بين القرقعة والطحين لا بد من القمح!
■ دأبــت الإدارة الأمريكيــة الجديــدة منــذ وصولهــا إلــى المكتــب البيضــاوي في البيــت الأبيض، علــى إطلاق التصريحــات المتتاليــة حول الصراع الفلســطيني الإســرائيلي، مؤكدة على التناقض التام بين مواقف إدارة ترامــب ومواقفها، وما قيل إنه طلاق بائــن بين الإدارتين، عبّرت عنه سلســلة تصريحات تدعو لاســتئناف واضــح للعلاقة مع الفلســطينيين، وفــق قرارات الشــرعية الدوليــة وحل الدولتــن، مع رفــضٍ صريح وفق المصادر الأمريكية، لما قد يؤثر في نتائج الحل النهائي للصراع، إضافة إلى استئناف المســاعدات المالية للسلطة الفلسطينية، والسعي إلى فتحها لمقر القنصلية في القدس الشــرقية، بل الذهاب نحو تخصيص مبلغ مالي لهذا الغرض.
ورغــم قناعتــي بأن أغلبية الشــعب الفلســطيني، فقــدت الأمل بموقف أمريكــي عــادل ونزيــه، إلا أن هــذا لا يلغــي أهميــة مراقبــة تلــك المواقف ومفاعيلها.
وقد شــددت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الجديد بلينكن، على المواقــف المعلنة، وصولاً إلى التأكيد على قيــام الولايات المتحدة الأمريكية باســتئناف الدعــم المالــي لوكالة غوث وتشــغيل اللاجئين الفلســطينيين )الأونــروا(. وبفعــل هــذه التصريحــات ومــا أعلنــه بايــدن، فقــد فهــم الفلســطينيون حتماً، أو البعض منهم ومن هــذه المواقف تحديداً، أن خطة ترامب المســماة بصفقة القرن، قد انتهت، وأن خريطته المســخ قد اندثرت،
وأن مشــروع الضم أصبح أيضاً في عداد الماضــي. لكن وقع التصريحات الأمريكية، ما زال يندرج في إطار القرقعة دونما طحين ملموس.
أما مجريات الأمور إســرائيلياً وعلــى الأرض، إنما تثبت أن ما يجري ما هو إلا اســتمرار واضح لعمليــة تنفيذ صفقة القرن، وبصــورة متصاعدة، إذ تســابق الآلة الحربية الصهيونية ســباقها العنيف مع عقارب الساعة، لتنفيذ العديد من محاور تلك الخطة، خاصة خطة الضم، بما فيها تســريع عجلة مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتعزيز الهجرة اليهودية، وصولاً إلى إعلان الصندوق القومي اليهودي مؤخراً، وبشكل صريح، عن نيته العمل على تنفيذ خطة للشراء المزعوم للمزيد من الأراضي، في محيط المســتوطنات الحالية، بغرض توســيعها وهو ما ســيحقق الاغتيال التام للجغرافية الفلســطينية. كمــا أن عودة القرار الإســرائيلي باقتطاع رواتب الأســرى والجرحــى الفلســطينيين، يؤكد علــى ثبات وتواصل سياســة العقــاب الجماعي، خاصة أن عملية الدفع لهذه الأســر ليســت بالجديدة، وقد اســتمرت منذ إنشاء الســلطة وحتى تاريخه. وهو ما يعني أن نبشها اليوم ما هو إلا تفنن في تقليعات الاحتلال الاســتنزافية، بغرض الوصول إلى إشــغال الفلســطيني والعالــم بقضايــا مختلفة تحــرف الاهتمام عن ضرورة إنهاء الاحتلال. وما الحرب على المناهج الفلســطينية، إلا مساحة أخرى للمشــاغلة، ربما تتبعها مشــاغلات أخــرى، كاتهــام الأطباء الذين يطببون المقاومين الفلســطينيين بمعاداة الســامية مثلاً، وصولاً إلى خنق قطاعي الصحة والتعليم.
إن عملية الطحن التي يمارســها الاحتلال اليوم في إجراءاته التعســفية المذكورة، واســتمرار اقتحام المســجد الأقصى، وهدم وســرقة المنازل في
ســلوان وغيرها، واســتدامة الهجوم على الشيخ جراح، وتصاعد مساعي التطبيــع المخجل، لن تفرز في مجملها إلا طحــن الكراهية والقتل والعنف، ولــن تقــود بالمطلق إلى تراجــع الفلســطيني، أو رحيله، وهو الذي أقســم بــأن لا يكرر تجربة النكبة. لذا فإن صفقة القرن مســتمرة، ولن يقنعنا أحد بسقوطها مهما حاول تجميل تصريحاته عبر إسقاط مصطلحات جوفاء، ترتبط بسيدنا إبراهيم، اخترعها ترامب وعصابته.
المطلــوب بــن القرقعــة والطحــن أن يكون القمــح حاضراً حتــى يحيا الإنسان، بالخبز والعمل والأمل وسقوط الاحتلال، فبدون رحيل الاحتلال والقناعة بضرورة تحقيق ذلك فإن المقرقعين والمطبلين كثر دونما نتيجة.
إجراءات الاحتلال التعسفية التي يمارسها يوميا، لن تقود بالمطلق إلى تراجع الفلسطيني، أو رحيله، وهو الذي أقسم أن لا يكرر تجربة النكبة