Al-Quds Al-Arabi

الجزائر: عندما يتحوّل حزب إسلامي إلى رماد سياسي

- د. نورالدين ثنيو ٭ ٭ كاتب وأكاديمي جزائري

■ المعارضــة الإســامية فــي الجزائــر لا تعني قوة سياســية، بقدر ما تمثل حالة من الاعتــراض الدائم على سياســة النظــام القائم. والاعتــرا­ض لا يعنــي إطلاقا المعارضة، فالحزب الذي يمثل حقيقة المعارضة هو الحزب الذي يرغب في الوصول إلى الســلطة، ليمارســها كبديل للسياسي في الحكم القائم، وينتظر فشله لكي يحل محله.

وعليه، فالمعارضة السياسية قائمة عبر وجود أحزاب تنظر إلى نفسها على أنها بديل عن الموالاة والحكم القائم. خلاف ذلك، نجد أن الأحزاب الإسلامية، التي كانت قائمة على هذا التصور، أي التشريع من مصادر الدين الإسلامي، لم تعد كذلك، من فرط انغماسها في لعبة محبكة مع النظام السلطوي، منذ سنوات الشاذلي بن جديد، وقيادة أركان خالد نزار إلى اليوم. كانت الخطيئة الكبرى لحزب حماس )حركة المجتمع الإســامي( قبــل التحول، تحــت إكراه الســلطة الأمنية العليا إلى حركة مجتمع السلم، من أجل أن تجهز على كل خصائصه الذاتيــة، وتحرمه من نواته الدينية، لكي تحوّله إلى كتلة طيعة، لا تقوى على أي فعل سياسي، إلا بإرادة السلطة وسيناريوها­تها ومخرجاتها التي تؤكد طبيعة النظام السلطوي.

الأحزاب الإسلامية التي سايرت النظام في حكمه، وفي اعتراضه على المعارضــة، لا تملك تاريخها الخاص، الذي يؤكد نصيبها من الفعل السياسي، ومن ثم تاريخ الجزائر لما بعد الاســتعما­ر، فلم تقدم نصيبها من اســتقلال دولة جزائرية لكل مواطنيها.

وغنــي عن البيان أن هذا الانحــراف الكبير الذي قتل الأحزاب الإســامية كان عندما ســارعت إلى تأســيس أحزابها على أســاس ديني، وحاولت أن تظهر أنها تتميز به عن الســلطة، وعن الأحزاب السياســية الأخرى. فقد كان التعدد داخــل المرجعية الدينية، مقتــاً حقيقياً لأي مشروع أو مسعى «سياســي» يروم إصلاح الوضع العام في الجزائــر، هذا أولا، أما الســبب الثانــي الذي أفضى إلى اغتيال الفعل الإســامي المتوســل بالسياســة، هو مرور حمــاس إلى خدمة النظام عبر «الجبهة الإســامية للإنقاذ » الرفيق الإســامي الآخر «للإسلام السياسي » ثم أخيرا، وليس آخرا، أن رصيد «حركة مجتمع الســلم» من السياســة، هو رصيد من الأفعال الانتهازية والوصولية والخلط العشــوائي بــن الدعــوة الدينيــة والخطاب السياســي المخاتل، ومثل هــذا الرصيد يكشــف إفلاس صاحبه، ويؤكد مــدى تعاونه مع الســلطة القائمة على اختلاف وجوههــا وأَوْجُهها، حيث يبقــى دائما «حمس» يلعب مع النظام فــي لعبة الاعتراض المؤيــد، أو التأييد بلكنــة الاعتــراض.. ذروة «النفــاق الأســود» وأعلــى مســتوياته، لأنه يورد الدين في السياســة. عندما أعلن «حمس» عن عدم مشــاركته في حكومة ما بعد تشريعات 12 يونيو/حزيران الماضي، لم يكــن يدرك، أو كان يدرك،

لا يهم، أن الســلطة التي تمده دائما بإكسير الحياة، لكي يتقوى أو يضعف عند الحاجة، لم تنظر إليه إطلاقا كقوة سياســية، أو حزب له جانبه المهم والمعتبر، لكي يؤثر في قرارات النظام المقبل، لأن أصل اللعبة قائم على عدم الأخذ بمنطق الأغلبية، كفاعل شرعي في الحياة السياسية، كما أن الألقاب الإســامية لم تعد تلحق الأحزاب، بل الأفراد، وما يقولون وما يظهرون.

يكفي مثلا أن تصلي، على قارعة الطريق لكي تستميل أنصارا لك في حملة انتخابيــة، كما يمكنك أن ترفع دعاء، أو تحيل حملتك الانتخابية إلى آيــات من القرآن الكريم، أو أحاديث نبوية، لتؤكد بذلك أنك تحترم شــعائر الدين الإســامي.. وتكســب أنصارا. عندما أعلن حزب حمس عدم مشــاركته في حكومة ما بعد التشريعيات الأخيرة، يكون قد قدَّم خدمة للنظام العســكري القائم، بوعي منه أو بدون وعي، لأن تصــرف المقاطعة يصب أكثر في منهج الانتهازيـ­ـة والوصولية، وهذا هو الوجه الحقيقي لحَمس لدى السلطة الفعلية في الجزائر.

الوعــي السياســي المقبل الــذي يجــب أن تتحلّى به الجماهير، هو ما تراه الســلطة القائمة من خلال أجهزتها وهياكلهــا الأمنيــة، وموقفهــا من الأحزاب الإســامية، وليــس ما يقدمه أنصار هذه الأحــزاب عنها، لأن مثل هذا التصرف هو عين المخاتلة، وتســويق الوهم و«البزنيس» في الخطاب الديني. وحتى تتأكد الصورة ويتضح المقال، نقول إن لحظة انتقال حزب المجتمع الإســامي )حماس( إلى مجتمع الســلم )حمس( اكتفى فقــط بحذف «الألف» التي أوصلته إلى حالة يفتــرض وجودها في كل المجتمع الجزائري ولا تميزه في شيء. من الذي يرغب في الحرب والعنف والإرهاب، وخلق الأزمات وصناعة الموت؟ لا أحد فالحزب الذي يتحدد بالســلم ليس حزبا، وإنما حلقة في فلك الســلطة القائمــة، التي تبحث دائما عــن موالاة لها في ســياق لكي تنتقل إلى ســياق آخــر، وكان حمس في الموعد هــذه المــرة باعتراضه على المشــاركة في حكومة تشريعيات ما بعد 12 يونيو، لأن هذا ما ينتظر منه، مقابل

بقاء عناصره الجديدة فــي البرلمان.. ذروة وأعلى وجوه الانتهازيـ­ـة، ولم يعد له مــن دور، إلا اللعب مع ما يتطاير عن السياســة والنظام القائم. التشريعيات الأخيرة هي آخر ما يمكن أن تصل إليهــا تجربة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في فسادها السياســي، وقلة تبصرها بالوضع القائم في الجزائر.

فحزب حمــس المنقوص دائمــا من الشــرعية، الذي يعاني مــن غياب مبــرر وجــوده السياســي والفكري والأيديولو­جي، لأنــه لا يتطابق إطلاقا مــع عنوانه، بل يبقى دائما يتطاير أشــعاثا في فلك السلطة، إلى أن تجود عليــه بمناصب ومزايــا ومؤن يتقوت بهــا إلى حين. فقد حصّل في التشريعيات الأخيرة على 208471 صوتا مقابل 65 مقعدا في البرلمان، وهو رقــم زهيد جدّا، لأنه من أصل 24 مليونا ونصف مليون منتخب مسجل. وعليه، فإن هذا الرقم الضعيف هو الذي يحظى بالاعتبار لدى السلطة في تقديرهــا، أو عدم تقديرها للأحزاب والقوى السياســية الضاغطة، فالتشريعيا­ت الأخيرة باعتبارها مرآة كاشفة لحقيقة حركة مجتمع السلم، ترميه بعيدا، وأبداً لن يصل إلى إدارة الشــأن العام.. لأن الغبار والرماد والهباء هي الأشياء التي تحوم حول القيادة العليا للبلاد، تؤكد كلها على أن هياكل السلطة المنافية للدولة هي الأصل والفصل والمفصل، وأن باقي المجتمع عبارة عن خطابات سياسية، وأصوات وبرامج هوجاء، على ما سمعنا ورأينا في قوائم الذين أطلق عليهم زورا وبهتانا المترشحون الأحرار.

ما اعترى الانتخابات التشــريعي­ة الأخيرة، أنها تمت على خلفية، وفي ســياق غير شرعي، وأسفرت عن نتائج أيضا غير شــرعية، لأنها كرست ما لا يصلح للتشريع وأن الخاسر الأعظم هو حزب حركة حمس، الذي دفعه إخفاقه الفاحش إلى عدم تقلد أي منصب وزاري، نزولا عند رغبة النظام القائم وليس كما يوهم الحزب نفسه أو كما يسوق جسده للآخرين...

الحزب المعارض هو الحزب الذي يرغب في الوصول إلى السلطة ليمارسها كبديل للسياسي في الحكم القائم

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom