فلسطين: ارتفاع معدل جرائم القتل بنسبة 69٪ في النصف الأول من 2021 وبوادر لجريمة منظمة
مخاوف من ترحيل جرائم القتل للضفة وضواحي القدس من مناطق 48
كشف تقرير صادر عن الشرطة الفلسطينية، أمس، أن معدل جريمة القتل ارتفع في فلســطين بنســبة 69 ٪، فيما ارتفعــت الجريمة ومظاهر العنف بنســبة 40 ٪ منذ بداية عام 2021 حتى يونيو/ حزيران مقارنة مع الفترة نفسها من عام .2020
الناطق باسم الشــرطة العقيد لؤي ارزيقات، حذر في تصريحات لـ«القــدس العربي» من أن تنتقل ظاهــرة القتل في مناطق 1948 إلى الضفة الغربية وضواحي مدينــة القدس. واعتبر أن ما يجري في الضفة الغربيــة ومناطق القدس يعد بمثابة ترحيل لملــف الجريمة الى الضفة، معتبرا ذلك «بالمؤشر الخطير للغاية.»
وكان تقرير الشرطة الفلسطينية قد كشف انه منــذ مطلع العام الحالي قتــل 22 مواطنا، في 18 جريمــة، مقارنة مع 13 قتلوا عام 2020 في الفترة نفسها.
وأشــار ارزيقات إلى أن غالبيــة جرائم القتل تركزت فــي ضواحي القــدس وأودت بحياة 10 أشــخاص، تلتها مدينــة الخليل 3 أشــخاص، وطولكرم 3 أشخاص، وقلقيلية شخصان، ورام الله شخصان، ونابلس شخص، وجنين شخص.
وأشــار الى ارتفاع نسبة المشاجرات والعنف الأســري بواقــع 11.5٪، حيث سُــجلت 2760 مشاجرة وحادثة عنف أســري واعتداءات منذ مطلــع العام، في حين ســجلت 2476 مشــاجرة واعتداء في الفترة نفسها من عام 2020.
وكشــف ارزيقات أن آخر جريمة قتل ) نفذت قبل أيام( قدمت لنا مؤشــرات على بوادر ظهور جريمة منظمة في فلســطين «وهو ما خلق لدينا مجموعة كبيــرة من المخاوف فــي ضوء طبيعة الجريمة والاحترافية العالية التي نفذت بها.»
وكانت الشــرطة الفلســطينية قد أعلنت قبل أيام عن العثور على جثة الشــاب محمد ســمير فــؤاد زادة )32 عاما( من العيزريــة مقتولا بعد تعرضــه لنحو 20 طعنة وجــرى إحراق مركبته في المكان.
وتقــع العيزرية على بعد كيلومترين، شــرق القــدس، ويحدها من الجنوب بلــدة أبو ديس، ومن الغــرب رأس العامود والمســجد الأقصى، ومن الشرق مستوطنة «معاليه أدوميم» والنبي موسى ومن الشمال الزعيم والعيسوية وعناتا، وجلها مناطق تشــهد ارتفاعا ملحوظا في نسبة الجريمة في ظل عدم محاولة ســلطات الاحتلال منعها، ومنع أي دور للشــرطة الفلســطينية في هذه المناطق.
وتابــع «هــذه الجريمة تجعلنــا نتخوف من وجود جريمة منظمة، وهو أمر لم تعتده فلسطين خلال الســنوات الماضية، فأغلب الجرائم كانت بسيطة وأسبابها محددة ومتوقعة.»
ويؤكد ارزيقــات أن نصف حالات القتل كانت في مناطق لا توجد فيها أجهزة أمنية فلسطينية، وتحديدا في مناطق ضواحــي القدس حيث بلغ عدد حالات القتــل في هذه المناطق نصف حالات القتل في الضفة الغربية.
وتابع قائلا: «غالبا ما نُمنــع من أداء مهماتنا الأمنيــة وتحديدا مــن المناطــق الحدودية التي تعتبــر من أكثر مــن المناطق ارتكابــا للجريمة،
فأغلــب المجرمين يجدون في مناطــق «ج» مكانا وملجــأ للهرب بفعل سياســات الاحتــال التي تتلخص بغض نظرها عــن المجرمين في حالات، وتوفير مكان أمن لأنشــطتهم حيث تســمح لهم بممارسة تجارة السلاح والمخدرات والسرقة».
وكانــت الأرقام والإحصاءات قــد دللت على أن الفتــرة ما بين 2015 ـ 2020 شــهدت تراجعا ملحوظا في معــدل الجريمة في عمــوم المناطق الفلســطينية، حيث اعتبرت المؤسســة الأمنية برأي ارزيقــات، ذلك نتيجة جيــدة ودليلا على سيادة القانون وتكريس ثقافة حقوق الإنسان.
وختم ارزيقات حديثة بالتأكيد على المخاوف
من ارتفاع نسبة جرائم القتل في الضفة الغربية والقدس، مؤكدا على أنها مؤشــر على نقل حالة الاقتتال وتنامي حــالات العنف المميت تماما كما هي الحالة في مناطق فلسطين 48.
وتشير الأرقام إلى أن عدد القتلى في فلسطين المحتلة عام 1948 بلغ )حتى اللحظة( 49 ضحية، وهو عدد مقــارب لما ســقط مــن ضحايا خلال النصف الأول للعام المنصــرم الذي انتهى بمقتل 100 شــخص في جرائــم في مختلــف البلدات العربيــة، وهو أمر يعود حســب جهات حقوقية فلسطينية لأســباب لها علاقة بسلوك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وكانــت القنــاة الإســرائيلية العبريــة 12 )رسمية( قد نشــرت عن مصدر رفيع في شرطة الاحتلال إن معظم منفذي عمليــات الإجرام في المدن الفلســطينية بأراضي الـ48 هم متعاونون مع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي )الشاباك(.
وكشف مراسل شــؤون الشرطة الإسرائيلية موشــي نوســباوم أن «المجرمين الذين يقودون اليــوم عمليات الإجــرام الخطيرة فــي المجتمع الفلســطيني هم في معظمهم متعاونون مع جهاز الشــاباك، فيما تعتبر يد الشــرطة الإسرائيلية مكبلة، لأنه لا يمكن التعامل مع هؤلاء المتعاونين الذين يتمتعون بحصانة».
ولا تستبعد الأخصائية الاجتماعية والنفسية عفاف ربيع، بل تؤكد أن هناك دورا للاســتعمار الــذي تعيش فلســطين بســببه منذ عشــرات السنين، في حالة من العنف الداخلي.
وتشير إلى أنه «كلما كانت هناك حالة وطنية نضاليــة عامــة يعيشــها المجتمع الفلســطيني تتصاعد بعدها مباشــرة أعمــال عنف وقتل في المجتمع الفلســطيني، وهذا يمنحنا مؤشرا على أن الاســتعمار وقواه الأمنية تحاول أن تتحكم وتســيطر علــى المجتمــع الفلســطيني وتغيير بوصلته.
فمن المســلم به، برأي الأخصائيــة ربيع، أن القضايا العامة )الاشــتباك مع العدو( تعمل على تراجع القضايا الخاصة والمشــاكل الشــخصية والعائليــة، لكن هذا للأســف لا يــدوم، فهناك من يعمل بطــرق خفية على تنميــة الصراعات الداخليــة وتعزيزهــا، وبالتالــي لا يمكن فصل حالات العنف المتنامية عن الموضوع السياســي، وتحديدا في المناطق المســتهدفة إســرائيليا، لا
سيما في القدس ومناطقها وضواحيها.
وتتابع ربيع: «مناطق القدس التي ترتفع فيها نسبة الجريمة تســتهدف من خلال الملف الأمني كي لا تكون جزءا من حالــة المواجهة مع المحتل، في ظل سياسات الاحتلال التهويدية في المدينة، ويعتبر الاتجار بالمخدرات أبرز مجالات انتشــار الجريمة التي تعد مجالا عاليا للانحراف وبمثابة جريمــة مركبة، فهي تجــر الأســلحة والعربدة والقتل والسرقة..الخ.
وتؤكد الأخصائيــة أن الجريمة تنتشــر في ظل كثافة ســكانية عاليــة وغيــاب كامل لدور الشــرطة الفلســطينية، وتراجع لدور العائلات والعشــائر، وهو الأمر الذي يتطلب تفكيرا جديا ببحث طرق تطويق بــؤر الجريمة، والمطلوب أن تبادر الســلطة الفلســطينية بالعمل على تقوية العشائر والعائلات وتفعيل دورها وتحديدا في المناطق التي لا يمكن لأجهزة الأمن الفلســطينية أن تمارس عملها فيها.
وتضيف ربيع: «كل ذلــك يترافق مع حالة من انعدام حالــة الأمل، وتراجع القيــم، والبطالة، وإصابة النــاس بحالة من الاغتراب..الخ، وكلها أمور تعزز من تفكك وتفسخ المجتمع الفلسطيني وظهــور مظاهر وتعبيرات جديدة بين الشــباب الفلســطيني، وهو مــا يعمل علــى جعل العنف والقتل خيارا يمكن الإقــدام عليه، رغم أن أغلب قضايا القتل كانت على أســباب بسيطة «طوشة وترباية» (مشــكلة بهدف تربية الطرف الأخر( كما يقال.
وتختم ربيــع: «نحن مجتمع على «قدر يغلي» فيما مظاهــر غليانه اليومية توقع بنا خســائر كبيرة».