Al-Quds Al-Arabi

بين الجزائر ومدريد والرباط: هل تبدأ المفاوضات؟

- نزار بولحية ٭ ٭ كاتب وصحافي من تونس

لا إشارة تدل على تطلع الجزائر لفتح صفحة جديدة مع جارتها الشرقية، غير أن ذلك لا يعني أن الحال سيبقى على ما هو عليه

■ أقــوى تعبيــر عــن رغبــة مدريد بالتطبيع ســريعا مع الرباط، هو وصف خوزيه مانويل، في حفل تنصيبه الاثنين الماضــي علــى رأس الخارجية الإســباني­ة، المغــرب بـ«الصديق الكبير». لكــن إن فُتح الباب أمام الإســبان، فهل ســيضيق على الجزائريين؟

حتى الآن لا إشــارة تــدل على تطلــع الجزائــر لفتح صفحة جديدة مع جارتها الشرقية، غير أن ذلك لا يعني أن الحال سيبقى علــى ما هو عليــه، فالتطــورا­ت التي حصلت الأســبوع الماضي في العاصمتين، قد تحمل مؤشــرات، ولو بســيطة، على أن هناك فرصة لتحريــك المياه الراكــدة. ولعل أول ما يلفــت الانتباه هو أن الفاصل الزمني بين إعلان رئيس الوزراء الإســباني، الســبت الماضي، عن تعديل وزاري واسع على تركيبة الائتلاف الحاكم في بلاده، وكشف الرئاسة الجزائرية عن التشكيل الحكومي الجديد كان ثلاثــة أيام لا غير. كما أن أبرز ما حملــه التعديلان كان إبعاد صبري بوقادم عن دفة الدبلوماسـ­ـية الجزائرية، وإزاحة أرانشا غونزاليس ليــا، التي توصــف بـ«صانعة الأزمــات» عن قيادة الخارجية الإسبانية. لكن هل حصل هذا بمعزل عن ذاك، ولم تكن هناك أي صلة أو علاقة بين الحدثين؟ أم أن هناك رابطا ما جمع بين رغبة الجزائريين والإســبان في إعادة ترتيب بيتهم الدبلوماسي في وقت واحد؟

لا شك بأن الأزمة التي اندلعت قبل أكثر من شهرين على خلفية اســتقبال مدريد لزعيم البوليســا­ريو، كانت ثلاثية الأبعاد، فهي إن وضعت في الظاهر مدريــد فقط في مواجهة مع الرباط، إلا أنها كرست كذلك جانبا من صدام الأخيرة المستمر مع الجزائر، وألقت الضوء على معطى مهم وهو، رفض المغرب لاســتمرار أي تحالف أو تنسيق إســباني جزائري ضده. ومع أن المساعي تركزت على تطويق الشــق الإســباني المغربي من الأزمة، فــإن الحديث عن وجود جزء جزائري مغربي منها ظل مغيبا، والســبب أن العقود الطويلة من خــاف الجارتين، جعلت القطيعة بينهما تبدو وكأنها من تحصيــل الحاصل، لكن إن كانت مشــكلة الربــاط مع مدريد تتركز بالأســاس على ملف الصحراء، فمن ينكــر أن جزءا كبيرا من أوراق ذلك الملف توجد في الجزائر؟ ومن يتصور أن الإســبان ســيبقون طويلا على موقفهم في حال مــا إذا تخلى الجزائريون غدا عن البوليســا­ريو؟ فكيف يمكنهم أن يقفــوا حينها ضد إرادة بلدين مغاربيين، ويرفضوا أي تســوية قد يتوصلان لها في شأن يعنيهما أكثر من غيرهما؟ سيكون من الصعب جدا على الإسبان أن يقوموا بأي دور مهم في ذلــك الملف، متى فقدوا جزءا من الأدوات القديمة التي كانت بحوزتهم، ولم تعد الأســباب والظروف التي جعلتهــم ينجحون في اللعب على الحبلــن المغربي والجزائري، واستغلال تناقضات وخلافات البلدين موجودة. لكن كيف يقتنع الجزائريون بعيدا عن الشعارات، أن مصلحتهم كانت وستبقى مع المغرب، وليس مع إسبانيا؟ إن ما يحصل هو أن هناك من يساعدهم على توهم العكس. فســاعات قبل الإعلان عن إقالتها من منصبها، ظهرت أرانشــا غونزاليس ليا إلى جانب نظيرها الفرنســي أيف لودريــان في مؤتمر صحافي عقداه في مدريد، في أعقاب جلســة محادثات جمعتهما. وعندما ســأل لودريان إن كان يقوم بوساطة بــن المغرب وإســبانيا بادر للقــول «إن الامر لا يتعلق بفرنســا للتوسط بين المغرب وإســبانيا وهما دولتان تتمتعان بالسيادة، وتتحمــان مســؤوليته­ما الخاصة» قبل أن يضيف، أن لفرنســا علاقــات ممتازة بكلا البلدين إلا أنها «تبــدي الكثير من التضامن مع إســبانيا لكونهما عضوين في الاتحاد الأوروبي». وربما كانت الجملة الأخيرة للوزير الفرنســي أقرب ما تكون إلى فخ أو طعم. ففــي وضع طبيعي كان ســيكون الطرف المعني بها مباشــرة هو الرباط، إلا أن لودريان لم يكن ينظر على ما يبدو للكأس من زاوية واحدة، وأراد أن يوجه، وعلى طريقته رسالة ترحيب إلى المسؤول الجزائري عن مقاليد الخارجية، أي الدبلوماسي المخضرم رمطان لعمامرة، ساعات قليلة بعد استلامه لمهامه، لقد كان يعلم جيدا أن إظهار أي نوع من الميل، أو الانحياز للإسبان في نزاعهم الأخير مع المغرب، سوف يكون إشارة ذات مغزى لن يتخلف من يوصف في الجزائر بـ«الساحر الدبلوماسي» ويحسب واحدا من أهم أصدقاء باريس، عن تلقيهــا بالتقدير المطلوب، لكن لم فعل الفرنســيو­ن ذلك؟ وهل كان وزير خارجيتهم وهو يتحادث مع وزيرة إسبانية تمضي آخر ســاعاتها في المنصب يحاول استباق الزمن، وإعادة ترتيب الأوراق الإســباني­ة الجزائرية، لتعبيد الطريق أمام تطور ما؟ لقد أرادت باريس أن تدخل علــى خط الأزمة، لضرب أكثر من عصفور بحجــر واحد، فهي في حاجة للمغــرب، ولأجل ذلك فهي تقدم له وبقدر محدود بعض الرســائل الإيجابية والمطمئنة حول الملف الصحراوي، وهي لا تقدر أيضا على التخلي عن الجزائر، ولا تغفل عن إبلاغها بأنها مســتمرة في الوقوف في المنطقة الرمادية، حيث لا حســم لا لصالح المغرب ولا ضده في ذلــك الملف. كما أنها تنظر بقلق بالــغ لأي تدخل أمريكي محتمل فــي المنطقة، وترغب بإظهار نوع من الدعم الرمــزي لمدريد، حفاظا على ما تبقى لها من زعامة قارية.

لكن هل يعني ذلك أنه ســيكون باســتطاعت­ها أن تجعل مدريد أداة طيعــة بيدهــا، وأن تقنــع الجزائريــ­ن، بــأن لا جدوى من تصالحهم مع المغرب؟ وفي تلك الحالة هل ســيكون التغيير الذي حصل على رأس الدبلوماسي­ة الجزائرية والإسبانية شكليا فقط؟ أم أنه سيســمح بإذابة الجليد وتحقيق انفراج في علاقة البلدين بالرباط؟ بغض النظر عن طبيعة الأسماء فإن الأمر يتعلق بقدرة الأطراف الثلاثة على الجلوس إلــى طاولة مفاوضات، إما ثنائية أو موســعة، قد تســمح لهم بالتوصل إلى تفاهمات حول الملفات العالقة بينهــم. وتصور تلك العملية ليس بالأمر الســهل. لكن ما الذي ســيدفع الجزائريين والإســبان للانخراط فيهــا؟ ألن يمثل جلوســهم مع المغاربة إلى طاولة واحدة في هذا الظرف انتكاسة كبرى لمشروعهم؟ إن المحدد هو، ما الذي سيكسبونه، وربما أيضا ما الذي سيخســرونه إن هم واصلوا التمسك بمواقفهم؟ لكن هل يستطيع المغرب بالمقابل أن يقدم لهم بعض المحفزات؟ وهل سيكون بمقدوره مثلا أن يعرض على الجزائريين مقترحات سخية وجذابة تجعلهم يوافقون بالأخير على تصوره لحــل النزاع الصحراوي بشكل نهائي ودائم، من خلال منح الصحراويين حكما ذاتيا؟ وهل يستطيع أن يقدم للإسبان أيضا نوعا من التطمينات، بأنه حتى إن طالب لاحقا بخروجهم من باقي أراضيه المحتلة في الشــمال، فإنه سيمنحهم فيها بالمقابل امتيازات قد تحفظ مصالحهم؟ إن كل ذلك يتعلق، بلاشك باستعداد كل طرف للتنازل للطرف الآخر، وقدرته على استيعاب المعطيات والمتغيرات الإقليمية والدولية، وإدراكه الجيد لطبيعة التوازنات المقبلة فــي المنطقة. وما تدل عليه أغلب المؤشــرات حتى الآن، أن فرضية التفاوض باتت اقرب من فرضية التصادم وربما الحرب. أما كيف؟ ومتى؟ وإلى أين سيفضي ذلك؟ فهذا وحده ما سيقرره المعنيون بالأمر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom