Al-Quds Al-Arabi

أمين عام حزب معارض: لا ينبغي استخدام كورونا غطاء لتبرير إخفاقات الحكومة

- الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل:

وجّه قيادي حزبي مغربــي مُعارض انتقادات شديدة لحكومة سعد الدين العثماني، مشدداً على عدم جعــل الأزمة الحالية المرتبطة بكورونا غطاء لإخفاء أزمات كانت موجودة قبل الجائحة.

وخلال شــروع البرلمان المغربي في مناقشــة الحصيلــة الحكومية أول أمس الإثنين، تســاءل النائــب عبــد اللطيف وهبــي، أمين عــام حزب "الأصالة والمعاصــر­ة": "هل نحن أمــام حصيلة حكومة بأكملها، أم أمــام حصيلة حزب واحد، في ظل عدم حضــور أغلبيــة وزراء الحكومة خلال الجلســة المخصصة لعرض الحصيلــة من طرف رئيس الحكومة؟".

وأضــاف قائلاً: "لن نســمح بتحويــل الأزمة المســتجدة المرتبطة بالجائحة إلى غطاء لإخفاء أزمات كانت قائمة قبل الجائحــة، بل إن وضعنا الحالــي كان بإمكانــه أن يكون أفضــل لو كانت لدينا مناعة أكبر للتعامل مــع الجائحة. فالتمييز هنا ضروري بين اللحظة وبين تراكمات السنوات الماضيــة التي جعلتنا أقــل فعالية فــي مواجهة انعكاسات الجائحة".

واعتبر أنــه لا ينبغي الركــوب على الجائحة

لتبرير الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعي­ة، رغم أنها عرت حجم هذه الإخفاقات، ولعل أبرزها وزن القطاع غير المنظّم، وفشــل مجموعة من البرامج الاجتماعية وغياب الحماية الاجتماعية بالنسبة لفئات واســعة من المواطنين، إلــى جانب فقدان الكثير من الشباب ومُعيلي الأسر لمصادر دخلهم، إضافة إلى توقــف قطاعات بكاملهــا عن العمل، وهو ما دفع شــركات عدة إلــى الإفلاس ووضع مستخدميها في وضعية هشاشة.

وفــي المداخلة التي حصلــت "القدس العربي" على نصها كاملاً، أعطــى القيادي الحزبي المذكور أمثلة على ملامح الأزمة الاقتصادية والاجتماعي­ة التي قــال إنها تفاقمت خلال الســنوات العشــر الأخيرة، مشيراً إلى تنامي التفاوتات الاجتماعية بشكل غير مسبوق، وتسجيل معدلات نمو ضعيفة جداً، مع تركيز للصناعة فــي قطاعات عبرت عن محدوديتها، ســواء فيما يتعلــق بخلق مناصب العمــل أو فيمــا يخــص القيمة المضافــة ومعدل الإدماج. كما بقي القطاع الفلاحــي رهيناً لرحمة التساقطات المطرية، في وقت تسجل فيه البطالة والمديونية ارتفاعاً مســتمراً إلــى جانب التفاقم الذي يعرفه ميزان الأداءات.

وتوقف وهبــي باســتغراب عند ما عاشــته الساحة السياســية خلال مدة الولاية الحكومية من صراعات ونقاشــات جانبية، أقل ما يمكن أن توصف به ـ وفق تعبيره ـ أنها تســتهتر بمشاعر المغاربة؛ مســتطرداً "فيما تزداد أوضاع المواطنين ســوءاً، تفاقمــت حدتها مع الجائحــة لدرجة أن شــريحة واســعة فقدت مصدر قوتها اليومي، لم تجد الحكومة وأغلبيتها أفضل من ملء ســاعات النهار، وحتى الليل، بصراعات بئيســة، وآخرها كان بخصوص القوانــن الانتخابية بتفاصيلها المملة التي لا ترقى حتى إلى الاهتمامات الهامشية للمواطــن البســيط فأحــرى إلــى اهتماماتــ­ه الأساسية".

واســتدرك قائــاً: "لا نعني بهــذا أنه لا يجب الخوض فــي القوانــن الانتخابية، بــل نقصد تحديداً أنه من غير المقبول من موقع المســؤولي­ة الحكوميــة أن يخلــو النقاش العمومــي كلياً من القضايــا الجوهرية والمصيرية، ونحن نشــاهد التطورات الحساســة لقضيتنا الوطنية الأولى، والارتباك الخطير للوضــع التعليمي الذي يهدد جيلاً كاملاً من أبناء المغاربة، والبوادر الواضحة للاحتقــان الاجتماعــ­ي بفعل تســريح العاملين بالجملــة، والوقوف علــى حافة الهاويــة التي يقودنا إليها ارتفاع المديونية... وعشرات القضايا الأخرى. ومع ذلك، تطغى على الساحة الأنانيات الحزبيــة ولغة حســاب المقاعد فــي الانتخابات المقبلــة، إذ لا صــوت يعلو فوق صــوت الوزيعة )اقتســام الغنيمة(، ثم بعد ذلــك، وبدون خجل

ولا حــرج، يأتي من يتحدث عــن العزوف ونفور الشباب من السياسة".

وأكد على ضــرورة النظر إلى الواقع للتأكد من حجم الإخفاقات، مشيراً إلى أنه بعد عشر سنوات من التدبير الحكومي على خلفية وعود انتخابية غير مسبوقة، كشــفت جائحة "كورونا" أن ثلثي المغاربة يعيشــون بالاقتصاد غير المنظم. كما أن المستشــفي­ات المغربية لم تصمد أمام بضعة آلاف من المرضى في بلد الـ36 مليون نســمة، واندماج التعليم في منظومــة التكنولوجي­ا الرقمية يوجد فــي وضعية بدائية لــم يرق حتى إلى مســتوى تفاعــل المراهقين مع التكنولوجي­ــا، واللجوء إلى الاســتدان­ة وتكبيــل الأجيــال المقبلة بسلاســل الديون وإملاءات الدائنين.

كمــا أن أغلب الأنشــطة الخدماتية، حســب المتحدث نفسه، غير قارة وتبخرت بمجرد إغلاق الحدود، فيمــا الصناعة التــي لا يخجل البعض من الافتخــار بمنجزاتهــ­ا لم تتجــاوز لحد الآن توطين شــركات أجنبية لم يفد وجودها مطلقاً في بناء قاعــدة صناعية وطنيــة مغربية؛ فضلاً عن ذلــك ما زالت الفلاحة المغربيــة مركزية في إنتاج القيمة، وما زال ترقب كرم السماء بالأمطار مرادفاً للسياسة الفلاحية.

ولاحظ النائب المعــارض أن الحكومة لا تتوفر على اســتراتيج­ية قائمة وواضحــة، بل تعيش تحت رحمة التقلبات الظرفية، ســواء الطبيعية الجوية أو تقلبات المحيط وانعكاسه على تأرجح الطلــب الخارجي، علماً بأن الحديــث عن تنويع الشــركاء كان قائماً، وأن العاهل المغربي انخرط شــخصياً في ذلــك من خــال تعميــق علاقات الشراكة مع عشرات البلدان الإفريقية والآسيوية والأوروبيـ­ـة )الصين وروســيا نموذجاً(. غير أن الحكومة لم تســتثمر دينامية الانفتاح تلك، وفق البرلماني المذكور. وذكر أن بطالة الشــباب بقيت نقطة سوداء طوال هاتين الولايتين، مستدلاً على ذلك بإحصائيات "المندوبية الســامية للتخطيط" )مؤسســة رســمية للإحصــاءا­ت والمســوح الاجتماعية والاقتصادي­ة( التي أفادت أن نســبة البطالــة انتقلت من 8,0 في المئة ســنة 2011 إلى حوالي 12 في المئة ســنة 2020 ثــم 12,5 في المئة خلال الثلث الأول من السنة الحالية.

وقــال البرلمانــ­ي وهبــي: "هــذا هو المســار الحقيقي الذي تتحاشــى الحكومة الحديث عنه، مــع أن الحري بها الاعتراف به، رغم ما يكتســيه مــن مخاطــر، أبرزهــا التأثيرات الســلبية على الاســتقرا­ر، حيث توالت الاحتجاجات الشبابية طيلــة هذه المــدة، خاصة في المناطق الهامشــية والتي أفضت إلى تشنجات واعتقالات ومحاكمات لا تنسجم وتعزيز حقوق الإنسان وصون حقوق وكرامة المواطن".

ولاحظ أن تصاعــد البطالة خلال الســنوات الأخيــرة أدى ـ ويــؤدي ـ إلــى تحــولات سوســيولوج­ية عميقة تمس المجتمع، ليس أقلها الإحســاس بالغبن والظلم لدى شــرائح عريضة جداً من الشــباب. ناهيك عن تطــور الجريمة كما وكيفا، رغم الجهود الهائلة التي تقوم بها الأجهزة الأمنيــة، طالما أن الزجر لم يكن أبداً ناجعاً في هذا المجال ما لم تعالج الأســباب الاقتصادية للجريمة قبل غيرها، حسب تعبيره.

كما ســجّل أن ديْن الخزينة انتقل من 52.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام سنة 2011، إلى 76 في المئة سنة 2020. وتابع أنه في المجال الصناعي فقَــد المغــرب 451.000 منصب عمل بعــد أن كان حقق 121.000 منصب خلال الفترة 2017 ـ 2019. كمــا أن "المخطــط الأخضر" لم يفِ بــكل وعوده، خاصة ما يتعلق بمســاهمة الفلاحــة في تطوير المحيط القروي )الأرياف( وخلق الطبقة الوسطى الفلاحية وتنمية دخول الفلاحين الصغار.

وختم مداخلته بالقــول إن العقلية الليبرالية المتوحشــة التــي اعتمدتها الحكومــة على مدى الولايتــن الســابقتي­ن قــد أدت إلى شــبه إنهاء للطبقة الوســطى، ما أثّر على كل الأدوار المعروفة عالمياً لدى هذه الفئة الضرورية لاســتقرار وتقدم المجتمعــا­ت، وعلــى رأس هــذه الأدوار القــدرة الاستهلاكي­ة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom