Al-Quds Al-Arabi

غضب في العراق بعد مقتل وإصابة العشرات في حريق مركز لعزل مصابي كورونا

الكاظمي يعد بكشف نتائج التحقيق في أسبوع: لن نتسامح مع الفاسدين

- من مشرق ريسان:

دخل العراق، أمس الثلاثاء، في حدادٍ رســمي مدّة ثلاثة أيام، إثر سقط نحو 200 شخصٍ بين قتيل ومصاب ومفقود، جراء حريقٍ نشب في مركزٍ للعزل الصحي للمصابين بوباء كورونا في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار الجنوبية (360 كم جنوب العاصمة( خلّف أضراراً مادية أيضاً.

ووقع الحادث عند منتصف ليلة الاثنين/ الثلاثاء، عندما شــبّت النيران في مركز «النقاء» التابع لمستشــفى الحسين التعليمي - إحدى المؤسســات الصحية المنضوية في وزارة الصحة الاتحادية ـ وســرعان، ما امتدت لتأتي على المركز بالكامل.

قال مســؤولون في قطاع الصحة إن عــدد قتلى الحريق وصل إلى 92 .

وأضافوا أن أكثر من 100 شخص، من المرضى والزائرين، أصيبوا.

تضارب روايات

وتضاربت الروايات بشــأن السبب الرئيسي المؤدي إلى نشوب النيران.

مدير الدفــاع المدني في محافظة ذي قــار، العقيد صلاح الحســناوي، قــال إن ســبب حريق مستشــفى الحســن التعليمي، هو «انفجار منظومة الغاز، التي أشــعلت النيران فــي الموقع المحيط بها، ما تســبب بتمدد النيــران إلى بقية أجزاء المستشفى».

فيما قالــت صحة ذي قار في بيــان مقتضب، إن «حريق مستشفى الإمام الحسين ناجم عن عدم التعامل الصحيح مع قناني الأوكسجين».

غير أن مصدراً صحيّاً يعمل في المستشــفى أبلغ «القدس العربــي» أن الحريــق اندلع في قســم المنتســبي­ن المجاور لردهات العزل في «مركز النقاء».

وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشــف عن هويته، إن السبب الرئيسي للحريق هو احتراق سلك كهربائي مرتبط بجهاز تكييف في إحدى غرف المنتسبين داخل المركز» مبيناً أن «المواد المســتخدم­ة في بنــاء المركز )ألواح البلاســتي­ك وقواطع العزل في الجدران والسقوف( ساعدت على انتشار النيران في عموم المركز بدقائق قليلة».

وأوضح أن المركز يســتوعب 70 ســريراً، تم إنشاؤه قبل نحو 7 أشهر بعد زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا في المحافظة، وعدم قدرة المستشــفى على اســتيعاب المزيد من الحالات.

وأشار إلى أن هناك مركزاً آخر باسم «الشفاء» بسعة 100 سرير، أنشــأته العتبة الحسينية، مخصص أيضاً لاستقبال المصابــن بكورونــا، موضحــاً أن «مركز الشــفاء ومبنى مستشفى الحسين التعليم لم تتضرر بفعل الحريق».

جثث متفحمة

وقال مدير فرع الهلال الأحمــر العراقي في ذي قار، عامر حميــد وفق البيــان، إن «فرق المتطوعين ســارعت إلى نقل الجرحى في سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر بوقت سريع من نشوب الحريق، وتمكن المتطوعون من علاج عدد من الحالات ميدانيا قبل نقلهم لتلقي العلاج في المستشفيات الأخرى .»

كما نقلــت الجمعية أكثر من )21( مــن جثامين الضحايا المتفحمة على أسرة المستشفى، حسب البيان.

وتابع: «يصف العاملــون في الميدان آثــار الدمار الذي ســببه الحريق بالكارثي إذ أدى انهيار سقف المبنى إلى دفن الضحايا تحت الأنقاض، ويتوقع المتطوعون وجود )10( من جثامين الضحايا ما زالت تحت الأنقاض.»

وقال نور الدين أحمد المنســق الصحي في الهلال الأحمر العراقي إن «فرق الجمعية تســعى جاهدة من أجل انتشال جثــث الضحايا من تحت الأنقاض، فيمــا تواجه صعوبات كبيرة في عملية البحث لإنهيار المبنى بالكامل.»

وختــم بالقــول: «نتيجة لنقــل المرضــى الراقدين في مستشفى الحســن إلى مستشفيات المدينة الأخرى تزايدت الاحتياجــ­ات للأجهــزة والمســتلز­مات الطبية لإســعاف المصابين وعلاج المرضى وفرت الجمعية معدات ومستلزمات طيبة لمستشفى الحبوبي الذي اكتظ بالمراجعين من المصابين بكوفيد 19 والجرحى .»

وأشار إلى أن «الجمعية وفرت بعض المستلزمات الطبية الضرورية لمستشفى الحبوبي منها أجهزة اعطاء اوكسجين واجهزة قياس السكر ومحارير طبية بغية إسناد المستشفى في عملية تقديم الخدمات الصحية للمراجعين والجرحى.»

وفور وقــوع الحادث، قــدّم مدير صحــة ذي قار صدام الطويل، استقالته رســمياً من المنصب، قبل أن تكلّف وزارة الصحة سعدي الماج بتولي المنصب.

كمــا أصدرت محكمة اســتئناف محافظــة ذي قار أوامر قبض بحق 13 مســؤولا في مديرية صحــة المحافظة، بينهم مدير عام الدائرة.

ووفق بيان صــادر عن محكمة تحقيــق النزاهة في ذي قار )تتبع مجلس القضاء الأعلى( فقــد صدر «13 أمر قبض بحق مســؤولين في دائرة صحة المحافظــة ذي قار، بينهم مدير الدائرة صدام الطويل، وذلك على خلفية الحريق الذي اندلع في مستشفى الحسين التعليمي» حسب وكالة الأنباء الرسمية )واع(.

يأتي ذلــك على خلفية عقد رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المســلحة، مصطفى الكاظمي، اجتماعاً طارئاً للوقوف على تداعيات الحريق.

وقال مكتب الكاظمي في بيان، إنــه «عقد اجتماعاً طارئاً ضم عدداً من الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية؛ وذلك للوقوف على أسباب حادثة حريق مستشفى الإمام الحسين في محافظة ذي قار، ومعالجة تداعياتها».

وخرج الاجتماع بجمّلة قــرارات من بيها «البدء بتحقيق حكومي عالي المســتوى، للوقــوف على أســباب الحادثة وتوجه فريق حكومي فورا إلى محافظة ذي قار من مجموعة من الوزراء والقــادة الأمنيين لمتابعة الإجــراءا­ت ميدانياً» حســب البيان. كما قرر المجتمعون «ســحب يد وحجز مدير صحة ذي قار، ومدير المستشــفى، ومديــر الدفاع المدني في المحافظــة وإخضاعهــم للتحقيق أعــاه، وتوجيه مختلف الوزارات بإرســال مســاعدات طبية وإغاثيــة عاجلة إلى محافظة ذي قار».

وقرر الاجتمــاع أيضاً «اعتبار ضحايا الحادث شــهداء، وإنجاز معاملاتهم فورياً، وتســفير الجرحى الذين حالاتهم حرجــة إلى خارج العــراق، وإعلان الحداد الرســمي على أرواح شهداء الحادثة».

وفي الأثناء، أعلن الكاظمي، أن نتائج اللجنة التحقيقية الخاصة بفاجعة الناصرية ستعلن خلال أسبوع واحد.

خلل بنيوي

وقال خلال جلســة مجلس الوزراء، عُقــدت أمس- إن «المســؤولي­ة تتضاعف بتكرار هذا النوع من الفواجع خلال الأشــهر الماضية، والتــي تتزامن مع أزمــات كبيرة بعضها طبيعي مثل الأزمــة الاقتصادية، وبعضهــا بفعل فاعل مثل ضرب أبراج نقل الطاقة وتعطيل الشبكة الوطنية، ومحاولة البعض زعزعة الأمن الداخلي ونشــر الفوضى والشــكوك ومنع مضي القرار الوطني العراقي».

وأشــار إلى أن «حادث يوم أمس يؤشــر خلــاً بنيوياً فــي الهيكلية الإدارية للدولة العراقية، حيث إن تشــخيص الأخطاء لا يتم توظيفــه ولا متابعته، ويذهــب المواطنون ضحايا» مؤكداً «الحاجة لإطلاق عملية إصلاح إداري شامل، وأهــم خطوات الإصــاح هو أن نفصل العمــل الإداري عن النفوذ السياسي».

وشدد على أن، «لن نتســامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بأرواح المواطنين أياً كانت صفاتهم أو انتماءاتهم» لافتاً إلى أن «قدمنا إلى مجلس النواب الموقر مرشــحنا لشغل منصب وزير الصحة بديلاً عن الوزير المستقيل، وننتظر من الإخوة في مجلس النواب حســم هذه القضية؛ لمنع استمرار وزارة الصحة بالعمل من دون وزير لمدة طويلة».

وتابع: «شكلنا في وقت متأخر من يوم أمس )الأول( لجنة عالية المســتوى للتحقيق بفاجعة مستشفى الإمام الحسين وســتعلن نتائجها خلال أسبوع، وســوف يحاسب المقصر والمتلاعب بأرواح العراقيين حساباً عسيراً وفق القانون».

وختــم أن «خطوات الإصــاح ومحاربة الفســاد التي تتخذها الحكومة تواجه عرقلــة ممنهجة وهجمات إعلامية مع كل محاولــة للتقدم إلــى الأمام؛ والهــدف هو إجهاض الإصلاح، وتشــويه صورته؛ لكننا ماضــون باتجاه هدف خدمة شــعبنا». في ذي قار، قررت الحكومة المحلية، الحداد وتعطيل الدوام ثلاثة أيام بعد حريق المستشفى.

وأكد المحافــظ أحمد الخفاجــي، وفقاً لبيــان صحافي، «إعلان الحداد العام على أرواح الشــهداء الأبرار، وتعطيل الدوام الرسمي لثلاثة أيام )بدءً من أمس الثلاثاء( وتشكيل لجنة عليا للتحقيق في ملابسات هذا الحادث المأساوي».

وأضــاف البيان: «تتحمــل وزارة الصحة ودائرة صحة ذي قار مســؤولية التأخير في اســتكمال افتتاح مستشفى الناصرية المركزي )التركي( ومباشرة الكوادر الصحية».

كما قرر المحافظ «نقل جميع منتســبي مستشــفى الإمام الحســن التعليمــي إلــى مستشــفى الناصريــة المركزي والمباشــر­ة به فــورا وتحويل مستشــفى الإمام الحســن التعليمي إلــى مركز لعــزل مصابي كورونا فــورا وإغلاق جميــع المراكز الكرفانيــ­ة المخصصة لعــزل مصابي كورونا والاستعانة بمراكز ومشافي مجهزة لهذا الغرض».

«مغلقة بأمر الشعب»

فــي المــوازاة، أعــاد الحــادث دوران عجلــة الحراك الاحتجاجي فــي مدينــة الناصرية، بعد أن أقــدم عدد من المحتجين على إغلاق عيــادة مدير عام دائرة صحة محافظة ذي قار المستقيل، صدام الطويل، وكتبوا عليها عبارة «مغلقة بأمر الشعب .»

كما أغلق المحتجون وذوو الضحايا عدداً من المستشفيات الأهلية في مدينة الناصرية محافظة ذي قار، وسط شعارات بتجديد «الثورة».

ويعدّ الحادث الثاني من نوعه خلال العام الحالي، عقب

مشهد مشابه وقع في مستشــفى أبن الخطيب في العاصمة بغداد، أواخر نيسان/ أبريل الماضي، أدى إلى مقتل وإصابة وفقدان أكثر من 200 شــخص، وإقالــة وزير الصحة حينها حسن التميمي.

وخصص مجلس النواب، جلسة، أمس الثلاثاء، لمناقشة حادثة مستشفى «الحسين».

وطالــب النائــب الأول لرئيس مجلس النواب حســن كريم الكعبي، الحكومة بفتح تحقيق فوري لكشــف أسباب الحادثة، ووضع حد لتكرار «مسلســل الحرائق المأساوية» في دوائر الدولة، سيما المستشفيات، والإسراع في محاسبة جميع المقصرين.

وقال فــي بيان إن «التقصير والإهمال الذي أشــرنا إليه في حادثة مستشــفى ابن الخطيب تكرر اليوم بســبب عدم الجدية في اتخــاذ التدابيــر والإجــراء­ات والاحتياطا­ت الفورية اللازمة التي تســهم بعدم اندلاع الحرائق المحتملة والمتوقعــ­ة أو تقليل مخاطرها والمحافظة على أرواح المرضى الراقدين والمراجعين».

كمــا عدّت لجنــة الصحة والبيئــة البرلمانيـ­ـة «الإهمال والتقصيــر» بالوقوف خلف الحريق، مطالبة إشــراكها في التحقيق بأسباب وقوع الحادث.

بيان للجنة طالــب «الجهات الحكومية المعنية وبشــدة بأن تضع نهاية لمسلســل الموت في المستشفيات التي يجب أن تكون مكاناً آمناً ينعم فيــه المرضى بالراحة والاطمئنان

ويحصلون فيه على العلاج بدلاً من إنهاء حياتهم في حريق غامض والكل يتملصون من المسؤولية وتسجل الكارثة ضد مجهول».

وأضافت اللجنة أن «هذه الكارثة، لو حصلت في أي دولة أخرى فقد تكون ســبباً لاستقالة الحكومة بالكامل، ثم يحال المقصرون إلــى المحاكم المختصة، لكنها تحصــل في العراق وتتكــرر عدة مرات بلا رادع، وكأن أرواح الناس لا قيمة لها، ونحــن على يقين بأن الجهات الحكومية لو كانت قد وضعت عقوبات رادعــة بحق المقصرين الذين تســببوا بمثل هكذا كوارث سابقاً لما تكرر وقوعها».

وختمت اللجنة بيانها بالقــول: «ننتظر نتائج التحقيق خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، وبخلاف ذلك سنتخذ إجراءات من خلال عملنا النيابي ونقوم بسلســلة اســتجوابا­ت من أدنى منصب الى أعلى منصب».

أما رئيس الجمهورية برهم صالح، فأشار إلى أن «الفساد وسوء الإدارة» وراء تكرار حوادث حريق المستشفيات.

صالح قال في «تدوينة» له، إن «فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار، وقبلها مستشــفى ابن الخطيب في بغداد، نتاج الفســاد المستحكم وســوء الإدارة الذي يســتهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات».

وشدد على أن «التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هو عزاء أبنائنا الشــهداء وذويهم» لافتــاً إلى أن «لا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين».

في المقابل، وجّه رئيس حكومة كردستان العراق، مسرور بارزانــي، وزير صحة الإقليم، بتقديم المســاعدة للمصابين بالحادثة.

وكتب بارزاني في حســابه على موقــع «تويتر» يقول: «تضامناً مــع أهالي ذي قار والبلاد كلها علــى ما رأيناه من صور مؤلمة إثــر فاجعة حريق مركز العــزل، أتقدم بخالص التعازي إلى ذوي الضحايا والمصابين».

وأضــاف: «لقد وجهت وزير صحــة الإقليم بتقديم كل ما يلزم من مساعدة للمصابين».

كذلــك، عبر قوبــاد طالباني، نائب رئيــس وزراء إقليم كردستان، عن كامل الاســتعدا­د لوضع الإمكانات الصحية المتاحــة لمستشــفيا­ت إقليم كردســتان العــراق في خدمة الناجين ومعالجتهم. وقال في «تدوينة له: «ســنتواصل مع الجهات الصحية الاتحادية لتقديم العون والمساعدة الطبية لمدينة الناصرية العزيزة».

كما أعلن وزير الصحة في كردســتان، سامان برزنجي، استعداد مستشفيات الإقليم لاستقبال المصابين.

وقــال، إنه أجرى اتصــالات هاتفية مــع وزارة الصحة العراقيــة الاتحادية ومحافــظ ذي قار ومديــر عام صحة محافظــة ذي قــار وأعــرب عن اســتعداد حكومــة رقليم كردســتان لتقــديم الإغاثة وإرســال المســتلزم­ات الطبية اللازمة واستقبال الجرحى في مستشفيات إقليم كردستان ومساعدتهم.

 ??  ?? مستشفى الحسين في ذي قار عقب الحريق
مستشفى الحسين في ذي قار عقب الحريق

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom