Al-Quds Al-Arabi

«وول ستريت جورنال»: الوجبات المدرسية ساحة جديدة في معركة فرض العلمانية في فرنسا والمسلمون هدفها

- لندن - «القدس العربي»: «

نشــرت صحيفــة "وول ســتريت جورنــال" تقريــراً عن وضع الإســام في فرنســا، وقالت نومي بيرســيب إن فرض قواعد علمانية واســعة في المجتمع الفرنســي جعلت المسلمين مســتهدفين، وأشــارت إلى أن وجبــاب الطعام فــي المدارس أصبحت ساحة المعركة الأخيرة حول موقع الإسلام في فرنسا.

وجاء في المقال الذي أعدته الكاتبة من بلدة بيزيز، جنوبي فرنســا، أن رياض البارودي )10 أعوام( يواجه معضلة كلما جلس لتناول الغداء في كافيتريا مدرســته. فهو لا يســتطيع تناول لحم الخنزير حسب الشريعة الإسلامية، لكن السلطات المحلية وحّــدت وجبات الطعــام في كل المــدارس الحكومية بالبلدة الواقعة على تلة في الجنوب الفرنسي، واللحم المتوفر عادة ما يكون الخنزير.

ويرى رشيد البارودي والد رياض أن "هذا يعد استفزازاً". وتقول الصحيفــة إن المدارس في كل أنحاء فرنســا أصبحت ســاحة معركة بــن قطاعات من المســلمين ودعــاة اللائكية )العلمانية(. وتقول الكثير من العائلات المسلمة، إن السلطات وسّــعت من تفســيرها للعلمانية وطبقتها على كل شيء مما يجب تناوله من طعام في المدرســة إلى السماح للمرأة المسلمة المحجبــة بمرافقة الأطفــال في الرحــات الميدانيــ­ة، بطرق تستهدف معتقدات المسلمين. «

مقاومة التحولات الثقافية

»

ويقول المدرســون والإداريون والمســؤول­ون الحكوميون إنهم يقاومون التحولات الثقافية التي تجري منذ عقود، حيث تتعرض المدارس لضغوط من أجل استيعاب المعتقدات الدينية للمســلمين الفرنســيي­ن، صغيرة كانت أم كبيــرة. ويقولون إن الضغط يضعــف جمهورية قامت على مبــدأ اللائكية وكذا المساواة والحرية والأخوة. وبحسب المدرسين يستند الطلاب على معتقداتهم الدينية برفضهم حضور حصص البيولوجيا، التاريخ أو دروس الموسيقى. ويمنع الآباء البنات من المشاركة في حصص السباحة أو الذهاب في الرحلات الميدانية.

وفي استطلاع أخير أجرته المؤسسة التي تتخذ من باريس مقــراً لها "إفيوب" وجد أن نســبة 53% من المدرســن وبعض الطــاب في المــدارس المتوســطة والثانوية يســتندون إلى معتقداتهــ­م الدينية فــي رفض الدروس أو المشــاركة. مقارنة مع نســبة 46% من المدرسين في اســتطلاع عام 2018. ووصل التوتر ذروته بقتل مدرس التاريخ صامويل باتي على يد لاجئ من الشيشــان عمره 18 عاماً احتجاجاً على استخدام المدرس صورة مشينة للرسول محمد نشــرتها مجلة "شارلي إيبدو". وبعد مقتله رفض مئات الطلاب الوقوف دقيقة صمت في ذكرى المدرس، حسبما قالت وزارة التعليم الفرنسية.

ونقلت الصحيفة عن المدرّســة فاتحــة عجاج بوجلاط )41 عاماً(: "المدارس العامة تتعرض لهجوم". وقالت المدرســة في مدرســة ثانوية بتولوز، ونشــأت في عائلة مسلمة جاءت من الجزائر، إن جيلها لم يكن متشدداً مثل الجيل الجديد. وأعلنت وزارة التعليم في حزيــران/ يونيو عن برنامــج مدته أربعة أعوام ويهدف لتدريب المدرّســن في مبــادئ اللائكية، وذلك بعدما رصدت الوزارة حــوادث أثناء الحصص التي توفر عبر الإنترنت بسبب كوفيد-19 هتافات دينية وفيديوهات قتل.

واقترحــت حكومــة إيمانويل ماكــرون قانونــاً يجرّم أي شخص يحاول الضغط على المدرّســن وعمال الخدمة المدنية باســم الدين. وفي خطاب ألقاه ماكرون في الخريف الماضي، قال: "ســتقاوم الجمهوريــ­ة عبر المدارس من يريــدون قتالها أو تقســيمها"، ويفرض القانــون أيضاً قيوداً على المســاجد والمنظمات الإسلامية. «

آباء يتهمون المدارس

ولا يــزال القانون أمام مجلس الشــيوخ الفرنســي، حيث أضيف إليه بند يحظر على مرافقي الرحلات المدرســية ارتداء الرموز الدينيــة الواضحة. وتقول منظمات حقوق الإنســان إن تلاميذ المدرســة والآباء الذين يرفضون الانصياع لقواعد المدارس يمثلون أقلية صغيرة من المســلمين في فرنسا. ولكن بعض الآباء يتهمون المدارس بخلط ســلوك التلاميذ، ســواء كان ســوء تصرف في الملعب أو تمرداً، بالتطرف الديني. وفي نيس، إلى جانب الريفيرا الفرنســية، قالت حياة عاشوري إن مدير مدرســة ابنها اســتدعاها قبل فترة، بعدما سمع موظف ابنها وهــو يتحدث مع زملائه في الكافيتريا بأنه "إســامي". ولا يعرف السبب الذي دفع المدرسة للاحتجاج على استخدام الكلمة، ولم تــرد على طلــب التعليق من الصحيفــة. وقالت عاشــوري إن المدير حذّرها وطلب منها أن تراقب ما تقوله أمام ابنها. وقالت عاشــوري إنها اكتشــفت لاحقاً سياق استخدام ابنها للكلمــة حيث كان يتحدث مع زملائه حــول الهدايا التي يأملون بالحصول عليها في الكريسماس. وأخبرهم أن عائلته تحتفل به رغم أنها مسلمة. وقال ابنها: "ماما هل تلفظت بكلمة سيئة؟".

قتال حول طعام المدارس

»

وتقول الصحيفة إن القتال حــول طعام المدارس يحيط به سوء الفهم والتوتر. ففي خطابه الذي ألقاه في الخريف، انتقد ماكرون المســؤولي­ن المحليين الذين "يتعرضــون للضغط من الجماعات والمجتمعات وتفكيرهم بتقديم وجبات معدة حسب التعاليــم الدينية فــي كافيتريا المــدارس". ولا تقدم المدارس الحكومية الطعام الحلال أو الكوشــر أو حســب مطالب دينية أخرى. والاســتثن­اء الوحيــد هي منطقة الألزاس- موســيل التي كانت وقت فــرض العلمانية في عــام 1905 تحت الحكم البروســي. ورفض مكتب ماكــرون الحديث عن المســؤولي­ن المحليين الذين أشار إليهم الرئيس في خطابه.

وغيرت موجات الهجرة من المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا الطبيعة الســكانية للبلدات الفرنســية وكذا أعرافها. وبدأت بعض المدارس مثل مدرســة رياض باردوي بتقديم ما عرف بالوجبــات البديلة، التي يقدم فيها لحم البقر أو الدجاج عندما تكــون الوجبة المقدمــة من لحم الخنزير، مما يســمح للتلاميذ المســلمين واليهــود بتناول الطعام. وفي الســنوات الأخيرة رد الناخبــون المعارضون للهجرة بانتخاب محافظين أو من أحزاب اليمين المتطرف في السلطات المحلية. وأمر هؤلاء المدارس بوقف الوجبات البديلة باسم اللائكية. وحكمت أعلى محكمة إدارية في فرنســا في كانون الأول/ ديســمبر أن مبدأ اللائكية لا يمنع المدارس من تقديم وجبات لا تحتوي على لحم الخنزير اســتجابة للمعتقدات الدينية، لكنها ليســت مجبرة على عمل هذا. وجاء الحكم بناء على شكوى تقدمت بها جمعية إســامية في شالون سور ســون، وهي بلدة في شرق فرنسا توقفت فيها المدارس عن تقديم الوجبات البديلة في عام 1905.

الطعام في بيت جدتي أفضل

»

وقال مدير مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا فرانسيس كاليفات إن وقف الوجبات البديلة يخلق مشــاكل لا داعي لها و"يتم اســتبعاد عدد من الأطفال من الحياة المدرسية"، مضيفاً أن قلة من التلاميذ اليهود ســيعانون من المشــكلة لأن معظم أبناء العائلات اليهودية المتدينة يذهبون لمدارس دينية خاصة والتي لا تخضع مثل معظــم المدارس الدينية لقوانين اللائكية. ولم تخض الكنيســة الكاثوليكي­ة في النقاش حول الوجبات البديلة، ودعمت مبادئ اللائكية في المدارس الحكومية وعملت مع الحكومة للدفاع عن قيم الجمهورية. وتطلب معظم المدارس الكاثوليكي­ة من العائلات التوقيع على ميثاق الجمهورية.

وتم انتخاب عمدة بيزيز روبرت مينار في 2014 بدعم من زعيمة اليمين المتطرف ماريــن لوبان، وقام بإلغاء الوجبات البديلة هذا العام. وبناء على النظام الجديد، يمكن للتلاميذ الاختيار بين وجبات الخنزير أو تنــاول الوجبات النباتية. وقال في مقابلة "هؤلاء الأطفال ليســت لديهم حساسية من الخنزير لأســباب طبية"، في إشــارة للتلاميذ المســلمين "لا يريدون تناول الخنزير؟ فليتناولوا إذن الوجبات النباتية". ورحبت ســميرة إقبالي بالتغير، وبعد أن قرر عمدة المدينة تغيير النظام ســجلت أبناءها للوجبــات النباتية. وكانت دائما تذكــر أبناءها بعدم تنــاول الطعام غيــر الحلال من الكافيتريا، مضيفة أن النظام الجديد سهّل المهمة عليها "هذه الطريقة أســهل". وبالنســبة لرياض، فإن الأطفال المسلمين في المدرســة توقفوا عن الذهاب إلــى الكافتيريا، "كنت أحب الذهــاب للكافيتريا لكي أكون مع أصدقائــي، أما الآن فأحب تناول الطعام في بيت جدتي".

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom