Al-Quds Al-Arabi

باحث إسرائيلي: الاحتلال يستخدم قوانين التنظيم والبناء لتهجير المقدسيين

«خمسون طيفاً للتهويد في القدس الشرقية»

- من وديع عواودة:

تواصــل بلديــة الاحتــال فــي القــدس هــدم منازل الفلسطينيي­ن بذريعة البناء غير المرخّص الذي تدفعهم عنوة نحوه بحرمانهم من توســيع مســطحات البناء فيها، فتلقي بهم في اليّم وتلومهم.

وفي هذا السياق يؤكد أفيف ستارسكي، كاتب وباحث في جمعية «عيرعميم» الحقوقية الإســرائي­لية أن دولة الاحتلال تســتخدم قوانين التخطيط والبناء وســيلة مركزية لطرد المزيد والمزيد من الفلسطينيي­ن من المقدسيين.

جــاء ذلك على خلفية ما جرى في الأســبوع الماضي حيث هدم الاحتلال دكانا في حي البستان الواقع في بلدة سلوان، ويقول صاحبها إنها كانت مصدر رزق لأفراد أسرته الموسّعة المكونة من 15 نفرا.

بالنســبة لنحو 100 أسرة تعيش في حي البستان، يؤشر هدم هــذا الدكّان إلى ما يمكن أن يشــكل موجــة جديدة من عمليات الهدم الواســعة في الحي. واليوم هناك 16 أمر هدم إضافية، معظمها بحق بيوت ســكنية في ســلوان، وقد يتم تنفيذها في أي وقت.

وينوه ستارســكي في تقرير مطول ترجمــه مركز «مدار» للعربية أنه في الســنوات الأربع الأخيرة، عمل ســكان حي البستان على إعداد مخطط هيكلي لتنظيم الوضع التخطيطي في الحي، وإزالة خطر الهدم عن بيوتهم. هذه العملية حظيت بمباركة بلدية القدس، وتقدمت بالتنسيق معها. وكجزء من محاولة تنظيم الوضع التخطيطــي، وافقت بلدية الاحتلال أيضا على تجميد تنفيذ عشرات أوامر الهدم في حي البستان ولكن في فبراير/ شــباط الفائت أبلغت البلدية المحكمة أنها غير معنيــة بمواصلة عملية تنظيم الوضــع التخطيطي في الحي، وعوضاً عن ذلك باتت تطالب بعدم تمديد تجميد أوامر الهدم التي ســبق أن صــدرت. ومنذ ذلك الحين قام مفتشــو البلدية بزيارات حثيثة إلى هذا الحي وسلموا أصحاب بيوت فيه إخطارات وإنذارات وأوامر بالهدم والإخلاء.

ويقــول أفيــف ستارســكي إن تنصل بلديــة القدس من عملية التخطيــط التي كانت قد أيدتها في الســنوات الأربع الأخيرة قد بعثت على نحو أكيد بالارتياح لدى المحامي إلداد رابينوفيتش، الذي يسكن على بعد200 متر من حي البستان. ويجدر التوقف هنا عند ما يلي: في شهر يوليو/ تموز الماضي نُشر في موقع اليمين «سروغيم» تقرير )3( خرج فيه المحامي رابينوفيتش بموقف ضد الخطة الهيكلية الُمشــار إليها أعلاه التي يمكن أن تحمي ســقوف البيوت التي تؤوي جيرانه في حي البســتان. وفي إثر نشــر هذا التقرير أعلن أيضاً عضو المجلس البلدي، أريه كينــغ، المقرّب من رئيس بلدية القدس، موشيه ليئون، أنه ينوي إحباط هذه الخطة الهيكلية.

قانون كمينيتس والقدس

ويشــير لوجــود مناطــق مأهولــة وســكنية كثيرة في الشــطر الشــرقي من القدس تهددها أوامر وعمليات الهدم الإسرائيلي­ة. ومن هذه الناحية فإن وضع حي البستان ليس اســتثنائي­ا. ويســتذكر أنه منذ احتلال 1967 تمنع إسرائيل عن الســكان الفلســطين­يين في المدينة خرائط هيكلية نزيهة تنظّم الوضع السكني والتخطيطي في أحيائهم. وقد طرأ في السنوات الأخيرة ارتفاع كبير في حجم عمليات هدم البيوت في الشطر الشرقي من القدس نتيجة لسن قانون كمينيتس الخاص بهدم البيوت غير المرخصة والبدء بالعمل بموجبه.

ويتابع «الســقف الذي يــؤوي العائلات يشــكل ضربة نفســية، عائلية واقتصاديــ­ة، ومن الصعــب التعافي منها، وهناك عشــرات آلاف السكان الفلسطينيي­ن ممن لم ينجحوا في الحصــول على ترخيص بنــاء فاضطــروا للانتقال إلى الجزء الفلســطين­ي من جدار الفصل، كيلا يتورطوا مع أوامر وعمليات هدم .»

وبناء على ما ســبق، فإن قوانين التخطيط والبناء تشكل وسيلة مركزية تستخدمها إســرائيل لطرد المزيد والمزيد من الفلســطين­يين من مدينة القدس. مؤكدا إنها وسيلة مركزية ولكنها بالتأكيد ليست الوسيلة الوحيدة.

ويستعين أفيف ستارسكي بالمحامي رابينوفيتش كي يقدم ويعرض المزيد من الوسائل التي يتضمنها «صندوق العدّة» الذي تستخدمه دولة الاحتلال لتحقيق هذا الهدف، موضحا أن رابينوفيتش يقيم على بُعد نحو 200 متر من حي البستان ومثل جميع سكان البســتان، رابينوفيتش أيضا يسكن في بيــت تم بناؤه مــن دون ترخيص. ولكن علــى النقيض من

هؤلاء الســكان الفلســطين­يين، لا تنوي بلدية الاحتلال هدم بيته، وذلك رغم أنه يرتفع على ســتة طوابق وســط انتهاك صارخ للمخطــط الهيكلي المعمول به في هذا المكان. ويضيف «هذه الحقيقــة لا تمنع رابينوفيتش بالمرة مــن التوجه إلى السلطات الإســرائي­لية بطلب العمل ضد «مخالفات البناء» لجيرانه الفلســطين­يين، بــل إنه قدم شــكاوى قانونية ضد البناء الفلسطيني من دون ترخيص. أما كيف يحدث أن يلقي رابينوفيتش بالحجارة الاستعارية في جميع الاتجاهات من دون أن يخشى على بيته المصنوع من زجاج؟ فهذا لأنه يسكن في «بيــت يونتان» التابــع لجمعية المســتوطن­ين «عطيرت كوهانيــم» وهو مبنى قرر رئيس بلدية القدس الســابق نير بركات )الذي حظي بدعم علني من رئيس المدرســة الدينية عطيرت كوهانيم( منــع تنفيذ أمر الهدم القضائي الذي صدر ضده .»

تواطؤ مع المستوطنين

وتعيش في الشارع الذي يقطن فيه رابينوفيتش عشرات العائلات الفلســطين­ية في دور تحــاول «عطيرت كوهانيم» الســيطرة عليها، ومثلما في الشــيخ جراح وفي بطن الهوا،

سكن يهود هذه المناطق في مطلع القرن العشرين، منوها أن دولة الاحتلال تســتغل هذه الحقيقة لغرض نقل الملكية على أملاك مئات العائلات الفلســطين­ية إلى جمعية مستوطنين، التي سيكون بوســعها حينئذ طرد العائلات الفلسطينية من بيوتها. ويقول إنه في بطن الهوا، فــان «عطيرت كوهانيم» هي التــي تقوم بهذه الإجــراءا­ت والتحــركا­ت وفي الفترة الأخيرة جرت محــاولات في اليمين لعرض تهديدات الإخلاء في حي الشــيخ جراح على أنها خلاف عقاري على ممتلكات خاصــة وليس أكثر مــن ذلك. ولكن فعليا لم تكن ســتنطلي حجج المستوطنين بأنهم يملكون المباني على أحد لولا الدعم الحثيث الذي قدمته لهم الدولة، بما في ذلك قوانين ســّنتها، مثل «قانون أملاك الغائبين» من جهة و«قانون أنظمة القضاء والإدارة» من جهــة ثانية، والتي تشــكل أداة إضافية لطرد الفلسطينيي­ن .»

عائلة أبو سنينة

كمــا يقول أفيــف ستارســكي إن إحدى العائــات التي كانت تسكن حتى قبل عدة ســنوات غير بعيد عن بيت إلداد رابينوفيتـ­ـش كانت عائلــة أبو ســنينة. ويضيف» نجحت «عطيرت كوهانيم» في طرد ســائر العائلات من مبنى عائلة أبو ســنينة وبقيت هناك عائلة واحدة مليئــة بالإصرار قد التصقت بدارها ولم تخضع لجميع الضغوط التي مورســت ضدها. وهنا ســرعان مــا حظيت العائلة بزيــارات عناصر شــرطة ممّن ذكّروا صاحب العائلة بأنه لا يملك مكانة مدنية منظّمة في القدس».

وُلد جواد أبو سنينة في الضفة الغربية وتزوج من إحدى السيدات المقيمات في القدس الشرقية وفي عام 2003 غيرت إســرائيل «قانون المواطنة» كي تتمكن من منع الفلسطينيي­ن في الضفــة الغربية المحتلة والذين تزوجوا من «ســكان في إســرائيل» من تلقي مكانة فيها. يشــمل هذا آلاف الناس إن لم يكن أكثر الذيــن يحتاجون لكي يمارســوا حبّهم وحقهم الأساس في الزواج وحياة أسرية إلى أن يخرجوا من المدينة أو البقاء فيها وسط مخاوف الطرد وبثمن المساس بالجوانب الأساســية لحياتهم وحياة أطفالهم، مثــل التعليم، العمل، العلاج الصحي وحرية التحرك والتنقل.

قانون منع لمّ الشمل

ويقول ستارســكي إن ما حملته العناوين في إســرائيل مؤخرا في إطار اللعبة السياســية الصهيونية بين الائتلاف والمعارضة، يشــكل بالنســبة لآلاف الفلســطين­يين مصدرا مســتمرا للمعاناة. وإلى جانب هدم البيوت، منع نيل مكانة في إســرائيل بحكم قانون لم شــمل العائلات، اضطر العدد الأكبر من سكان القدس إلى مغادرة المدينة.

ويضيف فــي وصف التهجير الصامت للمقدســيي­ن «حين نتحــدث عن هدم البيــوت، تختبئ إســرائيل خلف قوانين التخطيط والبناء. فإخلاء البيوت يُعرض كخلافات عقارية، ومن أجل إلغاء إمكانية لم شــمل عائلات تزعم الدولة وجود مخاطــر أمنية. أما على المســتوى الفعلي، فــإن هذه جميعاً هي طرق متنوّعة ومختلفــة لتحقيق هدف ديمغرافي واحد. حــن نربط ما بين الأمور، نرى بشــكل واضــح أنه حتى لو كانــت الأدوات والذرائع تتغير، فإن الجوهر ما زال هو نفس الجوهر».

ويتابع ستارســكي مغردا خارج الســرب الإســرائي­لي «صحيح أن إلداد رابينوفيتش يســكن إلى جانب سكان حي البستان الفلســطين­يين، وفي الشارع نفسه، مع عائلات مثل عائلة أبو سنينة والعائلات المهددة بأن تؤخذ بيوتها منها في بطن الهوا، ولكن في هذه القصة هو ليس أكثر من أداة. فليس هو من يفجر ويُحدث هذه الأمور التي وصفناها بل إنها نتاج تخطيط وتنفيذ تقوم به الدولة». كما يقول إن رابينوفيتش هو المرشح الثاني في حزب «نوعم» الاستيطاني وإنه للوهلة الأولــى يبدو حزبــا متطرفا وهامشــيا خرج مــن التنافس المســتقل على عضوية الكنيســت في انتخابــات عام 2019 بعد أن لم يجتَز نســبة الحسم في الاستطلاعا­ت، ولم ينجح فــي الدخول إلى الكنيســت حتــى بعد أن توحــد مع حزب الصهيونية الدينية، لكنه يتســاءل بالقــول: بما أن الدولة مشغولة بمثل هذا التركيز وبمثل هذه الدرجة في دفع أهداف رابينوفيتـ­ـش، ألا يبــدو عندها أن حزب نوعــم لربما يمثل الدولة أكثر مما يبدو من تلك الوهلة الأولى؟

يشار الى أن البستان هو حيّ مقدسيّ في سلوان الموجودة جنوب المســجد الأقصى، وهو محاصر بنقاط اســتيطاني­ة ويقطنه نحو 60 ألف نسمة.

 ??  ?? مشهد عام لحي سلوان الخاصرة الجنوبية للمسجد الاقصى
مشهد عام لحي سلوان الخاصرة الجنوبية للمسجد الاقصى

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom