Al-Quds Al-Arabi

إثيوبيا: تسييس قضية سدّ النهضة غير مجد... ومصر تواصل محاولة حشد دعم أوروبي

قالت إن عرض الموضوع على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان ولا يزال بلا فائدة

- من تامر هنداوي:

عادت إثيوبيــا لتؤكد التزامها بمواصلة مفاوضات ســد النهضــة تحت قيادة الاتحاد الأفريقــي للوصول إلى نتائج مقبولة، في وقت واصل فيه وزير الخارجية المصري ســامح شكري، محاولة حشد دعم أوروبي لموقف مصر.

وزارة الخارجيــة الإثيوبيــ­ة قالت في بيــان لها، أمس الثلاثاء، إن حكومة أديس أبابــا ملتزمة بإنهاء المفاوضات الثلاثية مع مصر والســودان بشــأن ســد النهضة بنجاح والوصول لنتيجة مقبولة بقيادة الاتحاد الأفريقي.

ووفقا لما نشــره دينــا مفتي، المتحدث باســم الخارجية الإثيوبية، فإن المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي هي «وســيلة مهمة للتعامل مع كل طرف» موضحا أن «الأطراف الثلاثة تمكنوا ســابقا من التوصل إلى تفاهم حول عدد كبير من القضايا».

وزاد البيان: «المفاوضات الثلاثية بشــأن ســد النهضة الإثيوبي الكبير كانت جارية بين إثيوبيا ومصر والســودان للتوصل إلى نتيجة بشــأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة، وفقً لإعلان المبادئ».

وتابع: «لكن من المؤسف أن نشهد تسييسا للمفاوضات، وقــد أوضحت إثيوبيا موقفها مرارا وتكرارا بأن هذا أمر غير مجــدٍ، وأن عرض الموضوع على مجلــس الأمن التابع للأمم المتحدة كان ولا يزال غير مفيد وبعيدا عن صلاحية المجلس».

معالجة المخاوف

وتابع: «من المســلم به أن العملية التــي يقودها الاتحاد الأفريقي هي وســيلة مهمة لمعالجة مخــاوف كل طرف، وقد تمكنوا من التوصل إلى تفاهم بشــأن عدد كبير من القضايا من خلال هذا الإطار، إضافة إلى ذلك، كشــفت العملية أيضا عن التحديات طويلة الأمد التي تتعلق بغياب معاهدة المياه وآلية حوض النيل على مستوى العالم.»

وأكد أن «أديس أبابا مستعدة وجاهزة للعمل على النهج التدريجي الذي اقترحه رئيس الاتحاد الأفريقي، وبالتالي، تشجع كلا من مصر والســودان على التفاوض بحسن نية لإنجاز العملية .»

إلى ذلك واصل وزير الخارجية المصري، ســامح شكري، أمس، لقاءاته خلال زيارته إلى بروكســل، فقد التقى نائب رئيس الوزراء ووزيرة الشــؤون الخارجيــة والأوروبية والتجــارة الخارجية والمؤسســا­ت الثقافيــة البلجيكية، صوفي ويلمز.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد حافظ في تصريحات صحافية، أمس، أن «اللقاء تطرق لعدد من القضايا الإقليمية والملفات ذات الاهتمام المشــترك على الصعيد الدولــي، مثل تطورات القضية الفلســطين­ية وملف سد النهضة .»

الاتحاد الأوروبي

في السياق، أكد الاتحاد الأوروبي أنه يتفهم مخاوف مصر والســودان فيما يخص قضية سد النهضة الإثيوبي، خاصة بعدما أعلنت أديس أبابا بدء الملء الثاني.

ودعا مسؤول السياســة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى الحوار والتفاهم السياســي في قضية سد النهضة، مؤكدا تفهم قلق مصر والسودان.

وكان شكري قد ســلم رســالة من الرئيس المصري عبد الفتــاح السيســي إلى رئيــس المجلس الأوروبي، شــارل ميشيل، خلال زيارته الحالية إلى بروكسل.

وقال المتحدث الرسمي باســم وزارة الخارجية المصرية، الســفير أحمد حافظ، فــي تدوينة عبر حســابه على موقع التواصل الاجتماعي )تويتر( إن ذلك جاء خلال لقاء الوزير شــكري برئيس المجلس الأوروبي شــارل ميشــيل، مشيرا إلى أن الرســالة تضمنت العلاقــات الثنائية والموضوعات الإقليميــ­ة، وفي مقدمتها قضية ســد النهضة وليبيا وعملية السلام.

الموقف الأمريكي

الموقف الأمريكي من الأزمة تضمن شــقين، الأول التأكيد على تفهمه لمخاوف دولتي المصب، ورفض أي عمل عســكري يستهدف السد.

سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى القاهرة، جوناثان كوهين، قــال إن بلاده تدرك مدى أهميــة الأمن المائي لمصر، مشــددا على دعم الولايات المتحدة لحل تفاوضي بين مصر وإثيوبيا والسودان.

وأوضح أن «الولايــات المتحدة تدرك جيــدا مدى أهمية الأمــن المائي لمصر، وأن بلاده تؤيد حــا تفاوضيا بين مصر وإثيوبيا والسودان لحل خلافاتهم بشأن سد النهضة.»

ولفت إلــى أن وزير الخارجية الأمريكــي أنتوني بلينكن عين مبعوثا خاصا للولايات المتحدة لمنطقة القرن الأفريقي، هو جيفري فيلتمان، موضحا أنه ســيكون على رأس مهامه العمل على حل الخلاف حول السد الإثيوبي وقيادة ما تقوم به الإدارة الأمريكية من جهود في هذا الصدد.

وشــدد على عمــق واســتراتي­جية العلاقــات المصرية الأمريكية، وقال إن «شــراكة البلدين تحقق فائدة مشتركة لكل من مصر والولايات المتحدة على حد سواء.»

ولفــت إلــى أن «الإدارة الأمريكية حريصــة على تعميق التعاون مع مصر فــي المرحلة المقبلة علــى جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعي­ة والسياسية والثقافية.»

وبــن أن «هذا هو ما تم التأكيد عليــه في جميع اتصالات الرئيس الأمريكي جو بايدن وبلينكن مع القيادة المصرية.»

وكان إعــان وزارة الدفاع الإثيوبيــ­ة أمس الأول توقيع اتفاقية للتعاون العســكري مع روسيا، تشمل تعزيز قدرات الجيش الإثيوبي التكنولوجي­ة، أثار ردود فعل من نشــطاء سياســيين مصريين، إذا اعتبــروا أن أديــس أبابا تتحرك بصورة أفضل من مصر في الأزمة.

وكانت وكالة الأنباء الإثيوبية كشــفت أن اللجنة الفنية العســكرية الإثيوبية الروســية، بدأت بعقــد اجتماعاتها الـ11 فــي العاصمة الإثيوبية أديس أبابــا لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وزيادة المعرفة والتقنيات العسكرية المستخدمة. وقالت مسؤولة الشؤون المالية في وزارة الدفاع الإثيوبية، مارثا ليويج، إن التعاون المشترك مع روسيا تعزز بعد المناقشــا­ت التي أجراها رئيس الــوزراء آبي أحمد مع الرئيس الروســي فلاديمير بوتين، وإن الحكومة الروسية قدمت دعما لأديس أبابا، خلال عمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي.

إجراء عاجل

عمــرو بدر، عضو مجلــس نقابة الصحافيــن المصريين الســابق، كتب على صفحته الرســمية على «فيســبوك»: «المشــهد الدولي بالكامــل ليس في صالح مصــر في قضية الســد الإثيوبي، روسيا تعقد اتفاقية عســكرية مع إثيوبيا بعــد موقفها الداعم لإثيوبيا في مجلــس الأمن، والخارجية الأمريكية )على لســان المتحــدث الرســمي( ترفض الحل العسكري وترفض أيضا إدانة الملء الأحادي، والصين لديها استثمار كبير في السد وتدافع عن بقائه».

وأضاف في تغريدة حملت عنوان «رفعت الأقلام وطويت الصحف»: «هذا المشــهد بــكل صعوبته وتعقيــده يحتاج لإجراء حاســم يحركه ويجعله يطلب التفاوض والوصول لاتفاق».

وزاد: «ربمــا نتعرض لحصار دولي حــال توجيه ضربة عســكرية لســد النهضة، لكن التقديرات هنــا تكون بأخف الأضرار: هل الحصار ) المحتمل( هو أخف الأضرار أم الســد بــكل مصائبه وكوارثــه؟ بالتأكيد الحصــار المحتمل يمكن التعامل معه، ومصر بلد كبير في الإقليم ومصالح كثيرة من دول العالم مرتبطة بها، لكن الســد تهديد وجودي ســيغير وجه الحياة على أرض مصر للأبد.»

وكرر أن «المشــهد الدولي يحتاج لإجراء عاجل، وعادل، لتبديله وتغييره للوصول لاتفاق.»

الصحافــي المصري أحمد العطــار، رئيس تحرير جريدة «الصبــاح» الســابق غرد: «يجــب أن نعتــرف أن أثيوبيا انتصرت في مباراة مجلس الأمن الدولي.»

وأضــاف: «النتائج كلهــا حتى الآن، ليســت في صالح مصر والســودان على الإطلاق، خاصة بعد أن أعاد المجلس النظر في النــزاع إلى الاتحاد الأفريقــي دون تحديد موعد نهائي للاتفاق كمــا طلبت القاهرة والخرطــوم، وهذا أول هدف دبلوماســي أحرزته إثيوبيا في شباكنا خلال الجلسة الأخيرة .»

مشروع القرار الضعيف

وزاد: «الهدف الإثيوبي الثاني ســجلناه نحن في مرمانا للأسف، عندما دعمنا مشــروع القرار الضعيف الذي تبنته تونس، وقُدِّم إلى مجلــس الأمن على عجل، وقبل أن ينضج

بشكل كاف، بسبب التسرع في إعداده أولا وغياب التنسيق بشأنه مع القوى الكبرى ثانيا، وفشله المتوقع سوف يعطي أديس أبابا رصيدا أكبر.»

وتابع: «بجانب أن مواقف معظــم الدول الأعضاء تصب في صالح إثيوبيا بشكل أو بأخر، فبعضها يدعم أديس أبابا بشكل واضح ومباشر، والبعض الآخر يبدو محايدا لكنه لن يعطيك ما ذهبت لأجله بالأســاس، وهــو وقف الملء الثاني والضغط من أجل توقيع اتفاق ملزم. ما يعني أن أديس أبابا لديها الآن ضوء أخضر دولي بمواصلة الملء الثاني وتشغيل الســد كأمر واقع، مع إعادة المفاوضات إلــى نقطة البداية، وكأن شيئا لم يحدث، ما سوف يستغله الإثيوبيون بالطبع من أجل استمرار المفاوضات لأطول فترة ممكنة دون السماح لمصر والســودان بالتوصل إلى أي نتيجة مرضية، وهذا هو الهدف الثالث والأخطر في مرمى مصر والسودان.»

نهج خاطئ

وتابــع: «رغم أننا ســجلنا هدفا شــرفيا خلال جلســة الخميس بخطاب وزير الخارجية سامح شكري، الذي فضح نوايا إثيوبيا الخبيثة وممارساتها المتعنتة أمام الرأي العام الدولي، إلا أن الهدف جاء متأخرا جدا للأســف وفي الوقت الضائع، بلغة كرة القدم، فخســرنا في نهاية الجلسة بفارق الأهداف .»

وزاد: «هذه الخســارة، كشــفت أننا اتبعنا نهجا خاطئا من البداية، ســواء بالتوقيع على اتفاقية المباديْ في 2015، والتي اتخذهــا بعض الدول الكبرى خلال الجلســة ذريعة للوقوف في صف إثيوبيــا، أو عندما اتخذنا نهجا تفاوضيا صبورا جدا لا يتناســب مع خطورة الأزمــة، وأخيرا عندما ذهبنا لمجلس الأمن دون تنســيق كاف ومســبق مع الدول الأعضاء».

واختتــم: «في ظني، الخيــارات الآن أصبحت محدودة، والقاهــرة ليس لديها بدائل ســوى إعادة ترتيــب أوراقها وصياغة العلاقات مع القوى الداعمة لأديس أبابا من جديد، من أجــل الضغط في النهاية على إثيوبيا لتوقيع اتفاق ملزم بشأن السد».

وفي أول تعليق له على أزمة ســد النهضة الإثيوبي، قال الداعية السلفي الشيخ محمد حسان، في فيديو وضعه على صفحته الرسمية على «فيســبوك» وقناته على اليوتيوب: «مصــر الأبية لم تمانــع في حق الشــعب الإثيوبي في مياه النيل بل طالبت في مفاوضات طويلة صبورة تحلت بالحكمة والمسؤولية بأن تنتفع إثيوبيا والسودان ومصر بمياه النيل بصورة منصفة وعادلة على حد ســواء، ولكن فشــلت كل هــذه المفاوضات أمام هذا التعنت الإثيوبي بخصوص ســد النهضة».

لم تكن معتدية

وأضاف: «ازداد الأمر ســوءا حينما اتخذت إثيوبيا قرارا أحاديا ببــدء الملء الثاني لســد النهضة، دون تنســيق أو اتفاق أو ترتيب مع دولتي المصب مصر والسودان، وتناست اثيوبيا ان النيل بالنســبة لمصر هو شــريان الحياة، وأنها بهــذه الادارة المتعنتة للأزمة الحقيقيــة المتفاقمة تجر مصر لحــرب لا تريدها. مصر لا تحــب الاعتداء ولكنهــا ترد عن شعبها أي اعتداء».

وتابع: «مصر على مدار التاريخ كلــه، ولا أقصد التاريخ الإسلامي، ولكن التاريخ الإنساني كله، لم تكن معتدية على أحد واقرأوا التاريــخ، ولكن مصر كانت ولا تزال صخرة من الحق، تحطمت عليها كل موجات الظلم والطغيان والاعتداء، فمصر هي التــي ردت همجية الهكســوس، وهي التي ردت وحشية التتار والحملات الصليبية، ومصر هي التي طردت الاحتلال الإنكليزي، والاحتلال الفرنسي وطردت الاحتلال الصهيوني عن أرض سيناء».

وقال: «مــا زالت مصر بفضل الله، ثــم برجالها الأبطال، وشــعبها الوفي، قادرة على الحفاظ على أمنها القومي، وفي مقدمة هذا الأمــن مياه النيل، وواجب الآن على كل المصريين المخلصين أن يتناســوا اختلافاتهـ­ـم وانتماءاته­م وأن يقفوا صفا واحدا مع مصر في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة، وفي أي قرار تتخذه مصر للحفــاظ على حقها التاريخي في مياه النيل».

وزاد: «أي قرار يراه المسؤولون مناسبا للحفاظ على حق مصر في مياه النيل، نؤيده وندعمه، ونسأل الله أن يحفظ مصر وشعبها وجيشها وألا يحرم أهل مصر نعمة مياه النيل وأن يجعل مصر في كنفه بأمانه وستره وضمانه».

وفــي 5 يوليو/ تموز الجــاري، أخطــرت إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفــاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.

وتصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للســد بالمياه، في تمــوز / يوليو الجاري وأغســطس/ آب المقبــل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشــأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطــوم والقاهــرة، وإن الهدف من الســد هــو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.

بينما تتمسك مصر والســودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشــغيل الســد لضمان اســتمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.

 ??  ?? شكري خلال لقاء ويلمز أمس
شكري خلال لقاء ويلمز أمس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom