Al-Quds Al-Arabi

بين القرقعة والطحين لا بد من القمح!

- د. صبري صيدم ٭ ٭ كاتب فلسطيني s.saidam@gmail.com

■ دأبــت الإدارة الأمريكيــ­ة الجديــدة منــذ وصولهــا إلــى المكتــب البيضــاوي في البيــت الأبيض، علــى إطلاق التصريحــا­ت المتتاليــ­ة حول الصراع الفلســطين­ي الإســرائي­لي، مؤكدة على التناقض التام بين مواقف إدارة ترامــب ومواقفها، وما قيل إنه طلاق بائــن بين الإدارتين، عبّرت عنه سلســلة تصريحات تدعو لاســتئناف واضــح للعلاقة مع الفلســطين­يين، وفــق قرارات الشــرعية الدوليــة وحل الدولتــن، مع رفــضٍ صريح وفق المصادر الأمريكية، لما قد يؤثر في نتائج الحل النهائي للصراع، إضافة إلى استئناف المســاعدا­ت المالية للسلطة الفلسطينية، والسعي إلى فتحها لمقر القنصلية في القدس الشــرقية، بل الذهاب نحو تخصيص مبلغ مالي لهذا الغرض.

ورغــم قناعتــي بأن أغلبية الشــعب الفلســطين­ي، فقــدت الأمل بموقف أمريكــي عــادل ونزيــه، إلا أن هــذا لا يلغــي أهميــة مراقبــة تلــك المواقف ومفاعيلها.

وقد شــددت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الجديد بلينكن، على المواقــف المعلنة، وصولاً إلى التأكيد على قيــام الولايات المتحدة الأمريكية باســتئناف الدعــم المالــي لوكالة غوث وتشــغيل اللاجئين الفلســطين­يين )الأونــروا(. وبفعــل هــذه التصريحــا­ت ومــا أعلنــه بايــدن، فقــد فهــم الفلســطين­يون حتماً، أو البعض منهم ومن هــذه المواقف تحديداً، أن خطة ترامب المســماة بصفقة القرن، قد انتهت، وأن خريطته المســخ قد اندثرت،

وأن مشــروع الضم أصبح أيضاً في عداد الماضــي. لكن وقع التصريحات الأمريكية، ما زال يندرج في إطار القرقعة دونما طحين ملموس.

أما مجريات الأمور إســرائيلي­اً وعلــى الأرض، إنما تثبت أن ما يجري ما هو إلا اســتمرار واضح لعمليــة تنفيذ صفقة القرن، وبصــورة متصاعدة، إذ تســابق الآلة الحربية الصهيونية ســباقها العنيف مع عقارب الساعة، لتنفيذ العديد من محاور تلك الخطة، خاصة خطة الضم، بما فيها تســريع عجلة مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتعزيز الهجرة اليهودية، وصولاً إلى إعلان الصندوق القومي اليهودي مؤخراً، وبشكل صريح، عن نيته العمل على تنفيذ خطة للشراء المزعوم للمزيد من الأراضي، في محيط المســتوطن­ات الحالية، بغرض توســيعها وهو ما ســيحقق الاغتيال التام للجغرافية الفلســطين­ية. كمــا أن عودة القرار الإســرائي­لي باقتطاع رواتب الأســرى والجرحــى الفلســطين­يين، يؤكد علــى ثبات وتواصل سياســة العقــاب الجماعي، خاصة أن عملية الدفع لهذه الأســر ليســت بالجديدة، وقد اســتمرت منذ إنشاء الســلطة وحتى تاريخه. وهو ما يعني أن نبشها اليوم ما هو إلا تفنن في تقليعات الاحتلال الاســتنزا­فية، بغرض الوصول إلى إشــغال الفلســطين­ي والعالــم بقضايــا مختلفة تحــرف الاهتمام عن ضرورة إنهاء الاحتلال. وما الحرب على المناهج الفلســطين­ية، إلا مساحة أخرى للمشــاغلة، ربما تتبعها مشــاغلات أخــرى، كاتهــام الأطباء الذين يطببون المقاومين الفلســطين­يين بمعاداة الســامية مثلاً، وصولاً إلى خنق قطاعي الصحة والتعليم.

إن عملية الطحن التي يمارســها الاحتلال اليوم في إجراءاته التعســفية المذكورة، واســتمرار اقتحام المســجد الأقصى، وهدم وســرقة المنازل في

ســلوان وغيرها، واســتدامة الهجوم على الشيخ جراح، وتصاعد مساعي التطبيــع المخجل، لن تفرز في مجملها إلا طحــن الكراهية والقتل والعنف، ولــن تقــود بالمطلق إلى تراجــع الفلســطين­ي، أو رحيله، وهو الذي أقســم بــأن لا يكرر تجربة النكبة. لذا فإن صفقة القرن مســتمرة، ولن يقنعنا أحد بسقوطها مهما حاول تجميل تصريحاته عبر إسقاط مصطلحات جوفاء، ترتبط بسيدنا إبراهيم، اخترعها ترامب وعصابته.

المطلــوب بــن القرقعــة والطحــن أن يكون القمــح حاضراً حتــى يحيا الإنسان، بالخبز والعمل والأمل وسقوط الاحتلال، فبدون رحيل الاحتلال والقناعة بضرورة تحقيق ذلك فإن المقرقعين والمطبلين كثر دونما نتيجة.

إجراءات الاحتلال التعسفية التي يمارسها يوميا، لن تقود بالمطلق إلى تراجع الفلسطيني، أو رحيله، وهو الذي أقسم أن لا يكرر تجربة النكبة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom