Al-Quds Al-Arabi

بايدن ضدنا

-

رأى حمدي رزق في "المصري اليوم" أن واشــنطن منحت الإثيوبيين تصريحا بقتل المصريين عطشــا وتابع الكاتب: لا يُتوقــع مــن الإدارة الديمقراطي­ة أكثر من هــذا، لهم في الهضبة الحبشــية منافع، المصالح تتصالــح، علما بأن هذا الموقف بعينه )براغماتيا( يشــكل إهدارا لفرصة ســانحة لتصنع إدارة بايدن ســاما مســتداما في القرن الافريقي، فإذا صدقت النوايا الأمريكية في توفير حل سياســي فأهلا وســهلا، ما الذي يمنعها، أتنتظر الإذن من موســكو مثلا أو بكين؟ لربما تخشــى غضبة «سانت فينســنت» في أرخبيل جــزر أنتيل في البحــر الكاريبي! يســتوجب التوقف أمام الموقف الأمريكى المســتجد. إدارة بايدن دعمت حكومة أبي أحمد ابتداء، وحررت شيكا مجانيا بقيمة 225 مليون دولار، كانت قــد جمدتهــا إدارة ترامب عقابــا! وتجاهلت الإدارة الديمقراطي­ة عمدا اتفاقا أنضجته إدارة ترامب قبل مغادرة البيت الأبيض، وما كان ينقصه ســوى توقيع أديس أبابا، ولكنها رفســته بقدمها، وألقى أبي أحمد قفازه المتســخ في وجه ترامب، الذي عاقبه بتجميد المســاعدا­ت. رفْض إدارة بايدن لكل ما يمثلــه ترامب ووقعه لا يخــول إهمال اتفاق ثلاثي عبــر مفاوضات شــاقة رعاها البيــت الأبيض، قبل النكوص الإثيوبي تنفيــذا لرغبات قوى خارجية، من بينها عناصر في المعســكر الديمقراطي، عمدت إلى حرمان ترامب من ورقة ثمينة، في توقيت حرج انتخابيا. وتتجاهل إدارة بايدن رؤية «البنتاغــو­ن»، ويلخصها قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي، قائلا: «سلوك إثيوبيا الآن يُقلقنــا جدا، إن مصــر تمارس قدرا هائــا من ضبط النفس، وتســعى للتوصل إلى حل دبلوماســي وسياسي للمشــكلة، وأظهرت قيادة حقيقية في هــذا المجال». إدارة بايــدن تضع نقطة ومن أول الســطر، وتمنــح أديس أبابا فســحة من الوقت لاســتكمال مخططهــا الإجرامي. رفض الإدارة الأمريكية الخيار العسكري استشراف استخباراتي. يفترضون خيارا ويقيدونه، يرفعون ضغطا مشــروعا عن رقبة مجرمي الحرب، نحــن إذن إزاء حالة تباطؤ تصل حد التواطُؤ مع غاصب للحق في الحياة.

واثقون في القيادة

شــدد كرم جبر في "الأخبار" على ثقتــه والكثيرين في الدولة المصريــة والرئيس عبد الفتاح السيســي والقدرة الفائقة على إدارة أزمة ســد النهضــة، بما يحقق حق مصر في مياه النيل ولا تنقص حصتها مترا واحدا، الدولة القوية تعرف كيف تدافع عن حقوقها وتتخذ كل الإجراءات الكفيلة بذلك. برر الكاتب ثقته في فالتناغم الشديد بين أجهزة الدولة والتنســيق التام بين الجهات المســؤولة يعطي الطمأنينة للتحرك في إطار اســتراتيج­ية، يؤدي فيها كل طرف المهام الموكلة إليه، ويشرف عليها الرئيس بنفسه ويتابعها لحظة بلحظة. وواجب الإعلام الوطني هو الوقوف في ظهر الدولة ومســاندته­ا ودعمها وتأييدها، في قضية لا تقبل التشكيك أو المغامــرة أو مســك العصا من الوســط، والحصول على الأخبار والتحليلات من مصادرها الرســمية وعدم اللجوء إلى المصادر المرســلة التي تنشــر معلومات غير صحيحة. أظهرت وزارة الري قــدرة كبيرة في متابعة آخر التطورات لحظة بلحظة، وترصد الموقف في عملية بناء السد، وتتخذ الإجراءات الكفيلة بتجنب الآثار الســلبية لملء السد بدون الأخــذ بــرأي الحكومتين المصريــة والســودان­ية. الدولة المصرية تتحرك فــي كل الاتجاهات واتخــذت الإجراءات الكفيلة بترشيد استهلاك المياه وإنتاجها من مصادر أخرى، بما يجنب حــدوث أزمات في الوقت الراهن، أو المســتقبل، مع الوضع في الاعتبــار عدم التفريط في أي جزء من حصة مصــر التاريخية. الموقــف المصري يتســم بالثقة والهدوء وعدم الانفعال أو الأخذ بسياســة رد الفعل، ويؤسس على حقائــق ومعلومات صحيحــة لا يمكن إنكارهــا، والهدوء يقتضي عدم الجري وراء التصريحات الاستفزازي­ة للطرف الآخر، بل التعامــل معها بحكمة بالغة. لا تعارض مصر حق الشعب في إنشاء الســد وتوليد الكهرباء وترى أنه مطلب مشروع ويمكن تحقيقه بدون أدنى خسائر، ولكنه يتعارض في الوقت نفسه مع مصالح الشــعبين المصري والسوداني ليس بســبب الأمور الفنية أو الإنشائية للسد، ولكن بسبب التشدد والتعنت والمزايدة السياسية من جانب إثيوبيا.

فتنة غامضة

حــذر محمد البرغوثي فــي "الوطن" من وجــود كتائب إلكترونية منظَّمة تعمل وفق خطة محكمة لإحداث أكبر قدر من الضرر، وإثارة نعرات قومية وإشــعال المزيد من الفتن، بين المصريين بعضهم مع بعــض من ناحية، وبين المصريين والسودانيي­ن من ناحية أخرى. اللافت أن كل مساهمات هذه الكتائب التشكيك في القيادة المصرية وفي قواتنا المسلحة، وإثارة قلق المصريين على ميــاه النيل ودفعهم إلى الاعتقاد بأن احتجاز مياه النيل خلف السد الإثيوبي أصبح أمرا على وشك التحقق، وأن عليهم أن يستعدوا للموت جوعا وعطشا وفقرا، أو للبحث عن وسيلة للخروج من هذا البلد. جانب لا يســتهان به أيضا من مســاهمات هذه الكتائب المأجورة أو الحاقــدة، يدق طبول الحرب ويطالب بهــا حتى لو توقفت إثيوبيا عن استكمال بناء الســد، أو استكمال الملء الثاني لخزان الســد، وتذهب هذه المســاهما­ت إلى إثارة شــكوك المصريــن في قيادتهم وجيشــهم، لأن القيادة السياســية لم تخرج - حتى الآن- إلى العلــن للإعلان التفصيلي عن خطة الحرب، وإطلاع الشــعب المصري كلــه عليها، بل أخذ رأيه في أدق تفاصيلها! ويحــدث يوميا أن نطالع ردودا من مواطنين عاديين على مساهمات هذه الكتائب الإلكتروني­ة، تشــير إلى أنهم على وعي كبير بانتماء أفراد هذه العصابة الإجرامية، وعلى وعي أكبر بأنــه لا توجد دولة واحدة في العالم تدير شــؤونها الحيويــة أو قضاياها المصيرية بهذه الشــفافية الســاذجة، وحتى أعتى وأقوى الدول تستخدم دائما غطاء مراوغا لتمويه مقاصدهــا، ولم يحدث أبدا في التاريخ الإنســاني المكتوب، أن ســمعنا عن نظام سياسي كشف عن كل أوراقه على الملأ، أو طرح خططه لحل قضاياه المصيرية للنقاش العام على المقاهــي. هذه الردود الواعية مــن بعض المواطنين علــى الكتائب الإلكتروني­ــة المأجورة يظل حضورها ضعيفا وصوتها خافتا، وســط إعصار منظم وضجة مصنوعــة باحتراف ومهارة عاليــن من عصابات الخراب التي تخوض حربها الأخيــرة لإغراق البلد بكامله في مستنقع الفوضى.

بكى وحيدا

لعل حكاية الشاب المصري الذي وصفه محمد البرغوثي في "الوطن" بالرائع أحمد شــجيع، ابن مدينة الإسماعيلي­ة، التي اجتذبت عشــرات الآلاف من التعليقــا­ت، تصلح لأن تكون نموذجا لتقصيــر فادح نتحمل جميعا مســؤوليته. والحكاية أن هذا الشــاب كان بالصدفة فــي نيويورك يوم الخميس 8 يوليو/تموز الجاري، فقرر أن يذهب للوقوف أمام مقر الأمم المتحدة أثناء عقد مجلس الأمن لجلســة مناقشــة قضية ســد النهضة، وأن يشــارك في رفع العلم المصري مع مصريين آخرين، كان واثقا من أنه سيجدهم هناك ينظمون وقفة ســلمية ترفع أعلام دولة ســيتعرض شــعبها لخطر ماحق، إذا لم يســارع العالم إلى وقف بناء هذا الســد، وما أن وصل الشــاب إلى مقر الأمم المتحدة حتى فوجئ بحشد من الإثيوبيين هناك، ووجد نفسه وحيدا وسط حوالي ألف إثيوبي، كانوا يهتفــون وهم يرفعون لافتات تطالب بحقهم في إدارة مواردهم المائيــة لإنقاذ بلادهم من الفقر والجوع، في الوقت الذي لم يجد فيه مصريــا واحدا، على الرغم من أن الجاليــة المصرية في نيويورك وحدها تضم أكثر من 100 ألف مصري.. الذي حدث أن الشــاب المصري فوجئ برجل إثيوبي عمــره يزيد على 65 عاما يلكمه فــي ظهره، فالتفت إليه وقال له: «أنا ممكن أرد لك اللكمة وســاعتها هتكون في القبر.. لكن دينى علمني عــدم الاعتداء على رجل أكبر مني ســنا.. وأنا كمصري أحترم تعاليم دينــي». ويضيف أحمد شجيع، ابن مدينة الإســماعي­لية في فيديو سجله لتوضيح حقيقة ما حدث له: «المســؤول الإثيوبــي عن المظاهرة جاء واعتذر لــي.. بكيت، لأنني كنت وحــدي.. ولم أجد مصريا واحدا يشاركني هذه الوقفة أمام مقر الأمم المتحدة.»

تبرئة إسرائيل

ما هو موقف إســرائيل من بناء إثيوبيا لســد النهضة؟ ســؤال مهم ســعى للإجابة عليه الدكتور أســامة الغزالي حرب في "الأهــرام": عندما أخذت في بحــث هذا الموضوع وجدت بيانا منشــورا على الصفحة الرســمية للســفارة الإســرائي­لية في القاهرة على فيســبوك صدر في )فبراير/ شــباط 2020( نصه كما يلي: في ضوء الشائعات الأخيرة بشأن مســاندة إســرائيل في مشروع بناء ســد النهضة، نود أن نوضح الحقيقة.. إن دولة إســرائيل تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية مميزة مع كل من مصر وإثيوبيا، ولكن إسرائيل لا تسهم ببناء ســد النهضة الإثيوبي في أي شكل من الأشــكال. نحن دائما ندعم القيام بالمفاوضات المباشرة وبالحوار بــن البلديــن، ونأمل أن يوجد حــل يفيد مصر وإثيوبيا تحت الرعاية الأمريكيــ­ة وصندوق النقد الدولي. ســوف أفترض أن مضمون هذا البيان الذي صدر منذ نحو العام ونصف العــام، كان ولا يزال صحيحا، ولكنني أعتقد أنه أقل بكثير جدا مما يمكن أن تفعله إســرائيل، وتستطيع أن تفعله وينبغي أن تفعله. ما فعلته مصر لإســرائيل، منذ مبادرة رئيس مصر الراحل أنور الســادات، التي فتحت لها أبواب العالــم العربي كله على مصراعيهــا..، بكل أبعادها الهائلــة الإقليمية والدولية، والتي لا تزال تتســع كل يوم، تدفعنى لمطالبة إســرئيل بموقف أقل تميعا وأكثر وضوحا إلى جانب مصر في معركتها الحيوية بشــأن ســد النهضة، ليس فقط مــن خلال علاقتهــا الوثيقة مــع إثيوبيا، ولكن الأهم علاقتهــا الحيوية مع الولايات المتحــدة، التي اكتفت في جلسة مجلس الأمن بموقف متميع أيضا، يرى في الأزمة مجرد صراع جيو- سياســى بين مصر وإثيوبيا. إننى أعلم وأتفهــم أن هذا الموقف مني ســوف يغضــب الكثيرين من معارضــي العلاقات مع إســرائيل والتطبيع معها، إخلاصا للقضية الفلسطينية وللحقوق العادلة للشعب الفلسطينى، ولهم الحق، ولكــن الأولوية عندي للقضيــة المصرية التي تتحداها اليوم مخاطر غير مسبوقة.

الحل من هنا

دعا بشير حســن في "فيتو" لضرورة اللجوء لخطوات صارمة من أجل ضمان الحفاظ على كنز المصريين والحيلولة دون فنــاء أمتنا، مؤكدا على أن جلســة مجلس الأمن أكدت أنه لا تعويل على الخارج في حل أزمة السد، والدبلوماس­ية المصريــة فعلت - ولا تــزال - كل ما في وســعها، بقي حل وحيد قبل ضرب الســد دفاعا عن وجودنــا، وهو التعويل على الأشقاء العرب الذين فاقت اســتثمارا­تهم في إثيوبيا اســتثمارا­ت الدول الأعضاء في مجلس الأمن، على الأشقاء العــرب )إذا كانــوا يحبــون مصــر( أن يهددوا بســحب استثماراته­م من إثيوبيا، ربما يكون هذا رادعا لأبي أحمد.. فمن بين الدول العربية الشــقيقة دولتــان هما الأقرب إلى مصر شعبا وقيادة، الأولى بلغ عدد مشروعاتها في إثيوبيا 294 مشــروعا، في الزراعــة والإنتاج الحيوانــي والطاقة

والعقــارا­ت، قيمة هذه المشــروعا­ت وفقا لمجلــة "فوربس" تزيد عن 5 مليارات دولار، والدولة الثانية تســتثمر في 94 مشــروعا بما قيمته 3 مليارات دولار، ودول أخرى شــقيقة توجهت للاستثمار في إثيوبيا بمجرد البدء في إنشاء السد، حتى السودان.. ذكرت "فوربس" أن استثماراته­ا في إثيوبيا تخطت الملياري دولار، وقيل إنها لرجال أعمال ســودانيين بأموال عربية. تهديد الأشــقاء العرب بوقف استثماراته­م فــي إثيوبيا هو المحاولــة الأخيرة للضغط علــى أبي أحمد وبعده لم يعد أمام مصر إلا حل وحيد للدفاع عن حقها، فهل يستجيب الأشقاء؟

موت وخراب ديار

تلقــى فــاروق جويــدة فــي "الأهــرام" رســالة مــن عبدالســتا­رالحلوجي الأســتاذ في كلية الآداب في جامعة القاهرة ــ حول المبالغة في نفقات العلاج في المستشــفي­ات الخاصة: من واقع تجربتي مع مستشــفيين من المستشفيات الخاصة دعني أحكــي لك واقعتين: الأولى خاصة بزوجتي، التي رقــدت أكثر من شــهر فــي الرعاية المركــزة في أحد المستشفيات الخاصة.. وقابلت مدير المستشفى واستأذنته فــي نقلها إلى حجرة خاصة تزود بما تحتاجه من تجهيزات طبيــة.. وكان دافعي إلى ذلك أن الحجرة الخاصة آمن طبيا من الرعاية المركزة.. وكان رد مدير المستشــفى عليّ صادما، فقد قال لي: هل تظن أنني ســعيد ببقاء زوجتك في الرعاية المركــزة هذه المدة الطويلة؟ إنني أفضــل أن تتغير الوجوه في الرعاية، لأن المريض الجديد نطلب منه أشــعة وتحاليل وخلافه وهذه فيها البهريــز.. ولعلك تعجب معي إذا عرفت أن مريضتنا كانت تعاني فشــا كلويا، ومع ذلك اســتدعوا لهــا طبيب عيون لتضاف أتعابه إلى قائمة الحســاب.. ولما ســألت عن ذلك قيل لــي: إن ذلك بناء علــى طلب الطبيب المعالج.. المهم أن التجربة أو المأســاة انتهت بالوفاة بعد أن دفعنا مئات الألــوف.. وكانت التجربة الأخــرى مع ابنتي في مستشــفى آخر أكثر شهرة وأغلى ســعرا.. بدأت بحالة كورونا، وبعد أن تعافت منها بدأت حالتها تسوء فنقلت إلي الرعاية المركزة وظلت فيها خمســن يوما ذقنا فيها الأمرين وانتهــت بالوفاة.. وتبــن لنا أننا أمام إهمــال طبي وأزمة أخلاقية، في الوقت نفسه لن أحدثك عن المبالغ الطائلة التي حصلها المستشــفى والتي بلغت المليــون.. ولك أن تتخيل كيف تم تدبير هذا المبلغ.. لقد طلب المستشــفى حقنة ثمنها أكثر من ســتة آلاف جنيه وذكر لنا أنها ناقصة في الســوق وقد أمكن الحصول عليها من صيدلية الإسعاف بخطاب من المستشــفى.. وعرفنا أنها تباع في الســوق السوداء باثني عشــر ألف جنيه.. والســؤال هو بما تفســر عدم وجودها في مستشــفى كبير كهذا؟ وهل يمكن أن تصل إلى الســوق السوداء إلا عن طريق المستشفيات؟

مسمار أخير

خــال العقديــن الأخيريــن، والكلام لمحمــود زاهر في "الوفد" شــهدت «صناعة الصحافة» تراجعا كارثيا، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تشــهدها منذ ســنوات طويلة، لتعكس بوضوح ما تتعرض له من خســائر فادحة، وباتت في أمَسِّ الحاجة إلى ما يشــبه المعجزة في معركة الصمود من أجل البقاء. تراجعٌ ملحوظٌ فــي المبيعات والتوزيع، أو على مســتوى موارد الإعلانات، والتكلفة العالية في الورق والأحبــار والطباعة والأجور، وكذلك المنافســة القوية مع المواقــع الإلكتروني­ة، والتأثيــر الكبير لِمنَصَّــات التواصل الاجتماعــ­ي. أزمة حقيقيــة اضطُرت معهــا صحف عريقة حول العالم، مثل «نيويورك تايمــز» و«ذا أوبزرفر» و«ذي إندبندنت»، و«الحياة اللندنية»، و«الســفير» و«المستقبل» اللبنانيتي­ن إلــى إيقاف نســخها الورقيــة والاكتفاء فقط بالإلكترون­يــة. مؤخرا ثــار جدل كبير لم تنتــهِ آثاره بعد، بســبب قرار الهيئــة الوطنيــة للصحافة بإيقاف النُّسَــخ الورقيــة لثلاث صحف مســائية، وتحويلها إلــى مِنَصَّات إلكترونية.. في ســابقة هــي الأولى من نوعهــا، وربما لن تكون الأخيرة! قرار «صادم» استقبله الصحافيون بحسرة كبيرة، أعاد للواجهة المستقبل الغامض للصحافة الورقية، حيث اعتبره كثيرون آخر مسمار في نعشها، في ما استقبله البعــض بالترحيــب، إيذانا ببــزوغ فجرٍ جديــدٍ للعصر الإلكتروني. فلســفة إصدار «الصحف المســائية» تكمن في تقديم محتــوى إخبارى مهم للقارئ، لم تســتطع «الورقية الصباحية» اللِّحاق به، ولذلك يحتاج الأمر إلى التذكير بأنه في العالم الإلكتروني لا توجد إصدارات مســائية.. وأخرى صباحية.

ينتظرون الضياع

ثمة أســئلة أخرى لاحقت محمود زاهــر، تتعلق بمصير مئــات الصحافيين وغيرهــم في تلك الصحــف، أو التي لم يُصبهــا الدور بعد.. فهل يكون القــرار مقدمة لمصير محتوم لإصدارات ورقية أخرى، أم أنه يعني إقرارا بانعدام نســب التوزيع، أو اســتنفاد أهداف إصدارها، وفشل أي محاولة لتطويرها؟ نتصور أن موضوع مستقبل الصحافة الورقية، المطروح منذ سنوات، بات محسوما في الغرب تقريبا، حيث يوجد ما يشبه الإجماع، على اقترابه من الصفحة الأخيرة، وبــات مصيرها «الوجودي» مهددا بشــكل غير مســبوق، بسبب انخفاض المبيعات والاشتراكا­ت وانصراف المعلنين، وتحول غالبية القراء إلى العالم الرقمي. وبما أن الصحافة الورقية أصبحت في حالة موتٍ ســريري، بعد سنوات من دخولها غرفة العناية الفائقة، فلــم يعد يُجدي نفعا انتظار تشــييعها ببكائيات حادة، حزنا علــى دورها «التنويري» وجهودها التي بــدأت منذ ما يقارب قرنين. لكي تســتطيع الصحف الورقية الصمود والبقاء لفترة أطول، يجب دعمها بحلول مختلفة وغير تقليدية، من خلال رفع سقف الحرية، ورفع عصا الرقابة، وكذلك إعادة النظر في المحتوى، وتغيير القوالب الجامدة، لتكون تعبيــرا حقيقيا وصادقا عن رأي الناس، لا أن تكون صوتا واحدا متطابقا.

تعليم آخر الزمان

واقع الحال والكلام لأكرم القصاص في "اليوم الســابع" أن اســتمرار نظام التعليــم بالطريقة الســابقة، من رابع المســتحيل­ات، العالم يتغير والتكنولوج­يا تســبق البشر، والعلــم يحتل مكانته فــي العالم، بينمــا التعليم في مصر مجــرد عملية تجريــب متراكمة، تخلو من عــاج العَرَض، على مــدى عقود ظلــت عمليــة التطوير تتركز فــي إلغاء سنوات، وإضافة أخرى مع استمرار الدروس الخصوصية والملخصات والكتب الخارجيــة والمراجعات، التي تختصر التعليم في منح الطالب القدرة على إجابة الأســئلة بصرف النظر عما يتعلمــه أو ما يحمله من الثانوية للجامعة. لدينا أنواع مــن التعليم العام والخــاص والتجريبي والأمريكي والبريطانـ­ـي، والكوزموبو­ليتاني، ومعها وفوقها الدروس الخصوصية والملخصات، تخــرج طلابا يحتاجون للتعليم من جديد، وظــل تطوير وتغيير التعليــم مطلبا جماهيريا ونخبويــا، وبعض مَن نجحوا في منح أبنائهم فرصة تعليم مميز، هم مَن شاركوا في مهاجمة مشروعات تطوير التعليم. كان نظام الامتحانات قاعدة إضعاف التعليم، ومع تخريج تلاميذ بـــ100%، لم يكن الناتج متناســبا مــع المجاميع، حيث كان خريج الابتدائيـ­ـة والثانوية القديمة يجيد اللغة العربية وبعــض اللغات الأجنبيــة والرياضيات والعلوم والآداب بشــكل يتجاوز الخريج الحديث، كان التشخيص ظاهرا، والسيادة للدروس الخصوصية والكتب الخارجية والملخصــا­ت، والتوقعــا­ت المرئيــة، التي تســمح للتلميذ بالإجابة والنجاح، من دون ضمان لفهم أو معرفة.

مفرد أخطبوط

خلال الســنوات الأخيرة، والكلام ما زال لأكرم القصاص، ظهــرت تعبيرات مثــل بنك المعرفــة، والأبحــاث، والمناهج، والامتحانـ­ـات بالكتب المدرســية، واختبار الفهــم، والرغبة في خريــج يعرف بالفعل وليس مجرد آلــة لحل الامتحانات، وفى الامتحانات أصبحنا نســمع آراء مــن تلاميذ يتحدثون عن أســئلة تختبــر التفكير، ونظــام يقوم علــى اختيارات بينها فــروق بســيطة، وأن كل طالب يجيب بعقلــه، وأنه لا توجد إجابة نموذجية، وكلها طــرق بالتأكيد تضرب مصالح فئات عاشــت تتطفل على التعليم والتلاميــ­ذ وأولياء الأمور. محترفــو الــدروس الخصوصية وتجــار الكتــب الخارجية وأباطرة الملخصــات ودهاقنة المراجعات النهائية والأســئلة المتوقعة، أســطورة الكيمياء، وديناصــور الأحياء، وعنقاء اللغة الفرنســية، كل هــؤلاء يفقدون مصالحهــم، ونفوذهم، وقدراتهم علــى امتصاص مليارات التعليــم الضائعة، ولهذا فهــم أول مَن يهاجــم تطوير التعليم، ومَن يشــن حروبا على أنظمــة الامتحانات التي تضيع مصالحهــم، وهم مَن يطلقون شائعات مثل ســؤال «جمع حليب» ومفرد أخطبوط، وإعراب جمبري، وهم مَن ســوف يخترعون كل ما يمكنهم من تخويف النــاس أو تبرير عجز طــاب الدروس عن حســم الإجابة، علــى الرغم من الملخصــات والكبســول­ات. الهجوم والحرب ضد نظام الامتحانات في الثانويــة، ليس هجوما على وزير، أو حربا علــى وزارة ونظــام جديد، لكنه دفــاع عن مصالح الباطل، ومَن أفسدوا التعليم على مدى عقود وحولوه لتجارة ومضاربة. من حق الناس أن تطمئن لنظام التعليم، بعيدا عن الشــائعات والبوســتا­ت، والتى تدافع عن مصالح عصابات امتصت مليارات على مدى عقود وأفســدت التعليم، وحولت الــدروس الخصوصية إلــى مخدر يدمنه الطــاب، ويظنون أنهم لا يستطيعون التخلي عنه، ومع تغيير نظام الامتحانات يخوضــون حربهم الأخيرة، وطوال أربع ســنوات لم تتوقف الهجمات ومساعي التشكيك والتقليل من جهد التطوير.

محنة كل عام

قلوب أكثر من 600 ألف أسرة وفق ما تابع محمد الهواري في "الأخبار" معلقة بامتحانات الثانوية العامة ومشــاركة الأبنــاء في هــذه الامتحانــ­ات والتى تتعلق بمســتقبله­م ســواء في الالتحاق بالجامعات أو التعليم العالي ويسود القلق الأســر المصرية بســبب الجهود الكبيرة التي بذلتها من أجل إعداد الأبناء وصــرف المليارات من الجنيهات على الدروس الخصوصية، التطوير الــذي يتم في التعليم قبل الجامعي والذي يقوده بكل حرفية الدكتور طارق شــوقي وزير التربية والتعليم ســوف ينهي معاناة ملايين الأســر التي يســعى الأبناء لاجتياز الامتحانات خلال الســنوات المقبلة من خــال التطبيقات الإلكتروني­ة ســواء في توفير المعلومــا­ت والــدروس وأيضا في الامتحانــ­ات بما يخفف عن الأســر المصرية. لا شــك في أن الاهتمام بالتكنولوج­يا الحديثة يجب أن يتواكب مع الكتاب المدرسي لتحقيق المزيد من تركيز الأبناء واســتيعاب المعلومــا­ت وتحفيزهم على القراءة، لــذا كانت توجيهات القيادة السياســية بتطبيق التكنولوجي­ا والشيت في الوقت نفســه كمرحلة انتقالية، وأكد الكاتب على ثقته في جدية الحكومة في تطوير التعليم بعد مطالبات استمرت عشرات السنين، خاصة أن الاهتمام بالتعليم كان على رأس أولويــات دولة 30 يونيو/حزيران لقدرته على نقل مصر إلى آفاق التقدم والرقى لذا نشــطت الدولــة في بناء المدارس في كل المحافظات وتوفير الســبل والمقومات الخاصة بالعملية التعليمية، وأيضا توفيرأدوات الأنشطة الفنية والرياضية والثقافية في كل المدارس.

غادرت كملكة

عاشت جيهان الســادات التي نعاها سليمان جودة في "المصــري اليوم" امــرأة عظيمة إلى جوار رجــل عظيم، ثم غادرت الدنيا في مشــهد من العظمة لــم يحدث أن حظيت به ســيدة مصرية ســواها.. فالدولة بكل أركانها كانت في وداعها، والرئيس كان يتقدم موكب الوداع.. والصورة التي تناقلتها وكالات الأنبــاء لرأس الدولة واقفا أمام قبرها يقرأ فاتحة الكتاب على روحها، لم تكن في حاجة إلى كلام يشرح ولا إلى عبارات توضح! أما وسام «الكمال» الذي نالته بقرار رئاسي، فكان يسبقها ليفتح لها الطريق إلى مثواها الأخير، وكان اسمه كافيا للتعبير عن حياة تكاملت من جانبها حتى اللحظــة الأخيرة، وأما محور «الفردوس»، الذي ســيحمل اسمها منذ اللحظة، فكان اســمه في حد ذاته وكأنه بشارة بنوعية الحياة الأخرى التي تنتظرها في الســماء. وكانت قد أصدرت كتابا عن حياتها يحمل هذا العنوان: "سيدة من مصر" فكأنها أرادت مــن قارئ الكتاب، خصوصا في طبعته الإنكليزيـ­ـة، أن ينتبه إلى أن صاحبة الكتاب الذي بين يديه إذا كانت قد عاشــت تحمل لقب ســيدة مصر الأولى طوال سبعينيات القرن العشرين، وإذا كانت قد رافقت رجلا كان بطلا في الحرب بمثــل ما كان بطلا في الســام، فإنها قبل هذا كله، وبعد هذا كله، ســوف تبقى: سيدة من مصر! فهذا المســمى هو الذي يرضيها إذا ما أراد أحد أن يتحدث عنها أو يشير إليها.

داء يهددنا

أشار الســعيد حمدي في "المشهد" إلى أن الدولة جادة في محاربة الفساد، الذي تراكم لعشرات السنين، وأصبح كالســوس الذي ينخر في عظام الوطن.. ولكن الحقيقة أن الأمر لا يقتصر على كبار الموظفين، ولكن يمتد وبشــكل أكبر إلى الصغار منهم، الذين يبقون لسنوات كثيرة تصل إلى مدة الخدمة كاملة فــي أماكنهم بدون انتقال، ما يتيح الفرصة لتكوين علاقة بينهم وبين المواطنين، حتى يصبح دفع المعلــوم أمرا طبيعيا ومتعارفا عليه لتمرير المصلحة، وهذا عــن طريق سماســرة يمثلون حلقــة الوصل بين الطرفين. لذلك لا بد من إحداث حركة تنقلات دورية لجميع الموظفين، الذين يتعاملون مع الجمهور بشكل مباشر مثل التابعين لوزارة التنمية المحلية والصحة وغيرهم، بدون اســتثاء ســواء كانوا صغارا أو كبارا، وتكون في إطار المحافظة نفسها.. هكذا يمكن أن تكون خطوة للقضاء على الأدراج المفتوحة، مع تشديد الرقابة وتغليظ العقوبات.. لأن الفساد الإداري هو أخطر أعداء الأوطان التي تسعى إلــى النهوض. بعــض القيادات تجد صعوبــة بالغة في القيام بعملها كما يجب، بســبب تلك الكتــل الثابتة التي ترى أنهــا صاحبة المــكان، ولها الحق في تســييره كما تشاء.. إما ينصاع المدير الجديد أو يعيش في معاناة حتى ينقل مرة أخرى، وتكون خسارة في الحالتين. وهنا لا بد ألا نغفل دور المواطن في الحــد من ذلك الأمر، وإنهاء تلك الظاهرة، لأنه شريك أساسي، وفي بعض الأحيان يكون سببا مباشــرا، وتلك حقيقة لابد من مواجهتها، لأن هناك كثيرا من الناس لا يفكرون فــي قضاء حوائجهم إلا بتلك الطريقــة، ومنهم من يقنع نفســه أنه مرغــم، ولولا هذا لتعطلت مصالحة، وهنــاك من يرى أنها نوع من "الفهلوة و الشطارة" ويسعى جاهدا للبحث عن الفاسد، ويحرص كل الحرص على ضمــه لقائمة الأصدقــاء المقربين الذي يتباهى بمعرفتهم، ويطمئن بأن لديه مجموعة كبيرة من الفسدة يمكنه من خلالهم تمرير كل ما يريد، حتى إن كان ذلك بالمخالفة للقانون.

دورة ناجحة

الحقيقة التي انتهت إليها رشــا ســمير في "الفجر" أن معرض الكتــاب هذا العام لم يكن مجرد مناســبة ثقافية بل هو تحد لوجود الدولة وســط ظــروف صعبة أضرت بصناعــة الثقافة وأطاحت بأحلام الناشــرين والمؤلفين لمدة ثلاثة أعوام على التوالــي، والعلم عند الله إلى متى ستســتمر؟ جائحة كورونا قضت على التجمعات بشكل عــام، وعلى وجــه الخصــوص المعــارض والتوقيعات والنــدوات، حتــى أصبح اشــتياق الكُتــاب للتجمعات الثقافية شــوقا لا ينضب. معرض القاهرة الدولى للكتاب كان وســيظل أكبر معرض كتاب في الشرق الأوسط، لأن الثقافة أصلها مصر، وستظل مصر للأبد هي الرحم القادر على إنجاب المبدعين والإبداع، حتى لو أطلت دول عربية أخرى وبقوة مثل الشــارقة وأبو ظبــي لتنظم معارض كتاب كبيرة أصبح لها اسم يحترم ولتصبح الشارقة هي عاصمة الثقافة العربية بجهــد مبذول لا يمكن إنكاره، إلا أن نجيب محفــوظ هو مصر، ومصر كانت وســتظل هي عنوان زقاق المدق وقصر الشــوق. توقيت المعرض يعتبر توقيتا مختلفا والحقيقة هو ليس أفضل توقيت، فهو يأتي بالتزامن مع امتحانات الثانوية العامة التي هي بعبع كل البيوت المصريــة، ونحن لم نعتد أن يكــون المعرض في فصل الصيف، حيث الموجة الحارة شــديدة القسوة التي بدأت مع بداية المعرض، وموســم بدايــة المصايف التي جعلت عدد الزوار أقل من المعتــاد. خرجت علينا الصور فــي أول يوم تؤكد زحاما شــديدا على الأبــواب وإقبالا جماهيريا غيــر متوقع وهو ما أقره بالفعل الناشــرون، كما أن الجمعة الأولى أيضا كانت جمعة شــديدة الزحام، التنظيم جيد بشــكل كبير والتكييف أنقذ الزوار ورحمهم من حر الخــارج، والقاعات نظيفة حقيقة لا يشــوبها إلا ســلوك الأفراد الذين ما زالوا عازفين عن فكرة مســاعدة الدولة في الإبقاء على جمال الحدث.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom