Al-Quds Al-Arabi

... وصناعة العقيق تواجه مصاعب الحرب والمنافسة والتزييف

-

■ صنعاء - الأناضول: على الرغم من شهرته الســابقة اســتخراج وتصنيع العقيق، يواجه اليمن خطر تراجع هذا النشــاط الذي كان يوفر سبل الرزق لأعداد كبيرة من السكان.

والعقيق حجر ثمين يستمل ليس فقط لتصنيع الحلي، وإنما أيضاً لتزيين الخناجر التي يفتخر بها الرجال اليمنيون.

وتتركز هذه الصناعة العريقة في «سمســرة النحاس» وهي مجموعة من المحلات أو الدكاكين صغيــرة يمتلكها النحاســون والذين يصنعون الأدوات النحاسية، وسط المدينة التاريخية في العاصمة صنعاء.

ومع أن الرجال يسيطرون على هذه الصناعة إلا أن امــرأة اســمها منــى علــي اقتحمت هذه الصناعة، حيــث تأتي كل يوم إلــى مركز نحت وصياغــة الأحجار الكريمة في مركز «سمســرة النحاس» كي تتمكن من مســاعدة زوجها الذي فقــد عمله بســبب الأوضــاع الراهنــة وتلبية حاجات أسرتها المكونة من خمسة أفراد.

تمكنت هذه السيدة من اكتساب مهارة عالية في نحــت وصياغة الأحجار الكريمــة التي يتم جلبها إلــى المركز بأحجام مختلفــة وإخضاعها لعدة مراحل إلى أن تصبح جاهزة.

وتمارس هــذه الســيدة حرفتهــا بالطريقة التقليدية وتشــرح عملها بالقــول «بدايةً، نأخذ قطة حجر ونقوم بتقطيعها إلى شرائح بالمنشار، ومن ثــم ننتقل إلى المرحلــة الثانية، وهي جلخ الفص )شرائح الحجر)».

وتســتمر منى فــي عملهــا، علــى الرغم من معارضــة المجتمع، بســبب طبيعة المــكان الذي يرتاده الرجال ولكونها تمارســه بطرق بدائية وباستمال أدوات حادة وخطيرة قد لا تقوى على ممارستها امرأة.

تقــول منــى «واجهتنــا صعوبــات، ولكننا تجاوزناهــ­ا واســتمرين­ا في العمل واشــتغلنا بنجاح، واســتطعنا إثبات وجودنا كنســاء في شغل العقيق والأحجار الكريمة».

ويُســتخرج العقيــق اليماني مــن جبال في اليمن، بطريقــة يدوية وجهد ذاتــي عن طريق الحفر من جانب المواطنــن، قبل أن يتم تحويله إلى مصوغات وخواتم وأحزمة وسلاسل للزينة للرجال والنساء.

إلــى جانب منــى، يعمل في المركــز حرفيون آخــرون، مثــل مجاهد الآنســي، رئيس قســم الأحجار الكريمة وشــبة الكريمة في المركز الذي يحتضن هذه الصناعة منذ عقود طويلة.

ويُعد الآنســي من المناضلين القدامى في هذا العمل، على الرغم من شــح الدعــم والإمكانات. وهو متعلق بهذا الحجر «روحياً» لكون أســرته توارثت هذه المهنة أباً عن جد.

يقــول مجاهد «لدي شــغف فــي الحرفة منذ الصغر، وقد طوّرتُ مهارتــي من عملية التنقيب والاســتخر­اج إلى عملية الشــغل والتجهيز في المعمل. وكذلك قمت بعمليــة التدريب والتأهيل، فأنا أعشــق هذه الحرفة لأنهــا حضارة وتاريخ وتراث مرتبط بحضارة الأجداد القدامى.»

ويرى أن عملية اكتشاف واستخراج الأحجار الكريمــة وإنتــاج أشــكال جديدة تتم بشــكل عشوائي في البلاد، ولا تخضع لقواعد أو قوانين علمية أو حتى فنية.

ويشير إلى أن «عملية استخراجها، وتجهيزها وتسويقها، تتم من دون رقابة من جانب المعنيين وذوي الخبــرة والدرايــة بطرق الاســتخرا­ج الصحيحة والآمنة .»

ويقول «ثمة ضــرورة قصــوى لوجود جهة رسمية تنظم هذه العملية، ســواء كانت وزارة الثقافة أو هيئة المعادن والمســاحة الجيولوجية أو أي جهــة أخرى تمثل الدولة فــي إطار ضبط الجودة والمنتج والمحافظة على مستواه.»

وعلى الرغم من شــهرة اليمن بتميز عقيقها، فإن عملية إنتاجه وتجارته تدهورت بشكل كبير

منى علي وزميل لها في مشغل لتصنيع العقيق في صنعاء

بسبب الحرب التي دمرت الاقتصاد اليمني وأدت إلى توقف السياحة الداخلية وكذلك الخارجية، وتضاعفــت تكاليــف اســتخراجه وصناعته، وباتت تجــارة الحجر الكريم ضئيلة ومحصورة داخلياً.

يشــكو يحيى جابر الشــيخ، وهو من أوائل الحرفيين في مركز «سمسرة النحاس» من تردي الطلــب على العقيــق اليماني، مقارنــة بما كان ســابقا قبل الحرب التي أدت إلــى انقطاع توافد السياح.

كما أن اســتيراد الأحجار الكريمة المزيفة من الخارج كان له تأثير على تجارة العقيق اليماني الأصلي الطبيعي، وفق تعبير الشيخ،

الــذي يضيــف «إذا أردت ترويــج عملــك وإنتاجــك، لا تجــد من يقــدر أو يثمــن قيمته ويشــتريه، كما كان ســابقا من جانب السياح العرب أو الأجانب، بعدمــا أغلقت الحرب المنافذ وأعاقت تصدير العقيق إلى الخارج.»

ويعبر تاجــر الأحجار الكريمــة يحيى جابر الشــيخ واحداً من عشرات التجار الذين لا زالوا يكافحون من أجل مواصلة فتــح متاجرهم بعد أن أغلقت عشــرات المحلات الأخرى أبوابها عقب

إفلاسها وعدم قدرة مالكيها حتى على دفع إيجار المحلات.

وتختلــف أنــواع العقيــق من حيــث الثمن والجــودة، اعتمــادا على اللون الجــذاب الذي يعطي الحجارة قيمة أعلــى، فضلاً عن ارتباطها ببعض الأســاطير التي تزعم بأنه يجلب الرزق ويعزز الثقة بالنفس لمن يحمله.

وفي حي «باب اليمن» داخــل المدينة القديمة فــي صنعاء، لا تــزال تجارة العقيــق قائمة في الكثير مــن المحلات التجاريــة، المليئة بأصناف مختلفة منــه. وبعدما كانت هــذه المحلات، قبل ســنوات، مزاراً مهماً للســياح من أنحاء العالم، باتت تقتصر الآن على المتسوقين المحليين.

ويرى تجار وبائعو العقيق اليماني والأحجار الكريمة الأخرى أن الحرب أثرت بشكل كبير على كل العاملــن في مجال صناعة العقيق وتجارته، ولم تعد كما كانت عليه قبل الحرب.

ويشهد اليمن حربا منذ أكثر من ست سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 في المئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom