Al-Quds Al-Arabi

ليس كل من تَمرَّد على العَمود قدَّم لنا شعرا حديثا

- حاوره: مروان ياسين الدليمي

□ مفهوم الشــعر تغيــر كثيرا عن وجهــة النظر التقليدية، بالتالي تغيرت المصطلحات التي تدور في فلك الشعر، الســؤال: أين أنت من مصطلحي النص والقصيدة؟

■ إذا كنــت تعني بالقصيــدة )القصيدة العمودية ذات الشــطرين وقصيدة التفعيلــة( وموقفي منهما، فأنــا ما زلت أكتب هذين النمطــن، فضلاً عن كتابتي للنصــوص، والذي يهمني في هذا الأمر: هل ما أقدمه من نتاج فيه مســتوى من الشــعرية أم لا؟ ففي نمطي الشــعر )العمودي والتفعيلي( هناك اشــتراط الوزن والقافية بالنسبة للشــعرالع­مودي، والوزن لقصيدة التفعيلــة، فضلا عــن الصور والانزياحـ­ـات، وكل ما له علاقة بجماليات الشــعر، أما فــي النص، الذي هو وكما وصفــه أدونيس )التعبير شــعريا بالنثر( فإن الأمــر يختلف، فكتابــة النص هي الأصعــب لديّ، لما فيها من محاذير، لأن بعض النصوص قد تتحول إلى

شــبيهة بالشعر المترجم، أو الخاطرة، أو غير ذلك من أنمــاط الكتابة النثرية فهنا هي )لعبة تنس بافتراض وجود الشبكة(.

□ الشــعر الحديث، خاصة النماذج التي تمردت على العمــود والتفعيلة، طرحت نصوصا جديدة في رؤية الشــعر للغة والأشياء، كيف تنظر إلى العلاقة المتبادلة ما بين النص الشعري والمتلقي؟ وأين يمكن أن يلتقيا ويفترقا؟

■ ليــس كل مــن تمــرد علــى العمــود والتفعيلة، استطاع أن يقدم لنا شعرا حديثا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، فهناك من وقع بتقليد نصوص من سبقه، ولم يكتــف بذلك، بل تبنى حتى آراءه النقدية، أما العلاقة المتبادلة فهي ســتكون وفقا لما ســيكون عليه النص، يلتقيــان إذا كان النص فعلا يشــكل إضافة للمتلقي، ويفترقان إذا لم تتحقق تلك الإضافة.

□ كيف تفــرق بين الشــعر عن غيره مــن الذي يعلنون في حالة نشره أنه شعر؟

■ أنــا أفرِّقُ من خلال فهمي للشــعر الــذي قرأته وكتبتــه وعشــته، ولــديّ مجسّــاتي الخاصــة التي تكتشف شــعرية النص من عدمها. فالإعلان عن كون المسمى شــعرا لا يكفي، فأنا مثلا أشير إلى ما أنشره في حالة كونه نصا أو قصيدة .

□ هل يمكن للشاعر أن يكون مبدعا إذا أنتج نصا في قالب ابتدعه غيره؟

■ سبق أن أشــرت إلى الأنماط الثلاثة التي كانت ومــا زالــت مركبا للشــعراء جميعا، فنمــط القصيدة العموديــة التي كتبها المتنبي، هو النمط نفســه الذي كتبه أبو تمام من حيث الوزن والقافية، لكن الاختلاف هنا في الأســلوب، أما القالب فهو نفسه. يا ترى هل في مثل هذه الحالة يمكن إلغاء أحد هذين الشــاعرين الكبيرين؟ والمثال نفسه ينسحب على محمد الماغوط وســليم بركات والبياتي والســياب، فالبياتي يكتب قصيــدة التفعيلة وبدر يكتبها، لكــن لكل واحد منهما أسلوبه، وهكذا الحال مع غيرهم من الشعراء.

□ مــاذا تريد من اللغــة الشــعرية أن تؤكده أو تتجاوزه في النص الشعري في علاقتها مع الأشياء والعالم؟

■ الشــاعر الحقيقي هو حفّــار دقيق في ما يتعلق باللغة، وهــذا الأمر لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو محصلة لســني عمره كلها، بشــرط أن تقترن العملية بالوعي والاجتهاد، وهذا ما أحاوله منذ سنين. وفي وسطنا هناك من يُنَظّرُ لهذا الأمر، من دون تحقيق أي شيء على مستوى المنجز.

□ في إطار العلاقة بين المتلقي والشــعر، ما الذي تجده ضروريا لكــي تحصل عملية تذوق الشــعر، سواء من قبل الشاعر أو المتلقي؟

■ مــن قبــل الشــاعر، عليــه أن لا يُســرف فــي الغموض، ولا يكتب بالطريقة التي كتب بها مالارميه شــعره، والبعض من الشــعراء تكون الأفكار غامضة لديــه، فنــراه يقــود المتلقي إلــى دهاليز لا يــرى فيها أي نهاية أو كشــوفات ما. الشــاعر صانــع للجمال، فعليــه أن يقدمــه بجمال. وربما لهذا الســبب نجد أن متذوقي الشعر العمودي والتفعيلي ما زالوا يشكلون الأكثرية.

□ انطلاقا من كونك شاعرا، ما شكل العلاقة التي تجمعك مع التراث الشعري العربي؟

■ علاقتــي بالتــراث قديمــة وقراءاتــي لــه غيــر منقطعــة، وهــو تــراث كبيــر، وتعاملــي معــه ليــس بالطريقــة التقليدية، بل استشــراف ما يشــكل دفقا لــي بصياغات ورؤية جديدتين، وهنــا أتذكر ما فعله الروائــي نيكــوس كازانتزاكي في روايته «المســيح» بحيث أصبح مســيحه ذا مســحة نيكوســية، أحيانا ألتقــط أشــياء من التــراث لــم ينتبه إليهــا الآخرون، عندما تتضمنها نصوصي، فالتعامل مع التراث ليس

رصفا لأسماء بارزة فيه.

□ بمــاذا تعلق علــى ما قاله أدونيــس في حوار ســبق أن أجري معه عام 1988 في جريدة «الأخبار» القاهرية إن )الذين يكتبون اليوم شــعرا له شــكل الأوزان القديمة لا يقدمون شــعرا على الإطلاق، إنما يقدمون تشكيلات تقليدية ليس فيها لهب شعري(؟

■ هذا ما قاله أدونيــس قبل أكثر من ثلاثين عاما، لكنه ـ وبعد سنوات ـ غيّر من آرائه ولا ننسى بأنه كتب قصائد عمودية، لاسيما لأصدقائه في الخليج، أي أن أساســه كان عموديا، وربما كان لهذا الأســاس دوره الكبير في منجز أدونيس الحديــث، على العموم فأنا أخالفه الرأي في ما تطرق إليه.

□ ما بين البداية وما أنت عليه الآن، ما الذي يمكن أن تحدده من تغيرات حصلت في تجربتك الشعرية؟

■ هــذه التغيرات هي مــن مهمة النقــد، الذي ربما سيشــير إليها، أما أنــا فبتقديري أن هنــاك تغييرات حدثــت فــي شــعري علــى مســتوى الرؤيــة والثراء اللغــوي، الــذي ترك أثره فــي بناء القصيــدة والنص النثري والمسرحي.

□ أنت لم تكتف بالشعر وذهبت إلى المسرح وإلى الكتابة للطفل، فهــل كانت هذه المغامــرا­ت محاولة لاكتشــاف مناطق جديدة للتجربة الشــعرية، أم أن الأمر مرتبط بالســعي لاكتشــاف الــذات في حقول إبداعية ليس لها علاقة بالشعر؟

■ نعم كلها كانت محطات لاكتشاف عوالم جديدة للكتابة، وأنا لســت الوحيد في هذا فالشــاعر ت. أس أليــوت بعــد كتابته لقصيــدة )الأرض اليبــاب( كتب مسرحية )جريمة قتل في الكاتدرائي­ة( وهناك الكثير من الشعراء كتبوا الرواية. أحيانا تزدحم الأفكار في رأسي فأبحث لكل فكرة عن شكل يليق بها.

٭ ٭ من اصداراته الشعرية : «موسيقى لردم الحزن» دار الشــؤون الثقافيــة العامــة ـ بغــداد 1999. «بلقيــس تبحــث عن ســبأ» دار شــهد - الموصــل 2006. «قريب.. بعيدون» سلســلة نــون ـ الموصــل 2010. «لا أحد ينتظر القادمــن» دار الديار للنشــر والتوزيــع ـ الموصل 2013. «خرائــط المعنــى» دار المرايــا للطباعة والنشــر- بغداد .2016 «ليل أطول» دار الينابيع سوريا 2017. «وبعد...؟» دار الينابيــع ـ ســوريا 2021. «ربمــا حــن يجــيء» )مسرحيات( دار نون/الموصل 2020 .«الموجة الجديدة» )مجموعــة مشــتركة( دار الشــؤون الثقافيــة العامة - بغداد. «أغنيات الحرب»(مجموعة مشــتركة( مؤسســة جامعــة الموصــل للطباعة والنشــر. «قراءة عســيرة في قريــب.. بعيــدون» البروفيســ­ور إيــاد العبــار/ دار نون للطباعــة والنشــر/الموصل 2017. «ربمــا حــن يجيء» )نصوص مســرحية( دار نون للطباعة والنشر/الموصل 2019. وله في التاريخ: «الحنيفية والأحناف عند العرب» دار الموسوعات العربية - بيروت 2014. «عمرو ابن معد يكرب الزبيدي» فارســا وشاعرا) تحت الطبع (. وله في أدب الطفل: «أحكي لكم»(مجموعة شعرية(.

 ??  ?? هشام عبد الكريم
هشام عبد الكريم

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom