون الهزيمة.

بعد طول انتظار

بشــارة أخبر بها ســليمان جودة في "المصري اليوم": استيقظت الســياحة، قبل أيام، على شيئين، كلاهما يدعو إلى التفاؤل.. أمــا أولهما فكان قرار الســماح برفع معدل الإشغال في الفنادق إلى سبعين في المئة، وأما الثاني فهو قرار الرئيس الروسي بوتين رفع الحظر الروسي السياحي عن المنتجعات المصرية. القرار الأول يتدرج في رفع نسبة الإشــغال حســب الحالة مع كورونا، وفــي خطوة مقبلة ســوف يكون في مقدور فنادقنا أن تعمل بنســبة إشغال كاملة. والقــرار الثاني تأخر طويلا، ولكــن المهم أنه جاء في النهاية، فالقاعدة أن تأتي متأخــرا خير من ألّا تأتي.. وقد عاشت شرم الشــيخ تدفع ثمن جريمة لم ترتكبها منذ ســقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وكذلك عاشــت الغردقــة تدفع ثمن الجريمة نفســها، مع أنهما لا ذنب لهما في شيء. وطوال السنوات الست من يوم سقوط الطائرة وفرض الحظر بعد سقوطها إلى يوم رفع الحظر فــي 8 يوليو/تموز، لم يكن أحد قادرا على أن يفهم كيف يفكر صانع القرار الروســي، الذي راح يتصرف معنا كصاحــب مطعم كان يكتــب على واجهته هذه العبارة: الطعــام غدا بالمجــان.. كان الغد كلما جاء وجدنا أنفسنا في انتظار غد آخر، وثالث، وعاشر، ومئة، وألــف.. وإذا كان هناك درس فــي الموضوع فهو ألا نجعل السياحة عندنا أســيرة في قبضة سوق واحدة.. هذا هو الدرس الأهم في الســياحة الروســية العائدة.. ولا أحد قادر بالدرجة نفسها على اســتيعاب موقف صانع القرار الروسي من ســد النهضة في جلسة مجلس الأمن.. ولكن هذه قصة أخرى مُحيرة للغاية. اكد ســليمان جودة، على أنه إذا كان الأمن عنصرا حاكما في رواج صناعة السياحة في أي بلــد، فهو لدينــا متحقق والحمد للــه، ولكن زمن كورونا أضاف عنصرا آخر هــو موضوع اللقاح.. وهذا ما قصدته عندما أشــرت، إلى أن دبي تســتعد لاستقبال 25 مليون سائح في معرض «إكســبو 2020» أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لا لشــىء، إلا لأن الإمارات ركزت في إعطاء اللقــاح للغالبية من ســكانها ونجحت في ذلــك! وتلقى الكاتب رســالة من الأســتاذة جيهــان نورالدين، تقول خلالها إن التطعيم إذا كان مطلوبا بوتيرة أعلى بكثير مما هو حاصل حاليا، فإن الأولوية فيه لا بد أن تكون للمناطق الســياحية، وأن تتوجه قوافل التطعيم إلى شرم والبحر الأحمر والأقصر وأســوان، وأن يرتبط بقاء أعضاء طاقم الســياحة في عملهم بحصولهم على اللقــاح. هذه فكرة وجيهة تستحق أن يبادر إلى الأخذ بها صانع القرار لأنها كفيلة بطمأنة كل سائح يفكر في المجيء، ولكنه يخاف من شبح كورونا.. وإذا كانت أسواق السياحة حولنا تتخطف السياح، فالســاح الجديد في يدها هو اللقاح، ولا بد أن يكون حاضرا في يدنا لأن ســوق السياحة لدينا تحتاجه وتترقبه وتنتظــره، ولأنها بدونه لن تكــون قادرة على كسب المنافسة مع الأسواق المجاورة.

بعبع الثانوية

أحد المظاهــر المصاحبة لموســم الامتحانــ­ات، خاصة الامتحان الأهــم، امتحان الثانوية العامــة، وفق ما قاله الدكتور أســامة الغزالي حرب في "الأهرام" هو التقييمات الصحافية وكذلــك الآن تقييمات السوشــيال ميديا بأن الطلاب يشــتكون من امتحان كذا، أو أن الطلاب ســعداء لسهولة امتحان مادة معينة، أو انهيارات وبكاء الطالبات لمادة أخــرى وهكذا. والحقيقة أن هــذه التقييمات أحيانا ما تكون مبالغا فيها أو لا محــل لها على الإطلاق، بل ذات مغزى سلبي بالنســبة للثقافة العامة للمواطن. الامتحان بحكــم التعريف هــو أداة ليــس فقط لقياس المســتوى العلمي للطالب، بــل أيضا لقياس التفــاوت بين الطلاب وبعضهم بعضاً. ولذلك فإن من المنطقي تماما، والســليم تمامــا، أن يكون امتحان مادة ما ســهلا، أو حتى شــديد الســهولة لبعض الطلاب، وأن يكون هو نفســه صعبا أو شديد الصعوبة بالنسبة لطلاب آخرين، وأحد التعبيرات الشــائعة هنا هو عبــارة أن الامتحان جاء في مســتوى الطالب المتوســط، إن المعنى الســليم لهــذه العبارة أن الطالب المتوســط لن يرسب فيه، وإنه سوف يحصل على نتيجة متوســطة )70%( مثلا، أما إذا كان ذلك الامتحان يســمح للطالب المتوســط بالحصول على 95% مثلا، أو أنه ســوف يرسب فيه، فتلك ـ في الحالتين- خيبة كبيرة. في هذا الســياق فإنني هنا أشيد بعبارتين قرأتهما مؤخرا منســوبتين لوزير التعليم الدكتور طارق شوقي، أولاهما إننــا يجب أن ننســى ثقافة الحصول علــى 100% وإنه ينبغي التركيــز على مراكز متقدمة حتى لو كانت نســبة 80%. هذا كلام رائع، وأرجو أن يكون فعلا بداية للإقلاع عما اعتبره تقليعة الـــ 100%. والعبــارة الثانية قالها الوزير ردا على الشــكوى من طول امتحان اللغة العربية، وقلة الوقت المتاح له بأنه: لــو افترضنا أن هناك امتحانا صعبا أو طويلا... فإن حقيقة أنه معمم على الجميع تجعله صالحا كامتحان...هذا كلام سليم تماما.

تداووا عباد الله

من المشــروعا­ت الضخمة التي تبناها مؤخرا الرئيس السيســي في ما يتعلق بالصحة العامــة للمواطنين، كما أشار المستشار بهاء أبو شــقة في "الوفد"، مرض الضمور العضلي الذي يصيب الأطفال. وقال إن الدولة ســتتحمل تكلفة عــاج مرض الضمــور العضلى للأطفــال حديثى الــولادة، التى تبلــغ 3 ملايين دولار لكل طفــل، مؤكدا أن هذه المشكلة الإنسانية كانت محل اهتمام كبير من الدولة المصرية، بســبب المعاناة التــي تتحملها الأســر لفقدان أطفالها )مرضــى الضمور العضلــي(، وبالتالي تحركت الدولة ووقعت اتفاقا مع عدة شــركات عالمية متخصصة لعلاج هذا المرض. وقال الرئيس إن الدولة ستبدأ بالكشف عن هــذا المرض لجميــع الأطفال، حتى يتم التشــخيص والعلاج مبكرا، وســنبدأ بالحالات العمرية من 6 شــهور وحتى 12 شــهرا، لأن العلاج في هذه الحالة سيستجيب بسرعة، مشيرا إلى أنه بعد أن يتجاوز الطفل عمر السنتين تكون عملية علاجه صعبة، وفــى حالة تقدم العمر تزداد صعوبة العلاج كثيرا. وطالب الرئيس السيسي، منظمات المجتمع المدني بالمشــارك­ة والمساهمة في هذا المشروع، من خلال صندوق تحيا مصر، لافتا إلى أن تكلفة علاج الطفل الواحد تبلغ 3 ملايين دولار، وإذا تم علاج عشــرة أطفال ستكون التكلفة 450 مليون جنيه مصرى. وأوضح أن هذا الموضوع كان محل استغاثة من أم أو من أسرة عندها طفل يعاني أو طفلة تعاني من هذا المرض، مشــيرا إلى أنه رغم أن التكلفة كبيرة جدا علينا، بل إن كثيرا من دول العالم لا تستطيع أن تتصدى لعلاجه، إلا أننا قفزنا قفزة جيدة في هذا الموضوع بمساعدة الله ســبحانه وتعالى، في إيجاد حل لمعاناة هذه الأسر، لأنه من الصعب أن نرى أماً تشاهد ولدها وهو يضيع منها. وأكد الرئيس السيسي على أنه لن يسمح بأن تتخلف مصر عن طريق مواجهة مرض الضمور العضلي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom