برحيل أحمد جبريل: هكذا «تودع» إسرائيل أحد مؤسسي المنظمات «الإجرامية» في القرن الماضي
■ في الأســبوع الماضــي توفي في دمشــق كبير المخربين، أحمد جبريل، الذي أســس وقاد منظمة الجبهة الشعبية – القيادة العامة، إحدى المنظمات الأكثر إجرامية بــن منظمات الإرهاب التــي عملت ضــد إســرائيل في الســبعينيات والثمانينيات. وقــد توفي وفاة طبيعية عن عمر يناهز الـ 83 ســنة، وإن كان ابنــه، جهاد، الذي كان ســيرث مكانه في قيادة المنظمة، اغتيل في لبنان عام 2002، على أيدي إسرائيل أغلب الظن.
مع وفاة جبريل، يرحل أحد آخر جيل مؤسسي منظمات الإرهاب الفلسطينية، والذي تبنى وقاد كفاح إرهاب دون هوادة حيال إســرائيل. عملياً، فضلاً عن رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، ورئيس الدائرة السياســية لـــ م.ت.ف فاروق القدومــي، لم يتبــقَ أحد آخر من تلــك العصبة من الشبان الفلســطينيين الذين اختاروا طريق الكفــاح والإرهاب في بداية الســتينيات، ولكن نهايتهم أنهم وضعوا الفلسطينيين في طريق بلا مخرج، والذي يجدون أنفســهم فيه حتى أيامنا هذه.
كانــت منظمة جبريل مســؤولة عــن تفجير طائرة "سويس اير" في شباط 1970 والتي كانت في طريقها إلى إسرائيل، وقتل مسافروها الـ 47. في أيار من تلك الســنة قتل 9 من أطفال "أفيميم" الزراعية وثلاثة راشــدين آخريــن، بنار رجال المنظمة نحو الباص الذي يقلهم. في نيسان 1974 قتــل مخربون من المنظمة 16 من ســكان "كريات شمونة"، بعضهم في شققهم، إلى جانب جنديين إســرائيليين آخرين. وأخيراً في تشرين الثاني 1987 تسلل مخرب من المنظمة في طائرة شراعية إلى أراضي إسرائيل وقتل ثلاثة جنود، في حدث عرف كـ "ليلة الطائرات الشراعية". ولاحقاً زعم أن العملية ساهمت في إثارة الخواطر في أوساط الفلسطينيين، وإلى اندلاع الانتفاضة الأولى.
اختار جبريل -وهو الــذي خدم في الجيش السوري واكتســب خبرة في اســتخدام المواد المتفجرة- أن البقاء في ظل الســوريين، وأصبح مقاول عمليــات في خدمتهم. وأتاحت له الرعاية الســورية أن يأســر ويحتجز ثلاثــة جنود من الجيش الإســرائيلي ممن ســقطوا في يديه في لبنان بعد حملة "ســامة الجليــل". وفي الصفة المعروفة بـ"صفقة جبريل"، حررت إسرائيل لقاء أسراها 1.150 مخرباً.
وكانت تلــك ســنوات ذروة أحمــد جبريل، والتــي أصبح بعدهــا غير ذي صلة بالســاحة الفلسطينية. وتبعاً لإملاءات دمشق، ركز نفسه في أوساط مليون فلسطيني يعيشون في سوريا ولبنان، وفقد كل صلة واتصال بالواقع في يهودا والسامرة وغزة.
كان جبريل في السنوات الأخيرة مشاركاً غير
مرة في إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية، وأحياناً من الأراضي الســورية، نحو إسرائيل. ولكن الجيش الإســرائيلي اكتفــى بتصفية تلك الخلايــا التي أطلقــت الصواريخ ولــم يلاحق جبريل الذي لــزم بيته في دمشــق، وظل عديم التأثير ومصــدر قلق أكثر منه تهديداً حقيقياً. أما ابنــه جهاد، الذي تحدد كخليفــة لأبيه، فقد دفع الثمن كما أسلفنا، حين اغتيل في لبنان في العام .2002
إن قصة جبريل قصة جيل من الشــبان الذين قادوا الفلســطينيين في القــرن الماضي، اختار طريــق الإرهــاب وجلــب عليهم المصيبــة تلو الأخرى.
عملياً، وكالة الغــوث الأونروا هي التي أبقت المشــكلة الفلســطينية حيــة ترزق، وســمحت للفلســطينيين بتمويل دولي ســخي، والإبقاء على مكانــة اللجــوء وتقدم تعليم ومســاعدة اقتصاديــة. إلى جانب ذلك، تجدر الإشــارة إلى أن حكومة إســرائيل وقعت مع م.ت.ف في العام 1993 على اتفاق أوسلو، و"رفعتها عن الأرضية" التي كانت ملقاة عليها. والآن، حانت ساعة جيل فلســطيني شاب، يختار قســمه الأكبر مواصلة طريق الإرهاب، وإذا ما واظب على ذلك فسيعمق الطريق المسدود الذي يقف فيه الفلسطينيون.