Al-Quds Al-Arabi

المغترب الأردني و«شمعة» الإصلاح

- بسام البدارين٭ ٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

■ الذريعة التي اســتخدمت فــي الماضي لعقود وحالت دون تمكين المغترب الأردني من المشــاركة في الأعراس الانتخابيـ­ـة والديمقراط­ية الوطنية، ينبغي أن تسقط الآن بعدما فقدت قيمتها، ليس فقط لأن الإصلاح السياسي أفقي وشمولي وينبغي أن لا يقســم إلى أجزاء تفقده دسمه ووزنه. ولكن لأن الإصلاح الحقيقي يتطلــب اليوم ولأول مرة تمكين الأردني أينما كان من المشاركة السياسية.

أضم صوتي للمقترح الذكي الذي يحاول تقصير المســافة بين الأردنيين في الخارج ووطنهم وأهلهم فــي الداخل، ليــس فقط عبر تمكــن المغتربين من المشــاركة في الانتخابات ترشــيحا وتصويتا كما تفعل بقية شــعوب الأرض المتحضرة. ولكن أيضا عبــر التحدث مع هــؤلاء القــوم والتواصل معهم والاســتثم­ار فيهم، فالمغتربون خبرة بشرية هائلة ومخزن إستراتيجي ورأســمال تواق دوما لوطن أفضل.

كنت برفقة زملاء في مدينــة المحمدية المغربية، وفهمت ما الذي يعنيه إرتباط المغترب بوطنه عندما غادرت زميلة بســرعة، حتى تلحق بالقطار الذي يوصلهــا إلى مقر الســفارة البلجيكية بعد تحديد موعد لها للإدلاء بصوتها كمواطنة بلجيكية.

مشــهد فيه من الســرور الكثير وعلى بساطته يعني بأن المغترب ليس مجرد آلة أو ماكينة ينسى مشــاعره وإنحيازاته تجاه وطنه وقومه، ولا أرى ما يمنع إظهار الدولة الأردنية ولو لمساحة صغيرة

من الاحتــرام والتقدير للمغتربــن الذين يرفدون خزينة بلادهم بمليارات الدولارات، وهم دوما ذخر حقيقي في الخبرة والكفاءة والوطنية والمال أيضا.

تحتاج خطوة من هذا النوع إلى جرأة من دوائر القــرار، تتجاهل المســكنات والمرعبات والمخدرات التــي تخيف من مثل هذه الخطــوة فلا أحد يزاود على المغتــرب الأردني، وحتــى دول الجوار التي قيل لنــا دوما إنها لا تقبل مــن أولادنا نقل تجارب انتخابية تتطور فيها آليات المشاركة وتتغير أحوال الانفتاح فيها، وفي حال حصول حساسيات يمكن تدبير الأمر بهــدوء وصمت وعبــر نظام تصويت إلكتروني لا يزعج ولا يغضب أحدا.

مــن فرط ما تحدثنا عــن الأوراق البيضاء ذات القيمة فــي حوارات التفكيــر الإصلاحي الأردني، بدأ البعض يتهمنا بلعن الظلام والتشــكيك مسبقا والعبــث في التحليــل والاســتنت­اج، وكثرت تلك الاقتراحــ­ات التــي تنطلق باســم لجنــة تحديث المنظومة السياسية الملكية وتطالبنا باقتراحات.

رئيس اللجنة المعنية بقانون الانتخاب البرلماني خالد البكار طالبني والصحافة علنا بالمشاركة في تقديم مقترحات وحلول وأفكار. حســنا سنشــعل شمعة.

تمكين المغترب الأردني من التصويت والترشيح بأي وسيلة خطوة في الاتجاه الصحيح.

وضــع نصــوص قانونية فــي صلــب قانون الانتخــاب تتضمــن عقوبات بالســجن والغرامة تؤدي إلى تجريم أي تدخل مــن قبل أي موظف أو مواطن في نزاهــة عملية انتخابيــة أيضا خطوة في الاتجاه الأصح، وتفاعــات اللجنة لا قيمة لها إذا لم توفر الأســاس النصي القانوني ليس لرصد التدخل والعبث بالانتخابا­ت فقط بل لفرض أغلظ العقوبات على من يسيء لمستقبل الدولة الأردنية بمثل هذا السلوك المشين.

دمج الدوائر الانتخابية أيضا بعيدا عن حسابات الديمغرافي­ة والسياســة من التحديات الرئيسية والخطوات المطلوبة إضافة الى خفض سن المرشح. حتى يتوقف العبث بالدوائــر الانتخابية وتوزيع عدد المقاعد فيهــا لا بد من تضمينهــا في نصوص قانون الانتخــاب، وإلغاء كل اللوائــح والأنظمة الملحقة التي تتيح للسلطة الإدارية لاحقا تغيير أو تعديل أي بند مهم في مراحل العملية الانتخابية.

إعادة النظر بقانون الهيئة المستقلة للانتخابات مطلب ملح أيضا، والحرص على إنقاذ سمعة وهيبة البرلمــان الأردني هو المطلب الأكثر إلحاحا، ولا يقل أهمية عنه إلا تقديم ضمانات إلزامية بنص القانون وليس بالخطــاب السياســي والبيروقرا­طي فقط تمنع أي تدخل صغــر أم كبر لأي جهة رســمية او أهلية بكل تفاصيل ومراحل العملية الانتخابية.

نزعم بأن غالبية الشــعب الأردنــي لا يضيرها صنف النظام الانتخابــ­ي ولا قصة عدد الأصوات، بقــدر ما فقدت عمليــة الانتخاب رصيدها وســط الناس، بسبب التدخل والعبث وهو متعدد الأشكال

والأنماط، وأحيانا يرتدي الــزي الرســمي، وتلــك النقطة الفاصلة اليوم في إنجاز قانــون انتخابات منصف وعادل.

مــن ألحق ضــررا بصــورة البرلمــان والدولة الأردنية هو تلك الممارســا­ت التي تســمح بالعبث والتدخل وما يجري في غرف عمليات الانتخابات أحيانا أكثر أهمية مــن العصف الذهني في اللجان الملكيــة لأن منظومة الإجراءات تســمح بالتدخل العبثــي الفردي والشــخصي وليــس بالضرورة العبث الرســمي بقرار مؤسســي. وبالتالي ضبط الإشراف القضائي بعملية محكمة لا تقبل الشكوك لمراحــل فرز الأصوات وعدها هــو الضمانة، حيث أخفقت الضمانــات الحكومة العلنيــة عدة مرات، حتى أن نســبة الإقتــراع في دوائــر مهمة جدا في العاصمة عمــان وصلت إلى 9 فــي المئة، ليس من ســكان تلك الدائرة، ولكــن من الذيــن يحق لهم الاقتراع بينهم.

يعــرف جميع أصحــاب القرار ما هي مشــكلة الانتخابات في الأردن. ويعرف هؤلاء جميعا كيف يمكن معالجة هذه المشــكلة واســتعادة مصداقية العملية الانتخابية. لا يحتاج الأمر لتنظير ولجان أحيانا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom